Home»Enseignement»التعليم بالمغرب: ألا يزال الإصلاح ممكنا؟

التعليم بالمغرب: ألا يزال الإصلاح ممكنا؟

0
Shares
PinterestGoogle+

عبد الرحيم كلموني

 

يأتي الدخول المدرسي الحالي  في ظل عودة قوية للحديث عن مشاكل التعليم، دشنها ملك البلاد بدعوته الحكومة، في خطاب 20غشت، إلى الانكباب الجاد على هذا القطاع٬ الذي يضعه  المغرب في صدارة الأسبقيات الوطنية، منبها إلى أن »هذه المنظومة التي تسائلنا اليوم٬ لا ينبغي أن تضمن فقط حق الولوج العادل والمنصف٬ القائم على المساواة٬ إلى المدرسة والجامعة لجميع أبنائنا. وإنما يتعين أن تخولهم أيضا الحق في الاستفادة من تعليم موفور الجدوى والجاذبية٬ وملائم للحياة التي تنتظرهم

 ورغم تباين التقديرات حول أعطاب هذا النظام وأعراضها السريرية الظاهرة والخفية، ومضاعفاتها على حال الأمة ومآلها، فأن ثمة إجماعا على كونه يعاني من أمراض حادة ومزمنة جربت معها كل الوصفات، إلا أن المعاناة لم تتوقف ليس فقط من شدة الداء، بل كذلك من الآثار الجانبية للدواء.

لقد تبين أن كل الجهود الإصلاحية التي عرفها القطاع لم تؤت أكلها، أو أنها لم تحقق إلا النزر القليل مما كان منتظرا منها. فبعد مرور ما سمي بعشرية إصلاح نظام التربية والتكوين(1999-2009)، ثم البرنامج الاستعجالي( 2008-2012) تم تحقيق بعض المكاسب الجزئية المرتبطة بتعزيز البنية التحية، وتحسين نسب التمدرس، وتقليص معدلات الهدر، إلا أن الحلقة الضعيفة في التعليم المغربي ألا وهي الجودة ظلت على حالها، رغم التكلفة الزمنية والمادية والجهود التي تبذلها الدولة في القطاع. فدمقرطة الولوج إلى التعليم لا تعني فقط ضمان مقعد مدرسي لكل تلميذ ولأطول مدة ممكنة، بل التمكين من المعارف والكفايات الأساسية الضرورية لفهم الذات والعالم والاندماج الإيجابي في المحيط الاجتماعي والاقتصادي. إننا بإخفاء فشل الإصلاحات عن طريق خفض الرهانات التعليمية والتكوينية والطموحات التربوية، والتضحية بالوسائل يمكننا أن نحقق بعض المكاسب الخاصة بالتعميم دون التمكن من تحقيق دمقرطة حقيقية لتعليم يتمتع بالحد الأدنى من الجودة.

فقد ظل الاجترار سمة بارزة للبرامج والمقررات التعليمية. فالتلاميذ لا يتعلمون أشياء أساسية بفعل هيمنة الكم على الكيف، والاعتماد على شحن الذاكرة، وضعف التكوين الأساسي للمدرسين أو انعدامه وغياب التكوين المستمر أو سطحيته، وكذا  سطحية التقويم وابتذاله وعدم ملاءمته عن قصد أحيانا، بهدف مداراة الاختلالات العميقة في التصورات التي تحكم البرامج والمقررات الدراسية وللإيهام بنجاعة الاختيارات والتدابير الإدارية.

إن المطلع على نصوص امتحانات الباكالوريا يدرك حجم التردي الذي وصله النظام التعليمي المغربي في العقد الأخير إذ أدى الإيغال في تقنين الأجوبة وتوحيدها بجعلها على منوال واحد، إلى إفراغ الامتحان من كل بعد تقويمي يتوخى اختبار الكفايات الأساسية لدى التلميذ لأجل اتخاذ قرارات بيداغوجية وإدارية.

يستغرب المهتم بالشأن التعليمي المغربي من الكيفية التي ينتقل فيها النظام التربوي عندنا من نموذج بيداغوجي إلى آخر. فقد انتقلنا من بيداغوجيا الأهداف إلى بالمقاربة بالكفايات دون فهم لأي منهما، ودون أن تتغير الممارسات البيداغوجية، كأن استبدال عناوين بأخرى كفيل لوحده بإحداث التغيير، وكما لو لم يكن الأمر  يستدعي الكثير من الطاقة والذكاء لوضع الأفكار الموجهة، وتصور المشاريع البيداغوجية البناءة التي تتوجه إلى تطوير النموذج البيداغوجي وتطوير الممارسات الفصلية. هل كان ضروريا انتظار عقد من الزمن لندرك بأن المقاربة بالكفايات لم تتحقق؟ فقد سجل التقرير الأول للمجلس الأعلى للتعليم سنة 2008 بأن مراجعة المناهج وفق هذه المقاربة لم تُمكِّن من تحقيق تحديد مرجعي للكفايات والمعارف الأساسية التي ينبغي امتلاكها في نهاية التعليم الإجباري، ولم  تمكن، بحدة أكبر، من تجديد طرائق التعليم والتقويم. وهذا ما ستؤكده كاتبة الدولة للتعليم المدرسي السابقة في تقديمها لدليل التكوين في بيداغوجيا الإدماج سنة 2010، باعتبارها إطارا منهجيا لتنفيذ المقاربة بالكفايات.  أين « الخبراء »   المحليون الذين كان عليهم أن يعرفوا أن الإصلاح البيداغوجي خرج من الخيمة، منذ البداية، مائلا؟ ولِمَ يرفض البعض الاستشارة الدولية بدعوى أننا نتوفر على خبراء وكفاءات في الميدان، علما بأن المئات من مؤلفات الاسترزاق البيداغوجي حول موضوع الكفايات كانت تغطي أرصفة المدن دون أن تتضمن نقدا ولو مبتسرا، للكيفية التي تم بها تصور هذه المقاربة الجديدة التي أسند أمر بلورتها إلى لجان غير متخصصة، وما استتبعها من إصدار مقرارت وبرامج كسيحة وكتب مدرسية سويت على عجل، ورهنت مسارا دراسيا لا يزال مستمرا إلى ساعة كتابة هذه السطور؟

لكن، مهما تعمقت الاختلالات وتردت أحوال المنظومة، يمكن للإصلاح البيداغوجي، إذا تم بطريقة ملائمة، أن يساعد على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن تحقيق المكاسب الكمية والمادية  ضروري، لكنه، في غياب مراجعة جذرية لمحتوى التعليم، هو أشبه بصب الماء في الرمل. يجب مراجعة البرامج  الدراسية بما يوافق المقاربة بالكفايات، مع تفادي السقوط في أخطاء الماضي القريب، أي إفراغ نفس البرامج السابقة في قالب المقاربة الجديدة، كما حصل مؤخرا حين مراجعة البرامج الخاصة بالابتدائي(2011)، بل التفاوض بين الفاعلين وذوي الخبرة والعلم على المحتوى التعليمي انطلاقا من مشاريع بيداغوجية جادة وواضحة، فضلا عن مراجعة نظام التقويم مراجعة جذرية إذ لا يمكن أن نتحدث عن المقاربة بالكفايات منذ أكثر من عقد من الزمن ونحن نتمسك بنفس صيغ التقويم العقيمة التي لا تختبر تحقق الكفايات لدى التلاميذ بل تساهم في التبليد والتجهيل لأنها تتطلب الاستظهار،  وإعادة إنتاج نماذج جاهزة لأجوبة مبتذلة ومنمطة.

كما أنه لا يمكن أن يحصل إصلاح دون إصلاح التعليم الابتدائي، القاعدة التي تبنى عليها كل التعلمات اللاحقة، حتى لا تستمر مهزلة النجاح إلى الإعدادي بدون امتلاك الحد الأدنى من الكفايات الأساسية. لذا ينبغي، بالإضافة إلى تحسين ظروف التمدرس،  العمل على تخفيف برامج هذا الطور من التعليم وتقليص المواد وتخفيف محفظة التلميذ. كما يجب تخصيص أكبر حيز ممكن للقراءة تحت إشراف المدرس سواء في الفصل أو في المكتبة، لأنه عبر القراءة تتحقق التعلمات والمكاسب المعرفية والتربوية، ويتم التحكم في اللغات التي هي عصب كل نظام تعليمي. فقد بينت الدراسات الحديثة بأن للقراءة في وضعيات حقيقية وأصيلة أثرا حاسما في المسار التعليمي للتلاميذ طوال دراستهم، بل طوال حياتهم. وتفاديا للملل عدو كل تربية، يجب اختيار نصوص جميلة ومشوقة لا تنفر التلاميذ، تُعلم اللغة، وتربي الذوق، وتهذب الأخلاق، وتكتسب المعارف والتجارب. 

ولإنجاح الإصلاح البيداغوجي يجب أن يكون ثمة انسجام بين خطاب أصحاب القرار والموارد الموضوعة رهن الممارسين الحقيقيين من إداريين وأساتذة. فالإصلاح لا يبنى على إملاءات تمرر عبر المذكرات التي تركن في الرفوف، مثلما هو حال مئات المذكرات التي صدرت ولم تنفذ سواء لكونها غير قابلة للتنفيد أو لأن المفروض فيهم تطبيقها يقاومونها. ثم إن كل إصلاح بيداغوجي لا يعبئ الأساتذة محكوم بالفشل. علينا أن نمنحهم الوسائل الكفيلة بجعلهم يطورون ممارساتهم البيداغوجية داخل الفصول الدراسية. يجب أن تقدم لهم توجيهات رسمية جادة وذكية تدفعهم إلى البحث والتكوين الذاتي، بدل تحويلهم إلى منفذين لوصفات بليدة وجاهزة، تقتل فيهم روح المبادرة. فالمقاربة بالكفايات مقاربة صعبة، لها رهانات مختلفة وتستدعي مهنية ومعرفة بالأسس الفكرية والنظرية، لتمثل الإبدالات البيداغوجية والديداكتيكية التي تفرضها، كما أن اختيارها يتطلب أساتذة أكفاء ذوي قدرة على الخلق والابتكار وأخذ المبادرة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *