Home»International»محمد سبيلا: صعود الأحزاب الإسلامية للحكم مسار طبيعي يقودها إلى إسلام ديموقراطي

محمد سبيلا: صعود الأحزاب الإسلامية للحكم مسار طبيعي يقودها إلى إسلام ديموقراطي

0
Shares
PinterestGoogle+

بعد الحراك السياسي راهن المتتبعون على أن تدخل الأحزاب ذات المشروع الحداثي الساحة، لكن الملاحظ، أن هناك اكتساحا لأحزاب «محافظة» كما هو الحال مع حزب «النهضة»، كما أن البشائر في مصر تنحو نحو حضور قوي لـ»الإخوان المسلمين»، والأمر كذلك في ليبيا  وفي المغرب. كيف  تحلل ذلك؟ وكيف تفسر عودة الشعوب العربية إلى ما هو إسلامي؟

= في تقديري، هذا مسار طبيعي ونتيجة طبيعية، لكن يجب قراءتها ليس قراءة إيديولوجية وسياسية ومتسرعة وقاطعة، بل قراءتها باعتبارها لحظة تحول فيها تلكؤات وتعثرات، ولكن فيها أيضا  خطوات إلى الأمام لأن تطور التاريخ والمجتمع  لا يتوقف على الرغبات والإرادات والأحلام والمثل حتى لو كان الأمر يتعلق بالمثال الديموقراطي،  الذي يعد اليوم جذابا . الحراك العربي يبدو حراكا نحو الديموقراطية والعدالة الاجتماعية، أي أنه ينخرط، شاء أم أبى وبغض النظر عن إرادة الفاعلين السياسيين، في نوع من التحديث. والمهم  أن هذه المجتمعات تعيش مخاضات تخرج فيها من إطار التقليد المتزمت ومن الإسلام الحركي العنيف إلى آفاق إسلام ديموقراطي أو ديموقراطية إسلامية. وهذه خطوة من خطوات التاريخ لأننا لا ننتظر قفزات. الأمر لا يتعلق بثورات نخب أو كما كان الأمر بالنسبة إلى انقلابات بتحولات عنيفة سريعة، بل بثورات شعبية بطيئة النتائج، لكنها محكومة بقوانين التاريخ، وأول قانون من قوانين التاريخ هو أن هناك مستوى معين من الوعي لدى شعب من الشعوب.
والوعي السائد في العالم العربي هو وعي إسلامي تقليدي على كل حال، انفتح جزئيا على الحداثة التقنية وعلى الحداثة التنظيمية السياسية، ولكن اقتباساتها من الحداثة الفكرية والثقافية ما تزال بطيئة وربما متثاقلة، خاصة أن الانتقال الفكري والثقافي هو انتقال بطيء وانتقال عسير، أو بعبارة أخرى أن الزمن التاريخي وزمن التحول الاجتماعي يختلف عن الزمن الثقافي، فالزمن الثقافي  زمن بطيء، والانتقال إلى الديموقراطية، الذي يعد اليوم رهان العالم العربي، هو دون الانتقال إلى ثقافة الحداثة، لذلك هناك اقتباس  فقط لجزء من الحداثة، هي  الحداثة السياسية، ومن ثَم كان هناك تبنٍّ  لتصور أسميه أداتيا واجتزائيا للديموقراطية، حيث يجتزئونها من سياقها، فهناك رهان في العالم العربي لفصل الديموقراطية عن ثقافتها الأصيلة، التي هي ثقافة الحداثة. ولكن هذا، في تقديري، يبقى تجربة تاريخية ستعطي، لاشك، نتائج مهمة.

-إذن هل أنت متوجس من صعود الإسلاميين؟

=> أنا لست من الذين يتوجسون من صعود «حركة النهضة» أو من «الإخوان المسلمين» أو «العدالة والتنمية» لأن العملية الديموقراطية ذات وجهين، فيها أخذ ورد، فهذه الحركات الإسلامية كلها قبلت بالديموقراطية،  وهذا مكسب أساسي ننساه. إننا ننسى بأن هذه الحركات، سواء «النهضة» أو «الإخوان المسلمون» أو «العدالة والتنمية» في المغرب تقبل الديموقراطية، أي تقبل الحداثة السياسية. هي تحاول أن تصارعها وتكيفها وتشذب أطرافها وتستبعد القيم المتعارضة مع التراث والتقليد وغيرها، لكن يبقى ذلك رهانا تاريخيا.   إذن عندما تفرز الانتخابات ظهور تيارات إسلامية، فهذا شيء طبيعي لأن الثقافة الأساسية في المجتمعات العربية هي الثقافة العربية الإسلامية، التي لم تشهد ثورة ثقافية، فكيف نطلب أن تنتقل من الثقافة التقليدية إلى ثقافة الحداثة أو إلى ثقافة ثورية حديثة؟.  هذه خطوة من خطوات التاريخ،  وهنا أدقق وأقول إن حركة «النهضة» في تونس هي نتاج عملية التحديث، التي عرفتها تونس منذ القرن التاسع عشر، لأن تونس كانت من أقدم البلدان العربية،  التي شهدت تحديثا بطيئا منذ العهد التركي إلى عهد الاستعمار ثم عهد الاستقلال، ومن يقرأ بدقة أدبيات «النهضة» في تونس    يتبين بأنها ليست حزبا إسلاميا يدين بإسلام منغلق وفكر إسلامي منغلق، بل بفكر إسلامي متفتح، قابل للتطور والديموقراطية، قابل لحقوق المرأة، وقابل لحقوق الإنسان.  الأحكام والتصنيفات الإيديولوجية المتسرعة هي التي تشوه التحليل، أما إذا تعمقنا في الأمر فنجد- وأنا أعطيت مثال حزب    «النهضة» في تونس، ويمكن أن أتحدث عن تجربة «الإخوان المسلمين» التي فيها تجاذبات وصراعات ولكن على كل حال فيها رغبة على التغيير ورغبة في التطور ورغبة في التحديث وعلى الأقل في التحديث السياسي عن طريق تنظيم السلطة-  أن الحركات الإسلامية نفسها لا تجد اليوم بديلا عن الديموقراطية، فليس لديها حل سحري، وحتى عندما تقول إن الحل هو الإسلام فهي، مع ذلك، لا تجد أمامها إلا الديموقراطية كأحدث شكل من أشكال الحكم التي عرفتها البشرية أو نظرية السلطة وآخر شكل من أشكال تدبير السلطة. ليس لا للإسلاميين ولا لغيرهم بديل عن ذلك، ربما خلال قرن أو نصف قرن حينما نجرب الديموقراطية ونستنفد إيجابياتها ونتبين سلبياتها. لكن على كل حال هناك جدلية تاريخية، وهذا هو الذي أن أؤكد عليه. هناك جدلية تاريخية  تقول إن الانتقال الذي يحدث هو انتقال نحو الديموقراطية، التي قد تكون ناقصة أو جزئية أو مجتزأة من سياقها أو غير ذلك من النقائص، لكن على كل حال هناك جدلية تاريخية تدفع هذه الفئات الجديدة إلى محاولة تشذيبها وربما إبعاد الجوانب العلمانية منها أو الجوانب الإلحادية أو شيئا من هذا القبيل،  فحزب «العدالة والتنمية» وحزب «النهضة»- وأنا هنا أتحدث عن نموذجين أعرفهما- في تقديري هما حزبان يؤمنان على الأقل بالتحديث السياسي ولا أحدث منهما ينكر ذلك. قد تختلف الاجتهادات مثلا، فأنا أعرف كتابات راشد الغنوشي، التي هي كتابات متنورة وتتحدث عن المجتمع المدني وعن الديموقراطية مع الحرص على الخلفية الإسلامية أو الإطار الثقافي الإسلامي، فتجربة حزب «النهضة» خطوة في اتجاه القبول بالحداثة السياسية. وفي تقديري، إذا نظرنا إلى التاريخ  باعتباره خطوات متدرجة فهذه نتائج طبيعية.

 

– لكن حزب «النهضة» وحزب «العدالة والتنمية» يضعان أمامهما التجربة التركية، فهل يمكن أن نستورد هذه التجربة التركية كما استوردنا تجارب أخرى؟

=> الحراك العربي، بما في ذلك المغرب، يتجاذبه أفقان، الأفق الإيراني أو المثال الإيراني، والمثال التركي. ويبدو من خلال المعطيات حاليا أن الحراك العربي يسير في اتجاه النموذج التركي وليس في اتجاه النموذج الإيراني. إذ ليس هناك ملاّلي ولا طبقة الفقهاء ولا رجال الدين يسيطرون ولا عمامات منتشرة في كل الأماكن، بل ربما أستطيع  القول إن الحركات الإسلامية المرتبطة بالحراك الثوري العربي هي حركات تستلهم، ولا أقول تستورد. لماذا تستلهم؟ أولا، لأن التجربة التركية، وعلى كل حال، هي تجربة بلد إسلامي، وهي تجربة رائدة استطاعت أن تجعل من تركيا قوة اقتصادية وقوة سياسية وقوة طامحة إلى أن تلعب دورا إقليميا، وربما على المستوى الأوروبي والمستوى العالمي. هناك إذن إغراءات في التجربة التركية، فهناك توفيق إيجابي بين الحداثة والإسلام، حيث يمكن التحديث التدريجي للفكر الإسلامي وللتأويلات الإسلامية ودفع تأويلات فهم الإسلام في اتجاه القبول بأسس الحداثة، على الأقل الحداثة السياسية. إذن بقدر ما نشاهد بأن هناك نوعا من النفور والابتعاد عن المثال الإيراني في الحراك العربي، بقدر ما نشاهد استلهاما، بوعي أو بغير وعي، للتجربة التركية وللنموذج التركي. وهذا يؤكد الفرضية التي انطلقت منها،  والتي قلت فيها إن لهذه العملية وجهين: انتصار الحركة الإسلامية، لكن أيضا في اختيارها الديموقراطية، وكما قال أحد الباحثين: ربما دخلنا مرحلة نشوء الديموقراطية الإسلامية، كما عاشت أوروبا في مرحلة معينة كالديموقراطية المسيحية، لأن الأمر يتعلق باجتهادات وبتأويلات ربما شجاعة، ولا يتعلق بترديد كليشهات  فكر متخشبة أو كليشهات تعود إلى  القرون السابقة وربما القرون الأولى للإسلام. في نظري يجب أن ننتبه إلى مؤشرات التطور في هذه الحركات الدينية نفسها على الأقل من حيث قبولها رسميا ومبدئيا بالحداثة السياسية المتمثلة في الديموقراطية.

«العدل والإحسان» قد تنتقل نحو العمل السياسي بعد تحول الزعامة

– في الوقت الذي نجد حزب «العدالة والتنمية» يقبل باللعبة السياسية والديموقراطية نجد»جماعة العدل والإحسان» لا تزال بعيدة عنها. لماذا هذا الحذر؟

=> يجب أن لا ننسى أن «حركة العدل والإحسان»  هي حركة  منشقة في الأصل عن حركة صوفية، هي الزاوية البودششية، حيث إن هذا الانشقاق هو انشقاق سياسي، بمعنى أن قائد «العدل والإحسان» شعر بأن الزاوية التي كان ينتمي إليها لا تقوم بأدوار سياسية، ولا تهتم بالشأن العام، بل تهتم بالمسائل الروحية، وبأن متطلبات العصر تقضي بضرورة الاهتمام بالسياسة وبالمسألة الاجتماعية ومسألة الصراع السياسي.هذا من جهة ومن جهة ثانية يبدو أن الاختيارات الفكرية والاتجاه الفكري، وبالخصوص الإسلامي  العام لهذه الحركة، ما يزال مرتبطا بالتصورات التقليدية، وربما كانت نسبة التجديد محدودة فيها. هذه الحركة لم تستطع أن تتحول إلى حركة سياسية لأنها عندما تدخل إلى السياسة أو تنتظم في إطار تنظيمات سياسية ستنفتح، بالأكيد، على معطيات الواقع السياسي ومحدداته وتقبل ببعض قواعده وبعض محدداته وموجهاته، فاستعصاء انتقالها من الفكر السياسي الإسلامي التقليدي إلى الممارسة السياسية الحديثة  يعود من جهة إلى نوع ثقافتها واختياراتها السياسية، ويعود، من جهة أخرى، إلى الشروط التي يفرضها الشرط السياسي العام، سواء من طرف النظام أو من طرف الأحزاب. والقبول بالسياسة يقتضي القبول بالمؤسسات ويتطلب القبول ببعض الاختيارات السياسية والفكرية التحديثية،  التي هي قاسم مشترك بين أطراف اللعبة السياسية أو أطراف الفعل السياسي، سواء الرسمي أو الحزبي، فيبدو لي بأن هذه المسألة ستطول ولن يتحقق في المدى القريب فيما يبدو هذا الانتقال نحو العمل السياسي وربما يكون ذلك في مرحلة لاحقة  بعد تحول الزعامة في هذه الحركة  ودخول أجيال جديدة للقيادة، وشيء من هذا القبيل قد يحدث تحول في مسارها وتقبل الانخراط في العمل السياسي، ولكنها الآن ما يزال يحكمها المحدد القديم المتعلق بالانشقاق عن الحركة البودشيشية.

– ألا يمكن أن نتوقع، انطلاقا من المنتمين إليها الآتين من الجامعات، أن تحدث في الجماعة رجة على غرار الربيع العربي؟

=> الفكر التقليدي التراثي قوي وما يزال قادرا على الاستقطاب  وعلى توجيه العقول والنفوس، وليس من السهل تحقيق هذا الانتقال. نعم رهان الحقل السياسي هو جر هذه الحركة إلى الفعل السياسي لأن الدخول إلى معترك السياسة سيفرض عليها تنسيب أحكامها وتنسيب مواقفها والقبول بالاختلاف والتعدد في الحقل السياسي وفي الأفكار، لكن مادمت منعزلة عن الحقل السياسي  ورافضة له، فإن هذا الموقف سيحمكها إلى مدى غير منظور.

حاوره – الطاهر حمزاوي / جريدة المساء

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *