Home»Débats»نيران أمنية صديقة

نيران أمنية صديقة

0
Shares
PinterestGoogle+

رمضان مصباح الإدريسي
شهداء الأمن في البلدة الآمنة:
لا خبرة لي في الأمن الا طالبا له ,ككل المواطنين ؛ورغم هذا بدا لي أن الحادث المؤلم الذي أودى بحياة ثلاثة من رجاله،داخل مفوضية الشرطة بمشرع بلقصيري ،وعلى يد زميل لهم في المهنة ؛مستعملا سلاحه  الناري الرسمي ؛يستدعي وقفة تأمل ستكون مفيدة وان كانت قاصرة.
تعودنا في المغرب ،لأسباب ذاتية وموضوعية،ألا نكتب عن رجال الأمن ،واذا كتبنا غالبا ما نكون منتقدين ،عن صواب أو عن خطأ. ننتقد لنطالب بأمن أكثر ،وان عزت وسائله؛أو لنشجب تعسفا ناتجا عن سوء تقدير لرسالة الأمني؛يقع في قطاع الأمن كما يقع في قطاعات أخرى.
لكن لم نكتب أبدا مسائلين الظروف التي تشتغل فيها هذه الفئة من الموظفين العموميين حملة السلاح ؛لأن واجب التحفظ يجعلها لا تكشف علانية عن مطالبها ،كما يحدث بالنسبة للفئات الأخرى من الموظفين.
كما أن عدم الترخيص لها بتمثيلية نقابية تجعلها منفعلة دائما ،وغير فاعلة في تطوير وضعيتها المهنية.
يضاف الى هذا كونها غير ناخبة،ولا منتخبة، لتحظى بقنوات سياسية تعبر من خلالها عن متطلباتها.
انها – اعتبارا لطبيعة مهامها- مؤسسة منغلقة ،بجميع المقاييس ؛و لا يمكن أن تزال بؤر التوتر – وهي مهنية غالبا – الا اذا روجع هذا الانغلاق ،في الاتجاه الذي يضمن لهذه الهيئة سبل التعبير عن مطالبها ،والمساهمة في ترقية وضعيتها .
لا يعني هذا أن الحوادث المسجلة ترتد كلها الى صعوبات مهنية ؛لأن رجل الأمن مواطن، كغيره من المواطنين ، قد تنحرف صحته النفسية,أو العقلية ,لأسباب عدة؛فيقدم على تصرفات خارجة عن المألوف.
لا نستغرب كثيرا الانتحار » المدني » ،لكثرة وقوعه ،في جميع المجتمعات- نتيجة لضعف الوازع الديني، واستسلام الإرادة للحظات ضعف تعتري جميع الناس-  لكننا نستغربه حين يقع من شرطي ،وبسلاحه المهني.
أما حينما يصل الأمر الى النيران  الأمنية الصديقة ؛وداخل المرفق الأمني العمومي، فهذا يثير رعب الجميع:
رعب الأمنيين أنفسهم ،وهم لا يأمنون أسلحة زملائهم ؛خصوصا وهم الأدرى بالظروف التي يشتغل فيها الجميع.
رعب المواطنين ،وهم يُدفعون- بمثل هذه الممارسات- صوب عدم الثقة التامة   في انضباط أسلحة تمشي بينهم في الأسواق.
متغيرات فاعلة:
*كنتيجة للأعداد الهائلة من الخريجين ،حملة الشواهد العليا ,أصبحت مؤسسة الأمن –كغيرها من المؤسسات- تستقطب
العديد من هؤلاء ؛تكونهم تكوينا سريعا ,وتوظفهم ،غالبا،في رتب أقل من مستواهم.حالة رجال أمن المرور المجازون في القانون ،مثلا،أضحت شائعة.
عاينت حالة خريج ,دكتور دولة في الفيزياء النووية ؛استهوته مهمة الشرطة العلمية فتقدم الى المبارة .بعد النجاح والوقوف أمام لجنة المقابلة سأل عن الإطار الذي سيخول له ؛وكانت صدمته كبيرة حينما أخبر بأنه سيبدأ مفتشا للشرطة ،ربما في السلم الثامن.   طبعا كان هذا كافيا ليقرر الانسحاب.
تصوروا نفسية حامل لمثل هذه الشهادة،أرغمته الظروف على قبول رتبة أقل من مؤهلاته.
*يعيش رجال أمننا- خصوصا الشباب منهم-كسائر المواطنين ،عصر الثورة الرقمية ،ودفق المعارف المتجدد على مدار الساعة ؛ولهذا تأثير على تكوينهم .لقد ولى زمن رجل الأمن التقليدي الذي لا هم يشغله خارج دوريته وأسرته ؛وحل محله أمني شاب بحاسوبه الشخصي وصفحته الفايسبوكية وأصدقائه ،من مشارق الأرض ومغاربها.وها نحن نقرأ
تعليقات لرجال الأمن على حادث بلقصيري وغيره؛تكشف وعيا عميقا وصادقا ..

* ان مساحة الحريات التي أصبح المواطنون يتمتعون بها ,وهي مطردة الاتساع ,لايمكن أن تستثني رجال الأمن ليظلوا
خاضعين لمساطر مهنية سلطوية لا تتطور.
*إن انتشار ثقافة حقوق الإنسان,وتصحيح العلاقة بين المواطنين ورجال الأمن ،أزال هامش الرهبة ،الذي كان الكثيرون يجدون فيه راحتهم.لا ترهيب ولا تعذيب ؛ولا قيمة الا للذكاء المهني والالتزام بالقانون.
*ان  المفهوم الجديد للسلطة،كما نادى به جلالة الملك،مفهوم شامل؛ يستدخل حتى السلطة المتحكمة في رجال
السلطة الأمنية.
لا مفهوم جديدا لهذه السلطة الا بتحليل وضعيتها الحالية ،في اتجاه تنقيتها من جميع الممارسات المتوترة،وتحويلها الى علاقات مرنة سلسة ،تستعمل قاموسا مهنيا يحفظ للجميع حقوقهم وكرامتهم.
*قد يضحي رجل الأمن –وأي موظف- بعطلته ،وربما حتى بتعويضاته، لكنه لا يقبل أن يضحي بكرامته وهو يستمع الى اهانة  لفظية من رئيسه ؛خارج كل القاموس المهني.
لا يتحقق الأمن الا برجال أمن آمنين:
ان المسألة بالغة الحيوية لا شتغالها المركب: أمن رجال الأمن ،وأمن المواطنين.
ومن هنا لا أبالغ إذا قلت بأنها يجب أن تحتل مكانتها ضمن أولويات المجلس الأعلى للأمن ،المزمع تشكيله تطبيقا لما ينص عليه الدستور.  ان رجل الأمن يجب أن تعطاه المكانة التي تجعله جزءا من الحل الأمني العام، وليس الإزراء به  -ماديا ومعنويا- ليصبح جزءا من المشكلة.
في ضوء المتغيرات المذكورة ،وغيرها, يمكن وضع تصورات جديدة ،وإبداع حلول تجعل مؤسسة الأمن تشتغل في ظروف مريحة ؛ضمن شركاء من المجتمع المدني، ينخرطون في انتاج أمن المدينة/الأحياء ،الذي يزداد تعقيدا يوما بعد
يوم ،كنتيجة للنمو الديموغرافي ،وتطور الجريمة، وتوفر أشكال متطورة من التواصل..
أحيانا يجد المنحرفون من يدافع عنهم في الأحياء ،مهاجما رجال الأمن ؛ومن يدافع عنهم قانونيا في المحاكم ،الى درجة التمتيع بالبراءة ؛دون أن تتوفر هذه الميزات لرجال الأمن.ولعل انغلاق المؤسسة الأمنية ،والنظرة التقليدية اليها مما يوفر للخارجين عن القانون كل سبل الإفلات.
من شأن شبكات أمنية مدنية وتطوعية,أن توجد نوعا جديدا من الأمن؛وهو الأمن ألاستباقي .إن الكثير من وداديات الأحياء استطاعت أن تحقق مستوى مهما من  هذا الأمن بكيفية ذاتية ؛دون تنسيق مع مؤسسة الأمن الرسمية.
لو كان هناك تنسيق ,وتأطير لتمكنا فعلا من القضاء على كثير من الانفلاتات.
ان رجل الأمن ,المؤهل لوظيفته ،وفق متطلبات العصر؛والمتمتع بكل حقوقه ،والمكرم من طرف ادارته ومجتمعه
هو قطب الرحى في تحقيق الأمن العام ،وهو ركن أساسي في التنمية.
رحم الله شهداء الواجب ؛وكل الرجاء ألا يتكرر ما حصل.
Ramdane3.ahlablog.com

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *