Home»Correspondants»حكايا استاذ متقاعد : نبش في رحلة وراء البحار ـ الحلقة 9 ـ

حكايا استاذ متقاعد : نبش في رحلة وراء البحار ـ الحلقة 9 ـ

0
Shares
PinterestGoogle+
 

تابع 9
.قضيت بالجزيرة أسبوعا كاملا محاطا بعناية كبرى من الأقارب والأصدقاء الذين لم يدخروا جهدا في الاحتفاء بي، وسأظل ممتنا لهم.
تبلغ مساحة الجزيرة أزيد من 8000كم2، وتتنوع فيها التضاريس والمفارقات، ففي الوقت الذي ترتفع درجة الحرارة في المنبسطات، يتراءى الثلج في الجبال التي يكسوها غطاء نباتي متنوع.
سكانها ينحدرون من أصول مختلفة حتى أن بعضهم يزعم أن أجداده من العرب! ولعل ميزتهم الرئيسية تكمن في محافظتهم، حيث لم يكونوا يسمحون يومئذ- على الاقل- بالانحلال الذي يعشش في الميتروبول، حيث يعتبر حقا في التحرر!
ولعل أقوى دليل على صرامة ابناء الجزيرة يعكسه الحدث المؤلم الذي تزامن مع وصولي الى،، ghisonaccia، حيث قتل شاب مغربي ببشاعة لمجرد أنه ضبط مع امرأة اروبية وبكامل رضاها!
كان وضع المهاجرين صعبا في تلك الايام بسبب عدم توفر اوراق الاقامة، مما جعلهم مجرد مياومين، يخضعون لنزوات ارباب العمل، وقد كان العديد من أهلنا عالة على من استطاعوا ايجاد عمل.
كان المهاجرون معرضين لاعتداءات متكررة لأنهم ساهموا في تراجع امتيازات العمال المحليين الذين كانوا يملون شروطهم على المشغلين، ولذلك صاروا يستهدفون المهاجرين ،، والاقدام السوداء،، الذين استفردوا بالأراضي الخصبة ومعاصر الخمور التي كانت تتعرض لتفجير منهجي.
لقد بلغ التأفف من وجود الأجانب أن تحولوا الى أهداف مشروعة في الطريق، حيث كانوا يتعرضون لحوادث متعمدة، مما جعل الراجلين يسيرون على اليسار لتفادي الاعتداءات.
أما بالنسبة للاقامة، فان أغلب العمال كانوا يقيمون في بيوت متواضعة ملحقة بالضيعات في اغلب الحالات، لكن ظروف العيش كانت في متناول الجميع لتوفر المنتوجات الفلاحية المختلفة.
لم أشعر بالطمأنينة في هذه الجزيرة رغم شواطئها الفاتنة ومياهها اللامعة لأنني سافرت لأهداف أخرى.
وهكذا، وعندما قررت العودة الى فرنسا ، ابى أحد الاقارب الا أن يخصني بهدية، فقصدنا متجرا في ملكية زوجين فرنسيين.
طلب قريبي من صاحب المتجر قميصا، لكن هذا الاخير سأله ما ان كان يطلبه لنفسه ، وحين علم أنه يبحث عن هدية لي، بادر الرجل الى فتح الحديث معي.
ما ان تبادلنا بعض الجمل حتى وضع القميص جانبا، ثم خاطبني قائلا:
– انت غير مقيم هنا، أليس كذلك؟

– كيف عرفت ذلك؟-
– من طريقة كلامك، لانني أتواصل مع هؤلاء، وأعرف طريقتهم في التخاطب، وبالمناسبة، أتسمح في دردشة قصيرة؟
حين وافقت، نادى التاجر زوجته لتشاركنا الحديث، فانطلق الحوار.
سألني الرجل عن انطباعي عن البلدة، فاعترفت بانهأ ساحرة، لكن أهلنا يعانون من الميز والحيف!
سألني محاوري ما ان كنت قد زرت متجرا مركزيا يقع غير بعيد، فلما أكدت له زيارته، اردف:
– كيف وجدته؟
– نظيفا جدا ومنظما
قال الرجل بمكر: ان نظافة ذلك المرفق تكلفنا ثمنا ليكون في تلك الصورة، غير أن مواطنيكم يدخلونه بعد العودة مباشرة من العمل فيلطخون كل شيء، ونحن نتحمل كل ذلك رحمة بهم!
كانت ضربة موجعة جعلتني غير قادر على تجرع مشروب القهوة الذي أحضرته زوجته، ولما أدرك أن رسالته قد وصلت، غير مجرى الحديث ليسأل عن مراكش التي يعتزم زيارتها.
قلت في نفسي، اذا سافر الى المغرب، فلابد أن يضعنا في سلة واحدة بعدما تستقبله جحافل المرشدين الزائفين والمتسولين من كل الأعمار، ناهيك عن الاثمان الخيالية!
لم اغادر كورسيكا حتى اكرمني فرنسي اخر بملاحظة لم أستطع نسيانها الى الان.
تجاذبنا أطراف الحديث ، وعندما عرجنا على الحالة الاجتماعية والاقتصادية للعمال المهاجرين، أبدى الرجل استغرابا كبيرا حين قال:
لا أفهم عقلية أهلك، فالعامل يستنزف طاقاته هنا، وفي طروف قاسية، وحين يستلم أجرته فانه يرسل ثلاثة ارباعها الى،، فاطنة( هكذا) التي تخونه في المغرب، بينما يعيش هو بالفتات المتبقي!
لم اجد جوابا شافيا، لأنه كان من الصعب أن أدخل الى ذهنه معادلة الأسرة التضامنية، وأكثر من ذلك فان العديد من المهاجرين لم تكن فكرة التجمع العائلي تراود عقولهم مما يجعل استنتاج ،، الكاوري،، لا يجانب الصواب ولو في حالات معزولة!
انتهى الاسبوع بين الأهل، ووجدت صعوبة بالغة في تبرير العودة، لكنني لم أجد بدا من الرجوع لترتيب ما خرجت من أجله.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.