Home»Correspondants»التفرغ النقابي بين المشروعية والمحسوبية !

التفرغ النقابي بين المشروعية والمحسوبية !

1
Shares
PinterestGoogle+

تميز الدخول المدرسي: 2014/2015 لهذه السنة، بما رافقه من اضطرابات واكفهرار الأجواء، جراء عدة اختلالات، يبقى أبرزها: تعطيل استئناف الدراسة في العديد من الفصول الدراسية، إلى غاية عودة مدرسيها المنخرطين في عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى، التي لن تعرف نهايتها إلا يوم: 20 شتنبر 2014، القرار الانفرادي والتعسفي لرئيس الحكومة السيد: عبد الإله بنكيران، القاضي بإجبار فئة من الأطر التعليمية البالغة سن التقاعد، على الاستمرار في العمل إلى متم الموسم الدراسي، ثم قرار وزير التربية الوطنية والتكوين المهني السيد: رشيد بلمختار، منع الترخيص باستكمال الدراسات الجامعية للراغبين في ذلك، تحت ذريعة حماية المصلحة العامة للتلاميذ. وعلى إثر الإضراب الوطني ليوم: 23 شتنبر 2014، الذي دعت إليه ثلاث نقابات: الفيدرالية الديمقراطية للشغل مع الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والمنظمة الديمقراطية للشغل، طفا على السطح من جديد ملف التفرغ النقابي…
ذلك أنه، بدل تتويج ما أكدته النقابات المعنية، من كون نجاح الإضراب الوطني فاق كل التوقعات، بإحراز نتائج ملموسة تحد من منسوب الاحتقان الاجتماعي، طالعتنا بعض القصاصات الإخبارية، تعلن عن تشبث الحكومة بمختلف قراراتها الاستفزازية، واعتزام السيد بلمختار إيقاف نزيف التفرغات النقابية، وأنه من المرجح مراسلة الكتاب العامين للنقابات المعنية في أقرب الآجال، قصد الشروع في سحب تفرغات البعض، وعقلنة أعداد المستفيدين حسب آليات موضوعية. ومهما يكن من أهداف معلنة وخفية وراء إشهار هذه الورقة في هذا الوقت بالضبط، فإن ما ينبغي الإفصاح عنه بلا تردد، هو أن الحكومة استغلت ضعف النقابات وتشرذمها، وفطنت إلى فقدانها المصداقية لدى شرائح واسعة من الموظفين والأجراء، بسبب تخليها عن مساندتها والدفاع عن حقوقها في الكثير من الملفات. ومن تم خلا لها الجو لتمرير قراراتها من منطلق القوة، وإلا ما كان لرئيسها إغلاق كل قنوات الحوار الاجتماعي، والاستمرار في ركوب رأسه بالإجهاز على المكتسبات وقمع الحريات دون مقاومة صريحة، اللهم إلا بعض مظاهر الاستنكار والتنديد الخجولة، التي لا ترقى إلى مستوى التصدي الناجح…
والعمل النقابي، يسعى في شموليته إلى تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للأجراء والموظفين، والحرص على تأهيلهم لاكتساب الوعي بأحوالهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والبحث المستمر عن تطوير البرامج النضالية الهادفة… ويعد الحق النقابي من بين أسمى الحقوق في الدفاع عن مصالح الشغيلة، لذلك تم تكريسه في مختلف آليات حقوق الإنسان، سيما في اتفاقيات الشغل العالمية سواء حول حرية الانتماء النقابي، أو حق التنظيم والمفاوضة الجماعية أو حول ممثلي الأجراء والموظفين…
وبناء على حاجيات النقابات والجمعيات والهيئات المدنية إلى تعزيز أجهزتها التدبيرية، كان ضروريا التفكير في دعمها بالموارد البشرية القادرة على مساعدتها في الارتقاء بجودة أدائها، النهوض بخدماتها، والاضطلاع بأدوارها التوعوية والتأطيرية في أحسن الظروف. وعملا بالمبادئ المعتمدة في سائر البلدان المتقدمة، منح المشرع المغربي النقابات الحق في التفرغ النقابي أو الإلحاق. وهو إلى جانب ذلك، ثمرة سنوات طوال من النضال، حينما كانت النقابة تعد بحق واجهة قوية للكفاح ونكران الذات. وإذا كان النظام الأساسي للوظيفة العمومية، تطرق إلى التفرغ النقابي في الفصول المتعلقة بالإلحاق، فالظهير الشريف المؤرخ في 24 فبراير 1958، كما حصل تغييره وتتميمه، جاء لترسيخ حق الموظف الراغب في الاستفادة منه شريطة موافقة الجهات المعنية، مع الحفاظ على إطاره ومنصبه المالي، والترقي في الرتبة والدرجة وفق القانون المعمول به. ويكتسي التفرغ صبغة قابلة للإلغاء كما ورد في الفصل (48  )، في حين أن الفصل ( 50) يحدد مدته في خمس سنوات قابلة للتجديد بفترات متساوية…
بيد أنه خلافا للتسهيلات التي منحها المشرع للنقابات، وللأهداف النبيلة التي من أجلها أحدث التفرغ النقابي، سرعان ما أفرغ من محتواه ليفقد معه العمل النقابي ككل جوهره الحقيقي، المتمثل أساسا في التكوين والدفاع عن مصالح الشغيلة، ومحاربة كافة أشكال الاستغلال والامتيازات واقتصاد الريع. فالتدبير السيء لملف التفرغ النقابي شرع الأبواب أمام انتهاكات صارخة وفوضى عارمة، وأصبح هذا المكتسب جزء من البيروقراطية النقابية، حيث لم يعد يعتمد الجودة في الأداء والخضوع لحاجيات النقابات، بالقدر الذي صار مرتبطا فقط بالمحسوبية. لقد تحول إلى وسيلة غير مشروعة لنهب أموال الشعب، مشكلا بذلك نوعا من الريع النقابي يستفيد منه المقربون، حسب الولاءات والحسابات الضيقة. أين نحن من ترشيد الموارد المادية للدولة، وإرساء أسس الحكامة الجيدة، التي طالما ترنمت بألحانها النقابات في التظاهرات، وقد أضحى التفرغ النقابي عبئا على الخزينة العامة، خاصة إذا ما علمنا أن هناك من الموظفين من لم يعمل أكثر من سنة أو سنتين، ليحصل على تفرغ امتد إلى غاية إحالته على المعاش، تحت تصرف قطاع عام، هيأة سياسية، جريدة معينة، أو جمعية لحقوق الإنسان حتى؟ انهار العمل النقابي، تراجع مستوى النقابات وتخللت المشهد النقابي نقائص فادحة. وإلا فما معنى أن يتحول التفرغ النقابي إلى أداة لتبادل المصالح، واستثماره من لدن الإدارة في تدجين بعض القيادات النقابية؟
لقد أمسى التفرغ النقابي من بين قضايا الفساد المطروحة بحدة، والتي تستوجب الانكباب الجدي والمسؤول على معالجتها، لانزياحها عن مقاصدها الدستورية والكونية، وعدم احترامها للشروط الموضوعية والمعايير الديمقراطية. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن الوزير السابق والمثير للجدل السيد: محمد الوفا، سبق له الاستجابة للأصوات المطالبة بالكشف عن الموظفين الأشباح ونزع أقنعة المتفرغين، الذين هيئت لهم ظروف الاستفادة للقيام بأعمال حرة خارج الضوابط الأخلاقية والقانونية، دون مراعاة لما أحدثوه من فراغ في نياباتهم الأصلية، ولما ظلوا يستنزفونه من أموال عامة بلا موجب حق. وعلى الرغم مما تم نشره من لوائح على علاتها منذ عام 2012، عن المستفيدين من رخص النقل، المحتلين للسكن الوظيفي، « الموظفين الأشباح » المتمتعين بالريع النقابي والإلحاق الصوري، فقد بقيت دار لقمان على حالها تندب حظها، لعدم اتخاذ إجراءات مرافقة تقطع دابر المفسدين وحماتهم. قد تذهب حكومة بنكيران وتأتي حكومة « فرتلان »، ويستمر الفساد مستشريا بيننا، ما لم تتكاثف جهود الجميع وتتوفر الإرادة السياسية الحقيقية، لاجتثاث جذوره…
وليس الهدف من إثارة موضوع التفرغ النقابي، استهداف الحرية النقابية والسعي إلى محاولة ضرب هذا المكسب الثمين، الذي جاء نتيجة نضالات غزيرة ومريرة، وإنما الغرض هو التنبيه إلى هذا النكوص المزعج وما آلت إليه أوضاع النقابات من ترد وتضارب المصالح، للتعجيل بإنقاذها وتدارك الأمور عبر تحديد مقاييس شفافة وصارمة، تراعي المصلحة العامة، تحترم مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، وتمنح حق الاستفادة لمستحقيه قصد استرداد وهج وهيبة النقابة، وإعادة الثقة للعاملين في سائر القطاعات، على أن يكون التفرغ بشكل تناوبي، وتشهر أسماء المستفيدين عبر مختلف الوسائل الإعلامية في وجه العموم. فتحديث الإدارة يقتضي النزاهة ودمقرطة الولوج إلى تحمل المسؤوليات، بدل ترك الحبل على الغارب..

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *