Home»Enseignement»التوجيه التربوي: أي قرار؟ لأي اختيار؟

التوجيه التربوي: أي قرار؟ لأي اختيار؟

0
Shares
PinterestGoogle+
 

التوجيهالتربوي: أي قرار؟ لأي اختيار؟

بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس. بتاريخ 20 غشت 2014؛

تقديم:

ينهض التوجيه التربوي على مجموعة من الأسس النظرية التي تغطي جميع المجالات الحياتية النفسية والتربوية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، والتي تمت ترجمتها إلى مقاربات وتطبيقات وعمليات وأنشطة  تهدف إلى مساعدة التلميذ على معرفة ذاته واستعداداته وقدرارته وإمكاناته وميولاته، ومعرفة محيطة والفرص المتاحة أمامه، واستخدام معرفته في إنجاز اختيارات واعية واتخاذ قرارات موضوعية.

وعليه وبعد مرور التلميذ(ة) من أسلاك دراسية، وقطعه مراحل تعليمية، وقضائه سنوات مدرسية ترتبط بطبيعة النتائج المسجلة سنويا، والمتعلقة بعوامل متعددة، أسرية منها واجتماعية وثقافية وتربوية ومدرسية، كما ترتبط بموقع التلميذ ضمن مجموعات التلاميذ المتعاقبة والمتوالية عبر السنوات المحددة لمواقف وسلوكات، ضمن قوانين وتشريعات ضابطة في إطار منظومة تربوية محددة المعالم، غايات وأهدافا وبرامج ومناهج. وفي ظل ظروف مدرسية وتربوية ضاغطة، وبعد تجاوز التلميذ عقبات المقاعد المحدودة، ونظام الحصيص المطبق في مختلف عتبات التوجيه، واجتيازه اختبارات وامتحانات تحت ضغوطات نفسية واجتماعية، قد تخلف ذكريات وآثارا، تسم الذاكرة وتترجم إلى حكايات وقصص تتداول عبر السنين في محافل وملتقيات، يجتر أحيانا أحلاما وتراوده أفكار ينغمس من خلالها في مستقبل زاهر، ويعيش أحيانا واقعا، خصوصا بعد استفادته من خدمات التوجيه التربوي، ليحدد أهدافا ترتبط بميولاته الشخصية ومؤهلاته المعرفية وقدراته الفكرية والجسمية، وقد يبلور مشروعا شخصيا متكاملا ومحدد المعالم في الزمان والمكان، ماديا ومعنويا، مقتنعا وواثقا، فيعبر عن رغباته من خلال ترشيحات متعددة لولوج مؤسسات دراسية أو تكوينية ويهيئ وثائق وملفات.

بعد جهد جهيد وصراع أحيانا، وإرهاق ومعاناة أحايين أخرى، لاستيعاب الدروس والتمكن منها لتحقيق النجاح، وبعد تجاوزه عدة اختبارات وامتحانات، يحصل التلميذ(ة) على شهادة البكالوريا، فيكثر الاستغراب والحديث، وترتفع أصوات حول النقط المرتفعة والميزات والترشيحات والمباريات والنتائج والمؤسسات المستقبلة لحاملي جواز العبور إلى عالم ما بعد البكالوريا، عالم بداية المتاعب ومواجهة الواقع بعد الحلم والخيال والأحكام الجاهزة والأفكار المنمطة.

فما هي الإمكانات والاختيارات الدراسية والتكوينية المتاحة لحاملي شهادة البكالوريا؟ وهل تلبي رغبات وطموحات الطلبة؟ وكيف يتموقع الطالب في عالم ما بعد البكالوريا؟ وهل تتكافأ الاختيارات المعروضة وطلبات حاملي شهادة البكالوريا وحاجياتهم الدراسية والمهنية؟ وكيف يتخذ الطلبة قرارات ولوج مؤسسات دراسية وتكوينية؟ وما هي العوامل والإكراهات التي تحكم هذه القرارات؟ وما هي الميكانيزمات والآليات المعتمدة من طرف الطلبة لتجاوز هذه الإكراهات؟ وهل تندرج اختيارات التلاميذ والطلبة النهائية ضمن مشاريعهم الشخصية؟

انطلاقا من الواقع المدرسي والمهني والجامعي المعيش، ومواكبة المستشار في التوجيه التلاميذ خلال مساراتهم الدراسية، وتأطيرهم ومساعدتهم على بلورة مشاريعهم الشخصية وتحديدهم أهدافا تتناسب وميولاتهم الشخصية، وقدراتهم المعرفية والجسمية، من خلال تعرفهم على خصوصياتهم الذاتية ومتطلبات  الدراسات والتكوينات المتاحة لهم، سنحاول الإجابة، قدر الإمكان، على الأسئلة المطروحة أعلاه، المحددة لإشكالية الاختيار والقرار، حيث يتم ملامسة بوضوح، أن أغلب التلاميذ لا يحصلون على الشعب، خصوصا الخاصة منها، التي يرغبون فيها بسبب محدودية الطاقة الاستيعابية للمؤسسات المستقبلة. كما يلمس بوضوح أن أغلب الطلبة حاملي شهادة البكالوريا، يلتحقون بالمؤسسات الجامعية ذات الولوج المفتوح، بعد إقصائهم من عدة مؤسسات ذات الاستقطاب المنتظم، فتنطلق الدراسة والتكوين، لكن ماذا حدث قبل ذلك؟ وماذا يحدث بعده؟

الإعلان عن ولوج المؤسسات الدارسية والتكوينية:

بعد طول انتظار التلاميذ، وترقب وتساؤلات واتصالات وانشغالات، موازاة مع هموم الدروس المتراكمة والمتوالية خلال الأيام والأسابيع والشهور، والتركيز على الفهم والاستيعاب، والاستعداد للفروض المحروسة والاختبارات، وفي خضم من الهوس والقلق والانقباض، تتوارد على المؤسسات التعليمية، وتحل بمواقع على الأنترنيت، بعض الإعلانات أواخر شهر مارس، لتشهد ذروتها خلال شهري ماي ويونيو في عز الانهماك في الاستعداد والانغماس في الاختبارات وفي ظروف نفسية واجتماعية استثنائية، يتلقون هذه الإعلانات بذهول وتوتر يعبرون عن عدم توفرهم على حيز زمني قد يخصصونه لاستيعاب محتويات هذه الإعلانات وتكثيف البحث والاتصال من أجل الفهم والقيام بالمقارنات اللازمة للمميزات والسمات الشخصية مع عوامل ومتطلبات وخصوصيات الدراسات والتكوينات واتخاذ القرارات المناسبة المندرجة ضمن طموحاتهم ومشاريعهم الشخصية، التي طالما رددوها خطوات وتخطيطا واستراتيجية، من حيث جوانبها التربوية والمدرسية والاجتاعية، في تواصل وتشاور مع مستشارهم في التوجيه وأساتذتهم وأولياء أمورهم والذين سبقوهم وعاشوا نفس الوضعيات.

لكن هيهات، حيث في ظل هكذا وضعية متأزمة نفسيا واجتماعيا، وتحت ضغط ظروف خاصة وانشغالات، وتحت توجهات ثقافية واجتماعية، تخيم تخوفات وتستحوذ انزعاجات وتوترات، فيتم اتخاذ قرارات، قد لا تترجم ميولات ولا قدرات، وقد لا تتطابق ومتطلبات الدراسات والتكوينات؛ قرارات متسرعة ومستعجلة وخلال آجال، أحيانا، قياسية.

في هذه الظروف، يعبر التلاميذ عن ترشيحاتهم.

التهافت على الترشيحات:

قد يصعب على كل متتبع المسك بدواعي الترشيحات وتعددها لولوج مختلف الدراسات والتكوينات، وضبطها نوعا وكما، ولكن من المؤكد أن كل تلميذ ينفذ مجموعة من الترشيحات تنفيذا لقولة يرددونها » أرمي صنارتي مع الآخرين ». هذه الترشيحات قد تلتقي في خاصيات معينة، وقد تتعارض وتختلف نوعا ومجالا، وقد لا ترتبط باهتمامات التلميذ ومشروعه الشخصي وتوجهاته، رغم تعليمات وتوصيات خدمات التوجيه التربوي الداعية إلى ضرورة إقامة تطابق بين خاصيات التلميذ ومتطلبات الدراسات والتكوينات المراد الترشيح لولوجها، حيث نجد تلاميذ يصرحون بصريح العبارة، أن رفع عدد الترشيحات من شأنه تقوية حظوظ قبولهم في أي تخصص كان، عوض التشبث بتحقيق رغبتهم في إطار اهتماماتهم وتوجهاتهم إلى حين ضياع الفرص المتاحة، والخروج في نهاية المطاف بنتائج سلبية ووفاض فارغ، يصعب معه استدراك ما فات، حيث الترشيحات تنحصر في فترات محددة.

إن التلاميذ، وهم خاضعون لثقافة اجتماعية ضاغطة، لا يرددون ماذا تم الترشيح لولوجه، ولكن يتباهون ويرددون بافتخار كم ترشيحا قاموا به وبإيعاز أو بماركة من أولياء أمورهم، وذلك في أوساطهم الاجتماعية، وأمام زملائهم وأقرانهم، سواء بالحي أو بالمؤسسة التعليمية.

لهذه الأسباب وغيرها، من قبيل عدم حصر عدد الترشيحات، ومحدودية الدراسات والتكوينات المتميزة المتواجدة بمؤسسات مرموقة، لكن محدودة العدد، ومنذ مدة زمنية غير يسيرة، يقبل التلاميذ على تخصصات دون أخرى، إلى أن يعود التباري حول مقعد واحد لعدد لا يستهان به من المترشحين، نظرا لارتفاع عدد التلاميذ واستقرار ومحدودية الطاقة الاستيعابية لأغلب المؤسسات الدراسية والتكوينية، خصوصا منها المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود وذلك من أمد بعيد.

حاملو البكالوريا ووعاء الاختيار:

بعد ارتفاع عدد التلاميذ الحاصلين على شهادة البكالوريا ببلادنا، ولأول مرة في التاريخ، يتجاوز المائتي ألف، ما يرتفع معه بقوة وبداهة عدد الميزات والمعدلات، ترتفع الترشيحات طبعا، ويتم الإعلان عن نتائج الانتقاءات الأولية فالقبول النهائي، لنجد أعدادا هائلة من المترشحين تقصيهم عدة مؤسسات دراسية أو تكوينية رغم نتائجهم المرتفعة وميزاتهم المتألقة، فماذا يحدث؟

إن المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود معدودة، وطاقتها الاستيعابية محدودة، وعليه فوعاء الاختيارات محدد ومحدود، فماذا يمكن اختياره من عناصر وعاء محدودة العدد بالنسبة للأعداد المرتفعة للطلبة الحاصلين على معدلات وميزات متميزة؟ إن التلميذ، في البدء، يجد نفسه مجبرا على الترشيح، نفسيا وثقافيا واجتماعيا، إثباتا للذات واستجابة لرغبات أولياء أمره  وتباهيا أمام أقرانه وزملائه.

من هذه المنطلقات الواقعية، فالترشيح لا يعد اختيارا بقدر ما هو مشاركة في انتظار نتيجة القبول التي تشكل عناصر الوعاء الحقيقية لفعل الاختيار. والمشاركة لا تعني بالضرورة الفوز والقبول.

إن الاختيار يتم من بين عناصر ملموسة ومتوفرة ومتاحة وتتلاءم وخصوصيات الفرد الذاتية والموضوعية. فالاختيار له بواعث سيكولوجية تتشكل في السياق الاجتماعيوالاقتصادي والثقافي.

فمتى يشرع الطالب في الاختيار الحقيقي لمسلك دراسي أو تخصص مهني معين؟ وكيف يتخذ قرارات حاسمة ترسم معالم حياته الدراسية والمهنية والعملية؟

إن الاختيار لا يتم من فراغ، بل من واقع ملموس، ومن بين عناصر موجودة فعلا ومتوفرة، وفي المتناول، وعليه  فعملية الاختيار الحقيقة تبدأ بعد الإعلان عن النتائج الإيجابية النهائية لولوج مؤسسة معينة.

وحيث المؤسسات ذات الاستقطاب المنتظم محدودة، وطاقتها الاستيعابية محدودة، والمؤسسات ذات التكوينات المرموقة محدودة، فإن أغلب المترشحين لا يمكنهم القيام بعملية الاختيار، إذ تم إقصاؤهم قسرا ومنذ الانتقاءات الأولية أو النهائية حسب مسطرة الولوج. أما المترشحون الأوفر معدلات، فقد يبادرون، مكرهين، إلى اتخاذ قرارات ولوج مؤسسة دون أخرى، ليتبين أن المترشحين المقبولين بدراسة أو تكوين معين يمسكون بما أتيح إليهم وما حصلوا عليه مجبرين تخوفا من ضياع فرص لا تعوض.

وعليه يتوزع المترشحون إلى أربع فئات:

فئة لم ترشح نفسها ولم تشارك، لعلمها المسبق بالإقصاء من حلبة السباق، حيث النقط والمعدلات تعتبر الشرط الأساسي للانتقاءات الأولية، وعليه من يقل معدله العام المحدد في عناصر معينة عن نقطة معينة، يجد نفسه لا موقع له في لوائح الترشيح وفي القبول، وبالتالي لا حق له في الاختيار؛

فئة ترشح نفسها وتشارك ويكون شعارها  » المهم هو المشاركة » حيث تعلم الشروط والحواجز، فيتم إقصاؤها منذ الأشواط الأولى لعملية دراسة الملفات والانتقاءات الأولية، نظرا لاختلال يلحق أحد بنود الترشيح المقبول، وبالتالي يتم إقصاؤها من عملية الاختيار، وعليه لن تقوم بأي اختيار. هذه الفئة يندرج تقديم ترشيحها ضمن خانة التباهي والتفاخر وإثبات الذات أمام الزملاء والأقران وأولياء أمورهم؛

فئة ترشح نفسها وتشارك وتجتاز بنجاح إجراءات الانتقاءات الأولية، فتدخل في صراع محموم مع الإعلان عن النتائج، واللوائح الرسمية، ولوائح الانتظار، والصراع على الأماكن المحدودة، وتأكيد التسجيل النهائي ضمن فترة زمنية محددة، وكل تأخر يعد إقصاء، وكل إقصاء يترتب عنه طبعا فقدان الحق في الاختيار، لتبدأ دورة جديدة للبحث عن مقعد أيا كان، وهموم ومتاعب أخرى؛

فئة ترشح نفسها وتشارك وتجتاز بنجاح إجراءات الانتقاءات الأولية، لكن مسار قبولها النهائي ما يزال طويلا، حيث يتم استدعاؤها لاجتياز الاختبارات الكتابية، وقد تنتظر استدعاء لاجتياز الاختبارات الشفوية ثم التطبيقية أحيانا، ليتم الإعلان عن النتائج النهائية المتضمنة لقراري القبول والرفض، فيدخل المقبولون في صراع محموم مع اللوائح الرسمية ولوائح الانتظار والصراع على الأماكن المحدودة وتأكيد التسجيل النهائي في آجال محدودة، وكل تأخر يعد إقصاء، وكل إقصاء يترتب عنه طبعا عدم الحق في الاختيار، لتبدأ دورة جديدة للبحث عن مقعد أيا كان، وهموم ومتاعب أخرى. أما المرفوضون فيواجهون مسارات أخرى وعقبات البحث والعود إلى الوراء لاسترداد الأنفاس والانطلاقة من جديد نحو مقعد ما بمؤسسة ما قد يصادفونه وقد لا يصادفونه.

عود على بدء وتعميم:

وعلى العموم، ومنذ السنة الثالثة ثانوي إعدادي، وعلى امتداد سلك التعليم الثانوي التأهيلي، وما بعد البكالوريا، تختل عمليات الاختيار، وتحدث اضطرابات لدى التلاميذ، فتصيبهم الحيرة والتردد، ما يعسر معه اتخاذ قرارات حاسمة، خصوصا لما تتضح الرؤى، ويتم ملامسة الواقع الذي تحكمه شروط وقيود وحواجز يصعب تفسيرها نفسيا وتربويا، وبالتالي يصعب على غالبية التلاميذ والطلبة تجاوزها، ليعودوا قسرا، إلى دراسات وتكوينات لا تندرج ضمن أهدافهم ومشاريعهم الشخصية، وذلك على نحو ما يلي:

إحصائيا وميدانيا، يتم تسجيل ما يفوق % 70 من مجمل الجذوع والشعب والمسالك الدراسية بالتعليم الثانوي التأهيلي، يخضع التوجيه إليها لشروط وقيود تتجلى، من ناحية، في معدلات مرتفعة دون تفحص موثوقيتها وموضوعيتها، حيث النقطة ليست معيارا للتوجيه، كما تتجلى من ناحية أخري، في الطاقة الاستيعابية المحدودة للمؤسسات المستقبلة والمحتضنة للشعب الخاصة، خصوصا منها، العلمية والتقنية والفنية والزراعية، دون مراعاة المشاريع الشخصية للتلاميذ والأهداف التي يرسمونها لأنفسهم. إن آثار هذه الإقصاءات تصاحب التلاميذ على امتداد حياتهم المدرسية وتؤثر سلبا في مشاريعهم الشخصية الدراسية والمهنية، وبالتالي تسهم في هدر كفاءات بشرية وإقصائها من دواليب الإنتاج والتنمية البشرية؛

أما بخصوص ولوج التخصصات المهنية، فيفوق عدد المتبارين خمسة مترشحين على مقعد واحد ، يخضعون، عموما، لاختبارات تعتبر حواجز تقف أمام أغلبهم نظرا لضعف مستوياتهم التحصيلية، رغم طموحاتهم ومؤهلاتهم المهاراتيىة. والمقبولون منهم، أغلبهم يجدون أنفسهم مرغمين على قبول تخصصات مهنية لم يكونوا قد لامسوا أو عاينوا خصوصياتها ومواصفاتها. والمقبولون بشكل نهائي يلجون المؤسسات المهنية بعد أدائهم مبلغا ماليا قد يفوق طاقتهم المادية، وبالتالي قد يشكل حجرة عثرة أمام مستقبلهم المهني. أما المتدربون خلال مدة التكوين فيعيشون ظروفا اجتماعية استثنائية، من حيث السكن والمأوى والمأكل لعدم استفادتهم من منح التكوين.

إن هذه الإكراهات والصعوبات قد تحول دون إقبال التلاميذ على الالتحاق بالتكوين المهني؛

أما الملتحقون بالكليات ذات الاستقطاب المفتوح، الذين يشكلون السواد الأعظم من حاملي شهادة  البكلوريا، وأغلبهم لفظتهم المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، فيجدون أنفسهم يعتنقون مسلكا دراسيا لم يكونوا قد حلموا به يوما ولا وضعوه في مخيلة توجهاتهم وميولاتهم. يضاف إلى ذلك، وخلال سداسيات الدراسة، معاناة الظروف الدراسية والاجتماعية، من اكتظاظ داخل فضاءات الدروس، ومتاعب السكن والتنقل، وندرة المراجع، ما ينذر بسوء الطالع والحظ المشئوم، وما يدفع الطالب(ة) إلى الفشل والتخلي، فالهدر المادي والبشري؛

ونظرا لضعف الطاقة الاستيعابية للمؤسسات ذات الاستقطاب المنتظم، فإن نخبة من حاملي شهادة البكالوريا يهاجرون إلى مجموعة من الدول الأجنبية، تحت يافطة عدة مسميات، متحملين المشاق المعنوية والأعباء المالية في سبيل الظفر بمقعد دراسي أو تكويني يتطابق ومشروعهم الشخصي، ومتحملين العيش بعيدا عن أسرهم، في أحضان أوساط اجتماعية وثقافات قد تختلف كليا عن ثقافة الوطن الأم؛

ولنفس الأسباب والأغراض، ينزح كثير من حاملي شهادة البكالوريا إلى المؤسسات الجامعية الخصوصية للحصول على مقعد دراسي أو تكويني يتلاءم ومؤهلاتهم الشخصية والمعرفية لتحقيق الأهداف التي يرسمونها لأنفسهم مقابل مبالغ مالية طائلة؛

وللاستدلال على عدم تلبية رغبات عدة طلبة حاصلين على ميزات ومعدلات متميزة، وعدم تحقيق طموحاتهم وأهدافهم، التحاقهم بدراسات وتكوينات متواضعة تنحصر شواهدها ودبلوماتها في  » باك+2″ ليلتحقوا بمجالات مهنية ليسوا راضين عليها، وهم مقتنعون في قرارة ذواتهم أن لديهم من المؤهلات والكفاءات ما يمكنهم من الحصول على شواهد عليا واحتلالهم مناصب اجتماعية مرموقة، مسئولية وإسهاما في الرقي والازدهار والتنمية البشرية.

خلاصات ومقترحات:

يبدو جليا وبشكل ملموس اختلال التوازن بين العرض والطلب، سواء على صعيد التعليم الثانوي التأهيلي، أو على صعيد ما بعد البكالوريا، ما يؤدي بكثير من التلاميذ والطلبة إلى ولوج تخصصات وتكوينات لا تتلاءم وخصوصياتهم الشخصية وكذا مؤهلاتهم المعرفية، بسبب محدودية الطاقة الاستيعابية للمؤسسات المستقبلة الثانوية التأهيلية المتواجدة بها الشعب الخاصة، أو المؤسسات الدراسية والتكوينية ذات الاستقطاب المنتظم.

ولتجاوز وضعية  » الاختيارت المحدودة والقرارات المفروضة »، يجزم كثير من الطلبة وأولياء أمورهم من جميع الطبقات الاجتماعية، أن المأمول والمرجو إرساء قواعد معادلة تامة الأطراف ومتوازنة بين عدد مقاعد المؤسسات المحتضنة للشعب الخاصة، وكذا المؤسسات  الجامعية ومؤسسات تكوين الأطر ذات الولوج المحدود وأعداد التلاميذ والطلبة، على الأقل الحاصلين منهم على نتائج مقبولة، لتلبية رغباتهم وتحقيق طموحاتهم ومشاريعهم الشخصية الدراسية والمهنية. إن تحقيق هذا المبتغى من شأنه أن يسهم في إرساء منظومة للتوجيه التربوي تؤدي المهام الموكولة إليها في نتاغم تام بين وسائلها وغاياتها والأهداف المسطرة لها. حينها، وبعد إرساء آليات ناجعة للمساعدة السيكوبيداغوجية للتلاميذ والإعلان منذ انطلاق الموسم الدراسي عن مختلف الفرص والمباريات المبرمجة، ينكب التلاميذ بكل اهتمام على التمكن من جميع آليات بناء المشاريع الشخصية بشكل عميق، وعلى أسس صلبة، كما يسهم في إعادة عامل الثقة في المدرسة ويعيد مكانتها الاجتماعية وأدوارها الوظيفية. لهذه الغايات الأهداف، ومن أجل الارتقاء بخدمات التوجيه التربوي، يتم استدعاء جميع وسائل القياس النفسي والمعرفي المكيفة ثقافيا واجتماعيا، واستعمالها لمعرفة مؤهلات التلاميذ المعرفية وخصائصهم النفسية والشخصية وتعريفهم بذواتهم وخصوصياتهم لتطبيق خطط ناجعة لمساعدتهم على تجاوز الصعوبات التي تعترضهم وبلورة مشاريعهم الشخصية، وتجاوز وضعيات القلق والغموض للقيام باختيارات واعية واتخاذ قرارات موضوعية وملائمة لولوج دراسات وتكوينات تمكنهم من الاندماج بسلاسة في الحياة العملية منتجين ومساهمين في الرقي والازدهار والتنمية البشرية وفي جميع المجالات.

من إعداد: نهاري امبارك، مفتش في التوجيه التربوي، مكناس.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.