Home»Débats»ضرورة الانتباه إلى الآثار السلبية للحمولة الفكرية في الكتب المدرسية الفرنسية المعتمدة في مؤسسات التعليم الخصوصي ببلادنا

ضرورة الانتباه إلى الآثار السلبية للحمولة الفكرية في الكتب المدرسية الفرنسية المعتمدة في مؤسسات التعليم الخصوصي ببلادنا

0
Shares
PinterestGoogle+
 

ضرورة الانتباه إلى الآثار السلبية للحمولة الفكرية في الكتب المدرسية الفرنسية المعتمدة في مؤسسات التعليم الخصوصي ببلادنا

محمد شركي

من المعلوم أن كل اللغات البشرية لها حمولة فكرية خاصة بها ، ولا يمكن بحال من الأحوال تجنب ما تحدثه تلك الحمولة من تأثير  في نفوس وتصرفات من يتكلمونها سواء كانت لغاتهم الأمهات أو لم تكن كذلك .

وإذا كان الراشدون بحكم رشدهم  لهم وعي بتلك الحمولة الفكرية بحيث  يقبلون منها ما يقبلون ، ويرفضون ما يرفضون حسب ما لديهم قناعات عقدية وفكرية  ، فإن الناشئة بحكم سنها تفتقر إلى هذا الوعي ، وهي بذلك عرضة للتأثر بما قد يكون في تلك الحمولة من سلبيات  تضر بها خصوصا حين تفرض عليها لغات غير لغتها الأم .

وأخطر حمولة فكرية للغات تكون في الكتب المدرسية التي تؤلف خصيصا للناشئة المتعلمة ذلك أنها  تؤلف وفق خلفيات وغايات وأهداف ومرام خاصة  ، وتتوخى أن تكون المخرجات  المترتبة عن اعتمادها كما تم التخطيط لذلك سلفا .

ومعلوم أن المشكل الذي تعاني منه الدول التي خضعت للاحتلال الأوروبي سواء الفرنكوفوني أو الأنجلوفوني، هو عدم تخلصها من احتلال فكري لا زال موجودا  فيها  بعد رحيل الغزو العسكري عنها ، وهو ما جعل اعتماد لغة المحتل قدرا لا مفر لها منه خصوصا وأن الاحتلال فرض لغته عليها وكان ذلك سلاحه اللامادي الخطير الذي كان يستهدف لغات البلاد الخاضعة لاحتلاله بعرض استئصالها طمعا في تغيير هوية شعوبها كما كان الحال في الجزائر التي كان الاحتلال الفرنسي يعتبرها أرضا فرنسية، ويرغب في أن تظل كذلك إلى الأبد ، والدليل على ذلك أن فرنسا لا زالت تحتفظ بستة وعشرين مما تسميه أقاليمها خارج التراب الفرنسي كالمارتنيك  على سبيل المثال لا الحصر، وقد نجحت في جعل سكانها يتحدثون لغتها وقد طال عهدهم بلغتهم الأم ، وكذلك الشأن بالنسبة لمستعمراتها في القارة السمراء حيث تعتمد الفرنسية لغة رسمية فيها ، ولا اعتبار فيها للغاتها الأصلية .

ويختلف الحال في مستعمرات فرنسا في الشمال الإفريقي ( المغرب، والجزائر، وتونس ) ،وفي  بعض أقطار بلاد الشام ( لبنان ،وسوريا ) حيث قاومت لغة الضاد اللغة الفرنسية الدخيلة ، وظلت هي اللغة الرسمية في هذه البلاد لكنها ظلت تعتمد اللغة الفرنسية في تعليم ناشئتها ،خصوصا وأن الاحتلال الفرنسي جعلها تصدق ذريعة من ذرائع  احتلاله لها، وهي الزعم  بنقل حضارته المتقدمة إلى شعوبها عن طريق  فرض لغته عليها ، وهكذا ظلت لغة المحتل فيها منافسة للغة العربية في المؤسسات التعليمية في تلك البلاد إلى يومنا هذا ، والله أعلم متى سيحصل فيها استقلال من الاحتلال اللغوي على غرار تخلصها من الاحتلال العسكري ؟

ومع التطور العلمي والتكنولوجي في المعمور، حصلت قناعة لدى كل الشعوب التي كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي ، وهذه حقيقة أن اللغة الفرنسية متخلفة عن غيرها  خصوصا اللغة الإنجليزية في الميدان العلمي والتكنولوجي ،ولهذا صارت الشعوب التي تعتمدها في تعليم ناشئتها تجعل هذه الأخيرة أمام مشكل اقتحام الميادين العلمية والتكنولوجية بواسطتها ،الشيء الذي يضطرها إلى تعلم اللغة الانجليزية  أو غيرها لتجاوز هذا المشكل في مراحل التعليم العالي  ، وهذا من الآثار السلبية للغة الفرنسية في مستعمرات فرنسا السابقة .

وأخطر من تخلف اللغة الفرنسية عن مجاراة غيرها في المجال العلمي والتكنولوجي ،حمولتها الفكرية في كتبها المدرسية المعتمدة في مؤسسات مستعمرات فرنسا السابقة ، وتحديدا في مؤسسات التعليم الخصوصي منها  كما هو الشأن بالنسبة في بلادنا حيث يعتبر المشرفون على تلك المؤسسات أن اعتماد الكتب المدرسية الفرنسية له قيمة مضافة تتمثل في الرفع من اتقان الناشئة المتعلمة لها ،الشيء الذي يساعدها على النجاح في تلقي المعارف بها خصوصا وأن السياسة التعليمية عندنا تراهن على اللغة الفرنسية بعدما تراجعت عن الاعتماد على لغتنا الوطنية .

والمتصفح للكتب المدرسية الفرنسية التي تعتمدها مؤسسات التعليم الخصوصي عندنا، يلاحظ أنها ألفت خصيصا للناشئة المتعلمة الفرنسية ، وهو تأليف وضع واضعوه  في الاعتبار ما يراد لتلك الناشئة من تربية علمانية خالصة حيث تغطي محتويات تلك الكتب تاريخ فرنسا الفكري  في مختلف العصور بما في ذلك حقبة سيادة العلمانية .

والمشكل بالنسبة للذين راهنوا على تلك الكتب في مؤسساتنا الخصوصية ،لم يلقوا بالا  لحمولتها الفكرية العلمانية ،وعليهم ينطبق المثل العامي عندنا القائل :  » شاف الربيع ما شاف الحافة  » ، وهو مثل يضرب لمن لا يقدر العواقب  الوخيمة كالماشية التي ترى كلأ ،ولا تنتبه إلى ما دونه من مخاطر السقوط والتردي .

وقد يتذرع بعضهم بالقول إن اللغات تؤخذ عن متكلمها الأصلي، وهم يقصدون بينتها أو قواعدها  النحوية  والصرفية  ، وهذا أمر لا جدال فيه  ولا ينكره أحد ، ولكن ما لا يمكن إنكاره أيضا أن لها حمولتها الفكرية  قد تكون لها آثار سلبية على من يتعلمها بقدر ما ينتفع من قواعدها اللغوية .

واعتماد الكتب الفرنسية المؤلفة خصيصا للناشئة الفرنسية في مؤسسات التعليم الخصوصي عندنا يطرح مشاكل بالنسبة لمن يدرسونها ، وهم أحد صنفين لا ثالث لهما : صنف لا يبالي بالحمولة الفكرية لتلك الكتب بل قد توافق هواه إن كان من المستلبين فكريا ، وصنف يعي جيدا  خطورة حمولتها الفكرية، لكنه لا يستطيع فعل شيء لوقاية الناشئة المتعلمة منها ،خصوصا وهو مستأجر عند أرباب تلك المؤسسات ، وقد ينبه إلى بعض تلك الخطورة باحتشام مخافة أن يصل به الأمر إلى ما لا تحمد عقباه إن بلّغت عنه الناشئة شيئا من ذلك إلى مشغليه  خصوصا الذين يكون همهم هو ما يحصلون عليه ماديا  .

والمؤسف أن بعض آباء وأمهات وأولياء أمور ناشئتنا المتعلمة خصوصا في مؤسسات التعليم الخصوصي التي لا يرتادها إلا من يتيسر لهم ذلك بحكم وضعيتهم المادية والاجتماعية توافق الحمولة الفكرية لتلك الكتب هوى في نفوسهم ،  خصوصا وأن فيهم من يدافع باستماتة على التوجه العلماني ، ويعاني من حساسية مفرطة ضد اللسان العربي ، وهم ينتشون بسماع أبنائهم يتحدثون الفرنسية بنبرة أو لنقل  بلثغة متكلمها الأصلي مخافة الرطانة فيها بسبب طغيان اللسان العربي عليهم . ومن هؤلاء من لا يخفون تحدثهم مع أبنائهم وبناتهم باللغة الفرنسية عند توديعهم أو استقبالهم أمام بوابات المؤسسات، بل يحرصون على إظاهر ذلك  ولسان حالهم يقول لمن حولهم:  أننا لسنا من طبقتكم ،بل نحن  من طبقة متميزة تحذو حذو الإنسان الفرنسي المتحضر ، ومثل هؤلاء هم من يشتكون من صعوبة تعلم أبنائهم اللسان العربي ، ومن صعوبة حفظ النصوص العربية خصوصا نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف ، علما بأنه يسرهم غاية السرور حفظ أبنائهم الأناشيد الفرنسية ، وهم يباهون بذلك .

 ومقابل هؤلاء المفتونين بتعلم أبنائهم الفرنسية  في مؤسسات التعليم  الخصوصي عبر الكتب المعتمدة في فرنسا والمؤلفة خصيصا للناشئة الفرنسية ، نجد البعض الآخر يتوجس من حمولتها الفكرية مخافة آثارها السلبية على فلذات أكبادهم ، ولكن موقفهم من ذلك لا يتجاوز التعبير عن تلك المخاوف ، ولا يرقى إلى فعل من شأنه أن يضغط في اتجاه التخلي عنها، والاكتفاء باعتماد الكتب المدرسية  المعتمدة في مؤسسات التعليم العمومي والتي تلتقي مع الكتب المدرسية الفرنسية في حمولتها القاعدية مع اختلافهما في الحمولة الفكرية .

ومع اندلاع الخلاف الحالي  بين سلطاتنا والسلطات الفرنسية التي لا زالت تفضل البقاء في المنطقة الضبابية  بخصوص قضية وحدتنا الترابية بالرغم من المطلب الملكي بوضوح موقفها بل قد ذهبت بعيدا في الميل إلى صف أعداء هذه الوحدة بدافع مصلحتها المتمثلة في حصولها على الوقود منهم في ظرف الحرب الروسية الأوكرانية مع قرب فصل الشتاء . ولقد نشأت نؤخرا قناعة لدى الرأي  العام الوطني أنه حان الوقت لفك الارتباط مع فرنسا خصوصا في الميدان التعليمي والثقافي  ،والاستغناء عن لغتها في مؤسساتنا التربوية ، ويبدو أن بوادر الاستجابة لهذا المطلب بدأت تلوح في الأفق لدى الجهات الوصية على التربية والتعليم في بلادنا ، ونأمل أن تكون تلك الاستجابة حقيقية وصادقة وألا تكون مجرد مناورة أو سحابة صيف كما يقال .

وتبقى كلمة أخيرة تقال لمن يشرفون على تدريس الكتب الفرنسية في مؤسسات التعليم الخصوصي عندنا ،وهي أنهم مسؤولون أمام الله عز وجل وأمام الوطن وأمام التاريخ  وأمام أولياء أمور الناشئة المتعلمة إذا ما فعلت الحمولة الفكرية لتلك الكتب في هذه الناشئة فعلها السلبي  ، كما أنه يعول على جهاز المراقبة عندنا أن يقوم بدوره في مراقبة هذه الحمولة بما يقتضيه الواجب الوطني والديني ، وما يوجبه الضمير المهني الحي .

أما اولياء الأمور من آباء وأمهات، فنقول لهم ما قاله الله تعالى في محكم التنزيل: (( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا  وقودها الناس والحجارة )) ، كما نقول لهم : وليكن حرصكم على آخرة أبنائكم وبناتكم أشد من حرصكم على دنياهم ، وقد أعذر من أنذر، ولله عاقبة الأمور .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.