Home»International»أي مشروع لغوي لحكومات الربيع العربي؟

أي مشروع لغوي لحكومات الربيع العربي؟

0
Shares
PinterestGoogle+

د.فؤاد بوعلي
خلدت دول الربيع العربي هذه الأيام ذكرى انطلاقة الشرارة الأولى للثورة على أنظمة الاستبداد والشمولية وتوابعها الثقافية والفكرية. إذ احتضنت وتحتضن ساحات الياسمين والتحرير والتغيير وغيرها تظاهرات واحتفاليات متعددة تؤرخ لبداية الهبة الشعبية وعودة الروح إلى الجسم العربي بعد زمان من الكسل الفكري والجماهيري. وإذا كانت هموم اللحظة وتحدياتها التي أبانت عن حجم المنتظر والمأمول من قادة خرجوا من رحم الشعب كثيرة وكبيرة، فإن المناسبة تفرض التذكير بعوامل الثورة المتفاعلة والتي استطاعت إزالة أنظمة كبتت الأنفاس لعقود عديدة وأجهزت على كرامة الشعوب العربية حتى أصبح الاستثناء العربي قاعدة عند علماء الاجتماع السياسي. فالأكيد أن الانطلاقة لم تكن من أجل الرغيف اليومي فحسب، ولا من أجل التغيير العرضي لنظام بنظام، بل كانت من أجل حلم عريض يبدأ من كرسي الحكم ولن ينتهي إلا بعودة فكرة الأمة. فالوجدان العربي الذي تحرك خوفا وفرحا أيام الثورة، إضافة إلى الشعارات المرفوعة هنا وهناك، تثبت عودة الأمة إلى منطق التمثل الشعبي. وفي جوهر الانتماء السؤال اللغوي باعتباره تجسيدا أوليا لروابط المشترك الجمعي بين أبناء الأمة الواحدة.
يتذكر العرب والمغاربيون أن آخر مقال للرئيس التونسي منصف المرزوقي قبل دخوله الرسمي لقصر قرطاج هو: أي لغة سيتكلم العرب القرن المقبل؟، والوصفات التي أعطاها من أجل التأسيس للعرب الجدد بعد نجاح القطب الهوياتي في الوصول إلى الحكم وتدبير الشأن العام. ويتذكرون أكثر الدفاع المستمر لوزراء حكومة الترويكا عن العربية والعمق العربي لتونس كما تجلى في موقف رفيق عبد السلام من تغيير تسمية اتحاد المغرب العربي. كما لا يمكننا أن ننسى إلحاح رئيس الحكومة المغربي الأستاذ عبد الإلاه بنكيران في تصريحه على النهوض بسياسة لغوية مندمجة تخرجنا من حالة الفوضى المستمرة منذ الاستقلال. وبعد سنة، أو سنتين ، من هذه التصريحات والوعود مازال الانتظار سيد الحالة والمغاربة والعرب يترقبون الآتي الذي لم يأت بعد. فهل انشغل القطب الهوياتي باليومي دون الاستراتيجي؟
قد يبدو من المجحف مطالبة سادة القرار الجدد بالوفاء بكل الالتزامات التي وعدوا بها قبل ولوجهم سدة الحكم، لأسباب كثيرة أهمها التركة الثقيلة التي تراكمت بعد سنين طويلة من التدبير السيء وتكتل كتائب الرفض بمختلف عناوينهم وأسمائهم في الإجهاز على الاختيار الشعبي، كما يبدو في التجييش المستمر ضد كل المبادرات التي تروم الإصلاح، والحالتان المصرية والتونسية خير الأمثلة، لكن من الواجب التذكير في هذا المقام أن طاحونة اليومي لن تنتهي والتميز الحقيقي لأي حكومة وإدارة ليس قدرتها على تسيير الظرفي بالمتاح وإنما قدرتها على إخضاع الظرفي واليومي للاستراتيجي المستشرف لآفاق التغيير. وبمعنى أوضح، فإن الحدة التي تسم طرح السؤال اللغوي بعد التعديل الدستوري الأخير وبعد التسويفات المتوارثة للحكومات السابقة بتأجيل الإشكالات دون حلها، يصبح فتح الورش اللغوي والحسم فيه بشكل يحافظ على الروح التوافقية التي صاحب النص الدستوري أمرا لازما للاعتبارات التالية:
1 ـــ لم يعد الحديث عن اللغة نقاشا ترفيا وأكاديميا في زمن تصارع الهويات، بل غدا جزءا من التجاذب المجتمعي والسياسي الحاصل في الوطن وخارجه، وفي هذه الحالة لم يعد لسياسة التسويف أو التأجيل أي مسوغ للوجود، فالأصل هو المبادرة بالفعل قبل أن نجد أنفسنا أمام خريطة لغوية مفروضة بحكم الواقع والأحداث.
2 ــ ما أثير ويثار حاليا في دواليب البرلمان والمؤسسات الحقوقية والمدنية من محاولات مستميتة من طرف البعض لاستعجال حل يؤجل الإشكال ولا يحله نهائيا بغية إدامة حالة التقاطب الهوياتية. لذا فالدور التاريخي لهذه الحكومة يتجلى في عدم السقوط في فخ الاستعجال وبناء تصور واضح وشمولي يحمي وينمي اللغات الوطنية وينفتح على اللغات الأجنبية المحتاج لها.
3 ــ غدا الإشكال اللغوي محور كل النقاشات القطاعية، فإصلاح التعليم ومعالجة قضاياه لا يمكن أن تتم إلا بسياسة لغوية واضحة المعالم تحدد لغة أو لغات التدريس وموقع اللغات الرسمية من هذا الركام. كما أن سن سياسة إعلامية راشدة ومندمجة لا يمكن أن يتم دون وضوح في الواقع اللغوي بدل أن يترك الأمر لاختيار الصحافي وكفاءاته العلمية التي تتفاوت فيتفاوت معها التواصل مع المتلقي. فلا يمكن إصلاح القطاعات المرتبطة باللغة دون حل المشكل الجوهري.
لكل هذه العوامل أصبح السؤال اللغوي ملحا على القطب الهوياتي التي يدير الشأن العام ويفرض عليه سن سياسة مندمجة وواضحة المعالم تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاستراتيجية لكل السياسات اللغوية عبر العالم: السيادة الوطنية والعمق الجيوستراتيجي للغة والحفاظ على التعدد الهوياتي والبحث عن اللغة القادرة على ولوج عالم المعرفة. آنئذ يمكن تنزيل المشروع اللغوي للقطب الهوياتي وتقديم نموذج للاستعمال والتداول.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *