Home»هلوسة

هلوسة

0
Shares
PinterestGoogle+

هلوسة

في رؤياي هذه الليلة، وأنا تائه بين أزقة فكرية ضيقة، تشربت مياهها الآسنة عبر مصفاة دماغية زائفة، أستاذ يقال لها، منذ وعيت أن لقومي مجموعة بشرية وكتلة لحمية، يطلق عليها مجازا  » مجتمع إنساني « ، يعيش فوق كوكب سمي طينا مبللا بروث وبسائل رائحته تزكم الأنوف، وكأني به يخرج من مصانع بشرية حشرت في أكل وشرب وتغوط وتناسل ونعيم جحيم، تشبه في سيرتها هذه لمخلوقات غير ناطقة تعيش في برية استوطنتها مؤسسات وشركات ومقاولات ومصانع ومزارع، وعقول ليست كعقلي الطفولي الغارق منذ ولادته في امتلاك الأشياء والتوحد حولها والتواجد فيها، ينهش كل مقترب منها أو حتى مار بجانبها. ربما بهذه الخاصية امتلك أنيابا مفترسة، تسحق كل شيء! على ما أعتقد أني رأيت تلك المخلوقات تتجمع كالفطر على ذبال سقط عرضا من جسم متكرش لا تميز منه خلا كلمات رمادية، ظننتها أحلاما وردية في حملة انتخاب أو إشهار أو ما شابه ذلك من معلقات الجدران أو لوحات معارض أو كليبات رومانسية.

الحقيقة لم أستوعب المشهد جيدا لضبابيته في أزقتي الفكرية أو ربما علق بذاكرتي المطمورة في أحلامي الوسخة النتنة، التي لا يمكن أن تتحقق إلا في الغياب الحاضر في ذات محتضرة خامدة ساكنة، يفعل بها ما يفعل وهي مقهورة وراضية، غير طاغية … لا أدري هل ترشح في ذاكرتي من أستاذي ما يؤهلني للانخراط في موت يعيش على قدمين، متعايش مع مجموعته البشرية، وربما يقودها إن استذكرت المشهد جيدا؟! « لكن »؛ هذه تظل عالقة دائما بالرؤيا ـ مع الأسف ـ فتشوش علي ما قيل، وربما ما يقال! عجبا لــ « لكن »! هذه التي أفقرت طبقات بشرية كبيرة وكثيرة من مجموعتي البشرية، وارتزقت طبقات صغيرة على فقر هذه الكثيرة، لتتصدر المشهد الفكري بلا فكر ولا عقل، وتدعي أنها تسوق وتسوس مجموعتي البشرية إلى الغنى. عجبا أفقرتها وتريد إغناءها، فلما أفقرتها؟ لا أعتقد هذا ما رأيت في رؤياي. فغالب الظن؛ أني شاهدت إثنيات وقبائل وربما أسر وعائلات تتوارث الغنى أو السياسة أو الفقر أو الثلاثة مجموعة عبر أجيالها الفطاحل الرذائل! فكيف تجتمع الثلاثة في يد واحدة؟ رؤياي ستدخلني مستشفى ابن الحسن. وما مستشفى ابن الحسن؟ بكل بساطة مستشفى الطب النفسي تهوينا على نفسي! لكن؛ أيمكن جمعها عند أي أحد مثلي من مجموعتي البشرية؟ فكيف؟ هذا ما رأيت أستاذي الشيخ يدرسني قائلا: اكتب عني في لوحك، وإياك والتصحيف أو التحريف أو التزندق، فالله شاهد على ما تكتب، حتى أجيز لك الرواية عني، وأحتفظ بها عندي. وتبقى أنت قائلها دوني؛ اكتب رحمك الله، أنه يمكنك أن تسوس قوما مثلك، وأن تغتني بإفقارهم حين توهمهم أنك تخدمهم، وأنت تخدمهم، فتجمع حينئذ بين السياسة والغنى. وأما فقرك، ففي موضعك القائم بين الخدمة والخدمة، وأنت جاهل جهلا مركبا معتقدا أنهم مثلك بين الخدمة والخدمة، وأنت المخدوم في حياتك وآخرتك! فما لي يا شيخي من فهمك شيئا ولا وعيا! سوى أني دونته على لوحي بسند مني إليك.

حينها قال لي أستاذي قدس سره: ما دمت في مقام الجهل المركب، فالمناسب لك الفقر والقهر، والمتساوق مع حالتك المتردية الغيبوبة التي أنت فيها وإن صحوت. فمالك والسؤال عن الساسة والغنى والفقر؟ وأنت لا تفقه عني بحشيشتك هذه الخضراء الطرية أو تلك اليابسة المجففة أو تلك المصنوعة المعجونة بيد بررة مجموعتك البشرية شيئا. انهض من أمامي وإلا  » صمكتك  » حتى ترى النجوم أمام عينيك. حينها ظهر لي العجب؛ شيخي وأستاذي الجليل مثل قومي! الواقع؛ معه القول الصواب والحق؛ فأنا  » مكلخ  » قل بليدا وارح نفسك. وما كدت أحفظ ما كتبته على اللوح حتى نسيته، واستغرقت في المشي بين أزقة ودروب أضيق من الضيق، فإذا بي تعبت، فجلست على درج بناية استرجع أنفاسي، كتب عليها بماء الذهب تعريفا  ـ على ما قرأت، ألم أكن في رؤياي من الأميين الجهلة، الكرام البررة؟ لست أدري لحد الساعة ـ : بر الأمان والمياه المتدفقة من شلالات عرق جباه الكادحين المتعبين المنهوكين المقهورين بطلب المعيش اليومي في حياة طافحة فوق الوحل المرشح عن المياه العادمة. الماء هنا: زلال معدني بارد منعش، اغترف لك كأسا أو كأسين أو أكثر بالمجان، دون محاسبة ولا مراقبة، بل؛ ونجزيك جزاء أوفى بعدم دفع الفاتورة. ففاتورتك مدفوعة مسبقا، وفائضها لك، وزد عليه قدرا ثقيلا، أنت وقدرتك وما استطعت إليه حملا، فلا منازع لك. اقترب أنت وأسرتك وعشيرتك وقبيلتك، وكل من معك في سيارتك أو ضيعتك أو مشاريعك أو مؤسستك، ولا تبتأس؛ فالأمان والمياه مضمونة لك، ولي؛ أنا الفقير في عقلي، الساذج في تفكيري، الخائف من مسيري. فأنت وأنا متماثلان وصنفان متلازمان في مجموعتي البشرية. الفرق بيني وبينك، أنت تشرب مرتاحا، وأنا أشرب متعبا، ولكنه ليس بفرق ما دامنا من طينة قوم متخلفين آكلين شاربين متناسلين نائمين، همهم الوحيد البحث عن الرزق، وما أدراك ما الرزق؟ في عرف المتخلفين، طاحونة العالم كله، لا تبقى ولا تذر من حجر وبشر! هذا الذي رأيت وشاهدته وما قرأته على اللوح المعلق على باب المؤسسة التي ارتحت على درجها، إنها مسلخ الدواجن والعجموات في سوق كتلتنا البشرية. حينها فهمت لماذا تعبت؟ لأني كنت أتبضع من السوق وما اشتريت شيئا لأن جيبي كان فارغا بسبب دفع فاتورة الماء الذي يوزع مجانا بلا حسيب ولا رقيب لطالبه في السوق.

نعم؛ لقد كسبت بتلك الفاتورة أجرا عظيما حيث سقيت العطشى وما أكثرهم في السوق؟! كلهم أصبحوا عطشى، الأب والأم والابن والبنت، والجد والجدة والعمة والعم، والجد لأم، والجدة لأم ، والخال، والخالة، وزد الأخ الشقيق، والأخت الشقيقة، والأخ لأب، والأخت لأب، والأخ لأم، والأخت لأم، وابن الابن … نسيت! فعلا كانت القسمة على طريق الإرث ولا تعصيب فيها ولا نصيب فيها ولا حجب، الإرث مشاع حسب وصية دافعي الفاتورة وفق التشريع الوضعي. حينها تأملت المشهد ثانية، فإذا بي أجدني أرفع أكف الدعاء لمن سقى واستسقى، كلهم في دعائي من الفقراء على حد مصطلح شيخي، كلنا فقراء، وما رأى شيخي الفقير سوى المعدم مالا، ونسي فقير الدماغ والعقل المحجور عليه شرعا، وما أشده علي من فقر جعلني من مجموعتي البشرية، وحشرني في طينة أنا أهل لها، ومتأهل لأجلها، بل مدافع عنها بصوتي ومالي، آه، وما مال لي لأنه أخذوه مني بالشراء والكراء والماء والكهرباء والبنزين. أصبحت أخرفش، نسيت أنه لا سيارة لي، ولكن الحافلة والطاكسي مسيري في تنقلي، وما بقي لي من مالي سوى ما أشتري به سيجارة بالتقسيط، وربما بالطلق إن أحسن  » السوسي  » الظن بي، وإلا؛ واجهني برسم فيه ملابس رثة ورقع وقدمان حافيتان وأنياب حادة ووجه متهجم، وكأنه يسبني ويشتمني ويكاد يضربني. لكن؛ أمامه أتظاهر بعدم الفهم والبلادة، وأصر على الطلق. فينهرني « السوسي » قائلا:  » خلص لي عليك أولا ويحن الله، واش بغتي نكون مثل هذا مول حانوت كان كيطلق بلا حدود » وأردف باللغة العربية الفصحى وهو لا يدري أني لا أفقه منها شيئا!:  » ألا تعلم أن الطلق أوله حلاوة وآخره عداوة »

قلت له: ما أنا بقارئ، و » هنيت راسي  » على شاكلتـ  نا. فخرج بعصاه إلي، أنا الذي أفنيت عمري في القراءة، وما قرأت! جاء من بعدي وفي مجموعتي البشرية من لم يقرأ وقرأ، ثم نال ما نال من نصيب أوفر، وحظ عظيم، وجاه عال، حتى أصبح يشار إليه بالبنان وهو الموز على حد علمي. إنك خاطئ أيها الحالم النائم؟ البنان في اللغة العربية هي الأصابع،

قل لي:  » يشار إليه بالصبع  وهنني « ، وتمسح أحذيته بأيدي المجانين، وإن نطق ذكرني بأخي الشقيق الذي صاحبني في رحلتي الليلة، ربما الذي ينام واقفا أو صديق جحا، لم أتذكر حيث المشهد مضبب ورمادي عندي، لم يصف عندي بعد! وأنا مازلت لم أستيقظ من النوم بعد، لقد عرفت لماذا كل هذا النوم؟ لأني من الحيوانات الناطقة التي تتلذذ بالبيات الشتوي في مغارات الظلمات عفوا الظلام أو الظلم، لا أدري أية لفظة صحيحة معجميا وسياقيا وأسلوبيا حسب لغويي العصر . وكيف أدري وأنا الأمي الجاهل جهل الأب، فأنا جهلي مركب من الأم والأب، حيث يمكن أن تطلق عليه أو علي أو على من شابهني أو تشبه به، أو شابته شائبة مني، فتقول له على حد قول شيخي: » الأمبيّ  » بياء مشددة لإدغام ياء الأم في ياء الأب، فيصير النحت اللغوي مناسبا لوضعي البشري. هكذا رأيت في منامي يناديني شيخي، فكثيرا ما كان يصنفني وأمثالي من فصيلتي بنقط الحذف في قوله » ….. الطاحونة ».

فكثيرا ما كنت أنتشي بقوله هذا معتقدا أنه يمدحني لكثرة فطنتي، لأني لا أعرف السابقة قبل الطاحونة؟! فقد تتلمذ شيخي والله أعلم في الغرب، ليس مغرب الشمس حسب جغرافية مجموعتي البشرية، وإنما الغرب الغرب، فهو ينطق سبحان الله بلسانهم، وكثيرا ما قال لنا نحن الطلبة ـ طبعا في المنام ـ أنه؛ ما يقوله لنا وعنا سبق أن قيل له وعنه في الغرب، فكثير من أساتذته الأجلاء كانوا يقولون له: أتمم ما يلي: أنا ….. الطاحونة ». فكنت أقول له حين يبني قوله للمجهول، ويقول: أقول لكم ما قيل لي هناك، لقد غرفت يا شيخي العزيز علما جما حتى أصبحت نقط حذف. ما أعظم العلم الذي يؤخر ولا يقدم، ويهدم ولا يبني، يبيع صاحبه ببصلة عند التخرج إلى الحياة، ويعتقد أنه يصنع خيرا! فكان رحمة الله عليه يصحح لي ويقول: العلم الذي لا يتوافق مع الجاهلين علم، والعلم المتوافق مع الجاهلين جهل. لكن لم أفقه عن شيخي يوما شيئا مما يقوله، لأن قوله مشكول علي، رغم ذلك تقدمت في الدراسة عليه، ونلت إجازته في فقه العلم. حيث رأيته اليوم في منامي، وهو يحدثني بقوله لي، وبصوته الجهوري الجمهوري نسبة إلى جمهور الطلبة المتحلقين حوله حين الدرس: إياك يا ابني أن تفرط ومجموعتك البشرية في أمبيّتك! فهي التي تريحك من هم العقل والتفكير في حالك وحال كتلتك البشرية. وكن أعتى الخصوم لمستقبلك، ذواقا لهرطقة وهمروجة وشعبوية ساستك. فحيث أعرف أنك جاهل بالطبع والتطبع، أنصحك بعدم الاقتراب من الفهم أو حتى التفكير فيه. فالأليق بجهلك وأمبيّتك ألا تعرف شيئا. فالجهل من طبعك، فارق بنصيحتي، فتلتحق بي في نعيم الجهال والمخبولين المتبولين على سراويلهم، العاضين على آلامهم، فالله معهم، فهو مع الصابرين المحتسبين، أما أولئك فهم المنعمون، ونعمة الدنيا إلى زوال. فلا تغرنك الدنيا، ولا تطلب عمارة الكون وانشد البساطة والتبسيط في كل الأمور، حتى تصير بسيطا وتحشر مع البسطاء. فمن يومها أصبحت من العاضين الصابرين الجائعين الخائفين من الفراغ وعلى الفراغ. سبحان الله رؤيا شديدة التعبير عني وعن قومي، هم مثلي، لكن أنا لست منهم، ولكن هم مني وأنا منهم، هكذا علمني أستاذي وشيخي في منامه لا منامي، فأنا مستيقظ ما رأيت إلا ما رأى في منامي، أني بعت العشيرة بأبخس الأثمان، والبلاد وزعتها على الولد والأحفاد والأصنام، بدعوى الخدمة، والخدمة خدمة للأوطان، هي في حقي ريع، وفي حق المقهور حلم متعال، ناطحات السحاب أقرب منه في المنال، فاكدح إليه، حيث ما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، وما رأيت غلابا! ولكن عكازا وأحبالا وأطباقا وجاها، يبيعون الوهم للناس، وإن نطقوا قالوا صوابا. فما بال المقهور والدنيا، ودنياه في آخرته. محرمة عليه أن أرقى بها إليه، فما كنت من عشيرته إن فعلت، فأبقيني في عشيرتي وحضيرتي، فمنها أستقي وجودي وولدي وأحفادي. بها أرزق ريعا وأرشف قهوة وأشرب ماء زلالا كالذي وجدته في السوق مجانا … خرف لحق بإنسانيتي إن خدمت قومي، فأنا الخادم الخادم، وهو المخدوم المخدوم، فما الزيادة في الطلب سوى خدمة الخدمة المخدومة. وأنا لها موجود وراعيها حتى تخدم. فلما تخدم أرفع يدي وأقول لكم شكرا أعنتموني على خدمتكم. وما أنا إلا في خدمتكم لأخدمكم. لقد كثرت علي الخدمة حتى أصبحت خدمتي جزءا من ذاتي، إذا لم يخدموني لا أكون مرتاحا، ولا أرتاح إلا حين يخدمونني. نعم البشر في مجموعتي البشرية، تمنيت لو خدموا الغرب، وأنا أدعوا بين يدي شيخي للأساتذته الغر الميامين: اللهم ارزقهم من طينتا من يخدمهم كما خدمونا، فقال: لا آمين، فتعجبت، وقلت له: أنا أدعو لهم وأنت تنكر علي الدعاء، فرد علي بصوت مرتفع غضبانا كالرعد: إنك تدعو عليهم لا لهم.

والله، ثم والله، لو سلطك الله وأمثالك الكثر عليهم لصيرتهم بهيمة الأنعام ترعى في براريهم العشب. زد على ذلك، لخربت علينا أوطاننا أكثر مما هي مخربة. كيف يا شيخي المبجل؟ من يصنع الدواء؟ من يصنع الطائرات؟ من يصنع الأغذية؟ من يفلح الأرض؟ من يصنع الحواسيب؟ من يصنع ويصنع؟ … فإذا ما سلطك الله عليهم؛ خربت عندنا قبل أن تخرب عندهم؟  » داك الساعة فاش تمرض دك قطبان شوا في جنبك باش تبرى  » هذه  » دعوة المساخيط ، أش داك تدعي معهم؟ سير تكلس، وقرى داك شي لعند في اللوحا ». هكذا جلست على الحصير مضيم، أتمتم في نفسي، حتى الدعاء لهم بالخير ممنوع عند شيخي. ربما كان عارفا بحالي أكثر مني؟! سأتمعن في الأمر حين أستيقظ من نومي؛ قلتها لأستاذي وشيخي حبيبي معلمي كل الآداب. فترى أي مقام سأصير إليه بعد التخرج والإجازة عن الشيخ ذائع الصيت، المشهور بين القوم؟ مقام البهيمة أو المبهم؟ المهم نتخرج والله  » الحنان المنان « ؛ فإذا لم أصر كالبهيمة ولا المبهم، أقصد الزاوية، وأطلب النسب بالبطاقة والصورة، فأتعلم الورد المورود عن ناطقها الرسمي، فيأتيني الرفد المرفود والعون الممدود على طبق من كلام طري بلسان عربي ولحية طويلة عنوان زهد الزاهدين في الزاوية أو شعر مصفوف عند حلاق المدينة وشارب ورذاذ عطر عند المؤسسة، أحسبه نسيم فم العلماء العاملين المقتدرين! والله ثم الله وبالأيمان الغليظة كهراوات المخزن إنه ريح لا شرقية ولا غربية ولا شمالية ولا جنوبية، هي دائرية تدور بدوران الدائرة، كلما هبت أبطلت الوضوء والصلاة وأزكمت الأنوف. ماذا كتبت على لوحك أيها الطالب المسكين، الجاهل المغمور؟ ذكرتني بحالي عندما حللت أول مرة بالغرب. ألم أقل لكم إنه تتلمذ في الغرب؟! لي حدس قوي! لك أيها الضبع عدس قوي؛ لأول مرة أسمع بناطق رسمي للزوايا ؟ من أين أتيت بهذا العلم؟ أستاذي الفاضل الكريم وشيخي المبجل المعظم، ما قلت إلا ما سمعته وقرأته في الجرائد المكتوبة والمسموعة والرقمية. وما الرقمية؟ نسبة إلى الأرقام يا أستاذي، فهي مثلنا أرقام في سجلات، وأرقام في بطائق، وأرقام في صناديق … وهكذا أستاذي. لم أفهم عليك يا ولدي! الحمد لله صار مثلي، لا يفقه شيئا مما أقوله. آه؛ الآن أصبحت كأستاذي في العلم وفقه الحياة! سأنتخبه المرة القادمة لينوب عني في خدمتي. ما أعظم أستاذي إذا خدمني، فخدمته خدمة لي! وما كدت إتمام نية انتخابه، حتى استيقظت مفزوعا على إثر ألم في رأسي. إنها أمي أيقظتني بضربة على جمجمتي، وهي تأنبني عن اختمار جسمي بنومي.

آه؛ مازلت أشم الرائحة التي كنت أشمها في قومي، سبحان الله؛ أمازلت في مجموعتي البشرية؟! فإذا بأمي تقول: إنك تبولت الليلة في فراشك أيها  » الحلوف « ، ادخل إلى الحمام لتغتسل. فقلت لها: هل لدينا حمام؟ قالت نعم. ادخل إلى المرحاض واغتسل، ونسيت أن المرحاض مزدوج الوظيفة وحتى المطبخ هو بيت للنوم ومطبخ للأكل، في النهار مطبخ، وفي الليل بيت. المهم؛ لا شيء يضيع في هذا الكون على حد قول العلماء! فنحن نعمل بأقوالهم ونطبق قوانين علمهم بحذافيرها. فإذا ما ارتفعت الأثمان، خفضنا نحن المشتريات؛ وكم من حاجة قضيناها بتركها على حد فقهائنا الكرام! الذين علمونا والعلماء التقشف، وعلموهم البذخ والإسراف والتبذير! فنحن نفقه الحياة حق الفقه، نموت وكلنا ديون، تبيع البنوك بيوتنا، وتحجز معاشنا عن ذريتنا، وإذا نطقنا سجنونا كالعصافير في أقفاص صغيرة، واتهمونا بأبشع التهم وأغلظ الجرائم… اسكت  » يا مسخوط الوالين « ، هذه المرة قالتها أمي ولم يقلها شيخي، لأن للجدران آذان منا. احمل حقيبتك الظهرية وسلعتك، وتجول بها في المدينة، فباب الرزق عند الله واسعة. ما أعظم إيمان أمي، وما أعظم صبرها! وما أعظم أمبيّتي! سلم ودرج أنا، تمتطيه أحدية عفنة وسخة نتنة لا تكاد تفقه شيئا! علقت بها كل الأدران والأوساخ والأوحال وحتى روث الإنسان، كل ذلك ممحاة له أنا. فما أعظمني من جسم ضخم عريض ممتد الأغصان، وعقل صغير مثقوب بالمسمار والنار، وبالعلم عشعشت فيه الخزعبلات والفراغات! فما أعظمني من فقيه علم لا يفقه من فقهه شيئا! هكذا وسمني شيخي ذات ليلة وأنا أقرأ عليه لوحه المضمخ بالصلصال والخطوط والخرباشات الضائعات في متاهات الفهم! كنت وشيخي ليلتها وجهان لعملة واحدة في جيب واحد، جيب من امتهن الخدمة خدمة الناس بالكراس والحراس والعسس، وبالخطب والنعاس. إذا استفاق أذاقنا من البأس ما يشيب له الراس. فهو في خدمتنا يخدمنا بنعيم الإحساس. يا له من نعيم جحيم نعيشه كل مرة، ويتكرر فينا ملايين المرات! هذا ما رويته عن شيخي وما رواه عني في منامي، لكن ما روى وما رويت إلا ما رأيت، في منامي أو هدياني أو اختلال عقلي أو هلوسات عمري. بل؛ قل هي نوبات قلبي ودقات عقلي تؤرقني في مرضي، وتشتد علي في ليلي، فتحيلني رقما من أرقام منازل دربي. يؤتى بها في مشتل الطفيليات لتشهد عليها أنها من الباسقات العاليات … عجيب حالي، وغريبة هي أطواري … حتى أستيقظ من منامي!. وختمه شيخي ب: « رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يعقل » ، وما ظننته كاذبا لأنها كلها وباعترافي جمعت في شخصي المتواضع لله الواحد القهار، والحمد لله.

عن شيخه؛ رواه عبد العزيز قريش بن أحمد بن علال الغزاوي في صحيفة منامه

 

في فاس المحروسة بتاريخ  17 محرم 1438هـ الموافق لـ 19 أكتوبر 2016

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *