Home»Régional»سلام عليك يا تويسيت 27

سلام عليك يا تويسيت 27

10
Shares
PinterestGoogle+
 

حدثنا الاجداد عنك,فاستمعنا اليهم بكل شغف,لنعرف تاريخ الارض التي تربينا بين احضانها,فقالوا:كانت ارضا تكسوها اشجار الحلفاء والسدر,تنساب فيها وديان,وعلى جنباتها انبثقت اشجار الدفلة والسنديان والعريش,تحفها جبال سامقة,فذكروا منها جبل المحصر,وجبل راس عصفور,وجبل المرغادي,وعرفنا نحن بعض الجبال الصغيرة بحكم قربها من الدوار الذي ترعرعنا فيه,ومنها جبل رسمنا على قمته احلى الذكريات,انه جبل غيران الفيجل,

وعن طريق الصدف,اكتشف معمر فرنسي,ان جوف تلك الاراضي ,التي كانت تغري بتربية المواشي,زاخر بالمعادن النفيسة,فأنشأ اول شركة بالمنطقة,بقرية سيدي بوبكر,سميت شركة زليجة للمعادن,هذه الشركة كانت في حاجة الى اليد العاملة,فتوافد على المنطقة عمال من ربوع المملكة,فشيدت المساكن,ومحلات التجارة,حتى اصبحت بين عشية وضحاها,قرية تسر الناظرين,تشتمل بالاضافة الى الفيلات الراقية,على ملاعب للتنس,وكرة اليد والكرة الطائرة,وكرة السلة,ومسابح انتشرت بين احيائها,حتى انها سميت في ذاك العصر ب:باريس الثانية.

كان من الضروري,ان تتوافد الشركات الاجنبية للتنقيب عن المعادن,بعد اكتشافها بقرية سيدي بوبكر,وقد تاتى لها ذلك بمنطقة لا تبعد عن قرية سيدي بوبكر الا بثلاثة كيلومترات,فشيدت قرية اخرى,جمعت اطيافا من المواطنين المغاربة,من اهل سوس والريف,وجهات اخرى من ربوع المملكة,فسميت تويسيت,

تحولت المنطقة بقدرة قادر من منطقة تغري بتربية المواشي,الى منطقة صناعية,تدر الاموال الطائلة على الشركات,والدولة,فاستفاد ابناؤها من وظائف بهاته الشركات رغم خطورتها,فمنهم من قضى تحت انقاض الاتربة والصخور المنهارة داخل غياهب المناجم,ومنهم من يعاني اليوم من امراض فتاكة على مستوى الجهاز التنفسي.

ولدت بهاته المنطقة,لافتح عيني في دوار تحفه اشجار الصنوبر الباسقة,على جنباتها مروج خضراء,تنبت نبتات لم تعد تظهر اليوم ,ينساب بين مروجها واد زينت جنباته باشجار الدفلة والعريش,مياهه صافية رقراقة,تطفئ ظمأ القطعان من البقر والاغنام والماعز,وعلى مقربة منه,تلك القرية الزاهية,ذات الاحياء النظيفة,والهندسة الرفيعة,درسنا في المدرسة الوحيدة انذاك بقرية تويسيت,ورغم المعاناة التي كنا نتلاقاها ونحن نقطع المسافات جيئة وذهابا,فقد نهلنا العلم من اساتذة اجلاء,لا ينساهم الا جاحد,او ناكر للخير,كان منهم المعلم المتواضع المخلص,الذي وافته المنية مؤخرا,الا وهو الاستاذ حلحال منصور,رحمه الله وجعل اخلاصه في تادية رسالته في ميزان حسناته.

كنا نحس بالغبطة والحبور,بين الاحياء الجميلة,وعلى قمة جبل النفايات المعدنية,نلاقي في كل لحظة وحين,عمالا يرتدون ملابس العمل ,تعلو قغورهم بسمة لا تنقطع,غير ابهين بمخاطر العمل ولا مشقاته,وكانهم يريدون ان يمرروا الى الاطفال,ان قرية تويسيت في حاجة اليكم مستقبلا,وكانهم كانوا يعلمون انها ستنسى بعد نفاذ كنوزها,وهو الشيء الذي حدث,ولم تنج من هذا المصير باريس الثانية سيدي بوبكر.

اما الدوار الذي جمع الاهل والاحباب,على الالفة والحب الفياض,فلم يبق بين احضانه عدا دور مهترئة,وزنك اصابه الصدأ,وبيادر بها جحور الجرذان,وبعض اشجار البلوط والطاكة التي اصابها العقم,اما الاهل فرحلوا الى وجهات مختلفة,ولم يبق في عقولهم سوى ذكريات خالدة,من فن الفروسية والالعاب الشيقة.

انها قرية اعطت الخير الجزيل,وربت بين احضانها اطياف من المواطنين من مختلف الاجناس والقبائل,حتى ان بعضهم لم يقبل الرحيل عنها,لانه يدس لها حبا منفطع النظير,فمنهم من دفن تحت ترابها الزكي,ومنهم من لا زال يعيش فيها يتملى بتاريخها الزاهي,يقتات بما جنت يداه في ايام الشباب.

اما نحن,فتربينا بين احيائها,نلعب وندرس ونساعد الاباء,ولم نكن نحس بمستقبلها المرير بحكم صغرنا في السن,لكن بعد عودتنا اليها ونحن رجال,لم نعطها سوى دمعا ساخنا,وزفرات تنبعث من الاعماق,حزنا على العابنا الشيقة التي جمعت اطفالا,رحلوا الى وجهات مختلفة بحثا عن لقمة العيش,ومنهم من رحل بلا رجعة,دمعا على تاريخ القرية وتجارتها المربحة,وناقلاتها التي تقل المسافرين في كل لحظة وحين,حتى اصبح اليوم اصحاب الطاكسيات,لا يجدون من يسافر منها واليها,اما الناقلات فلا وجود لها اطلاقا.

لك الله يا قرية الاجداد والاحباب,فتاريخك الزاهي مضى ولن يعود.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. mohammed
    17/07/2017 at 05:50

    ابكيتني ايها الكاتب باسلوبك الرائع وهدا الوصف الدقيق الدي لا يخرج الا من قلب صادق محب يلهمه الحنين والغريب انني تلاقيت معك في مسالت الدكريات المعلقة في قمم الجبال فالوصورة التي تضعها فيها جبل والله عندما اراه ارى دكرياتي كلها تمر امام عيني ارى طفولتي ارى شبابي ارى عقلي ومكاني وكل دقيقة مرت بل واشم رائحة خبز امي وانا راجع الى المنزل بعد يوم دراسي جميل ارى دلك الهواء اللطيف البارد الدي كان يضربني على وجهي وانا في ملعب الاعدادية جلستى انا واصدقائي بعد السادسة هههه انها بلاد جميلة رغم ان اصلي ليس منها ولكنها كانت لتكن اجمل من باريس لو انهم لم ينخروها وياخدو خيراتها فهي اعطت بدون مقابل انها اجمل بلد لو لم تتعرض للسرقه من مصاصي الدماء واخيرا يكون لنا الفخر لو عرفناك وتفضلت بكتابت اسمك لنا
    تحياتي

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.