Home»International»سنة التدافع وعوامل النصر : بقلم عمر حيمري ( 9) يتبع

سنة التدافع وعوامل النصر : بقلم عمر حيمري ( 9) يتبع

0
Shares
PinterestGoogle+
 

                سنة التدافع وعوامل النصر  (9 )  يتبع  : بقلم عمر حيمري

إن الظفر بإحدى الحسنيين يحتاج بالإضافة إلى العوامل الغيبية التي سبق ذكرها إلى عوامل نفسية وأخرى مادية .

عوامل نفسية  :  

قديما قال سقراط  » اعرف نفسك بنفسك  » أي أخضعها للعقل والتدبر والتفكر لتميز الجانب الخير فيها من الجانب الشرير، بهدف استخدام  الخير ضد الشر، وبهدف الاستفادة من الخير وتجنب الشر ونبذه وتجاوزه  والعمل على تنقية النفس وتقويمها وتزكيتها ، وعلى تعريفها بخالقها وتوجيهها بل حملها على طاعة أوامر ربها واجتناب نواهيه ، والمعصية والفجور . [ ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها  ] ( سورة الشمس آية 7-8-9  ) . إن النفس البشرية قابلة للتأثر والتأثير ، وهي المسؤولة  عن كل سلوكياتنا من معتقدات ومفاهيم واختيارات وعن علاقتنا بالله وبالشيطان وبأنفسنا وبالآخرين وبالكون ككل ، وهي قادرة على إنتاج الخير والشر الذي قد ينعكس على الفرد وعلى المجتمع سلبا وإيجابا . ومن ثم أرى أن العامل النفسي، هو من أهم العوامل المؤثرة على سلوكيات الإنسان وتصرفاته وهي التي تكمن وراء كل نجاحاته أو إخفاقاته ، تكمن وراء انتصاراته أو انهزاماته . ولقد أثبت تاريخ  الحروب البشرية ، أن العامل النفسي ، كان دائما وراء جل الانتصارات ، فالحرب النفسية ضد العدو تلعب دورا مهما في تحقيق النصر، والذي يتقن الحرب النفسية ويمارسها على عدوه ، هو الذي ينتصر في النهاية ، وقد لا ينفع المجهود الحربي المادي والاقتصادي والسياسي مهما كان حجمه ، دون  توظيف العامل النفسي المتمثل في معرفة نفس العدو ، وميولاتها ، وما تؤمن به ، وما تحبه وتكره …  توظيفا منظما تنكسر معه إرادة العدو، وتشل حزمه ، وتزرع فيه الخوف والهوان ، فيولي الدبر ولا يقبل على المواجهة . ولأهمية العامل النفسي ودوره في النصر أو الهزيمة ،اهتم القرآن الكريم بالتوجيهات النفسية وحثنا على بناء النفس وترميمها لمواجهة الأعداء  وبين لنا حقيقة النفس وكيفية التعامل معها مع ضرورة مواجهتها بالحقيقة الكاملة والواقعية الصريحة ، تجنبا لأي مفاجأة غير سارة ، قد تؤثر على الثقة في النفس ، فتجعلها تنتكس على عقبها وتظن بالله الظنون . والله سبحانه وتعالى نبهنا إلى هذا في قوله تعالى : [ ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تالمون فإنهم يالمون كما تالمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما ] ( سورة النساء آية 104 )  وقوله [ إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ] ( سورة التوبة آية 111) .    

إن الله حرم الكذب ومنه الإشاعة لما فيه من آثار سلبية هدامة للنفس وأعماقها  وإن أفضل وسيلة وأقواها لترويج الخبر الزائف ولتوصيل الإشاعة المغرضة  إلى أعماق النفس هي الصورة والكلمة وكل وسائل الإعلام ، وذلك بهدف إقناع العدو وجعله يصدق  ما ينشر من أكاذيب ، للخداع والتضليل بل يروج لها من حيث لا يدري ، فيتسرب اليأس إلى النفوس وتنشأ عندها حالة سيئة من الخوف والرعب والتردد … يستثمرها العدو في تحطيم معنويات الخصم ، والتشكيك في قدراته القتالية وفنونه الحربية ، والعمل على خفض روحه المعنوية … الشيء الذي قد يحدث الارتباك والفوضى بين عناصره المقاتلة ويدفعها إلى الانسحاب السريع غير المنظم  من ميدان القتال ويعرضها إلى الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد ويتسبب لها في الهزيمة .

 صحيح أن وسائل الإعلام لها دور كبير في الترويج للإشاعة ، ولكن الرأي العام أقوى وأهم لنشرها وتصديقها في نفس الوقت ، ولذلك نبهنا الحق سبحانه وتعالى بل علمنا كيف نتعامل مع الإشاعة ، حتى لا تحقق أهدافها . فإذا كان الأمر يتعلق بالأمن أو الخوف أو خطة للظفر بالعدو ، وجب على المسلمين أن لا يظهروه أو يتحدثوا به قبل أن يتأكدوا من صحته وحقيقته ، لأن ذلك فيه إفشاء للسر من جهة ، ومن جهة أخرى يساعد على الإرجاف ونشر الكذب والمبالغة فيه ، وحتى لو كان هذا الأمر صحيحا وواقعا ، فإن في إشاعته خطرا وضررا على أمن الأمة وسلامة المجتمع  والإساءة إليه ، فإنه يحرم الترويج له ونقله من دون تثبيت وتمحيص ومن دون الرجوع إلى أولي الأمر ، لأنه خدمة مجانية للعدو ، وخيانة وطعن في ظهر الأمة . لهذا حذرنا الحق سبحانه وتعالى من الوقوع في مثله فقال : [ ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ] ( سورة  الحجرات   آية  6 ) . والأولى أن ترجع أمور الحرب إلى أمير الأمة وقائدها وإلى العلماء والوزراء ، فهم وحدهم الذين يقررون ما ينبغي تسريبه من الأخبار ، وما يجب كتمانه والتستر عليه ، للمحافظة على ارتفاع المعنويات ، ومحاربة الانهيار النفسي وهبوط أو تدني العزائم ومواجهة التشكيك في الإمكانيات والقدرات الحربية والتقليل من أهميتها ومن شأن الانتصارات المحققة … حتى تبقى الجبهة الداخلية متماسكة متلاحمة وفي انسجام تام . يقول سبحانه وتعالى في هذا المعنى : [ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ] ( سورة النساء آية 83)  .

إن مواجهة العدو ليست بالهينة ولا السهلة ، وقد تترتب عليها آثار مدمرة على مستوى الأرواح والأنفس وعلى مستوى البيئة والعمران ، فهي تحتاج إذن إلى ترتيبات واستعداد وصبر وثبات ويقين في الله وثقة في النفس بعيدا عن العجب أو التخاذل والضعف أو الاستهانة بالعدو . لهذه الأسباب ولغيرها ، نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تمني لقاء العدو وطلبه ، لأنه أشد وطأ وأثقل شيء على النفس ، لما في ذلك من غرور وعجب وثقة زائدة عن الحد في القوة الذاتية ، وربما احتقار العدو ووضعه دون حجمه والوقوع في سوء تقدير قوته الحقيقية . الشيء الذي قد يؤدي إلى إهمال الاستعداد لمواجهة العدو ، وترك أخذ الحيطة والتربص بالعدو . فقال صلى الله عليه وسلم {  لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية ، فإذا لقيتموه فاثبتوا وأكثروا ذكر الله فإن أجلبوا وصيحوا فعليكم بالصمت } ( رواه البيهقي  ) . فإذا كان لا بد من لقاء العدو لدفع شره وعدوانه  وجب الصبر والتحمل لتحقيق النصر . لقوله تعالى [ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون  وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ] (سورة الأنفال آية .45-46)…..

إن توقع التعرض للإصابة بأذى العدو ومصيبة القتل ، أمر وارد ومحتمل تفرضه طبيعة الحرب يجب وضعه في الحسبان ، وعزاؤه وأجره إحدى الحسنيين . ولذالك جعلنا القرآن أمام واقع آلام الحرب ومصائبها ، فنحن نعرف نتائجها مسبقا فلا يجب أن ننزعج منها ، أو نفر من قدرنا ، فالمواجهة إذن مطلوبة والإقدام عليها واجب ، والحكمة منها يبينه قوله تعالى :  [ هذا بيان للناس وموعظة للمتقين ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مومنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ] (سورة آل عمران آية  138 139 140 1441 ) .

إن الصبر هو منع النفس وحبسها عن ملذاتها وشهواتها ومطالبتها بتحمل المشاق والمتاعب وكل مكروه في سبيل الله إلى جانب القيام بالطاعات والواجبات وتجنب المعاصي والآثام ، وهو عامل نفسي وركن أساسي في أي حرب إلى جانب التقوى والالتزام بأمر الله وطاعته . فالصبر والتقوى والذكر ، هم عامل صفاء ونقاء للنفس وعلى أساسهم وبسببهم يتحقق النصر ، وهم العدة

النفسية التي لا يقوى عليها العدو ولا يملكها، لأنها …(يتبع ) بقلم عمر حيمري

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *