Home»National»المشي في الأسواق خير من العزلة والانغلاق

المشي في الأسواق خير من العزلة والانغلاق

0
Shares
PinterestGoogle+

شبَه الأستاذ امحمد عالم المشهد السياسي المغربي اليوم بالسوق الأسبوعي التقليدي، حيث الكُل يعرض بضاعته، ويكثُر اللغط والضجيج، ويختلط الحابل بالنابل، ويطفو منطق الصراخ على منطق العقل… وقد كتب بالفرنسية في هذا سلسلة من المقالات النقدية الغنية بالدلالات و لو كانت مُبهمة أحيانا، مما جعلها أقرب إلى جنس الشعر أو الخاطرة من جنس المقالة الصحفية. و هي على بساطتها الظاهرة وشدة تركيزها، تلامس أهم مواضيع الساعة: جدوى المشاركة السياسية، أزمة الحضارة في الوطن العربي، غياب مشروع مجتمعي، قضية المرأة، قضية الحريات الفردية، تخبط المنظومة التربوية…
ونظرا لمكانة الأستاذ المفتش عالم في قلوبنا نحن جيل أساتذة الثمانينات، فإنني ترددت كثيرا في التعقيب عليه، ولكنني الآن أستسمحه في التطفل و اقتحام « سوقه » وإبداء بعض الملاحظات قصد إثراء النقاش الجاد في القضايا الراهنة.
وقد فضلت استعمال اللغة العربية حتى تكون « المُفاهمة » أكبر، و حتى نتقاسم الحديث في هذه الخواطر الجميلة مع السادة القراء الذين لا يتقنون لغة « الأسياد ».
نتساءل في البداية لماذا تأخر أستاذنا عالم عن الكتابة إلى اليوم، وهو صاحب فكر وتجربة و خلق. و هذا العتاب موجه للعديد من أساتذتنا العازفين عن الكتابة والتأليف، والواقين في باب السوق، مترددين من الإدلاء بدلوهم و تسجيل مواقفهم من القضايا الوطنية أو المحلية، إما تهيبا من الضجيج أو خوفا من السقوط في شباك الوسطاء المُتطفلين أو الباعة المُطففين والخروج ببضاعة فاسدة أو ناقصة… و حين يتقدم بهم السن، يتنبهوا أن « القطار » فاتهم، وأن مَن دونهم علما وخلقا وتجربة قد سبقوهم إلى « سوق عكاظ » واعتلوا المنابر ووجهوا الرأي العام نحو الوجهة الخاطئة و تسللوا خلسة إلى مراكز القرار و وسَعوا  رقعة الفساد و طبَعوا النشء مع الرداءة…
ونحن نعيش نفحات ذكرى المولد النبوي الشريف، لا بد من التذكير بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ياكل الطعام ويمشي في الأسواق، ويخالط الناس ويدعوهم إلى الهدي الذي جاء به. و قد تعجب كفار قريش لذلك، فنزل قوله تعالى: « وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ
لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً » (الفرقان آية (7).
و لا شك أن المثقف أو العالم أو رجل التربية يحمل رسالة نبيلة عليه أن يبلغها، كما يفعل « الأسياد » الذين لا يملون من ترويج بضاعتهم والإساءة إلى بضاعتنا (هناك 10 آلاف موقع متخصص في الإساءة إلى الإسلام وحضارته !) ، و في هذا يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أعوذ بالله من جلَد الكافر وعجز الثقة). فلا مفر من ولوج سوق الإعلام والمشاركة في معركة التدافع من أجل القيم التي نحملها، والصبر على الأذى وتحمل تبعات مواقفنا. و أي انعزال أو انسحاب بدعوى المقاطعة أو التعفف أو الخوف من الدنس أو بدافع الترفع عن الإسفاف والابتذال، لن يغير من الواقع شيئا. ولا مفر كذلك من اقتحام سوق « البوليتيك » والتدافع مع المشاريع المجتمعية التي نعتبرها متجاوزة أو محنطة أو لا عقلانية، والمشاركة لا تعني بالضرورة الانتماء الحزبي. و لن يتأت لنا ذلك بمجرد الوقوف عند باب السوق والتأفف من الفوضى العارمة، وإنما يتأتى بحسن عرض بضاعتنا، بالوضوح اللازم (خاطبوا الناس على قدر عقولهم)، وبالجرأة اللازمة في تسجيل الحضور و اتخاذ المواقف الحاسمة في الوقت المناسب.
فبعد الثورة الرقمية وإقرار الدستور الجديد و القطع مع زمن الاختطاف و بعد ثورة الصناديق وسد المنافذ أمام تيار الاستئصال والتحكم، فُتح سوق حرية التعبير والرأي على مصراعيه، و لم تعد هناك في مغرب اليوم حاجة إلى التردد واللجوء إلى الجُمل الناقصة أو الطلاسم أو نقط الحذف…
إن عددا من مثقفينا يظنون أن الحركة الإسلامية وصلت إلى تدبير الشأن العام في الوطن العربي بالصراخ أو بمجرد الذكاء/الدهاء، و الحقيقة أن رموز هذا التيار قاسوا القمع والاعتقال والإقصاء والنفي لعقود طويلة، وإذا تبوأ اليوم »عمي بن كيران » مركز الصدارة في المغرب، فلأنه انتزعها عن جدارة واستحقاق باختيار الوضوح مع الشعب منذ الوهلة الأولى.
إن أنصار المشروع الإسلامي من دعاة (منتمين أو غير منتمين) ليسوا رهبانا يبيعون صكوك الغفران للعباد… بل هم حماة مشروع وأصحاب عقيدة راسخة ومنهج واضح: عموديا (ابتغاء مرضاة الله والدار الآخرة) و أفقيا (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله). فهي إذن تجارة لن تبور، ولا يصمد في « السوق » إلا أصحاب النفس الطويل. بضاعتهم مسك إن شاء الله ( فبائع المسك إما أن تبتاع منه أو تجد عنده ريحا طيبا)، ولو أخطئوا التقدير، في نظرنا، فإنهم مأجورون إن شاء الله، و لا يحق لنا محاكمة النوايا …
إن إعادة الأمور إلى نصابها وإخراج هذه السوق من اللخبطة والفوضى مسؤولية الجميع وفي مقدمتهم المثقفون وصُناع الرأي. والبداية لن تكون إلا بالحسم في قضية الهوية والتصالح مع الذات الجماعية و مع التاريخ والجغرافيا. و قد لا يكون العيب في السوق ولكن فينا نحن المُتسوقون الذين نُصر على وضع نظارة الغير لقراءة الذات. و قد تكون هذه النظارة هي لغة الآخر التي لمَعت لنا حضارته وسوَدت في أعيننا حضارتنا.
تلكم بعض الارتسامات التي أحببت تسجيلها على مقالات أستاذي امحمد عالم، ليس تعصبا ممقوتا لأي حزب، كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان، ولا رغبة في تبادل المجاملات وهي من الأمور التي ينفر منها الرجل لشدة تواضعه، راجيا منه أن يستمر في الكتابة والعطاء لإتحافنا بالمزيد، إغناء للنقاش و تصويبا للعمل الحكومي (أو غير الحكومي) لما فيه مصلحة هذا الوطن الحبيب.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. أستاذ
    02/02/2013 at 12:00

    « و هذا العتاب موجه للعديد من أساتذتنا العازفين عن الكتابة والتأليف، والواقين في باب السوق، مترددين من الإدلاء بدلوهم و تسجيل مواقفهم من القضايا الوطنية أو المحلية، إما تهيبا من الضجيج أو خوفا من السقوط في شباك الوسطاء المُتطفلين أو الباعة المُطففين والخروج ببضاعة فاسدة أو ناقصة… »
    هذه الفقرة اعتبرها جوهر الموضوع ، التي يود الكاتب من خلالها توجيه دعوة بحرقة عتاب للاساتذة العازفين عن الكتابة والتاليف ، والذي شبههم بالواقفين في باب السوق ، معللا هذا الوقوف بتردد هم دخول السوق خوفا من السقوط في شباك المتطفلين..أو…والخروج ببضاعة فاسدة أو….
    من وجهة نظري المواطنة وجوابا على دعوة وتساؤل الكاتب حول هذا العزوف لدخول هذه السوق اجيب بما يلي:
    1-اعتبر السوق المدعو اليه عنوانه  » فولي طياب » واغلب السلع المعروضة تجاوزت صلاحية استعمالها ، وحتى ان دخلت سلعة جديدة يطبق عليها المثل « مطيشة خامجة تخسر صندوق »
    2-لا اعتبر اصحاب السلع العازفين عن دخول السوق المدعو اليه واقفين في بابه ينتظرون ، بل انهم يعيدين عنه كل البعد حتى لا تزكم انوفهم او تلوث بضاعتهم
    3-اعتبر ان سلعة هؤلاء رائجة في اسواق عصرية مصفوفة ومحفوظة في اروقتها الخاصة مدعمة ببطاقات اثمنتها
    اكثر من ذلك تتمتع بالضمانة القانونية للمستهلك وللمنتج معا ، ربما لم يقف حتى عند باب سوقها اصحاب السلع المغشوشة في الاسواق الشعبية مخافة بوار سلعتهم
    واخيرا اقول إن تطور المجتمعات بما فيه مجتمعنا المغربي فرض عليه ان يختار بين سوقين « سوق شعبي » و »سوق عصري » ولكل مستهلك الخيار بينهما ولا يمكن اجباره للدخول لهذا السوق او ذاك أو هما معا

  2. المعتزلة
    02/02/2013 at 15:23

    غير أن البعض يرى بأن العزلة والانغلاق غير من الاختباء وراء لغة الضاد أو الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وذلك من أجل التحصن والاحتماء والبحث عن مركز اجتماعي وتمرير ما يحلو من أفكار ضيقة لا وجود لها في أهان أصحابها.

  3. عبد الحفيظ كورجيت
    03/02/2013 at 23:23

    إلى المعتزلة. الهواء متاح للجميع فلماذا لا تنشر أفكارك الواسعة(ما دام للآخرين أفكار ضيقة
    وتبحث أنت كذلك عن مركز اجتماعي وتختبأ وراء لغة الميم أو الغين .
    ما هذا التحامل المجاني ؟ أكتب ما تشاء فالمواقع كثيرة وستجد ضالتك لا شك فهناك من لا تهتم بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية ولها باع في في الغايات الحداثية و حتى الديوثية

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *