معروف عند من يريد أن يعرف , أن اليأس والقنوط ظاهرتان يصاب بهما الإنسان , وهما يدلان على عدم وجود الإنسان في الصواب , كما هو معروف أيضا أن السكينة والاطمئنان ظاهرتان يصاب بهما الإنسان , ويدلان على وجود الصواب لدى الإنسان . وهنا يكمن الفرق بين النفس والعقل , حيث تختص النفس الإنسانية بحالتي اليأس و القنوط بينما يختص العقل بحالتي السكينة والاطمئنان . ذلك أن النفس تتبع الظن والرأي والنظرية المسببة لوقوع الإنسان في الأوهام , أما العقل فيتبع العلم الذي هو يقين ولا أساس فيه لما ذكر من رأي ونظرية ووهم , فحين يكون العلم يكون الإيمان ويكون اليقين .
ويُـقال إن الإنسان يتميز عن المخلوقات الأخرى بالعقل , فلولا العقل لما تميز الإنسان بما تميز به . لكن الذي يغفل عنه من يقول بغير علم هو وجود مسطرة مفادها أن العقل قد علم من قبل دخول الإنسان صاحب العقل في ظلمة الجسد , قال الله تعالى في الكتاب الذي لا ريب ولا شك فيه : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) سورة الأعراف / 172 , و العقل بهذا العلم السابق يُملي على الإنسان واقع الأشياء ويؤنبه إذا أراد الانحراف عن الصواب أو وقع في الخطإ . إن النفس في صراع مع العقل , ذلك أن النفس ( لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ) سورة يوسف /53 , فهي دوما تكذب و العقل دوما يؤنب !
إن الحديث عن نفس و عقل الإنسان بمنطق علمي مستمد من الكتاب المنزل من عند الذي ( قد أحاط بكل شيء علما ) سورة الطلاق / 12 , ليختلف اختلافا كبيرا عن التوجه السائر فيه الغربيون و من والاهم . فما العلم ؟ وكم أوتي الإنسان منه ؟
إن الله تعالى يقول في الكتاب الذي لا ريب ولاشك فيه : ( … وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) سورة الإسراء/85 , وقول الله تعالى جاء بصيغة الماضي , مما يعني والله تعالى أعلم , أن الإنسان أتاه الله تعالى ذاك القليل من العلم منذ البداية , بينما الناس اليوم ـ وكلّ منا ما هو إلا واحد من الناس ـ يدّعون أن الإنسان كانت بدايته جهلية , أي بدأ بجهل ثم تدرّج من جهل إلى علم . وهذا الرأي أو هذه النظرية أو هذا الوهم استنتجه الغافلون من إحصاء وسائل العيش فوجدوا أن وسائل عيش الإنسان القديم كانت بدائية لا تنم عن وجود علم ولا معرفة حسب ظنهم بينما العكس هو الصحيح !

وللحديث بقية