Home»Régional»محمد بوجمعة: تاريخ وذاكرة-5- مادام « بوليت » « paulette »

محمد بوجمعة: تاريخ وذاكرة-5- مادام « بوليت » « paulette »

1
Shares
PinterestGoogle+
 

جبلي أحمد

يعد شارع سبتة شارعا مجاورا لشارع محمد بوجمعة، وفضلا عن كونه عبارة عن ممر مهم، منه كنا نمر نحو ملعب « لاكروا »، فقد كان المأوى الذي يأوي سيدة إسبانية فقيرة اسمها « مادام بوليت ».
لقد كانت مادام « paulette » ذات الأصول الإسبانية، أشبه بأي امرأة عربية: تربي الدواجن، تنظف باحتها الداخلية الترابية ب « شطابة ديال الدوم »، تتواصل مع الجيران، إلا أنها كانت تختلف عنهم في ركوبها لدراجة عادية بعجلاتها العارية sans garde-boue)).
ربما امتطاؤها لتلك الدراجة وكلامها بالإسبانية المرفوقة بكلمات مكسرة من العربية جعلها مثيرة جدا، الأمر الذي دفع بأبناء الحي دفعا إلى الاستهزاء بها، وهو ما كان يثير سخطها فتستمر في الشتم باللغة الإسبانية، مما كان يخلق لهم متعة أكبر.
لماذا لم نوفي سيدة أجنبية تعيش وسطنا حقها من الإحسان وحسن المعشر؟ هل لأننا كنا صغارا لم نع ما نفعل، وأن كل شيء كان بالنسبة لنا لعبة وتسلية فاتخذناها هزءا وبالتالي لم نرحم فقرها ولا وحدتها؟
لنحسم بأننا كنا صغارا لا نعي واجباتنا جيدا، فهل كان الكبار يلعبون دورهم تجاه هذه السيدة؟
هل لو كنا نعي بأننا كنا نستهزئ بسيدة أجنبية فقيرة كانت في حاجة إلى مساعدة، هل كنا سنجعلها تفخر بوجودها بالقرب منا كجارة كانت تحتاج لنشفق عليها لا أن نتخذها هزءا؟
يقول الأستاذ عمر أورحو: لم تكن السيدة بوليت هي الجارة الوحيدة في الحي من غير المسلمين، لقد كان هناك جار آخر اسمه مولينا وآخر اسمه سيرنوس، وما كان يلفت النظر لمادام بوليت هو كونها سيدة عجوز وتركب الدراجة الهوائية، وهذا الأمر لم يكن شيئا عاديا بالنسبة لكل الناس إذ لم تكن النساء حينها يركبن لا الدراجة العادية ولا النارية، بل كانت الشابات المراهقات يركبن نوعا خاصا من الدراجات تسمى « الميني فيلو »، والأمر الغريب أنها كانت تركب دراجة رجالية من جهة، وليس لها لا فرامل ولا إنارة ولا  » gardes- boues  » من جهة ثانية. »
ويستمر الأستاذ أورحو قائلا: « عندما كانت السيدة بوليت تعبر مجالنا الكروي والذي كان عبارة عن مفترق طرق كمساحة معبدة، وكانت دراجة السيدة بوليت ككل وسائل النقل تجعلنا نتوقف عن اللعب مدة معينة من الوقت حتى تخرج من الملعب ثم بعد ذلك نستمر في اللعب، وخلال هذا الوقت الميت يقوم أحد اللاعبين أو اثنان بمناداتها « مادام بليت » أو « باراتشا’، ولعل « براتشا » هو اسمها العائلي، فتبدأ هي بالرد بكلمات غاضبة لم نكن نفهمها، وانعدام الأسنان في فمها كان يزيد كلامها تعقيدا. وما كان يثيرنا هو مرورها الصاروخي، أي لم تكن تجيد ركوب تلك الدراجة، وبالتالي كانت إذا مرت لا تستطيع النظر لا ذات اليمين ولا ذات الشمال، وانتظارنا لمرورها لم يكن مقتصرا عليها هي وحدها، بل هو سلوك معتاد نقوم به مع جميع المارة ووسائل النقل الخفيفة منها والثقيلة. إن مناداتنا للسيدة بوليت باسمها لم يكن ينم عن سوء أدب أو رغبة في إزعاجها بقدر ما كان ينم عن حاجة تواصلية إنسانية واجتماعية في أنفسنا نحن الأطفال ».

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.