Home»Enseignement»إنجاز الدروس الخصوصية بين العمل المنهجي والفعل الإشراطي

إنجاز الدروس الخصوصية بين العمل المنهجي والفعل الإشراطي

0
Shares
PinterestGoogle+

إنجاز الدروس الخصوصية بين العمل المنهجي والفعل الإشراطي

بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس. بتاريخ 08 فبراير 2012؛

تقديم:

يجمع المتتبعون للشأن التربوي والتعليمي أن الدروس الخصوصية أصبحت ظاهرة تنتشر على أوسع نطاق، وتغزو مختلف الأسر من كل الطبقات الاجتماعية، أمهات وآباء وتلاميذ، يهرولون وراء نتائج جيدة،  بل نقط مرتفعة تفوق السقوف المعتادة، وتضمن الأماكن الدسمة، والمقاعد الوثيرة في مؤسسات ضامنة لتكوينات جيدة، وشواهد قيمة ومكانة اجتماعية رفيعة   !!!  .

وتعتبر الدروس الخصوصية، أو الساعات الإضافية، حصصا تعليمية مؤداة، يقوم بها التلميذ خارج استعمال زمنه الرسمي، ويؤدي أولياء أمره للمدرس، الذي ينجزها، أجرا مقابل الاستفادة منها. كما أن المدرس ينجز لفائدة التلاميذ الراغبين أو المرغمين، هذه الحصص خارج جدول عمله الرسمي وبأماكن خاصة. ويقبل التلاميذ على هذه الحصص الإضافية المؤداة، طوعا أو كرها، وحسب زعمهم وفي نظر المدرسين ، من أجل دعم مكتسباتهم المعرفية وتقويتها، ورفع مستواهم التحصيلي، وإتمام البرامج، والحصول على معلومات إضافية، التي لا يمكنهم الحصول عليها داخل القسم لضيق الوقت وكثرة التلاميذ، وإعدادهم لاجتياز الامتحانات ومختلف المباريات بنجاح وتفوق  .

فكيف يتم إنجاز الدروس الخصوصية المؤداة؟ وهل يخضع إنجازها إلى منهجية علمية؟ وما هو العمل المنهجي الموصى به تربويا وتعليميا؟ وكيف يتم التدريب الإشراطي للتلميذ؟ وما هي الآثار السلبية للدروس الخصوصية على التلميذ؟ وكيف يمكن اجتثاث ظاهرة الدروس الخصوصية؟    

سنحاول في هذه المقالة المتواضعة، انطلاقا من واقعنا المعيش، الإجابة قدر المستطاع على الأسئلة المطروحة أعلاه، انطلاقا من واقعنا التربوي والمدرسي المعيش، وتجاربنا الميدانية المتواضعة، ومواكبتنا للعملية التعليمية، راجين من القراء الأعزاء التفضل بآرائهم وملاحظاتهم حول هذا الموضوع، الذي أصبح يستأثر باهتمام جميع آباء وأولياء التلاميذ والفرقاء التربويين والمهتمين بالمجال التربوي والتعليمي، لما له من سلبيات واضحة على التلميذ، خصوصا، والمدرس، والأسر، والمنظومة التربوية، والقيم التعليمية والتربوية، عموما.

I.     إنجاز المدرس الدروس الخصوصية:

يقوم المدرس أولا بإمطار التلاميذ بمجموعة من القواعد والصيغ الجامدة والجوفاء، حيث يطلب منهم حفظها عن ظهر قلب، واستظهارها دون تردد، بغض النظر عن  مدى معرفة مجالاتها، ومدى التمكن من تأويلها واستثمارها. بعد ذلك، يركز عمله على مجموعة من التمارين التي يحرص كل الحرص على أن تكون متشابهة ومتطابقة، إلى حد ما، مع تلك التي يتم اقتراحها سواء في المراقبة المستمرة أو مختلف الامتحانات الإشهادية ومباريات ولوج المؤسسات الجامعية ومؤسسات تكوين الأطر. ينجز التلاميذ هذه التمارين فرادى أو متعاونين أو بمساعدة المدرس الذي يتملكه هاجس الكم للانتقال بسرعة إلى تمارين أخرى، حتى وإن اطلع الآباء على هذه المنجزات كانوا في غاية الانشراح من تحصيل أبنائهم   !!!  .

يقوم المدرس، إذن، بتدريب التلاميذ على إنجاز مختلف التمارين بشكل آلي شبيه بالفعل الإشراطي في مختلف أشكاله وأنواعه، خصوصا السلبية منها.

1.    الفعل الإشراطي:

يكرر المدرس، على آذان التلاميذ، وباستمرار” إذا اقترح عليكم كذا، استعملوا كذا” دون توضيح السبب ولا الهدف، فيصبح التلاميذ مرتبطين بأنواع متعددة من التمارين والتدريب على إنجازها بشكل آلي وميكانيكي، مركزين على حفظ مراحل محتوياتها، باعتماد تداريب تتطابق قلبا وقالبا مع الأفعال الإشراطية في مختلف أنواعها، وفي أسوأ ممارساتها: مثير/ استجابة، تستبعد إعمال الفكر المبدع والمبادرة الذاتية، وتعتمد التعويد والتكرار، إلى حدود الاستظهار الببغاوي أو التسجيل الإلكتروني، حيث رد الفعل لدى التلميذ يبقى مشروطا بمثير محدد، ليتم التعامل مع نفس الحالات بنفس الطرق تلقائيا وآليا، وأي تغيير للمثير المعتاد يحدث عطلا على مستوى الإنجاز والتفكير، حيث يلاحظ أن تغيير صيغة أو إشارة واحدة تجعل الحلول مستعصية، فيتيه التلميذ في سراديب بلا نهاية  .   فعوض التعامل مع معطيات الوضعية الإشكالية المقترحة، يركز التلميذ اهتمامه على سرد، على ورقة التحرير، كل ما حفظه عن ظهر قلب أثناء التدريب والتمرن، لكل ما يتشابه وتمارين الاختبارات المقترحة، معتقدا صحة فعله.  

2.    العمل المنهجي:

يبدو جليا إذن، أن المدرس لا يمكن التلاميذ من المنهج التحليلي العلمي المعتمد على المنطق والانتقال التسلسلي من مرحلة إلى أخرى مع الحفاظ على العلاقات المنطقية الرابطة بين مختلف المراحل باعتماد قواعد يقينية وسهلة. إن منهج التحليل العلمي يقتضي تمكين التلميذ من طرائق فعالة علمية لمناقشة مختلف الوضعيات، انطلاقا من معرفة نوع الموضوع أو الظاهرة المدروسة، ثم القيام بجرد مختلف النقط القوية والمعطيات وتصنيفها وفهم أبعادها وتحديد الأهداف، ثم رسم إستراتيجية التحليل بإعداد القواعد والصيغ اللازمة، ثم وضع الفرضيات واعتماد أسلوب الدليل والبرهنة لبلوغ النتائج الحقيقية للإشكالية المطروحة، فالمرور بالمناقشة من مراقي التطبيق والتحليل والتركيب، إلى إصدار أحكام قيمية وآراء شخصية إن اقتضى الحال.  

وبذلك يكون العمل الذي قام به التلميذ من إنتاجه الشخصي، كونه تعامل معه بكل جوارحه وأحاسيسه، وجدانيا وعاطفيا ومعرفيا، فيصبح ملكا له يعتز به ويرفع معنوياته ويتفنن في أساليب الخلق والإبداع  .

II.   الآثار السلبية للدروس الخصوصية على التلميذ:

من المعلوم، من جهة، أن لكل طاقة، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. فكيف نفسر قضاء التلميذ الحصص الرسمية القانونية المقررة من طرف الجهات المسئولة عن الإيقاعات المدرسية واستعمالات الزمن بالمدرسة، وبعدها  حصصا إضافية أخرى قد تمتد ساعات نهارا أو ليلا؟

ومما لا شك فيه، من جهة أخرى، أن للدروس الخصوصية آثارا سلبية على شخصية التلميذ، وبخاصة الطريقة المنتهجة لإنجاز هذه الدروس، حيث هذه السلبيات تنمو مع التلميذ، كما تنمو معه شخصية ضعيفة تتسم بسمات سلبية، نذكر منها ما يلي  :

·        ضعف الثقة بالنفس والخوف من كل وضعية؛

·        الاعتماد على الغير وغياب المبادرة الشخصية؛

·        الغش والتحايل والالتجاء إلى أساليب وضيعة في التعامل مع مختلف الظواهر الاجتماعية؛

·        التبعية والاتكالية والارتباط المستمر بالآخر؛

·        الشعور بالنقص والدونية والعجز عن استغلال القدرات الفكرية؛

·        التقليد والامتثال والخضوع والاستعباد؛

·       الشعور بالخوف وفقدان الأمان وعدم القدرة على التحكم في متغيرات البيئة والمحيط؛

·       الفشل في الإدلاء بآرائه وعدم القدرة على مواجهة الآخرين؛

·       الفشل في اتخاذ قرارات حرة وواعية؛

·       الانفعالات وسوء التصرف في الأزمات والمواقف العصيبة؛

·       الخوف والخجل أمام متحدثيه و محاوريه؛

·       الكسل والتقاعس والركون إلى الخمول؛

·       …………..

خاتمة:

في إطار سن مختلف التشريعات المدرسية والتعليمية، ألا يمكن وضع آليات فعالة لاجتثاث هذه الظاهرة  التي تنخر الجسد التربوي وتقف حاجزا في وجه المدرسة الوطنية؟ ألا يمكن إصدار مذكرات وقوانين صارمة يتم تنفيذها  بحزم ضد المتلاعبين ببراءة التلاميذ وشخصيتهم، لما لهذه الظاهرة من سلبيات واضحة على التلميذ، خصوصا، والمدرس، والأسر، والمنظومة التربوية، والقيم التعليمية والتربوية، عموما؟.

نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. متتبع
    08/02/2012 at 19:34

    على الحكومة الجديدة الانتباه لمؤسسات التعليم الأولي التي أصبحت تقريبا كلها مختصة بالليل والنهار في الدروس الخصوصية.وأهملت المهمة التي من أجلها وجدت ألا وهي تشجيع التعليم ما قبل المدرسي.وبطرق غير شرعية يتهافت عليها أساتذة التعليم العمومي للعمل فيها بدون ترخيص مع تلاميذ مؤسسات أخرى بدون تأمين.أما مؤسسات الخصوصي التي تنصلت من مسؤولياتهاوفقدت مصداقيتها .فتجد تلميذ مؤسسة خصوصية يستفيد من دروس إظافية بنفس المؤسسة مدفوع عنها .فما هذه الفوضى؟؟وأولاد المسؤولين هم الأوائل يستفيدون من هذه الدروس..وأستاذ المدرسة العمومية تجده مضربا في مؤسسته وموجودا بمؤسسة الفلوس والدراهم..نطلبوا الله السلامة …..

  2. mostafa Québec
    09/02/2012 at 13:21

    Malheureusement, au Québec aussi, on voit le même phenomène et on peut faire le même constat que l’article !

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *