Home»International»ملابسات توثيق التراث اللامادي بمنطقة الريف

ملابسات توثيق التراث اللامادي بمنطقة الريف

0
Shares
PinterestGoogle+
 

بقلم: بلقاسم الجطاري
 » بموت شيخ إفريقي، تحترق مكتبة »
مثل إفريقي

    إن إلقاء نظرة سريعة على المنجز النقدي والتوثيقي الذي حظي به المأثور الشفوي الريفي كاف لتلمس الصعاب والالتباسات العديدة المحيطة بموضوع « العلامة »، ومن ثم الوقوف على أشكال مختلفة من أشكال الاختلال القرائي التي يواجهها الباحثون في الموضوع والمجال. لقد تم التعامل مع المأثور الشعبي بالمغرب بكثير من الاستخفاف منذ الاستقلال إلى حدود سبعينيات القرن الماضي، وعندما انطلقت مسيرة الاشتغال في مواضيع التراث بداية العقد الثمانيني كان الرهان الغالب في أذهان الباحثين والمهتمين هو إخضاعه لآليات الاشتغال المنهجي لبيان الثراء المعرفي الذي يختزنه، وللرد على  خصومه الذين ما فتئوا يزدرون الإبداعات الشعبية، ويتندرون على كل داع إلى احتضانها ورعايتها. أما موضوع التوثيق العلمي لأشكال التعبير التراثي فلم ينطلق إلا خلال العشرية الأخيرة، والفضل في ذلك يرجع أساسا إلى عدد من مشاريع البحث العلمي الأكاديمي التي احتضنتها جامعات ومؤسسات مغربية معدودة.
والذي يعنينا هنا ليس التأكيد على وجوب إيلاء الموروث الشفوي ما يستحقه من الرعاية، لأنه أمر بديهي ما عاد اليوم في حاجة إلى من يبسط حجيته. إن الذي يعنينا تحديدا هو بيان الأثر الكبير للفعل التوثيقي في صياغة الأحكام العلمية الدقيقة، وتحصيل النتائج الرصينة، ونحن نرى أن الطريق إلى ما نأمله يمر عبر جملة مقترحات وتدابير كفيلة بتجويد العمل التوثيقي ومأسسته، نوردها تباعا:
v    تأسيس معهد وطني رسمي راع للتراث اللامادي يعهد إليه تدبيرُ الفعل التوثيقي بشراكة وتنسيق مع المؤسسات الجامعية والمؤسسات ذات الصلة، مثلما يعهد إليه أيضا اقتراحُ الصيغ العلمية لاستثمار التراث الشفوي باعتباره رأسمالا لاماديا قادرا على تقديم المساهمة والسند في سياق خلق التنمية البشرية.
v    تأسيس فروع جهوية على قاعدة التوزيع السوسيوثقافي (وليس الإداري)، وتمكينها بالموارد البشرية المؤهلة في مجال التراث، وبالعتاد المادي والتقني المناسب (حواسيب متطورة، كاميرات، كيموغرافات، أجهزة التحليل الصوتي…).
v    إخراج الفعل التوثيقي من دائرة الاشتغال العفوي والحدوسي، وإدراج ملابساته وحيثياته بوصفها مواضيع بحثية وأوراش تكوينية تقام على هامش كل الملتقيات والمهرجانات والندوات والأيام الدراسية التي يتم تخصيصها لمواضيع التراث الشفوي.
v    خلق مكتبة رقمية بالجهة الشرقية لتوثيق التراث الشفوي، يتم فيها عرض المادة التراثية عرضا علميا يستجيب لمتطلبات الباحثين والمهتمين المغاربة والأجانب (أساتذة، طلبة، مبدعين، مسؤولين عن التدبير…).
v    فتح عدد ملائم من وحدات البحث والتكوين بجامعة محمد الأول وغيرها من الجامعات الوطنية (ماستر، دكتوراه) في قضايا التراث الشفوي، وتمكين الطلبة الجامعيين من تكوينات عالية الجودة.
v    إدراج مواد دراسية مستلهمة من مواضيع التراث الشفوي لطلبة السلكين الجامعيين الأول والثاني.
v    عقد شراكات جامعية مع مؤسسات دولية ذائعة الصيت في مجال تدبير التراث الشفوي ( وبخاصة دول شرق آسيا التي قطعت أشواطا مهمة في هذا المجال: اليابان، كوريا …).
v    إحداث منظومة « الكنوز الانسانية الحية » بالجهة الشرقية، والمسارعة إلى توثيق ما تختزنه ذاكراتها من الروايات والشهادات والإفادات.
v    صياغة خرائط وشبكات كاشفة لإيقاعات الجمع والتوثيق بالجهة، بحيث يتم توجيه الجهد التوثيقي بشكل عادل ومتوازن بين المجالات الجغرافية من جهة، وبين المواضيع والأنماط وأشكال التعبير التراثي المختلفة من جهة أخرى. ونحن نسجل وجود تفاوت لافت بهذا الخصوص، من علاماته تهميش بقاع ومواضيع، ورعاية أخرى (ينظر مثلا بيبليوغرافيا الدراسات التراثية المنجزة حول قبائل: مطالسة، آيث بويحيي، صنهاجة السراير، بني بوزكو، الزكارة، أيث عمارث..، وتلك المنجزة في فلك مواضيع من قبيل: الأحجية، النكتة، الأشكال الفرجوية ما قبل المسرحية.. لتلمس الفراغ الفراغ المريع الذي يسم هذه المجالات والمواضيع).
هذا ونختم هذا المقال بالتأكيد على حاجة التراث الشفوي للبلد (واللامادي عموما) إلى مناظرة وطنية يشارك فيها المتدخلون في المجال، وذلك بهدف بلورة مشروع وطني متكامل يقطع مع كل صيغ الإقصاء والتمييز، ويفتح المجال للاستفادة من تجارب الآخرين في المجال، ويؤسس لأساليب جديدة في مجال تدبير التراث وتطوير آليات توثيقه والاشتغال عليه، كل ذلك في أفق اعتماده قاعدة صلبة لصياغة مشاريع التنمية البشرية المستديمة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.