Home»Régional»حول أزمة القراءة في مجتمعنا: دور المبادرة في تدمير العوائق

حول أزمة القراءة في مجتمعنا: دور المبادرة في تدمير العوائق

0
Shares
PinterestGoogle+

إننا إذا أردنا أجيالا مثقفة متفتحة فاهمة عالمة، فليس من سبيل إلى ذلك غير تنمية عادة القراءة لدى الصغار، لأن هناك ترابط وثيق بين تقدم الأمم وبين إقبالها على القراءة، فالمجتمعات التي تقرأ إنما تقوم في الحقيقة بعملية فهم لواقعها، ثم تأسيس جديد لقواعد هذا الواقع بما يتناسب مع ظروفها وحاجاتها ومطالبها، فلا تكون التنمية من دون القراءة والانفتاح على الكتب ومتابعتها، فالكتب هي خلاصة التجربة الإنسانية والإبداع البشري.
فلابد من وضع خطط فعالة ومدروسة لتشجيع الأجيال على القراءة، بل لا بد من تحريض أبنائنا على القراءة؛ والمدرسة تلعب دورا كبيرا في توجيه التلاميذ للقراءة وترسيخ عادة المطالعة الحرة في نفوسهم، بالتشجيع والتحريض والمنافسة والإغراء، وكل الوسائل جائزة لأجل تحقيق الغاية النبيلة.
إلا أن حركة التأليف والنشر في مجال ثقافة الطفل تعتمد على المبادرات الفردية، وقلما تعتمد كحركة أدبية، وحقل النشر التجاري هو قطاع مربح، لكن بالرغم من ذلك فما زال بعيدا عن تحقيق مبدأ تعميم القراءة بين الأطفال. فالأطفال الفقراء والقرويون، لا يقرؤون ولو كتابا واحدا في السنة غير الكتب المدرسية، والثقافة الشفوية هي السائدة في أوساطهم، لها حضور قوي في كل مناحي الحياة الاجتماعية والفنية والثقافية والدينية، فالنقل الشفوي للمعلومة هو المهيمن. والناشرون لا يرحمون ولا ييسرون سبل الوصول للكتاب وتداوله، وثمن المجموعة القصصية الرخيصة التي تضم ست أو ثمان قصص لا يقل عن 40 درهما، والأسرة المغربية تنظر للكتاب من منظور نفعي أداتي، هل هو ضروري للمدرسة؟ هل أمر به المعلم؟ إذا كان الجواب لا فلا داعي للانشغال بتوفيره.
فكيف يمكن لراشد نشأ على إهمال الثقافة المكتوبة وتبخيس الكتاب أن يساهم في ترويج الكتب واستهلاكها وقراءتها، فظاهرة العزوف عن القراءة مرتبطة بالطفولة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إنشاء جيل قارئ إلا إذا وضعنا خططا فعالية لتشجيع الصغار في المدارس على القراءة.
من هنا تأتي أهمية المشروع التربوي الذي يحمله برنامج (تعالوا نقرأ معا) الذي أعلنته جمعية تنمية التعاون المدرسي بالناظور، والذي يحرض التلاميذ على القراءة الثقافية بترويج كتب أطفال رخيصة الثمن. وقد صدر منها لحد الآن ثلاثة أجزاء: في قلبي حب شعر عبد القهار الحجاري، والأطفال ينقذون النهر قصة الزبير مهداد، وروح جديدة قصة فؤاد الورياشي، وزعت هذه الأعمال بنصف درهم للكتاب. وحقق البرنامج المفاجأة، حيث وقع الإقبال المنقطع النظير على الكتب بين تلاميذ المدارس الابتدائية الذين أبانوا عن نهم قرائي نادر. فالبرنامج تغلب على عائقين اثنين من عوائق انتشار كتاب الطفل، وهما عائق الثمن بإتاحة القصة بنصف درهم وعائق فضاء الترويج حيث أوصل الكتاب إلى الطفل في عقر المدرسة، وكفاه وأسرته عناء البحث عنه.
o فلماذا لا نطمح لإصدار سلاسل رائدة؟ مثلما فعلت بريطانيا بإصدارها سلسلة ليدبيرد التي طبعت أكثر من ألفي عنوان لمختلف الأعمار في عشرات السلاسل القصصية والشعرية والعلمية وغيرها وانتشرت بملايين النسخ في كل العالم؛
o لماذا لا نطمح لتأسيس قواعد مجتمع المعرفة؟ بتربية أجيال قارئة محبة للكتاب الثقافي تتنافس في شرائه وقراءته وتداوله؛
o لماذا لا تخصص المالية العمومية غلافا ماليا لترويج المعرفة والثقافة بين الناشئة؟ وتشارك في هذه المخططات وزارات الأوقاف والثقافة والتربية الوطنية وغيرها، إلى جانب القطاعات الخصوصية والمؤسسات المالية وغيرها، مثلما يحدث في دول العالم المتقدم؛
إن زمن المعجزات قد مضى، ولا يمكن الادعاء بامتلاك الخاتم السحري الكفيل بحل مشاكلنا الثقافية والتنموية، ولا يمكن المراهنة على توصيات ونوايا حسنة لفاعلينا الثقافيين والاجتماعيين من أجل التصدي لآفاتنا الاجتماعية، ولا ينبغي الاختباء وراء الادعاء بأن الناس عازفون عن القراءة، فهذه كلها حجج ومبررات تساهم في ترسيخ عيوبنا وتكريس تخلفنا الثقافي، وفي الإمكان أن نحقق الكثير لو كنا ندعم المبادرات وندعو لها ونحفزها.
وإنشاء نواة مجتمع المعرفة ليس حلما نادر التحقيق، بل في الإمكان أن نؤسس له، ونمهد له، ونضع مداميكه ببرامج واقعية وذكية ومنجزات حقيقية تستهدف الناشئة وتشترط الديمومة ويتوفر لها الدعم اللازم؛ إن مسؤولياتنا كفاعلين ثقافيين وتربويين تحتم علينا التخطيط لإنشاء مجتمع المعرفة، وتربية النشء على محبة الكتب وقراءتها، والعناية بالثقافة المكتوبة وتداولها، وينبغي أن تكون الخطط محكمة وطويلة المدى وشاملة لكل مدن وجهات المغرب، وسائر أعمار الناشئة، ومستوياتها الثقافية، من خلال تفعيل الحياة المدرسية التي تدمج ملايين التلاميذ، وبث الثقافة في المدرسة من خلال المنتجات الثقافية المطبوعة والمرئية والمعارض والمكتبات، وتفعيل الإعلام الثقافي المدرسي، حتى نجعل من كل طفل كاتبا وقارئا أو ناقدا ذكيا، فاعلا ثقافيا في بيئة ثقافية تربوية نشيطة في رحاب المدارس والفصول الدراسية والكليات والمسارح والمساجد وغيرها.
وإنه لو قدر لمشاريعنا أن تحقق نسبة نجاح لا تزيد عن عشرة بالمئة، فإننا سنحصل في النهاية على عشرات الآلاف من المواطنين القراء المتابعين للنتاج الثقافي الفني، المقبلين على الكتب المروجين لها. فضلا عن الأدباء والرسامين الجدد الذين سنكسبهم، والمصنفات التي سترى النور بعشرات الآلاف من النسخ، وغير ذلك من المكاسب الجديرة بالتنويه والإشادة، ألا يعد هذا سببا كافيا لإثارة رغبتنا، وجديرا بتضحيتنا؟
إن الإقبال على القراءة يعد مؤشرا قويا لتقدم المجتمع، فيجب أن نرسخ هذا السلوك الحضاري ونحرض عليه، ولا ينبغي أن نقف مكتوفي الأيدي أمام المبادرات الرائدة، ونتباكى أسفا على الوضع الثقافي المتردي، بل يجب علينا أن نتحمل مسؤولياتنا في مساندة ودعم وتشجيع وترشيد هذه المبادرات.

إن الفاعلين الثقافيين والتربويين ينبغي أن يبادروا لينشروا الثقافة المكتوبة ويشجعوا على الإقبال عليها بكل الوسائل والطرق الممكنة وهذه مسؤوليتهم، وإن الفاعلين الاقتصاديين والقطاعات الحكومية الوصية يبنغي عليها أن تشجع المبادرات وتدعمها دعما ماديا، وإن تعذر فالدعم الأدبي مجاني ولا يتطلب اعتمادا أو قانون مالية جديد، وهذه أيضا مسؤوليتها، ولا يجوز لها التملص منها، كما أن من مسؤولية أجهزة الإعلام بث الخبر الثقافي وإيلاءه أهمية قصوى، وتعميمه والتنويه بالمبادرات والتجارب الثقافية والتعريف بها. وتحمل كل جهة لمسؤوليتها كفيل بتحقيق النتائج المتوخاة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

4 Comments

  1. محمد الزعماري
    30/05/2007 at 11:45

    لايسعني سوى ان ادعو اله عز وجل ان يوفقكم في مشروعكم وان يعم جميع المدارس ، نحن امة تدعي ان اسمها امة اقرا لكن للاسف لاتقرا واكتفت فقط بالاسم ويزداد الاسف شدة لما نلاحظه من غياب عادة القراءة في الوسط التعليمي حتى اصبحنا نعيش ان جاز المصطلح (الامية المركبة ) اي ان الشخص يصبح اميا لعدم متابعته للتغيرات التي تجري حوله ومع ذلك يصر انه على اطلاع ومعرفة متناسيا ان فكر الشخص يتوقف حيث توقفت مطالعته وعادة القراءة عنده .
    اغبطكم على المبادرة واتمنى ان تقبلوني عضوا في مجموعتكم للتعريف بنشاطها ونقل التجربة ان امكن وعنواني الالكتروني :ezzaamarimed@yahoo.fr الهاتف:064917323

  2. الخمليشي
    31/05/2007 at 00:08

    هل لقيت هذه التجربة دعما ما من وزارة الثقافة؟؟ أو من جهة أخرى؟؟
    وما موقع الأكاديمية الجهوية منه؟؟
    ماهى أفاق المشروع المستقبلية؟؟
    الرجاء تقديم توضيحات كافية حول المشروع وأهدافه وطرق الإنجاز

  3. مجيد بوجمعاوي
    01/06/2007 at 01:22

    أخي جزاكم الله خيرا على المقال وعلى الميادرة فقد وضعتم الأصبع على الداء ذلك أنه لاتنمية بدون معرفة خصوصا في هذا الزمن الذي تجاوزت فيه الانسانية الاقتصاد الفلاحي والاقتصاد الصناعي بل وحتى الخدماتي فصار يتحدث عن اقتصاد المعرفة ،لكن مع الأسف لازالت مجتمعاتنا المتخلفة تعتبر الثقافة طرفا فكريا غير ذي جدوى ،وان تعجب أخي فعجب لقول أحد المسؤولين باحدى القرى عن جمعية أترأسها شخصيا ،أنتم جمعية ثقافية لا شأن لكم بالتنمية ،فكأن التنمية في واد والثقافة في واد آخر ،
    ولعل من الأمور التي تنمي الثقافة القراءة وصدق مالك بن نبي اذ قال (الأمة التي لا تقرأ تموت قبل أوانها ) فوفقكم الله في مشروعكم ولاأخفيك سرا اذا قلت لك أخي أننا في احدى الجمعيات بمدينة وجدة نخطط لنفس المشروع وبأفق أوسع فمرحبا بك لنتعاون في هذا الهم المشروع لعلنا نساهم مساهمة المقل في الرقي بهذه الأمة وهذا بريدي الالكتوني للتواصل أكثر majemaoui@gmail.com والسلام الى أن نقرأ لكم

  4. العباسي
    01/06/2007 at 22:35

    أشكر لكم اهتمامكم بالموضوع، وقد نقلت ملاحظاتكم للإخوة القائمين على المشروع بنيابة الناظور، وعبروا عن امتنانهم، ووعدوا بالتواصل معكم للتشاور والتعاون والله الموفق

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *