Home»Régional»الذهاب بعيدا إلى نفسي

الذهاب بعيدا إلى نفسي

1
Shares
PinterestGoogle+

رحل الإعلامي الشاعر محمد بنعمارة المغربي يوم السبت 12 ماي 2007عن عمر يناهز 62 سنة،بعد مرض عضال لم ينفع معه علاج، ترك عدة دواوين منها: " الشمس والبحر والأحزان": 1972 – "العشق الأزرق" ديوان مشترك: 1976 – "عناقيد وادي الصمت": 1978 – "نشيد الغرباء": 1981 – "مملكة الروح": 1987 – "السنبلة": 1990 – " في الرياح… وفي السحابة": 2001 م. وله أيضا كتابان هما: "الأثر الصّوفي في الشعر العربي المعاصر"، و" الصوفية في الشعر المغربي المعاصر: مفاهيم وتجليات.
عمل ورثته ومحبوه على طبع آخر ديوان له بعنوان (الذهاب بعيدا إلى نفسي)، رسمت لوحته الخارجية الفنانة المغربية نادية خيالي، وسمته بلون صوفي يبعث على التأمل والسفر في أغوار النفس على غرار ديوان أمينة المريني (سآتيك فردا)والتي أفردته للثلاثيات.
أماالباحث والأديب المغربي أحمد شراك وضع له مقدمة بعنوان (على سبيل الرحيل) ورغم أن الديوان يجمع بين الأشكال الشعرية المختلفة قديمها وحديثها ( العمودية والتفعيلية والثلاثيات)، إلاأن دراستنا ستنصب حول ثلاثياته التي أخذت الحيز الأخير من الديوان أي ابتداء من ص61.
وقبل تصنيفها ودراستها لا بد من الإشارة إلى أن هذا النوع من الشعر تسرب إلينا من الثقافة الغربية، رغم أن أدبنا العربي يزخر بالمقطوعات الشعرية والأبيات المتفرقة هنا وهناك إلا أن العصر الحديث عرف أشكالا تجريبية في ميدان القريض منها الثلاثيات ، والقصيدة الومضة، والقصيدة الجماعية ، والقصيدة الألكترونية (هبرتكست )…
و الهايكوالياباني فضلا عن التانكا،الكاتاوتا والسيدوكا والرنجا والتشاوكا،
وفي هذا الصدد يقول محمد حسن الطريحي:
(ويجب الإقرار والاعتراف قبل كل شيء، أن هذه الثلاثيات كانت موجودة ضمن قصائد الشعراء الأقدمين، دون أن يتحدث عنها النقاد، فأنت تجد عزيزي القارئ الكريم هذه الثلاثيات في صدر أو عجز بيت من الشعر العمودي القديم وفي قصائد شعراء الجاهلية وعصر صدر الإسلام وشعراء زمن الدولتين الأموية والعباسية وما تلاهما من زمن عصور شعراء العربية امتداداً إلى العصور الحديثة وما بعدها متمثلة في الشعراء الأحرار أي عصر الشعر الحر على يد السيدة الشاعرة نازك الملائكة وعصر السياب الشاعر، ولتكن في معرفتنا بأن الثلاثيات لهي شتان في الشعر العمودي القديم وفي الشعر الحر الجديد، وقد تعرفنا إليه أكثر في الشعر الحر الجديد.) /www.almawsem.net/hassan/taziel.htm »>http://www.almawsem.net/hassan/taziel.htm

لم يكن المرحوم متشددا ، لا من دعاة القديم ولا من دعاة التجديد بالرغم من حبه لبعض الشعراء القدامى كأبي تمام والمتنبي والمعري وغيرهم بل رحب بكل إبداع وتجربة جديدة في فن الكلمة ، ولم يأخذ بالقولة المشهورة( إن كان هذا شعرا فكلام العرب باطل)بل فتح حديقة الشعر أمام كل المبدعين على اختلاف ألوان قصائدهم على مراحل ثلاثة عقود ونظم أشعاره على الطريقتين الكلاسيكية والحديثة كما هو الحال في ديوانه الأخير.
(اتخذ الراحل من شعره فضاء رحبا للصوفية، مفاهيم وتجليات، جعلت من شعره تأريخا لسيرته الروحية، وكشفا عن أشواقه المكنونة، وتعبيرا عن تأملاته الوجودية، ورؤاه الخاصة. فهو بذلك واحد من رواد تجربة في الشعر والبحث، قوامها تشييد تناغم وتفاعل روحي وذاتي بين الإبداع، وبين الحياة والوجود.) بلاغ اتحاد كتاب المغرب ينعي الشاعر المغربي محمد بنعمارة .
لاشك أن رحلته في التراث العربي كانت رحلة متصوف ينقب في ما تركه سابقوه ،فجال في رياض (كتاب المواقف) للنفري القائل في موقف الأعمال:
(وقال لي إذا سلكت إلي من وراء الدنيا أتتك رسلي متلقين تعرف في عيونهم الشوق وترى في وجوههم الإقبال والبشرى، أرأيت غائباً غاب عن أهله فأذنهم بقدومه أليس إذا قطع المسافة القاصدين وسلك في محجة الداخلين تلقوه أمام منزله ضاحكين وأسرعوا إليه فرحين مستبشرين).
كما وقف وقفة تأمل عند آلام الحلاج وأعماله ((التفسير ، الطواسين، بستان المعرفة، نصوص الولاية ، المرويات ، الديوان)) ومن إشراقا ته :
("حبيبي سترتني حيث شئت ، فوعزتك لو عذبوني بأنواع البلاء ما رأيته إلا من أحسن النعم ، لأن شعاع أنوار الضمائر قد اخترقت مكاشفات أحوال الظواهر ، الهي أخشاك لأني مذنب ، وأرجوك لأني مؤمن ، وأعتمد على فضلك لأني معتذر ، وأثق بكرمك لأني أستغفر وأنبسط إلى مناجاتك لأني حسن الظن بك ".)
كما نهل من أشعار محمد إقبال واطلع على تجربته الصوفية التي قيل عنها(إن تصوف إقبال هو رفض الحياة الصغيرة في سبيل الحياة الكبيرة أو هو رفض المطامع والشهوات فس سبيل المثل الأعلى والطموح الأرفع أو هو رفض العرض الكاذب في سبيل الجوهر الصحيح، فليس التصوف هنا نبذا للحياة بل سموا بالحياة إلى أعلاها وأبقاها، وليس في هذا التصوف مسكنة ولا متربة وإنما هو العزة كل العزة والإباء كل الإباء).ص270 المناهل عدد30.
وقد سمحت له دراسته أن يحتك بالفلسفةويتعرف بمدينة فاس إلى شيخ من شيوخ القصيدة المغربية الدكتور محمد السرغيني الذي وضع أمامه إشكالية متمحورة حول عقلنة الشعر ووجدنة الفلسفة.
يقول د السرغيني:
يلتقي الشعر بالفلسفة فيما يأتي: في المحاكاة, في المسافات, في المساحات, في الكثافات. إنني لا أقصد بالمحاكاة معناها الإغريقي عند أرسطو وأفلاطون, في حين أقصد بالمسافات تأرجح الشعر بين المحسوس واللامحسوس, وبالمساحات الظاهر والباطن, وبالكثافة القول والتصور. وتتم المحاكاة عبر المقولات الأرسطية وهي الجوهر والكيف والكم والعرض والفعل والانفعال والزمان والمكان والملك. /www.nizwa.com/volume36/p161_172.html »>http://www.nizwa.com/volume36/p161_172.html
كما كان للشعراء الرواد الإسلاميين حسن الأمراني،محمد علي الرباوي ،محمد الريسوني ،… تأثير في شعره.
( نشيد الغرباء) أول ديوان له أعلن فيه إسلامية النص الشعري
و يقول في السنبلة:
وهل في بدايات لون الرماد
دروب تؤدي بنا نحو صمت الغروب
نحو كون يمزقه الحاكمون الطغاة
ويحرقه الملحدون الزناة
ويصلبه الإفك والمارقون
وهل في علاقات تلك القصيدة بدء من الماء.ص41
ثلاثيات الشاعر تمتح من أوزان الخليل ، تنتمي كلها إلى الوافر ( مفاعلتن مفاعلتن فعولن)
أما البيتان الأخيران في الديوان نظما على بحرالمتقارب. والملاحظ أن لغة الثلاثيات تختلف عن لغة دواوين الشاعر، لم يلجأ فيها إلى التعقيد اللفظي والمعنوي ، شفافة لاتحتاج إلى معجم أو تفسير، ملقحة ببعض البديع الذي يلتجئ إليه المتصوفة. يقول عن تجربته الشعرية ( إن تجربتي الشعرية، هي تجربة شاعر مسلم دائم التأمل في الكون الذي يؤدي به إلى الوصول إلى الله عز وجل ).
يقول :
وقفت بباب ربي في انكسار*** دعوت وإن ربي مستجيب
وأنى له زخرف الكلام في حال الإنكسار والوقوف أمام باب الله ، وأنى لأي مخلوق مهما بلغ شأوه في سبك الكلام أن يتصنع أو يجتهد في صياغة الدعاء أمام رب العزة منزل القرآن المعجز ،
إن المقام يقتضي التحدث إلى الله بلغة فقيرة متذللة منكسرة تتميز بالجوع والعطش. فاستمع إليه وهو يخاطب النفس ويذكرها بما اقترفته من ذنوب ويدعوها إلى التوبة يقول:
وضعت أمام نفسي رجس نفسي *** وقلت أما كفاك… أما كفاك
فيا أمارتي بالســـوء عودي *** وتوبــي إن ربي قد هداك
وإلا قد هلكت معـي وصرنا *** إلى نار بما كسبت يــداك
يعود الشاعر إلى محرابه ويغوص في ذاته إلى أبعد الحدود مخترقا النفس الأمارة بالسوء ومجتازا فيافي النفس اللوامة ليحل في روض النفس المطمئنة التي تسلمه إلى البرزخ ما أصعب هذه الرحلة وما أطولها إنها الذهاب بعيدا في متاهات النفس يقول:
بهذا العقل أبحث عن ضياء **** وهذا القلب أصبح لي جـناحا
أطير مرفرفا في الغيب شوقا *** وخمر الروح تملأني انشراحا
وصبحي لاح بعد ظلام ليل *** ونور ضياءه ملأ البــطاحا
كما توجه في شعره إلى الإنسان الغافل وذكره بالآخرة ونصحه بالتزود لها وإلا خسر الدارين بلغة سهلة ميسورة في متناول الجميع يقول:
عباد الله إن العمر وهم *** ودنياكم تســـير إلى زوال
وأفضلكم يعيش حياة عز*** ويعلم أنـها حــال بـحال
وفي يوم السؤال يقول قولا** ويجزم بالجواب عن السؤال
رحم الله الشاعر وحقق مبتغاه وغفر لنا وله ما تقدم من ذنب وما تأخر وإنا لله وإنا إليه راجعون.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *