Home»Femme»فجيج : مقعدان وثلاث إسبانيات

فجيج : مقعدان وثلاث إسبانيات

0
Shares
PinterestGoogle+
 

    امتطيتُ حافلة الثامنة من صباح الأربعاء : 19 / 11 /2014 ، وقبل أن يأخذ الحاجزون مقاعدهم، كان الممر على وشك الامتلاء ، ثم امتلأ إلى حدّ الفيض.. قلت في نفسي : محال أن يفلِتَ هؤلاء من الشرطة ، وإنْ أفلتوا فمن الدرك الملكي الذي وضع عدّته على حواليْ كيلومتر واحد من مقرهم الدائم، وهكذا سنتأخر في إنجاز أشغالنا وربما تعطلت إلى غد ..
وقفت الحافلة المتخمة المتآكلة أمام البوليس ، لم يكلف أحد منهم نفسه أن يطل من الباب، ولم يتأخر مساعد السائق إلا بقدر ما يتأخر مؤتمن عجول سلم الأمانة إلى صاحبها .. ثم انطلقت في أمان الله وحفظه ، وبعد دقائق لا تكاد تعد رستْ أمام الحاجز الدركي، قبل أن يضغط السائق على الحصّار كان مساعده قد جمع ثلاثة جوازات حمراء من ثلاث شابات إسبانيات.. نزل، تأخر قليلا، ثم استأنفت السير وهي تنوء بحملها لا رحيم ولا شفيق … نزل واحد في جماعة عبّو الأكحل ، ولم تكد الحافلة تستأنف حتى وقفت لاستقبال بدوي وابنته الصغيرة.. أخذت امرأة واقفة تستنكر الزحام وتتأفف والناس من حولها لا يأبهون إلا شابا نهض لها من مقعده فجلستْ وهي له شاكرة ، في تلك اللحظة البارّة أخلت الشابة الإسبانية مقعدها لواحد آخر، وتكومت فوق حجر زميلتها ، فصرن ثلاثة في مقعديْن، ثم صرن أربعاً بعد أن أجلست الأخرى على حجرِها الأهيفِ تلك البدوية الصغيرة اللطيفة التي لم تستجبْ لإشاراتها الملحة وابتساماتها إلا بعد أن دفعها أبوها، وسقطت من عينيها البريئتيْن عبرات الحشمة والرفض .. كانت السعادة بادية على تلك الوجوه الإيبيريّة المتألقة، يضحكن ويثرثرْن، ويتسلّين بحبات التمر الناعسة أمامهن في كيس بلاستيكي أبيض.. ولا أدري هل هو ضحك بهجة وسعادة؟ أو ضحك استهزاء وسخرية من شعب لا يشتكي وشرطة ودرك خارج القانون، وحافلات حقها أن تُحال على المتاحف الأثرية ؟ ..
ومهما تكن طواياهن وسرائرهن فأنا فلم أكن سعيدا على الإطلاق، كان قلبي يحترق جرّاء الحالة الكارثية التي لا يزال عليها قطاع النقل بين فجيج ووجدة ، يحترق أكثرَ على هذه الأجساد المكدّسة لا تئنّ ولا تشتكي، ويحترق أكثر وأكثر على الجهد الضائع المبذول باستمرار لمحاربة الرشوة التي ضربت علينا كالعنكبوت بنسجها، وأصبحتْ مظهرا مقبولا وجزءا من معيشنا اليومي .. وقد بانَ ذلك جليا في رحلة العودة التي كانت أسوأ من أختها ، حينما قال أحد المواطنين بكل تلقائية لمساعد السائق :  » إذا لم تكْفِهم عشرون أعطِ لهم أربعين « .. فهل من سبيل إلى إرشاد الشرطي والدركي والجمركي وغيرهم إلى أن طلب الحلال فرض واجب على المسلمين كالصلاة والزكاة؟  وهل من سبيل إلى إقناع أرباب الحافلات والعاملين فيها بأن تطبيق القانون كتطبيق الشرع، وأن المسافرين أمانة في أعناقهم؟  فلماذا أترك في حافلتي ثغرة تضطرني إلى دفع الرشوة ؟ وفوق هذا وذاك لماذا يتقاعس المسؤولون في قطاع النقل عن التطبيق الصارم للقانون؟ لماذا يصمت المواطنون وهم يرون الراشي والمرتشي رأْي العين ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ كلنا مرضى.. كلنا مرضى.. والسبيل واضح بارز جليّ سبيل الله العظيم وسبيل رسول الله الكريم ؟ ولو التزمنا لتقدمنا وتحضرنا، وكان لنا خيرا وأشدّ تثبيتا ، وتأكدنا أن بهجة الإسبانيات كانت سعادة لا شماتة ولا سخرية..

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.