Home»Régional»حكايا استاذ متقاعد : افلاس سلعة

حكايا استاذ متقاعد : افلاس سلعة

0
Shares
PinterestGoogle+
 

تتيح الأسواق العمومية المنتشرة بالمغرب فرصة متميزة لكل المنتجين لعرض سلعهم، مما يسمح بانتعاش الحركة الاقتصادية وضمان استمرار الانتاج وقواعده التنافسية.
لم يخرج سوق سيدي لحسن عن القاعدة، حيث ظل الى وقت قريب مقصدا مفضلا للتجار والمنتجين الذين تمكنوا من توسيع تجارتهم وبناء الثروة.
وهكذا، فإلى جانب الساكنة المحلية، فإن العديد من القبائل كانت تفد على هذا السوق:
بني وجكل، أولاد سيدي علي، بني فاشات، بني شبل فضلا عن التجار الوافدين من مدينة تاوريت.
كان أحد أهم المؤشرات على ضخامة السوق، هو الاف الدواب من كل الفئات التي خصص لها مكان فسيح تتخلص فيه من المحمولات لتنعم مؤقتا بممارسة الغواية التي تغري معظم الفضوليين بسرقة أسرار الحيوان.
كان الوافدون على السوق يدبرون هذا اللقاء الأسبوعي كل بما تملك يمينه من حيوانات ودواجن ومصنوعات يدوية مختلفة قد تدر عليه بعض الدريهمات العزيزة يومئذ.
لا زالت معظم المنتوجات تؤثث جوانب السوق وأهمها فواكه بني شبل الطرية والجافة ، وعلى راسها التين.
أما السلعة التي ظلت مطلبا أساسيا للساكنة ولم يعد لها أثر،فهي المصنوعات الفخارية التي يتقدمها ( الماعون ، أو بوغروم) بلغة البلدة اعني ما يعرف عند العامة ب،، الفراح،، بتشديد الراء،ثم تليه أوان أخرى لا تقل عنه أهمية، وهي عبارة عن جرار لحفظ السمن والزيت ، وأخرى للبن أو للطهو، ولكل هذه الاواني الخزفية اسماء: فما يحفظ فيه اللبن، يسمونه: ثاغويث، وما يدخر فيه الزيت والسمن يسمونه: إشبرين، أما ما يطهى فيه الطعام ، فيعرف ب: أقنوش ، وهذا فضلا عن أوان أخرى أقل أهمية، كالخابية والجرار المخصصة لتبريد الماء.
كانت الأواني الفخارية تفد على السوق من منطقة تعرف عند الساكنة ب،، أث علي،، وهم أشخاص ينحدرون من منطقة بني بوزكو.
كان هؤلاء التجار يقطعون مسافة طويلة وهم يحملون سلعة هشة قابلة للتلف في اي لحظة.
كان هؤلاء الصناع يلاقون كثيرا من العنت وهم يعالجون المادة الأولية عبر مراحل شاقة قبل أن تتخذ شكلها النهائي، ثم يربطونها بظفائر لضمان عدم تعرضها للكسر على ظهور الدواب.
ومن مظاهر معاناة هؤلاء الباعة، أنهم كانوا مجبرين على التوجه الى السوق يوما قبل انعقاد السوق لبعد المسافة ومحاولة تصريف المنتوجات بين أوائل المتسوقين الذين كان معظمهم يتجشم عناء التسوق من أجل( بوغروم) فقط، باعتباره من اللوازم التي لا غنى عنها، والتي لا تصمد طويلا إذا كانت المستعملة متهورة، الشيء الذي يعرضها للتعنيف والهجاء إن هي كسرت الماعون!
كان لصناع الخزف جناح خاص بعيد عن ازدحام المتسوقين، وكان موسم الأمطار يساهم في ضياع مصنوعاتهم، لأنهم كانوا يبيعون في الهواء الطلق.
عندما يتقدم أحدهم لشراء،، الماعون،، فإنه كان يستعين بخبرة امرأة من النساء المسنات اللواتي يدخلن السوق، وكان الصوت المنبعث خلال النقر على ظهر الإناء مقياسا لتحديد الجودة.
إذا وصل ،، الماعون،، سالما الى البيت؛ فإنه لا بد أن يخضع لطقوس، حيث تلجأ الزوجة المحنكة إلى تعميد السلعة النفيسة بالزيت والبيض لضمان صلابته ومناعته.
إن وظيفة ،، الماعون،، الرئيسية ، هي تحضير الخبز بأنواعه المختلفة، كما يقوم مقام المقلاة عندما تفكر الزوجة في إكرام الأسرة أو الضيف من خلال إعداد عجة البيض ، وهي وصفة بنكهة لا يصنعها الا الماعون.
تختلف صلاحية الماعون باختلاف الظروف وطرق استعماله، لكنه إذا تعرض للكسر، فإن المرأة تملك وسائل لتمديد عمره، حيث تعمد إل جبر كسره بواسطة الطحال! بينما يعمد معظمهن إلى إحداث أثقاب في الجزئين المكسورين، ثم رتقهما .
ظل الماعون عارية لا يمنعها الناس عن غيرهم عند الضياع، لأن الأمر يتعلق بإناء تحضر فيه أهم مادة غذائية.
لا تنتهي صلاحية الماعون إذا تعذر جبره، ذلك أن أجزاءه تتحول إلى سلاح فعال لاتقاء العين والحسد، حيث أن الجزء المكسور الذي يطلقون عليه،، أشقوف،،يوضع في مكان مختار بعناية ليبطل شرور كل من يتوجسون منه خوفا!
ظل،، إخواننا من أث علي،، منتجين لاغنى عن سلعتهم عقودا طويلة، وأصبحوا طيفا مألوفا في السوق ، إلى أن غزت الصناعة كل مناحي الحياة.
لقد أصبح الفخار يسلم مكانه تدريجيا للحديد وغيره من المعادن، مما أحدث تغييرا لافتا في حياة البدو: ظهر الماعون الحديدي الذي يقاوم الضياع، كمانابت،، الشكوة،، الصناعية عن التقليدية، وتتابعت المصنوعات حتى غابت بصمة الإنسان لتغيب معها أشياء عديدة.
لقد غزت الصناعة كل مجالات الحياة، مما حكم على المنتوجات التقليدية بالبوار ، وعلى أهلها بالضياع، خاصة أولئك الذين لم يتمكنوا من تطوير منتوجاتهم وتكييفها مع قوانين السوق.
من المؤسف أن يختفي إخواننا ،، أث علي،، من سوقنا تحت وقع حركة اجتماعية لا تعرف التوقف، ومن المؤسف أن يختفي نمط حياة بأكمله كان فيه عناء وكذلك حلاوة لا يعرفها الا من عاشها.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. عكاشة أبو حفصة .
    15/10/2017 at 23:06

    أستاذي محمد شحلال سعدت كثيرا وأنا أتابع هذه الحكايا الجميلة عن أحد الاسواق الاسبوعية بالمنطقة الشرقية – سوق سيدي لحسن المعني هنا تاوريرت الهمية . وللأسواق الأسبوعية نكهة خاصة عند البائع والمتسوق على حد السواء ، ولهذا خصصت أيام بعينها لهذه الأسواق ، كأن نقول مثلا سوق الخميس ، سوق الجمعة وسوق الأحد … ومن الأسواق المشهورة في العالم العربي ، هناك سوق عكاظ . أعود لأسواقنا المحلية حيث كانت تسود فيها الحشمة والوقار وعدم الاختلاط نهيك عن الصدق في التجارة  » البايع رابح والشاري رابح ومن صلى على النبي يربح  » . وكما أشرتم أستاذي أن هذا السوق كان كبير جدا والدليل على ذلك عدد البهائم التي كانت تربط وتطلق في مكان كان يطلق عليه عندنا  » بالفندق  » قادمة من كل حدب وصوب محملة بالسلع وكل شئ يمكن بيعه أرخصه البيض البلدي … ومن هنا أعرج على الصناعة الفخارية التي أخدت الحيز الكبير في هذه الحكاية و التي امتازت بها قبيلة  » أث على » التي كانت مختصة في هذه الصناعة اضافة الى صناعات اخرى انقرضت بدورها كصناعة الصوف والدرازة وهي صناعة تقليدية كان لها دور مهم في الحياة قبل ظهور الصناعة التحويلية . لماذا اندثرت الصناعة الفخارية ولم نعد نراه في الأسواق الأسبوعية كما كان في منتصف القرن الماضي ؟ . الجواب هو أن الصين الشعبية استغلت التوقيع على برتكول اقتصاد السوق الذي باركته بعد دراسة عميقة من طرف خبرائها ودخلت على اثر ذلك لجميع الأسواق العالمية دون استثناء بما فيها الأسواق الأسبوعية القروية ولو في اقصى نقطة وأقارن بالصين والأسواق المغربية بعد المسافة ووسيلة النقل  » الدواب ، سفن أعالي البحار  » بحيث أصبح – تبصيل الطاووس يغزوا كل الأسواق بجودة عالية وانخفاض في الأثمان وهو موجود بكل بيت بعد ما كان منحصرا عند فيئه قليلة . لقد استغلت الصين هذا الانفتاح وغزت الأسواق وتم القضاء على الصناعة التقليدية المحلية التي لم تعد قادرة على منافسة المنتج الصيني ما استغربت له انها امتدت صناعتها الى » البلغة  » التقليدية وهي من صنع محلي مغربي 100/100 ولا أحد استطاع تسجيل براعة اختراع تقليدي للحفاظ على ثراتنا التقليدي من المنافسة والهجمة الشرسة . ليس الصناعة التقليدية من اندرت وأفل نجمها ولكننا نحن نشجع كل ما هو خارجي ولو قدم من الصين الشعبية . يقولون  » غير شينوا  » ومع ذلك هناك إقبال …
    أقف هنا أستاذي وأسأل افلاس سلعة من المتسبب ؟؟؟ .

    والسلام عليكم .

    – كان معكم عكاشة أبو حفصة .

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.