Home»Débats»من ذكريات الطفولة : سيد الميلود

من ذكريات الطفولة : سيد الميلود

0
Shares
PinterestGoogle+

* محمد بوعصابة

في مثل هذا اليوم من كل سنة تعود بي الذاكرة إلى فترة الطفولة حيث كنت أسمع امي وسائر نساء العائلة وجاراتنا يتناولن الكلام عن هذا اليوم المسمى ب « سيد الميلود » دون الحديث عن هذا الحدث بكيفية عميقة نظرا لضعف مستواهن الثقافي ولجهلهن بتفاصيل ميلاد النبي محمد عليه الصلاة والسلام. باستثناء بعض المعلومات الأولية فهن كن يعرفن ان من ولدته هي السيدة ٱمنة (كن يقلن أمينة أو يمينة) ومن احتضنته هي السيدة حليمة وأن الله ارسله لنا ليعلمنا قواعد الإسلام من صلاة وصوم وغير ذلك… ففي ليلة هذا اليوم، كان من التقاليد والطقوس ان تقوم النسوة بطلااء الحنا علي ايديهن وارجلهن ، الي ان ياتي الصباح فتزين وتحرقن البخور في كل اركان الدار لنشر الرائحة الطيبة، وفي الصباح الباكر تعلقن ثوبا ابيضا بالباب الخارجي وتسمعن زغاريدهن خاصة مع بزوغ الفجر حيث كن يعرفن انه صلى الله عليه وسلم ولد وقت الفجر. وكانت مظاهر البهجة والسرور تغمر كل أنحاء القرية إلى وقت الضحى اعلانا وفرحة بهذا اليوم. كما تتواصل النساء بينهن للإدلاء بالتحية المتابدلة. وفي المساء تقمن بتحضير وجبة  » بركوكش » خاصة لهذا اليوم، يتم تهييئها في إناء من طين اسمه  » الكصعة » يجتمع حولها جميع افراد الاسرة يتذوقون الاكلة الشعبية هذه بلذة كبيرة. اما الفتيان الصغار فقد كانوا يفرحون ويمرحون في الدرب وهم يحرقون المفرقعات قرب فتيات وهن يرددن مواويل حول الرسول علي ايقاعات  » الطبيلات « .
غير ان بعض النساء المسنات والمسمات ب « لفقرات » اللواتي كن يعطين ولائهن لشيخ روحي فقد كن يجتمعم بعد الظهيرة في أحد البيوت ينشدن جماعة خلاله بعض الاقوال الدينية بالعامية كفعل الخير في الدنيا والجزاء في الاخرة، ومغادرة المخلوق للدنيا ولقائه مع خالقه، وفعله للخير وجزاوه عند لقاء الله ووصف الجنة والنار وغير ذلك من الاناشيد الروحانية. كانت لهؤلاء الذاكرات دراية لا بأس بها بحياة النبي محمد عليه الصلاة والسلام حيث كن يقصصن حياته منذ اول فترة من ميلاده إلى ان فارق الحياة وذلك ببيت إحدى المحبات بالبلد التي كانت تدعوهن للحضور وتهيئ لهن الطعام وتكرمهن قبل مغادرتهن بقطع من السكر والتمر مكافاة و جزاء لهن.
* * وفي اطار اخر، فبمنطقة القبيلة التي انتمي اليها وهي قبيلة بني بوزقو( بالجيم المصري عوض القاف)، BENI BOUZEGGOU كان أهلها يحتفلون بهذا اليوم بمقر الولي الصالح « سيدي محند السعيدي » المتواجد ضريحه في واجهة جبل تانشرفي المقابلة للقطب الشمالي، كان أهل البلدة يضربون موعدا ليلة ذكرى المولد النبوي بالسوق الاسبوعي لقضاء اغراضهم من شراء مواد غذائية، وكان ذلك اللقاء التجاري يسمى » بثاسويقت  » باللهجة الامازيغية المحلية. ينطلق موكب المحتفلين من هناك مشيا على الأقدام ابتداء من منتصف النهار في مسيرة على مدى ساعتين تقريبا علي ايقاع  » الغايطة والبندير  » ( المزمار و’الطبل ). تقوم بالتنشيط الموسيقي مجموعة فلكلورية تسمى ب  » الشيوخ » برئاسة العيساوي محند نحليمة الاب الذي ترك هذا الإرث لابنه محند رفقة الشيخ سلام و لحبيب واوشن اعيساوا( ذئب العساويين) ، رحمهم الله جميعا. على نغمات الدقة العيساوية ، ينطلق العيساويون في ملحمة الرقصة المسماة  » بالحضرة  » وهم متجهون إلى الضريح الي ان يصلوا منهكين.
بعد استراحة طويلة، يتناول الحاضرون الطعام المهيإ من طرف السكان المتواجدين بالدواوير المجاورة تتلوه جلسة مطولة لتلاوة ما تيسر من القران من طرف بعض فقهاء البلدة وترديد بعض الإمداح النبوية مع شرب الشاي.
وعند سقوط الظلام وتناول وجبة العشاء ينام جلهم هناك. وفي الصباح الباكر يبدأ وصول الزوار من القرى والمدن المجاورة. تبدأ دقات البندير ورنات الغيطة علي الاقاعات العيساوية ويقوم أصحاب الحال، رجال ونساء للرقص وهم في شبه غيبوبة، لا يحسون بما يجري حولهم. يتجمع الراقصون في ساحة خارج الضريح، يؤطرهم مقدم حريص بعصاه علي تنظيم الرقص كي لا يحدث اختلاط بين النساء والرجال ولتفادي اي هجوم علي أحد المتفرجين في حالة ارتداءه لثياب من اللون الاحمر، والذي قد يهيج بعض أعضاء الفرقة عند رأيتهم لهذا اللون. تتوقف الموسيقى لمدة فينبطح الراقصون ارضا الي ان يستيقظوا من غيبوبتهم تحت ترديد الصلاة والسلام علي النبي من طرف العساويين المنظمبن والمتفرجين. وبعد فترة استراحة يستأنف الرقص في انتظار وقت الضحى لذبخ راس او اثنين من المعز ومنحهم لهؤلاء الراقصين وهم في هيجان كبير. يهجم الراقصون على الشاة المذبوحة يفترسونها بكل عنف بينما يلجأ بعضهم الاخر للحقل المجاور لاقتلاع شيء من الشوك لتناوله وهم في غيبوبة تامة. وفي الجانب المقابل تنغمر النساء في رقص مثير. تلك هي الفرجة الكبرى المنتظرة من طرف الجميع.
وبعد حين يصل شاب قادم من مدينة مكناس على متن سيارة بيكوب PICK UP يقودها سايق و يتم استقبال هذا الشاب بحفاوة كبيرة من طرف العيساويين الرييسين. يدعي هذا الشاب انه حفيد الشيخ الكامل سيدي امحمد بنعيسى الذي يقام بضريحه بمدينة مكناس حفل كبير بمناسبة يوم مولد النبي. يحظى هذا الشريف ابيض اللون وجميل البشرة مرتديا زيا عربيا مغربيا باستقبال حار يقبله خدامه على اطرافه وعلي يديه. بعد الاستقبال، يجلس الشريف العيساوي على فراش هيأ له وينتظر تقدم الزوار من أجل التماس بركة جده ومنحه مالا يسمى « بالزيارة » كل حسب مقدرته. وبعد حين ينصرف ليمتطي السيارة محملة باكياس سكر ودقيق، هدية من اسر العيساويبن المحليين وبعض السكان، فيتوجه الي مدينة العيون ومن هناك الي بلدة تكافايت من اجل نسخة اخري تقام هناك علي نفس الشكل . وبعد صلاة العصر وتناول الطعام، يرفع الدعاء من طرف باقي الحاضرين وينصرف الجميع من موقع ضريح سيدي محند السعيدي على امل لقاء اخر بعد سنة…

محمد بوعصابة، فاعل جمعوي وكاتب / الرباط ***

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. Ouardi
    20/10/2021 at 01:57

    اخي العزيز نسيت تاقنتا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *