Home»Débats»الخطاب الديداكتيكي الثاني للملك: با يعوا التلميذ بدل الأستاذ

الخطاب الديداكتيكي الثاني للملك: با يعوا التلميذ بدل الأستاذ

0
Shares
PinterestGoogle+

الخطاب الديداكتيكي الثاني للملك: با يعوا التلميذ بدل الأستاذ
رمضان مصباح الادريسي

فلسفة القرب تدرك الخطب الملكية:
في مقال سابق اعتبرت خطاب العرش ,في الذكرى الثالثة عشرة, خطابا ديداكتيكيا عاما ,موجها للحكومة؛يحثها ,بالخصوص ,على الاسراع في الأداء ؛وهي تقبل على أوراش تنزيل الدستور .
في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب؛يتواصل هذا الاشتغال الديداكتيكي لجلالة الملك ؛منتقلا من المستوى الأفقي العام المذكور, الى المستوى العمودي :مستوى العملية التعليمية التعلمية؛في فضائها المدرسي.
هكذا يعود مصطلح »ديداكتيك » الى حقله الأصلي .
أرى في هذا الخطاب ,بمستوييه الأفقي والعمودي,تجذيرا لفلسفة القرب التي ينهجها جلالة الملك في التعاطي مع الشأن العام ؛وتتأسس هذه الفلسفة على مشروعية مستمدة من الميدان؛من الأوراش الكبرى التي يتعهدها الملك شخصيا- وسط المواطنين- في كل جهات المملكة.
ومن الطبيعي ,والحالة هذه, أن تستدخل الخطب الملكية -اضافة الى القضايا الاستراتيجية الكبرى – مقاربة تفاصيل الشأن العام؛حسب القطاعات.
وكأني بجلالة الملك – وهو يقارب ويسدد – يحتاط  ,للحكومة , ولصاحب القطاع, حتى لا تتعدد أمامه سبل الاصلاح ؛وينفق وقتا ثمينا في الاختيار ؛وحينما يختار ,لا يكون متأكدا من صواب ما اختاره ,حتى تصدمه النتائج؛كما حصل في العديد من الاصلاحات السابقة.
ان التعلم بالصدمات ,رغم أهميته,باهض التكلفة؛وقتا ومالا.
لا يجب أن نتسرع ونرى في هذا التوجه الملكي انتقادا ضمنيا للتدبير الحكومي ؛أو مشيا على أقدام وزراء ؛يجدون أنفسهم في خلفية الصورة.
ولا يجب أن نرى فيه قتلا للابداع التدبيري والمبادرات القطاعية؛أو حتى نوعا من تداخل الاختصاصات ؛في ظل دستور
استحضر أن يفصل بينها بحكمة.
ان زمن الأخطاء الاستراتيجية ولى ؛بل حتى الخطأ التدبيري البسيط –كترف- لم يعد مسموحا به ؛في زمن يشهد فورة معرفية ومعلوماتية ؛زمن رسخت فيه الدراسات التوقعية المستقبلية ,وحل التقارب بين النظم والقيم محل التباعد؛وغدت الأزمات الاقليمية عابرة للقارات بسرعة كبيرة.
وكأني بكل اصلاح قطاعي وطني غدا اصلاحا,ملزما, اقليميا ودوليا .اما أن تصلح داخلك- بكل تفاصيله -أو تترك الخارج الدولي يفعل ذلك. ( استحضروا مثالي اليونان واسبانيا).
في ظل هذه الأوضاع لا بد من جهود استثنائية يبذلها جميع الفرقاء ؛وعلى رأسهم طبعا المؤسسة الملكية ؛دون طرح أسئلة الاختصاصات.
ماذا تعني بيعة التلميذ؟
في الأدبيات الديداكتيكة يتم الحديث عن « العقد الديداكتيكي » الذي ينشأ حينما يلج التلميذ الى المدرسة؛فيصير طرفا فيه الى جانب أطراف العقد الأخرى المشكلة للمنظومة التربوية.
ان اعتبار التلميذ طرفا في هذا العقد توجه ديداكتيكي جديد في بلادنا؛ظهر في مستهل التسعينيات من القرن الميلادي الماضي؛مع ظهور نموذج التدريس الهادف ,واعتماده في بناء المناهج والبرامج التعليمية ؛وصولا الى الأداء الديداكتيكي داخل الفصل.
لكن لا يكفي أن نقتنع بنموذج مستورد ,ونتمثله بكل مصطلحاته ,وننظر له لنضمن له النجاح.
لا بد من عمل في العمق ,في المفاصل الكبرى ؛أو على مستوى الخريطة الجينية للمنظومة التربوية ؛حتى يتجذر النموذج ولا يتم النكوص عنه. أما ان هجرناه الى غيره ؛قبل معرفة حتى أسباب فشله فستحل الكارثة الكبرى, التي لا تحلها المخططات الاستعجالية ولا التريثية ؛لأن الاعاقة تصير مزمنة.
واكبت ميلاد هذا العقد الديداكتيكي ؛وساهمت في التنظير له ؛وصولا الى بناء المناهج والبرامج والتأليف.
أستطيع اليوم أن اقول : ان ما تحقق كان مهما ؛وما لم يتحقق لا يقل اهمية عنه.
لم يتحقق التمثل الأمثل للعقد الديداكتيكي ؛الذي يلتزم ,ضمنيا,أن يُكسب التلميذ ,في مرحلة تعليمية محددة,مجموعة من المعارف والمهارات المحددة سلفا كأهداف  اجرائية,تخدم  أهدافا خاصة ؛وصولا الى غايات الدولة من النظام التربوي.
غادرت التأطير التبوي؛ولا هم لأغلب الأساتذة –لأسباب موضوعية- عدا الظهور بمظهر المقتنع بالتجديد ,المطبق لمقتضياته الديداكتيكية,على الورق؛أما العملية التعليمية التعلمية فقد كانت تسير وفق منطقها التقليدي ,الذي جذرته عشرات السنين من االممارسة.
لم يحتل التلميذ المكانة المحددة له- نظريا- في العقد الديداكتيكي ؛وظل مستقبلا سلبيا للمعرفة. كما ظل ,في فروض المراقبة المستمرة ,وفي مواضيع الامتحانات مُطالَبا بأن يستظهر هذه المعرفة ؛وكفى الله المؤمنين القتال.
ومن هنا تنامي ظاهرة الغش ,والتفنن فيها ؛لأن التلميذ يتوقع سلفا – وهو مصيب- أن الأستاذ الممتحن لن ينقض العقد الديداكتيكي- الحقيقي وليس الصوري- الجاري به العمل: أنا أملك المعرفة العالمة/أنت تأخذها عني بالطريقة التي أختار /وأنت مطالب لا حقا باستظهارها ؛كما استمعت اليها.
هذا هو العقد الذي لم يتزحزح ليفسح المجال لعقد يحقق الأفقية بين الأستاذ والتلميذ والمعرفة.عقد يختزل تفاصيل ديداكتيكية تجعل التلميذ يساهم في انتاج المعرفة ,بتوجيه من الأستاذ وشركائه الديداكتيكيين.
اليوم ينتبه جلالة الملك الى أن هذه الوضعية غير سليمة – معرفيا وديداكتيكيا- فيطالب باعادة مراجعة وضعية التلميذ في العقد الديداكتيكي ؛بحيث يصبح طرفا في انتاج المعرفة الوظيفية التي تخدم التنمية ؛لأن المعرفة غير مطلوبة لذاتها .ان الموسوعية مهمة لكن ظروفنا التنموية حولتها الى ترف لا نستطيعه .
يستطيعه التلميذ في مستقبل أيامه؛حينما نمكنه من الرغبة في التثقيف وآلياته.
هل يمكن تفعيل العقد الديداكتيكي السليم دون تغيير المناهج والبرامج؟
يحدد الخطاب الملكي ,بدقة ,مسار الاصلاح ؛بجعله يشتغل على العمل الديداكتكي داخل الفصل ؛دون مساس بالمناهج والبرامج.
لعل الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد يقتضي تَوخي أيسر السبل الاصلاحية , وأقلها كلفة؛هذا من جهة , ومن جهة أخرى ؛وأقولها من منطق الدراية- عن قرب- بالبرامج والمناهج الى حدود سنة2005:
لم يظهر على البرامج والكتب المدرسية المعتمدة أي قصور ؛في تنزيل المعرفة العالمة
الى مستوى المعرفة المدرسية.
نعم هناك اختلالات تسجل في ما يخص حاجيات سوق الشغل الى معارف وتكوينات لا تتأتى مع البرامج الحالية.
لكن هذا الورش كبير ؛وكنت ,شخصيا, أتوقع أن مرحلة ما بعد الميثاق الوطني للتربية والتكوين – وقد راعى أولويات معينة في المنظومة التربوية- ستكون مرحلة الميثاق الوطني للبرامج التربوية التنموية. لكن سفينة الميثاق قُرصنت ؛ونفس القراصنة سطو ا على المخطط الاستعجالي, وبيداغوجيا الادماج ؛وكل أملي أن تفوت عليهم هذه المرة الفرصة ؛ويكلف بالاصلاح الحملة الحقيقيون للهم التربوي المغربي.
أقولها جهارا؛كما قلتها في حينها: لم يفشل الميثاق بل اريد له أن يفشل.
من الأخطاء القاتلة التي وقعت فيها لجنة المرحوم مزيان بلفقيه ؛وهي تبني ميثاقا تربويا مغربيا محكما ,وغير مسبوق,أنها لم تنتبه الى وضعية الادارة التربوية المكلفة بتنزيله.لقد كانت ادارة ينخرها الفساد ؛ادارة واقعة بين جبروت المركز-ماليا- وطموح الجهة الفتي.ادارة انتهت الى أن تصبح ريعا يعطى لمن يخدم المركز باخلاص ويتنكر لمجهودات الأطقم التربوية في الجهات.
ادارة لم تجد غضاضة في فرض مدير أكاديمية على جهة لسنوات ؛وهي له كارهة كراهية مبررة.
لم يكن بين هذا المدير والعمل التربوي أية علاقة؛ولا زلت أذكر برناديت رونو,رئيسة لجنة فرنسية جمعتني بها ظروف العمل في الجهة؛ وهي تسألني بعد لقاء جمعنا بهذا المدير: ما ذا كان يفعل في السابق؟
خمنت القصد فأجبت كان نائبا اقليميا بمكتب كبير.
لم يزد الرجل /المدير الأكاديمي عن حديث يتأفف فيه من مكتبه الضيق , وحنينه الى مكتب كان له في النيابة ؛الى غير هذا من التفاهات .  ولم يرتح هذا المدير حتى بذر مبالغ طائلة في بناء مركب اداري فخم داخل الأكاديمية.
اشتغلنا مع اللجنة ثلاثة ايام في أكاديميته , وبحضور لجن تكوينية اقليمية؛وفي زيارة الوداع لم يجد ما يحدث فيه اللجنة الأجنبية المتخصصة في التكوين الاداري غير شوقه الى مكتب فخم.
هذا رغم أني مكنته من تقرير مفصل عن محاور اشتغال اللجنة القادمة من فرنسا. أقسم أنه لم يقرأه.
هذا مجرد مثال لواحد من كبار المسؤولين الذين كلفوا بتنزيل الميثاق.
رجاء يا وزير التربية الوطنية اعط القوس باريها.
ها هو صاحب الجلالة يدخل الى الفصل كمفتش تربوي ؛ماذا تريدون أكثر من هذا لتدخلوا جميع الأقسام ,وتجعلوا من كل تلميذ أستاذا في الفصل لا يتلقى المعرفة فقط؛صامتا وكأن على رأسه الطير.
اذا توفرت الادارة التربوية ,المؤمنة بالاصلاح ,الممتلكة لآلياته ,المستحضرة لكون مسؤوليتها مرتبطة بالمحاسبة ؛فسيحقق هذا الورش الديداكتيكي الملكي المرجو منه.
لماذا لا نجرب التنزيل الجهوي؟
كل المخططات الاصلاحية السابقة صدرها المركز الى الجهات ,بثوب واحد ومساحيق واحدة.وكان رد الفعل المباشر أن فتيان الجهة أكثر حبا لفتيات الحومة ,وليس الرباطيات المتأنقات والسلطويات.
ومادام الأمر ديداكتيكيا مباشرا فلنجرب أن نبحث في الجهات عن كفاءات مخلصة ,تحقق التكامل بين الهيئات التربوية كلها,يتم تكليفها ببلورة تصورات للتنزيل الأمثل لخطاب جلالة الملك .
لا يتدخل المركز الا استراتيجيا للتقريب بين المشاريع المقدمة ؛بحيث تخدم نفس التوجهات.
كفى من شل أطر الجهة ,وتربيتها على انتظار مياه أبي رقراق.
يجب سد جميع الذرائع حتى تبذل كل جهة أقصى الجهد ؛دون مشجب تعلق عليه فشلها ان حصل.
لقد بينت التجربة أن أحسن أداء, وانتاج تربوي ,هما اللذان يبادر بهما كل من الأستاذ والمفتش ؛وتعمم الفائدة حينما يتم الصقل والانضاج على مستوى المنسقيات والفرق التربوية.
ان البنيات الجهوية لاستقبال الخطاب الملكي قائمة ؛ويمكن اغناؤها أكثر بجعلها منفتحة على الفعاليات الاقتصادية بالجهة؛استعدادا للحظة المياثاق الثاني الذي أتمنى أن يصبح حقيقة ؛و أن يزاوج بين مقتضيات المعرفة العالمة ومتطلبات التنمية.
ان التباعد الملاحظ بين برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية – بكل امكانياتها المالية الضخمة- وبرامجنا التعليمية ثغرة يجب أن تتدارك بمناسبة الدخول في هذا الورش الملكي .ان التنمية البشرية لا تتحقق اذا لم يكن الخطاب التربوي
فاعلا اساسيا فيها.
Ramdane3@gmail.com
Ramdane3.ahlablog.com

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. العربي
    22/08/2012 at 17:04

    لو تمعنتم جيدا في مدلول الشق المتعلق بالتعليم في علاقته بقرب انطلاق الدخول المدرسي لأدركتم أنه نقد لادع لشطحات الوفا الذي كان سياسيا أكثر من اللازم حين حاول دغدغة النقابات و الجماهير المشكلة أساسا من المدرسين بإيهامها بخطإ بيداغوجيا الإدماج و بفشل المخطط الاستعجالي مع أن تقويم هذا المخطط كان مسرحية هزلية أسندت لأناس غير مختصين في التقويم و الافتحاص
    فليت الذي يعنيه الأمر يفهم الرسالة و كفانا من التهريج و اللعب على عواطف الناس و استعمال التعليم سلاحا لتصفية حسابات سياسية و ليت القوم التبع ينتبهون أنهم خدعوا

  2. مواطن
    22/08/2012 at 23:21

    الغريب في الامر ان العديد من المفتشين طبلوا و زمروا و زغردوا و مدحو الامخطط الاستعجالي. و حين اتى الوفا و انتقده التحقوا بجماعته و انتقدوا المخطط هم كذلك.
    و الان ينتقدون الوفا و المخطط لان جلالة الملك وضع الاصبع على الجرح.
    و سنجدهم ان شاء الله في المستقبل ينتقدون المنتقدين و هكذا دواليك.
    كتاباتك الاستاذ رمضان الادريسي كلها مشوقة
    لكن ادخل دائما في صلب الموضوع
    و شكرا لك

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *