Home»Enseignement»شروط نجاح نظام الجودة بمنظومة التربية و التكوين- الجزء الرابع

شروط نجاح نظام الجودة بمنظومة التربية و التكوين- الجزء الرابع

1
Shares
PinterestGoogle+
 

الجزء الرابع:

شروط نجاح نظام الجودة بمنظومة التربية والتكوين
بوبكر الزناتي

شروط أساسية لبدايات صحيحة لإرساء ناجح لنظام الجودة الشاملة بالمنظومة التربوية والتكوينية الوطنية:

بعد تحدثنا بإيجاز في الجزء الأول عن دواعي (اهتمام وإسراع) الحكومات في إرساء نظام الجودة –بالخصوص في ميدان التربية والتكوين – وعرضنا لتعريف مفهوم الجودة الشاملة بمنظومة التربية والتكوين، وتطرقنا في الجزء الثاني إلى الجودة من خلال البرنامج الاستعجالي، وعرضنا في الجزء الثالث لأهم ما جاءت به المذكرة الوزارية رقم : 36 الصادرة بتاريخ 21 مارس 2011 (16 ربيع الثاني 1432) في موضوع إرساء نظام الجودة بمنظومة التربية والتكوين ،نتابع مقالنا في جزئه الرابع والأخير بالتطرق شروط لبدايات صحيحة لإرساء ناجح لنظام الجودة الشاملة بالمنظومة التربوية والتكوينية الوطنية :

سيرا على منطق فلسفة الجودة الرامي إلى الإتقان في العمل والذي يؤسس تبعا لانخراط واعي وكامل لكل المتدخلين في إٍرساء نظام الجودة بمؤسسة ما ،يقتضي النجاح في بلوغ أهداف هذا المشروع السير وفق خطط تجريبية  تأخذ في الحسبان دعم جهود العاملين (لأن التعويل كثيرا على التطوع في العمل قد لا يكون مجديا ،وقد يكون مناسباتيا ، وقد يقوم لكن سرعان ما يخمد شيئا فشيئا إذا لم تتم برمجة آليات صيانته منذ الانطلاقة الأولى للمشروع واختيار ناجع للقيادات )، وإذا لم تتم الإجابات الصريحة على انشغالات الفاعلين التربويين، خاصة ما يتعلق بالتي قد تولد الإحساس لديهم  بأنه تتم تعبئتهم وزيادة مسؤولياتهم دون ضمان لتوفير مستلزمات هذا التحويل وبأن تطوير أنظمة التقويم وشروط العمل قد لاتكون في صالح الفاعل التربوي، وكل ذلك قصد تجنب عراقيل محتملة قد تواجه إحداث الجودة (نذكر منها  مقاومة التجديد، لامبالاة من طرف البعض ،عدم استيعاب مفهوم الجودة، ضعف الدعم والمواكبة من طرف الهيئات القيادية العليا، الانطلاقات الخاطئة ، الرضا بالحلول السريعة، ضعف انخراط الفاعلين أو انخراطهم الصوري لإرضاء المسؤول و/أو لتجنب المشاكل ،مع ضرورة استحضار الظروف الصحية للفاعلين وعامل السن لإحداث التوازنات المطلوبة لتحقيق النجاح الجماعي.
و من أجل السير الحثيث نحو ملامسة ذلك ،نعتقد بأنه من شروط انطلاقات صحيحة،الأخذ بعين الاعتبار المجالات الحساسة الواردة أسفله و تدارسها بين جميع الفاعلين التربويين لجَعْل نهج الجودة الشاملة واقع عملي وتلافي مواجهة مقاومة للتغيير من طرف العاملين، لأن التجارب بينت أن واقع التجريب شيء،والتعميم شيء آخر ،حيث تتغير الظروف وتكثر المتغيرات، والأمثلة عديدة (تجريب تأمين الزمن المدرسي،مشاريع دعم التعلم،….) .
إن حرصنا على قول ماسبق ينبع من حرصنا على نجاح منظومة التربية والتكوين ببلادنا، كما يريده لها كل فاعل تربوي ،تجنبا لهدر الجهود والمال العام ورسم صورة سلبية عن تاريخ وجود كل عامل في مزاولة مهنة ما داخل الهرم الوظيفي للمنظومة التربوية على وجه الخصوص.

وفيما يلي نورد المجالات التي نرى أنه ينبغي أن تحضى بالدراسة المعمقة قصد استخلاص حلول عملية ناجعة  تفيد في تغذية نظام الجودة الشاملة بمنظومة التربية والتكوين :
←مجال  الإيقاعات الزمنية (زمن البرامج الدراسية، زمن التعلم حسب المواد، وتيرة التعلم، زمن التعلم الأسبوعي بشقيه الخاصين بالأنشطة الأساسية والأنشطة الموازية)؛ كل ذلك بغية التركيز على التعلمات الأساسية(قصد المرور الموفق من تعميم التعليم إلى دمقرطة التعليم)  ومراعاة للصحة الجسمية و النفسية للمتعلم (ة)،و الأوقات المناسبة للتعلم،وأيضا توفير أزمنة للتقويم التكويني الفعال للمدرس وللتلميذ على وجه الخصوص ،وأيضا بهذه الطريقة سنقلص من ساعات عمل المدرس ليستعملها هذا الأخير داخل المؤسسة التعليمية في بلورة المشروع نهج الجودة الشاملة للمؤسسة وتعزيز الانتماء لها في:
1- تقويم عمل تلامذته حسب معايير الجودة (تحليل نتائجهم وإعداد التدخلات الملائمة ،تصحيح دفاترهم وفروضهم،…)؛
2- توفير ساعات عمل قصد إنجاز اجتماعات كل أسبوعين (ساعة عمل)بين أساتذة نفس القسم(مجلس القسم للتنسيق والتشاور وتقويم أعمال الفترات السابقة في ما يساعد في تجويد الخدمات المقدمة إلى التلاميذ بدءا بالتعرف على الأنشطة الأسبوعية الخاصة بكل مادة، وأنشطة التقويم التي يمكن أن تعطى على شكل مواضيع تأخذ بعين الإعتبار الكفايات المستعرضة الخاصة بكل المواد أو بعضها وصولا إلى برمجة أنشطة الدعم المدرسي المؤسساتي)؛وساعات عمل بين أساتذة نفس المادة(ساعة عمل كل أسبوعين مما يساعد على تدارس آليات تطوير تدريس المادة وحل المشاكل المرتبطة بها والتنسيق مع مفتش المادة في هذا الشأن الذي يلعب دور شخص مورد) ؛ وساعات عمل بمعدل ساعة كل شهر تبرمج لمجالس المؤسسة  (مجلس التدبير وفريق الارتقاء بجودة المؤسسة التعليمية والمجلس التربوي) تليها مباشرة ساعة عمل يجتمع خلالها كل أساتذة المؤسسة كل ثلاثة أشهر لتوسيع دائرة التفكير في نهج التطوير الشامل للمؤسسة التعليمية.
تبعا لما سبق نرى أنه من أساسيات بناء جودة داخل المنظومة التربوية بمباشرة تنسيق مستعجل-إن لم يكن انطلق بعد- بين المفتشية العامة للشؤون التربوية واللجنة الدائمة لمراجعة البرامج لفتح حوار يروم التركيز على التعلمات الأساسية يعيد تحديد هذه الأخيرة بالنسبة لكل مستوى دراسي في أفق إعمال البرامج الدراسية الجديدة،و يأخذ بعين الاعتبار آراء العاملين الميدانيين في كل مادة دراسية، ويعمل  على تقليص  الزمن المدرسي الأسبوعي ومن حجم البرامج الدراسية بكل المستويات الدراسية.                                                                              كما ينبغي الإشارة إلى ضرورة الإدماج القوي لهيئات التأطير والمراقبة الميدانية لكونها حلقة مهمة داخل نظام الجودة ،وبالخصوص فيما يتعلق بتجويد التعلمات .
← مجال التواصل والتكوين :
إعادة النظر في طرق التواصل بين الإدارة التربوية والعاملين التربويين والتلاميذ من أجل التوصل إلى التحدث بلغة واحدة تحقق تعبئة واسعة حول مشاريع مشتركة ،لأنه كما للجودة ثمن فللاجودة ثمن يؤدى نتيجة لعدم فهم الفاعلين للمتغيرات المصاحبة لتحقيق جودة المهام ،وأيضا لضعف التنسيق والتضامن بين الأجهزة ذات العلاقة.ويلاحظ أن هذا المجال له ارتباط وثيق بالمجال السابق بسطه.
مع ضرورة الحرص على أن يستفيد كل العاملين التربويين من كل التكوينات في ميدان الجودة –التي حددتها الوزارة الوصية في المذكرة رقم:36-ونرى بأن الاستفادة المثلى تتحقق إذا ما تم التكوين بالنسبة لكل العاملين بنفس المؤسسة،وعلى وجه الخصوص في الفترة الزمنية قبيل انطلاق الامتحانات المدرسية بالنسبة للأساتذة ،لأنه في هذه الفترات لا تكون دراسة –لماذا لا ننصح باختيار الفترة بعدها ؟ لأن كثيرين قد يفقدون الرغبة في التكوين لاستعجالهم العطلة المدرسية، وهذا ليس في صالح الكل لأننا نريد نجاحا بإشراك الكل-.
← المجال التنظيمي:
التدقيق في تعريف المهام الموكلة لكل عامل تربوي لفتح نوافذ تمكن كل عامل من الإسهام في بلورة مشاريع المؤسسة التابع لها،ومن شأن خلق نظام معلوماتي دقيق وفعال لإدارة الجودة  مركزيا وجهويا وإقليميا ومدرسيا أن يعطي نقلة نوعية للتنظيم في كل المناحي ،ليس فحسب من أجل الإحصاءات ولكن يمتد إلى توفير كل المعلومات الضرورية لارتقاء كل المتدخلين في الشأن التربوي والتكويني ، شريطة التزام الهيئات القيادية بالشفافية و برهنتهم على أنهم يستحقون تأييد وتضحيات مبررة من طرف تابعيهم( الذين يصبحون حسب فلسفة  الجودة أعضاء متساويين في اقتراح القرارات –إلا تلك التي تتطلب سرعة والتي لا تستدعي حضور كل الفاعلين المشكلين لفريق قيادة الجودة بمؤسسة تربوية ما،كما يجب الإشارة على أن هيئات القيادة في نظام الجودة       تدرك جيدا بأن ثقة الفاعلين التربويين التابعين إداريا لها فيها موضوعة على الميزان ( مع مراعاة نظام الحقوق والواجبات الذي يضمن السير العادي للمرافق العمومية) ،لذلك وجب عليها أن تحرص على تنمية الكفايات التي تبرر توليها منصب القيادة،لأنه كما هو معلوم أن نظام الجودة نابع عن المجالين الصناعي والتجاري اللذان تأخذ فيهما هيئة القيادة شروط المستهلك بالعين اليقظة،وتعامله على أنه ملك لأنه مصدر لبقائها خاصة أمام المنافسة).
الجانب العلائقي الإنساني:         ←
حيث أن العنصر البشري يشكل رأسمالا للتجديد والتطوير ،فإدماجه الكلي ينبغي أن يكون مدعما باستمرار من طرف القائد ،وحيث أنه ليس كل إنسان قادر أن يكون قياديا ومنشطا فعالا  ومؤثرا ناجحا  للفرق التي يترأسها لبلوغ الأهداف المرغوبة:فإن كان فضا رغم الحرص على النجاح تفرق العاملون عنه وأحدثوا مقاومة للتجديد،وإن كان متهاونا وضعيف الخبرة حدثت الحالة نفسها . لذلك وجب توفر شرطي الخبرة والحكمة، لأن الإنسان (القائد) يتعامل مع الإنسان، والمعاملة الحسنة هي التي تغذي بطاريات مولدات النجاح الجماعي، وتجعل الإنسان يحس بالإنسان أخيه وتنمي لديه  الرغبة في أن يحب لغيره ما يحب لنفسه. من أجل ذلك ومن أجل المصلحة العليا للبلاد والعباد وجب إحياء ميثاق أخلاقيات المهنة، والتدقيق في اختيار القادة وتدريبهم على مهارات بناء العلاقات الاجتماعية(واعتبار ذلك ضمن مكونات تولي مسؤولية إدارة الجودة)، وتحديد المدة الزمنية لتحمل مناصب المسؤولية قصد التناوب المثمر على تسيير المرافق العامة، مع مراجعة لمبدأ قابلية التجديد الذي قد يكرس لحالة الجمود،ماعدا بالنسبة للمراكز الحساسة،و التي ينبغي العمل على إدماج عاملين بها قصد اكتساب الخبرة واستدامة المعرفة واستمرارية في التدبير المعقلن والمستقر لأنشطتها.
الجانب المادي والمعنوي :           ←
إنه جانب في غاية الأهمية لحفز العاملين التربويين على العطاء،ورفع مستويات رضاهم من خلال رفع مستوى الحياة الكريمة للموظف داخل المؤسسة التي يعمل بها وداخل المجتمع التي ينتمي إليه ،عبر  ميزان العدالة بين الحقوق والواجبات ،والابتعاد كل البعد عن التفييء والتفريق بين العاملين لأن النجاح يتم بواسطة جهود الكل ، كل من موقع مسؤولياته، مع توخي تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع العاملين في مناخ  عمل مُنفتح، مُفْضٍ إلى حلِّ المشاكل، وإلى التعاون المثمر في إطار شفاف ونزيه.وهذا ما يبرر بامتياز خيار وزارة التربية الوطنية بقطاعيها المدرسي والجامعي إرساء نظام الجودة الشامل الذي يجب العمل على نشر ثقافته في كل مجالات حياة الوطن.
4-خاتمة:
وفي الأخير ،نذكر بأن الجودة لاتفرض عبر قوانين أو مذكرات ،ولكن تؤسس وفق مقاربة بنائية تشاركية تخضع الممارسات لنقد منتج يفضي – حسب درجة كبيرة من التوافق- إلى إرساء نظام الجودة المطلوبة ، والذي بطبيعة الحال يأخذ بعين الاعتبار انشغالات وهموم المتدخلين في مشاريعها ،ويقيس درجات رضاهم باستمرار حول الخدمات التي تقدم لهم وحول تلك التي يقدمونها ، وحول درجات نضجهم واقتناعاتهم بأنهم يشكلون فريقا جماعيا وأن كل واحد منهم له دور مزدوج :تنمية مؤسسته ،وتقليص الاختلالات التي قد يكون مصدرا لها.
سيرا على هذا النهج، ينبغي حفز كل الفاعلين التربويين الميدانيين للانخراط بذكاء في هذا الورش الإصلاحي للمنظومة التربوية والتكوينية من خلال الانتقال من نظرية فلسفة الجودة الشاملة إلى حقيقة  عملية في مؤسسة ما ، باستيعاب مفهوم الجودة الشاملة من طرف كل العاملين بمنظومة التربية والتكوين  من القاعدة إلى القمة ، عبر خلق مناخ الثقة داخل الوسط التربوي ( بعيدا عن كل العلاقات النفعية ، واستغلال للنفوذ، وانعدام للشفافية ،ونقص الكفاية التدبيرية والمعاملاتية الإنسانية،…) ، حتى تتم بلورتها عن اقتناع الفاعلين التربويين ،وتغدو محركا للانخراط القوي والمساهمة الفعالة لإرادات الفاعلين ،والتي تدرك بأن ما هو مسطر بأحرف بارزة على الأوراق يمكن ملامسته على أرض الواقع بتقديم تضحيات تتماشى وحسن تصرفات الهيئات القيادية لكل مؤسسة وكل فرقة تربوية ،وتغدو مألوفة  للفاعلين التربويين بالمؤسسة التي تتبناها ، ويتم بذلك تنفيذها باستمرار في حياتهم العملية على وجه الخصوص.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. ابراهيم ابويه
    24/04/2011 at 09:54

    الشكر الجزيل للاستاذ بوبكر الزناتي على هذه الاشراقات التي أخذت منه الجهد والوقت .كما أشير الى أنه بتناغم تام مع ما ورد في المقال ، تجدر الاشارة الى ان الوزارة قد وقعت اتفاق شراكة مع جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء لاجل تكوين نحو 1000 اطار تربوي واداري قصد تمكينهم من تملك منهجيات تدبير الجودة وامتلاكهم لكفايات مهنية قوية .

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.