Home»الشباب بين تعجيل الزواج و تأجيله

الشباب بين تعجيل الزواج و تأجيله

0
Shares
PinterestGoogle+
الشباب بين تعجيل الزواج  وتأجيله

مما لا شك فيه أن تأخير سن الزواج والذي استجابت له مدونة الأسرة من مطالب الحركات النسائية التي تسعى بأمانة إلى تنزيل توصيات المؤتمرات الدولية. فما خلفيات ذلك؟ وما حقيقة الزواج المبكر؟ وموقف الشرع منه ؟ وما طبيعة تجاوب المغاربة مع هذا التغيير؟

أولا: تأخير الزواج وخلفياته:

ما فتئ الغرب يعزف على وتر الشهوات، مثيرا للغرائز بكل الوسائل، مع حرصه على تأخير سن الزواج ووضع العقبات في طريق الحلال، والتهوين من شأن الفاحشة متناسيا حقيقة مهمة وهي أن الغريزة موجودة لدى الفتيات والفتيان بمجرد الوصول لسن النضج، وتأخير سن الزواج مع إغلاق باب الإشباع الحلال لتلك الغريزة يعد بابا من أبواب الشر، ومن يعارضون الزواج المبكر يعرضون الشباب للعلاقات غير السوية ومخاطر الإصابة بطاعون العصر وهو مرض الإيدز، والأوضاع في الغرب خير شاهد على صحة هذه الحقيقة.

أعاد مؤتمر بكين المطالبة برفع سن الزواج مثلما جاء في مؤتمر القاهرة بالعبارات نفسها ولذلك دعا المؤتمر إلى العمل على اكتساب مساندة اجتماعية لسن قوانين تتعلق بالسن الأدنى للزواج بدعوى أن الزواج المبكر والأمومة المبكرة للشابات يمكن أن يحدا بدرجة كبيرة من فرص التعليم والعمل. فقد دعا مؤتمربكين إلى: » سن القوانين المتعلقة بالحد القانوني الأدنى لسن الرشد، والحد الأدنى لسن الزواج، وإنفاذ تلك القوانين بصرامة، ورفع الحد الأدنى لسن الزواج عند الاقتضاء »([1]) وإمعانا في التحامل على الزواج المبكر، نص مؤتمر بكين على أن الأمومة في سن مبكرة تنتج تعقيدات أثناء الحمل والوضع وفيها مخاطر وفاة الأم أكثر من المعتاد، كما أن وثيقة المؤتمر قَرَنت زيادة وفيات المواليد بصغر سن الأمهات واعتبرت أن الإنجاب المبكر ورعاية الأولاد عائق في تطور مكانة المرأة التعليمية والاقتصادية والاجتماعية. وقد جاء في إحدى الوثائق:  » ينتهك الزواج المبكر والإنجاب حقوق التنمية والتعليم والصحة وخاصة بين المراهقات؛ حيث إن الزواج المبكر والإنجاب يتبعهما مسؤوليات تتعلق بالأسرة. » ([2])

فإذا كانت الفتاة دون الثامنة عشر غير مهيأة للزواج، ويعد زواجها في تلك السن نوعا من أنواع العنف ضدها، فكيف تكون ممارستها للزنا شكلا من أشكال الحرية، وكيف يمكن لها أن تتجنب الحمل والأمراض المعدية الفتاكة في الوقت الذي تحرص فيه الدول الغربية على تعليمها التربية الجنسية، وتمهد لها السبل للسقوط في الرديلة. تقول الدكتورة نزيهة امعاريج مستنكرة هذه المفارقة:  » ومن عجب أنك ترى تلك المجتمعات التي يدعونها المتقدمة تصمت صمت القبور عن العلاقات الجنسية المبكرة إذا كانت إباحية، ولكنها ترفع عقيرتها بالاحتجاج إذا تمت هذه العلاقة الجنسية بين نفس الأشخاص في إطار شرعي » ([3]) وفي نفس السياق تقول الدكتورة فاطمة نصيف: » إن الفتيات الصغيرات اللاتي يمارسن الجنس منذ الطفولة، ويحملن سفاحا يتمتعن بقدر كبير من الاحترام لدى هذه المنظمات النسائية، بينما تشن الحرب الجسور ضد زواج الصغيرات، الزواج الشرعي المعروف. »([4])

ثانيا: حقيقة الزواج المبكر وموقف الشرع منه

 تباينت الآراء حول الزواج المبكر بين رافض ومساند، ولكل حججه وأدلته. فما حقيقة الزواج المبكر، وما موقف الشرع منه ؟

أ- حقيقة الزواج المبكر:

إن المعنى الحقيقي للزواج المبكر بالنسبة للفتاة من الناحية الطبية  هو الزواج المبتسر الذي يتم قبل البلوغ وهو منهي عنه، ومن هنا جاءت الدعوة إلى:  » الاقتناع بأهمية التنظيم الدقيق للزواج، وبضرورة رفع سن المتزوجين ذكورا وإناثا إلى مرحلة النضج العقلي والنفسي والعاطفي والبدني. » ([5])

يقول عبد المجيد طعمة:  » يبدأ صحيا سن الزواج للأنثى بعد البلوغ بسنتين أو ثلاث؛حيث يكون بلوغ الأعضاء التناسلية في كماله لتصبح قادرة على القيام بالوظائف الجنسية. وبقرب الأنثى من سن الرشد تزداد مداركها للمسؤوليات الملقاة على عاتقها مستقبلا « ([6])

ونفس الحقيقة يؤكدها عدنان بن محمد الدقلان بقوله:  » ومن المعروف أن الوصول إلى السن الذي يكتمل فيه بلوغ الشباب والفتيات نفسيا وعقليا وبدنيا، يجعلهم أكثر قدرة على تحمل واجبات الزواج، ولكن تأخر الزواج يعطل الطاقات، وينجرف بها إلى طريق غير صحيح، وربما ساعد على انتشار الفاحشة، كما أن التأخر في الزواج يرهق الشباب والفتيات من أجل حفظ أعراضهم، وردع النفس عن إتباع الهوى. »([7]) وإذا كان علال الفاسي قد اعتبر: « تحديد سن الرشد في الزواج بخمسة عشر عاما في الجارية، وبثمان عشرة في الغلام استحسانا مبنيا على اعتبارات طبية « ([8]) فإن الدكتور أحمد الخمليشي: » يدعو إلى منع الزواج دون الخامسة عشر مطلقا؛و ذلك لجعل إتمام الخامسة عشرة هو الحد الأدنى الذي يمكن النزول إليه في حالة ارتفاع سن الأهلية عن خمس عشرة سنة. »([9])

ولعل البلوغ هو المعيارالذي يطمئن إليه الكثير من الفقهاء والمفكرين في تحديد سن الزواج والبلوغ كما يحدده عبد القادر عثمان هو:  » تهيؤ الكائن أن يحدث في جنسه نوعه،و ذلك بعلاماته التي لا تخفى،و ليس الكبير ببلوغ سن معينة. فقد يبلغ هذا السن،و لا يبلغ صاحبها معها مبلغ العقل الذي يدبر له شأنه،و يحفظ له حاجاته. »([10])

ب- موقف الفقه الإسلامي من الزواج المبكر:

إن الإسلام بحكم واقعيته يشجع الزواج المبكر الذي يراعي نضج الفتى والفتاة. والزواج كما تؤكد ذلك الدكتورة نزيهة امعاريج: » ليس الزواج المبتسر يتم في بعض المجتمعات المتخلفة حتى قبل البلوغ ولا هو الزواج المؤجل الذي يرهق الفتى والفتاة من أمرهما عسرا ويدفعهما إلى طريق الفحشاء دفعا. »([11])

وهذه الحقيقة هي التي استوعبتها منظمة تجديد الوعي النسائي، وترجمتها في مطالب واقتراحات من قبيل: « ندعو إلى دعم الزواج المبكر؛ للوقاية من السقوط في الزنى وحماية الأطفال من الوضعيات الاجتماعية غير الطبيعية، حيث الحرج والسخط على المجتمع. »([12])

فالإسلام يشجع الشباب على الزواج؛ حماية لهم ووقاية لمجتمعاتهم من مظاهر الفساد والإفساد،و لكن شريطة توفر الشروط البيولوجية والاجتماعية المناسبة لذلك.يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ)([13]) ثم إن تزويج الفتاة في سن صغيرة وقبل البلوغ يتعارض عمليا مع ما أمر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وجوب استئمار الفتاة واستئذانها كما عبر عنه حديثه عليه السلام:(الْأَيمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، والْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وإِذْنُهَا صُمَاتُهَا)([14])

وفي جميع الحالات لا يكون هناك معنى لاستئذان الفتاة إذا كانت صغيرة وفاقدة لأهلية الأداء الكاملة، ثم إن الفقهاء في مجملهم يرون: » أن بلوغ الزوجين هو الأصل،و أن الخروج عن هذا الأصل إذا اقتضته المصلحة، يسمح به في حدود، وضمن شروط »([15]) وهو ما يوضحه الدكتور اليزيد الراضي بقوله: » وإنما رخص من رخص من الفقهاء في زواج الصغار في ظروف استثنائية، يرون أن مصلحة الصغار تقتضي فيها أن يسمح لهم بالزواج؛حماية لهم وابتعادا بهم عن سبل الابتذال والتسول والفساد. »([16])

وقد كان العرب قبل الإسلام يحبّدون الزواج المبكر حتى ينجبوا أولادا في ريعان شبابهم لما فيه من التقارب في السن بين الآباء والأبناء؛بحيث يكون الفارق في السن بينهما قليلاً يستطيع الآباء من خلال ذلك رعاية أبنائهم والسهر على راحتهم وهم أقوياء، كما يستفيدون من خدمة أبنائهم لهم. فإذا كبروا، كانوا قوة لهم،و عونا على أعدائهم وخصومهم، وقرة عين لهم، ومن أجل ذلك كانوا يسمون الأولاد المولودين من أب شاب (رَبْعِيّينَ) أي أنهم ولدوا في ربيع حياة أبيهم،أما الأولاد المولودون من أب هرم مسن، فكانوا يسمونهم (صَيْفِيّينَ) أي أنهم ولدوا في صيف حياة أبيهم، حين أشرفت حياتهم على الغروب وفي ذلك يقول الشاعر أكتم بن صيفي:

إنَّ بَنِي صِبْيَةٌ صَيْفِيُّونَ*** أَفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ رَبْعِيُّونَ »([17])

لم يخف الكثير من عقلاء الغرب إعجابهم بالزواج المبكر وهم من دفع ثمن تأخيره وذاق وبال التشرد والانحراف. يقول الدكتور فريديريك كهن:  » كان البشر في الماضي يتزوجون باكراً، وكان ذلك حلا صحيحا للمشكلة الجنسية. »([18])


([1]) تقرير المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة – الفصل الرابع لام/274 – ص144- بكين 1995م

([2]) المنهج التكاملي لكفالة حقوق الطفل- ص 66

([3]) قراءة في وثيقة مؤتمر بكين- ج2- ص290

([4]) الأسرة المسلمة في زمن العولمة – ص33

([5]) زواج الصغيرة – ص 57

([6]) التربية الإسلامية للأولاد منهجا وهدفا وأسلوبا- ص 26/27

([7]) مقاصد الزواج في الإسلام- ص19 – اُنظر: زواج الصغيرة ص 60

([8]) اختيارات مدونة الأحوال الشخصية من أقوال وروايات المذهب المالكي غير المشهورة واختياراتها من خارج المذهب المالكي- ص117- بتصرف

([9]) وجهة نظر-ج2- ص20

([10]) ثغرات القانون ودورها في انتشار الزواج العرفي- ص 191

([11]) قراءة في وثيقة مؤتمر بكين- ص290

([12]) نقلاً عن: الإسلام والجنس – ص 33

([13]) سبق تخريجه

([14]) صحيح مسلم – ج9- ص174- كتاب النكاح – باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت

([15]) الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام (دراسة مقارنة) – ص 114

([16]) زواج الصغيرة – ص 60

([17]) جمهرة الأمثال-ج1- ص53- أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري – تحقيق: د. أحمد عبد السلام – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1- 1988م

([18]) الأبعاد الفلسفية التي قامت عليها مدونة الأسرة – ص 140 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *