Home»Débats»إصلاح الإصلاح إلى متى؟

إصلاح الإصلاح إلى متى؟

2
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

إصلاح الإصلاح إلى متى؟

لعل من الأكثر المصطلحات استعمالا في وزارة التربية الوطنية منذ الاستقلال إلى اليوم هو مصطلح الإصلاح، وبالنظر إلى ما بلغه مستوى تعليمنا من انحطاط على جميع المستويات، يبدو أن أهم أسباب إخفاق مختلف الإصلاحات في مجملها يمكن حصرهما في احتمالين اثنين، الأول يَفترِض أن المسؤولين عليها لم يكونوا في المستوى المطلوب، وهذا أمر فيه نظر لأنه من غير الممكن ألا يوجد وزير واحد في المستوى من بين ما يفوق 30 وزيرا منذ الاستقلال إلى الآن. والاحتمال الثاني هو أنهم كانوا يعملون وفق أجندة ذات أهداف غير معلنة  يُستعاض بها عن الأهداف المعلنة، وإلا فإنه من غير المعقول ولا المقبول أن يَفشلوا جميعهم، ثم يذهبوا إلى حال سبيلهم دون حساب ولا عقاب. ويبقى السؤال الذي يكرر نفسه عقب كل إصلاح هو إلى متى سيتم الاستمرار في هذا العبث الذي لا تنحصر نتائجه في الخسائر المادية فحسب، وإنما تتجاوزها إلى المغامرة بأجيال بكاملها، ومن ثم  بمستقبل أمتنا وهويتنا، وهو الأمر الذي أصبحت بوادره معاينة بشكل ملفت للانتباه في الواقع اليومي، ذلك أن الأمر يتجاوز عدم تحقق الهدف المعلن لكل الإصلاحات والمتمثل في النجاح الذي يؤدي إلى الحصول على وظيفة أو شغل، إلى الفقدان التدريجي للقيم والأخلاق الإسلامية التي توارثها المغاربة أبا عن جد، حيث من بين أهم تداعيات الخلل القيمي والأخلاقي سيطرة المصلحة الشخصية وحب الذات على ممارسات عدد كبير من الشباب، عاطلين كانوا أو موظفين أو ذوي أشغال حرة.

وإذا سلمنا جدلا بوجود الرجل المناسب، وهو شيء ممكن، وبأن ليس هناك أهداف غير تلك المعلنة، وبإمكانية توفير الظروف والآليات المناسبة لاشتغال هذا الرجل طبق برنامجه، فإن التساؤل عن إمكانية نجاح الإصلاح من عدمه يبقى واردا. وفي رأيي المتواضع فإن حظوظ النجاح تبقى ضعيفة إلى منعدمة، لسبب بسيط هو أن التعليم مرتبط بمختلف القوى الفاعلة في المجتمع بعلاقة جدلية مفادها أن الإصلاح أو التغيير إما أن يكون شموليا إذا ما تضافرت جهود جميع الأطراف المعنية أو لا يكون، ذلك لأن عملية الهدم أيسر من عملية البناء، فلو تفرغ طرف واحد للهدم، وما أكثر هذه الأطراف، لاستطاع أن يهدم خلال مدة وجيزة ما بنته مجموعة من الأطراف في مدة طويلة. من هذا المنطلق واعتبارا لكون الحكومة بمختلف مكوناتها ووزاراتها هي المسؤولة الرئيسية على تغيير الأوضاع في الاتجاه الإيجابي أو ما يُعبَّر عنه بالإصلاح، فإني أستأذنُ قارء المقال لأقوم بالاستعارة التالية، حيث أُشبِّه الأمَّة المغربية بسفينة اسْتَهَمَتْ عليها الأحزاب من خلال الوزراء المنتمين إليها، فصار بعضهم أسفل السفينة وبعضهم أعلاها، على غرار ما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: « مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا ». يستفاد من الحديث أنه لا بد من الأخذ على أيدي الذي يسعون جاهدين لإحداث ليس خرقا واحدا وإنما خروقا متعددة في السفينة وما أكثرهم، فهذا الإعلام، وهذا وزير العدل وذاك وزير الثقافة وذاك البرلمان… والكل يشتغل في ضوء النهار من أجل خرق السفينة بإشاعة ثقافة التفاهة والخلاعة وهدم القيم، ناهيك عن المشتغلين في ظلام الليل والذين لا يعلمهم إلا الله.

من هذا المنطلق، أعتقد أن سلامة السفينة وضمان بلوغها بر الأمان يستلزم من الحكومة بمختلف مكوناتها التحرر من الجهات التي تمُدها بمعاول الهدم وإحداث الخروق، والمتمثلة أساسا في صندوق النقد الدولي، والاتحاد الأوروبي وغيرها من « الجهات المانحة »…مما سيمكنها من الحيلولة دون إتمام الخرق الذي شُرع في الترتيب له مند مدة والمتمثل في تعميم القيم الغربية المسماة جورا قيما كونية وذلك على حساب القيم الإسلامية.

ومن خلال استقراء الواقع يبدو أن عددا من الجهات بما فيها عددا من المسؤولين يتواجدون أسفل السفينة، وهم على استعداد إن لم أقل بأنهم شَرعوا في إحداث الخرق، حتى أن بعض أثار تسرب الماء أصبحت بادية على الجدار الداخلي للسفينة، وما تصريح وزيري الثقافة والعدل في شأن صاحب الراب، وتصريح وزير العدل فيما ينوي القيام به بخصوص الخمر والأبناء غير الشرعيين إلا أمثلة للتشققات والتصدعات التي تسبق اتساع الخرق بالقدر الذي يستحيل معه التحكم في غلقه من جديد. ولا شك أن هذا الأمر يُصعِّب من مسؤولية المتواجدين أعلى السفينة إن وُجدوا، في الأخذ على أيديهم وردهم إلى رشدهم ليتحملوا مشقة الصعود إلى الأعلى للاستقاء.

وبما أن وزير التربية الوطنية من أبرز الحاضرين على ظهر السفينة، وبما أنه حمل لواء الإصلاح، أرجوا أن يكون من المتواجدين في أعلاها، ويعمل كل ما في وسعه لثَنْيِ المتواجدين بالأسفل عن إحداثهم للخرق وعدم مسايرتهم فيما هم منهمكون فيه. وحتى يكون في مستوى ما يتطلبُه وضعه في أعلى السفينة يتعين عليه الحسم في مجموعة الأمور أذكر منها:

  • حذف مصطلح القيم الكونية من قاموس التربية الوطنية للأسباب التي يعرفها الجميع، والعمل على ترسيخ مفهوم القيم والأخلاق طبقا لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وذلك في مختلف مستويات العملية التربوية ابتداء بالتعليم الأولي وانتهاء بتكوين الأساتذة والمربين بمختلف المستويات، مع العلم أن منافسةَ الوسائل الرقمية للأستاذ في احتكاره للمعرفة   قللت من هيبته المعرفية، وفتحت الباب أمام ممارسات لا يمكن معالجتها إلا بحضور جانب القيم والأخلاق لدى مختلف فرقاء العملية التربوية.
  • تحمل المسؤولية كاملة في إجراء التغييرات التي يتعين استنباطها من الدراسات العلمية لمختلف التجارب الناجحة عبر العالم، والعمل على تنزيل المناسب منها للواقع المغربي، عوض الاختباء وراء عبارات فضفاضة من قبيل « اعتماد مقاربة تشاركية شارك فيها جميع الفاعلين التربويين والمتدخلين والشركاء » مع العلم أنه تم التحايل على هذه المقاربة لفرض اللغة الفرنسية. ومع ذلك فإني أتساءل عما إذا كانت المقاربة التشاركية خاصة بوزارة التربية، وإلا فما هي الجهات التي تمت استشارتها في تقنين القنب الهندي، والجهات التي تمت استشارتها في وأد أكاديمية اللغة العربية… وما هي الجهات التي ينوي وزير العدل استشارتها لتنزيل مشروعه المتعلق بعدم تجريم شرب الخمر وبيعه للمسلمين…
  • الحسم بشكل نهائي في مسألة التعاقد في علاقته بنجاعة الفعل التربوي، وأعتقد أن التجربة التي تم خوضها لحد الآن جديرة بإصدار حكم في الموضوع. ومن خلال الأصداء التي تصلنا من مختلف الفاعلين التربويين، يبدو أن الأمر لا يبشر بخير إذا ما تم السير على نفس المنوال، مما يتطلب القيام بإجراءات جوهرية تتعلق أساسا بطبيعة التكوين الذي يتلقاه المتعاقدون سواء تعلق الأمر بتمكنهم بالمادة المدرسة، أو لغة التدريس دون إغفال استعدادهم النفسي وما يستتبعه من ضرورة التشبع بالقيم والأخلاق التي تمكنهم من إعطاء القدوة الحسنة في جميع ممارساتهم.
  • إذا كان لا بد من التعليم الخصوصي، فيجب إخضاعه لمجموعة من الضوابط التي تمنعه من الانسلاخ عن القيم الأساسية التي تستهدفها المدرسة الوطنية، من بين هذه الضوابط أذكر على سبيل المثال لا الحصر: منعه من اعتماد المقررات والكتب الأجنبية التي لها علاقة بالقيم الغربية، إرغامه على العدول على استنزاف أطر التعليم العمومي من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي عن طريق توظيف أطر جديدة تسهر الوزارة على تكوينها ثم مصاحبتها وتقويمها أثناء الممارسة، علما أنه كان من أكبر المستفيدين من المغادرة الطوعية والتقاعد المبكر لرجال ونساء التعليم.
  • الحزم في التعامل مع الزمن المدرسي بما يُمَكِّن التلميذ من استيفائه كاملا غير منقوص.
  • عدم التهاون في ردع الانفلاتات الأخلاقية من أي كان تلميذا أو أستاذا أو إداريا.
  • إعادة الاعتبار إلى اللغة الوطنية وجعل إتقانها شرطا أساسيا في النجاح سواء تعلق الأمر بالتلاميذ أو بمبراة ولوج سلك من أسلاك التدريس.
  • اعتماد اللغة الإنجليزية في تدريس العلوم، والتخلي التدريجي عن الفرنسية لسبب موضوعي يتجلى في كونها متجاوزة في المجال العلمي بمختلف تخصصاته، ولأسباب ذاتية أو لنقل نِدِّيَّة تتعلق بتعامل فرنسا مع مصالحنا الحيوية، كما هو الشأن بالنسبة لموقفها من قضية صحرائنا، ومشكل التأشيرات، ومشكل الرفع الفاحش من قيمة الرسوم التي يتعين على طلبتنا دفعها لمتابعة دراستهم فيها على علاتها.
  • اشتراط الكفاءة وحسن الخلق في الأساتذة المُكوِّنين بمراكز التكوين قبل المكوَّنين بحيث لا يُسمح لغير المتحكمين في جميع الكفايات المتعلقة بالتدريس بولوج قاعة الدرس.

في الأخير أرجو أن يكون السيد وزير التربية الوطنية في مستوى ثَنْي المتواجدين أسفل السفينة عن عزمهم مواصلة إحداث الخرق، ويكون بذلك قد نجح في عملية تغيير وجهة التعليم والمجتمع بصفة عامة نحو الأحسن. والله ولي التوفيق.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *