Home»Régional»الشعير والماعز

الشعير والماعز

2
Shares
PinterestGoogle+

إذا كان بلدنا معروفا بإنتاج أهم الحبوب التي يكثر عليها الإقبال، فإن هذه الحبوب كانت دائما مقياسا لتحديد السلم الاجتماعي للأسر.
وهكذا، فإن استهلاك القمح بنوعيه كان على مر السنين دليلا على يسر الحال، بينما يصنف مستهلكو الشعير ضمن الطبقة التي تعيش حياة الشظف والحرمان.
ولعله من غير المبالغ فيه أن نقول بأن بعض الأسر كانت تعتبر استهلاك الشعير نوعا من التخلف، لأن من يفعل ذلك لا يختلف في غذائه عن معظم الحيوانات !
لا ينكر أحد أن خبز الشعير مادة لا يسهل ،، تمريرها،، إلا بمرفقات من قبيل الشاي أو اللبن إن كان الشعير سالما ، فكيف إذا طال تخزينه في المطامير وتحول إلى ما يعرف بين البدو ب،، أحموم،، حيث لاتفارقه حموضة مقرفة حتى بعد الإنضاج؟
لطالما اشتكى المعوزون من الفقراء حالهم مع خبز الشعير، خاصة وأن انتاجه ينافس إنتاج القمح الذي لا يجدون إليه سبيلا.
وإذا كان خبز الشعير يفتقر إلى خصائص نظيره من القمح، فإنه بالمقابل كان غذاء يحمي الجسم من الأمراض ويمنحه مناعة استثنائية ظل كثير من الناس يجهلونها، وكان يلزم كثير من الوقت لمعرفة ذلك.
هذا تذكير سريع بعلاقة الناس مع خبز الشعير، فكيف كان الأمر بالنسبة للحوم الحمراء؟
كان البدو يميلون في أغلبهم إلى استهلاك لحم الماعز لكثرته ورخص ثمنه بالمقارنة مع لحم الغنم الذي ظل حكرا على المناسبات الغالية حين يحل بالأسرة ضيف ذو شأن.
وكما كان الحال مع مكانة خبز الشعير أمام منافسه من القمح، فإن استهلاك لحم الماعز كان يحيل على الذئاب التي تفضل فرائسها من هذا الصنف الذي يشبهها، إلى درجة أن علية القوم كانوا يتأففون من أكل لحم الماعز باعتباره منذورا للذئاب !
دار الزمان دورته، وحدثت رجة كاملة في طبائع الناس.
وهكذا ، اختفى خبز الشعير في البوادي، ثم ما لبث أن تحول إلى مادة لتسمين الحيوان، بينما صار الناس يستهلكون خبزا جاهزا أو يصنعونه من دقيق فقد أصالته بعدما نجح الخبراء الزراعيون في تهجين الحبوب والخضراوات واستطاعوا أن يفرضوا على الناس منتوجات مجهولة الأصل إسوة بالمواليد اللقطاء الذين يضيق بهم المجتمع !
لم تتأخر نتائج الغذاء المعاصر، حيث أصبح استهلاك الدواء أمرا اعتياديا بين العديد من أعضاء الأسرة.
أمام هذا التطور الذي لم يكن بالحسبان، انتهت الأبحاث الغذائية إلى مفارقات عجيبة:
لقد أصبح الطب الحديث ينادي بإعادة الاعتبار لكثير من الأطعمة التي اقترن استهلاكها في الماضي بمظاهر الفقر والتخلف.
وهكذا، فقد أصبح خبز الشعير عنصرا لاغنى عنه في اتقاء بعض الأمراض حتى أصبحت المخابز تستجيب لرغبة نوع خاص من الزبناء الذين يطلبون خبزا بمواصفات محددة.
بالموازاة مع الإقبال على خبز الشعير، فإن العديد من الناس يقطعون المسافات نحو الأسواق والقرى بحثا عن لحم الماعز الذي اصبح بقدرة قادر يحتل رأس القائمة ضمن اللحوم الحمراء وأنكر الناس أن يكون هذا اللحم من نصيب الذئب كما كان أهل الشبع يروجون لذلك.!
عاد الناس إلى تبرير العودة إلى أطعمة بعينها، من قبيل أن الجياد إنما كانت قوتها في استهلاك الشعير كما باقي الحيوانات التي تقدم لها هذه المادة، بينما يزعمون أن لحم الماعز أقل ضررا بالمقارنة من نظيره من الغنم بسبب نوع الغذاء وحركة الماعز التي التي لا تتوقف عبر الأحراش والغابات!
وإلى جانب خبز الشعير ولحم الماعز، فإن الناس قد جددوا علاقتهم بكثير من النباتات والأعشاب التي أدخلوها في أغذيتهم، وصرنا نسمع عن فوائد ،، الجرجير،، الذي ظل غذاء للمواشي وأوراق كذا وعروق كذا….
إن القراءة العقلانية لما يحدث الان في مجال الغذاء، إنما تؤكد حقيقة واحدة: هي أن الله عز وجل لم يخلق شيئا عبثا، بل إن معارفنا هي التي تحتاج إلى مزيد من البحث والتعمق لاكتشاف الأسرار التي اودعها الله في مخلوقاته، وشكرا للبحث العلمي الذي أعاد الاعتبار للشعير والماعز.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *