Home»National»أحمد هكو في رحمة الله

أحمد هكو في رحمة الله

0
Shares
PinterestGoogle+

رحـــم اللــــه أخـانـا أحـمــــــدا         كـان شـهـمـا ألـمـعـيــا سـيــــــدا
درّس الـعـلـم فـأبـدى حـكـمــــة        ورئـيـسـا قــرويّــا أمـــجــــــــدا
مـلأ الـمـجـلـس ضبـطا فَـسَـمــا        وبـدا الـفـضـل عـلـيـه سـرمــــدا
أتـرى تـلـك الـخـصال احترقـت         وسـفـى الـريـح عـُـراها بـــددا ؟
أخــذ اللــه رجــالا كــالــحـــيــــا         أنـت فـي طـلـعـتـهـم نـور هـــدى
فـسـقـاك اللــه مــن رحـمــتــــــه        وكـسـاك الـخُـلْــد فـي خـيــر رِدا
عرفته أول ما عرفته بحكم مهنة التعليم التي جمعتنا ، معرفة بدأت صغيرة محتشمة  بمعلومات ضحلة وفكرة محدودة عن صفاته واتجاهه واهتماماته .. ولم يكن بيننا جوار جغرافي يزيد تعارفنا ألفة ويعجل به نحو الاستحكام والارتقاء ..
ثم أصبحنا نلتقي بصفة شبه دائمة حينما كان قريبا مني أستاذا في ثانوية التعليم الأصيل ، ورئيسا للمجلس القروي ، سعدت بصحبته كثيرا ، وانغمرت أكتشف شخصية فذّة ، تنغلق على الكثير الغزير من صفات الرجولة المطلوبة المحمودة .. ففي التعليم كان رحمه الله أستاذا متميزا ناجحا ، نوّر العقول بأصالة تفكيره ، وغذّى الأرواح بقيمه النبيلة ، وشحذ العزائم بهمته العالية ، ونفخ في الأجيال روح الطموح ، وحبب إليهم الانتماء بغيرته المتوثبة على اللغة العربية ، كل ذلك  في إخلاص عزيز ، وتفان لا ندّ له ولا نظير ، وقدرة فائقة على تدبير الغلاف الزمني ، وشد انتباه التلاميذ وتركيزهم .. وكيف لا وهو من طينة أولئك المعلمين القدامي الأفذاذ الذين ملأوا سماء فجيج عطاء وتضحية جزاهم الله عنا أحسن الجزاء ؟!
أجل ، لقد بدأ رحمه الله معلما ، ولم يكن قانعا بذلك مثلما كان حال كثير منهم ، بل تميز بحب المطالعة ، والجد في التحصيل ، ولم يمنعه بلوغه من العمر مرحلة تؤذن بالخمول وعشق الوسائد وقرعات الطريق أن يحتدّ في طلب العلم مع مشقة التكاليف ، وأعباء التنقل إلى وجدة لجمع الدروس ، ومواكبة المستجدات  .. وكنا في ذلك إخوانا على سرر متقابلين ، وعليه أعوانا متضامّين متناصحين ، نناقش فنتفق كثيرا ونختلف قليلا ، وربما ثار ـ رحمه الله ـ في وجهي ؛ لحدّة طبع عرفتها فيه فلم أتفرغ للرد عليها بموقف ؛ لأن قلبه كان أطيب وأنقى وأبعد من براثن التلون والمكايد والحقد .. وتلك هي المزية التي تمنح لصحبته لذة وسرورا ..
وفي تدبير شؤون المجلس القروي كان له ـ رحمه الله ـ مواقف من المدهشات المعجبات ، تجري على بساط العمل الأمثل ، لا يغادر كرسي مكتبه إلا لسبب قاهر ، ولا يغلق بابه على أحد ، ولا يعارض في مراد يصلح شأن صاحبه ، ولا يتلكأ في تمكينه منه .. جنى حمد الناس بجدارة ، وقطف احترامهم وتقديرهم ، واستلزمتها أعماله وسلوكه  ، فكان نعم الأنموذج الذي لا زال المواطنون يتوقون إليه ويرتقبون ظهوره …
وآخر من ذكره أمامي ـ والله على ما أقول شهيد ـ ذكره مادحا في إطناب ، مطريا في سرف ، بموقف يدور في فلك هذا السياق .. والذاكر شاب هادئ مثقف ، انسل إلى البلدية حواليْ العاشرة صباحا في حمارّة قيظ أحد أيام رمضان المبارك الماضي ، وجد باب  المصلحة التي قصدها لا يزال سادرا في نومه ؛ مما كان مبعث حزن وسخط في نفسه .. قال لي : رحم الله زمان الرجال الكبار ! يا ليت البلدية قروية ! ويا ليت في القروية قامات من طينة سّي أحمد هكو ! ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ لقد كان الرئيس الذي لا يغفل ولا يغيب ، سيدا على البلدية في حزم ناعم ، حضرت له مشهدا مما افتقدتُه الآن : فلقد حضر أحد الموظفين بعد الوقت بقليل ، وهو كعادته يراقب ويوطد أكناف مؤسسته ، فسأله ثم لامه ثم عنفه في منهج تربوي منتج بديع ، ينبئ عن حكمته وحنكته وحرصه ، ترك وراءه حبا وانضباطا ، لا خوفا وتسيبا .. ثم خاطبني متنهدا : يا أخي محمد ، لقد كانت البلدية مضربا للأمثال في الضبط والانضباط والمرونة والتيسير ، ولا كان فيها ما يشينها أبدا .. ولكن ، يبدو أنها تغيّرتْ ، وأن شمسها بدأت تغرب إن لم يتداركها اللهُ بلطفه .. ثم زاد كلاما حول حالتها الراهنة يتخللها سواد كالح غربيب ، ضربت عن إيراده صفحا ، لأن المقام يضيق دونه .. هذا ما قاله صاحبي بالمعنى ولا مزيّة لي فيه إلا  اللفظ  .. والعهدة عليه لا عليّ أولا وآخرا .. وإنه في قوله هذا لشاهد صدق على فترة حاسمة من حياة الفقيد تفضل بها عفوا دون أن أسألها إياه ، لكنها أغنتنا عن سرد المزيد من مواقفه المضيئة ، وأعماله الرائدة الرائعة ..
وإلى ذلك كان المرحوم بسيطا في مظهره ، عميقا في مخبره ، كبيرا في جوهره .. عركته الحياة وصقلته فخرّجته رجلا أصيلا ، ثم خرج منها ولم تأخذ منه شيئا .. انغمر في محراب ذاته وقطع علاقاته إلا من ربه وأهله ، فصار كالزاهد حتى ما عدتُ أراه إلا باكرا في أيام السوق .. وتلك من سيئات التقاعد الذي غسل يدي من طباشير التحصيل استعدادا للالتفاف حولي ..
فرحمك الله يا أحمد رحمة واسعة ، وأسكنك في أعلى عليين مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .. اللهم جدد عليه الرحمات ، وألحقنا بك مسلمين صالحين .. وعزاؤنا الخالص الجميل لأهله وذويه .. وإنا لله وإليه راجعون …
محمد بوزيان بنعلي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *