Home»Débats»هل نحن شعب سعيد حقا؟!

هل نحن شعب سعيد حقا؟!

0
Shares
PinterestGoogle+
 

اسماعيل الحلوتي


في أحد الأسواق الشعبية المتناثرة في أرجاء المدينة العمالية وعاصمة المغرب الاقتصادية، وقفت مليا وسط صيحات الباعة المتعالية أتطلع إلى تلك الوجوه الكالحة، التي لم تعد قادرة على إخفاء امتعاض أصحابها من غلاء أسعار الخضر وخاصة الطماطم والبصل، فإذا بالذاكرة تعود بي سريعا، ونحن على بعد بضعة أيام من حلول اليوم العالمي للسعادة، إلى ذلك الاستطلاع للرأي الذي يقول في تناقض صارخ مع ما يجري في الواقع المعاش من هم وغم وبؤس وشقاء وغيره، بأن 86 في المائة من المغاربة سعداء.
ذلك أن استطلاعا للرأي أنجز من قبل مجموعة « سونيرجيا » و »ليكونوميست »، كان قد أجري في الفترة الممتدة ما بين 17 ماي 2022 و27 منه، على عينة من المغاربة تضم 1033 شخصا، تم اختيارهم بناء على البنية الديمغرافية التي كشف عنها الإحصاء الأخير للسكان والسكنى، للإجابة على سؤال وجه إليهم كالتالي: هل تعتبرون أنفسكم سعداء؟ وكانت المفاجأة حينها وفي ظل الظرفية الاقتصادية الصعبة والارتفاع الملحوظ في كلفة العيش، أن أسفرت النتيجة عن كون 86 في المائة من هؤلاء المغاربة المستجوبين عبروا عن إحساسهم بالسعادة، في حين أكد 9 في المائة منهم فقط على غير ذلك، فيما امتنع 5 في المائة عن الإبداء برأيهم في الموضوع…
وبصرف النظر عن باقي المعطيات التي حملها ذلك الاستطلاع والتي يفيد بعضها أن سكان المناطق الجنوبية هم الأكثر شعورا بالسعادة، إذ بلغت النسبة 93 في المائة مقابل 84 في المائة بالنسبة للقاطنين في مناطق الشمال والشرق الأوسط، وعما إذا كانت العينة المعتمدة (1033 شخصا) كافية في استخلاص رأي المغاربة البالغ عدد هم حوالي 37 مليون نسمة حتى عام 2020، وإن كان الأمر صحيحا من حيث قواعد إجراء استطلاعات الرأي. وبعيدا أيضا عما خلفه من ردود فعل غاضبة في أوساط الجماهير الشعبية، وأثاره من تعليقات ساخرة على منصات التواصل الاجتماعي، فإننا نتساءل باستغراب كبير إن كان المغاربة سعداء حقا، رغم كل الظروف الصعبة المحيطة بهم؟ وهل هم من الشعوب التي في الشقاوة تنعم؟
فكيف لنا أن نصدق مثلا أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و44 سنة هم أكثر الفئات الاجتماعية شعورا بالسعادة، حيث وصلت النسبة عند هذه الفئة العمرية 90 في المائة مقابل نسبة عامة في حدود 86 في المائة، ونحن نرى أنها الفئة الأكثر تضررا واحتجاجا على تردي الأوضاع وتفاقم معدلات البطالة؟ ومن منا يستسيغ مثل هذا الهراء وعديد تقارير المؤسسات الوطنية والمنظمات الدولية تشير إلى تصاعد موجة الاستياء وارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي، ولاسيما في ظل مسلسل غلاء الأسعار واستشراء الفساد في مختلف إداراتنا العمومية ومؤسساتنا الخاصة، تزايد معدلات الفقر والبطالة وارتفاع الدين الخارجي إلى زهاء 230 مليار درهم، فيما دين الخزينة بلغ قرابة 960 مليار درهم مع نهاية عام 2022، واحتلال المغرب مراتب متدنية في مؤشرات التنمية وغيرها؟
إن المغاربة لا يجدون أنفسهم سعداء مقارنة مع عديد الشعوب، وإلا ما كان المغرب ليتبوأ المرتبة 115 من أصل 145 بلدا جرى قياس الانشراح في نفوس مواطنيه، كما جاء في أحد تقارير بعض المنظمات الدولية، الذي استند في قياس السعادة إلى خمسة معايير تبتدئ بالأهداف المسطرة لدى المواطن وما إذا كان قادرا على تحقيقها، بالإضافة إلى الجانب الاجتماعي في حياته ووضعيته المالية التي تؤشر على الاستقرار وعلاقته بالوسط الذي يعيش فيه وكذا حالته الصحية…
فمن غير المستساغ أن يكون الشعب المغربي سعيدا في وقت مازالت فيه الحكومات المتعاقبة عاجزة عن إصلاح التعليم، حيث أن معظم المواطنات والمواطنين ما انفكوا يعبرون عن خيبة أملهم في القطاع وعن عدم ثقتهم في المدرسة العمومية، التي يرسلون إليها أبناءهم وهم رغم غير راضين عن مستواها وأدائها أو مواردها البشرية وصورتها الراهنة. وعاجزة كذلك عن تحسين الخدمات الصحية، محاربة الفساد، الحد من معدل الفقر الذي يشير آخر تقرير صادر عن البنك الدولي، بأنه ارتفع ب »2,1″ نقطة مائوية خلال سنة 2022 وهو أعلى معدل تسجله المملكة المغربية منذ ثلاثة عقود، وأن المناطق القروية هي الأكثر تضررا من ارتفاع نسبة الفقر مقارنة مع المناطق الحضرية. فضلا عن أن معدل البطالة انتقل حسب مذكرة صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط من 11,9 في المائة إلى 12,3 في المائة على المستوى الوطني في عام 2021، خاصة في أوساط الشباب حاملي الشهادات، ومن 15,8 في المائة إلى 16,9 في المائة بالوسط الحضري، ومن 5,9 في المائة إلى 5 في المائة بالوسط القروي، ناهيك عن فقدان أزيد من 400 ألف منصب شغل خلال السنة الماضية.
إنه من الوهم الاعتقاد بأن 86 في المائة من المغاربة سعداء كما جاء في ذلك الاستطلاع المريب، فالسعادة الحقيقية هي ذلك الشعور الجميل بالأمن والحرية والكرامة وحقوق الإنسان والمساواة وتكافؤ الفرص بين أبناء الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية، ولا يمكن قياسها بعدد المهرجانات والسهرات التلفزيونية وغيرها من الأمور الزائفة، بقدر ما تقاس بمدى قدرة المواطن على الإنفاق على نفسه وأفراد أسرته، وإيجاد مقاعد لأبنائه في مدارس تعليمية ذات جودة وجاذبية، الولوج إلى العلاج بالمجان والظفر بفرص شغل ملائمة والاستفادة من سكن لائق…

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.