Home»Régional»حكايا استاذ متقاعد : خواطر من جرادة

حكايا استاذ متقاعد : خواطر من جرادة

1
Shares
PinterestGoogle+
 

حللت بالمدينة ،، العمالية،، منذ يومين في زيارة عائلية، ولم استطع مقاومة تزاحم صور متنافرة من الماضي والحاضر في ذاكرتي!
نزلت بهذه المدينة اول مرة سنة تسع وخمسين وتسعماىة والف املا في الالتحاق بالمدرسة، لكن املي خاب على يد مديرها الفرنسي انذاك والذي كان يقيم بالمنزل الذي أل الى استاذنا السابق المرحوم ج عبد الرحمان علاي.
لقد علل،، الكاوري،، رفضه بعد م توفري على السجل العائلي لوالدي ليضبط تاريخ ميلادي الحقيقي.كنت في السن الدراسي دون أدنى شك، لكن صرامة انسان شمال الأرض لا تنفع معها ذريعة ولا حيلة!
حين اقتنع أخي الأكبر غير الشقيق بان باب المدرسة قد اقفل في وجهي، فضل أن يدخلني الكتاب بدل العودة الى مسقط الراس لأساهم في اقتسام كعكعة ،، تامارا،، التي لا حدود لشراستها هناك.
قبلت يد،، السي محمدين،، فقيه الدوار الذي رزقه الخالق صورة نورانية تعلن عن هويته لأول نظرة،ثم توكلت على الله!
لقد تمكنت من تمثل ما كان الففيه يخطه على لوحتي بسرعة، غير ان ذلك لم ينسني في المدرسة خاصة حين ارى اطفالا في سني يتحدثون عن امور لا مكان لها في الكناب الذي اقتصرت فيه ادوات،، الديداكتيك،، على مرب ذي لحية بيضاء الى جانبه مجموعة من اقلام القصب وحبر معروف ب،، السمق ،، ينتج محليا، فضلا عن سوط تكفي ضربة واحدة منه ليتألم المتعلم طول النهار على حصير يتغذ ى بالنيل من اجسام الاطفال الغضة.
كان الوافد على المدينة على موعد مع سحابة من دخان الفحم الحجري الذي يستخدمه السكان من العمال في التدفئة والطهو، ولثقل هذا الدخان الذي يخنق الزائر،فقد كان ينسج طبقة تغطي المدينة في منظر لافت خاصة في الصباح، وكان سببا في التعرض للزكام.
كان العمال يشرعون في عملهم موزعين على ثلاثة أفواج وباشارة من صفارة معروفة يومئذ.
لم يكن الزائر بحاجة للتحري من أجل الوقوف على خطورة التنقيب عن الفحم الحجري، فالمؤشرات كانت ظاهرة للعيان في البصاق الذي ينفثه العمال حيثما اتفق والذي تلمع فيه بقايا المعدن ، ناهيك عن السعال الذي يفضح بدوره الصدور المنخورة!
اجتمع في المدينة خليط من السكان الذين قدموا من كل جهات الوطن ليتضامنوا في اقتسام المرض المهني المزمن كما يتضامن المغاربة في كل المواقف التي تتطلب المؤازرة!
انتظمت الحياة بهذه المدينة، وتأقلم الناس مع الحوادث الاليمة المتواترة، ومع ذلك لم تخل هذه الحياة من ومضات تحولت الى تقليد تنتظره اسر العمال خاصة، ويتعلق الامر بحلول يوم،، الكانزينة،، وهو يوم صرف الاجور.
كنا نرافق اهلنا العاملين الى،، الكانتينا،، وهو متجر خاص بالعمال من أجل التزود بالمؤونة، وكان الأهم فيها بالنسبة للصغار هو اقتناء بعض ما يخرج عن الضروريات من قبيل الفول السوداني وبعض الفواكه الى جانب حليب متميز كان يباع في قارورات زجاجية.
تميزت المدينة بمعالم عمرانية محدودة بموازاة معالم بشرية،
وهكذا، اشتهرت بالمدينة قاعة سنيمائية استثنائية في هندستها، كما تميزت بوجود كنيسة طالما عكست دقات ناقوسها دبيب الحياة الروحية فيها.
اما في جانب من ،، الكانتينا،، فقد كنا نتملى بطلعة جزار اسباني يدعى،، هولا،،تميز بجثة ضخمة مما جعل المتندرين يدعون بانه يستحيل ان يتسع الباب لدخوله وخروجه لولا ان رايناه يعذب سيارة صغيرة يرغم محركها على الحشرجة!
اما من المسلمين فان لائحة المعتوهين والمجاذيب لا حدود لها، في حين انفرد،،حاسي بلال،، بحانة،،كرمونا،، الشهيرة التي ابتلعت عرق الاف العمال في معاقرة الخمر!
ان الحديث عن ماضي جرادة حديث ذو شجون، غير ان المجال لا يتسع هنا لمزيد من التفاصيل التي لا حدود لها، لكن زيارتي اليوم قد جعلتني اقلب بعض الصفحات التي تختزن كما هائلا من الحرقة.
حينما تجولت بقلب المدينة شعرت بأنني غريب عن المكان، فقد اختفت الوجوه التي عرفتها ذات يوم فسارع ،، السيليكوز،،الى اغتصاب حياتها في عز الكهولة غالبا ليحكم على الاف الارامل بقتل انوثنهن قبل الاوان مما يحكم على الابناء بالتعرض لكل الاحتمالات ليس أقلها الارتماء في احضان الانحلال الخلقي وتعلم الاجرام.
اما خارج المدينة،فان حياة جديدة قد رات النور هناك.
وهكذا فان الغابة الفاتنة التي كنا نجد فيها متنفسا حقيقيا للترويح عن النفس والقراءة وممارسة الرياضة ناهيك عن التقاط الفطر والفواكه البرية،قد تعرضت لتدمير منهجي بدافع الحاجة.
لقد حول معظم السكان هذه الغابة الى مصدر للدخل من خلال الاتجار في حطبها حتى اختفى جل الغطاء الذي كان موطنا لانواع من الوحوش والطيور، لكنه كان ضحية الانسان وانبعاث الدخان السام الذي يقذفه المركب الحراري في الجو.
لكن الحدث الجلل هو الذي يجري الان على يد مئات الشباب الذين دفعتهم الحاجة الى التنقيب عن الفحم الحجري حيثما اتفق.
وهكذا يسترعي انتباه الزائر تناسل الابار الاستكشافية في كل مكان، بل ان المرتفعات التي كنا نمارس فيها شغبنا قد تحولت الى ملكيات يجرب فيها الشباب حظوظهم للعثور على طبقة الفحم بدون تقدير للعواقب المحتملة لهذا العمل الذي يجري خارج كل القواعد!
لقد هلك العديد من الشباب وهم يجازفون بحياتهم من اجل اكسير بطعم الدم لينضافوا الى قافلة شهداء الخبز.
كان من المنتظر ان تغلق لائحة ضحايا ،،السيليكوز،، بعيد اغلاق المنجم رسميا اواخر التسعينات، لكن اقدام السكان على نمط جديد من الاستغلال عبر ما يعرف هنا ،،بالساندريات،، descenderies,قد فتح اللائحة السوداء من جديد!
تحية لابناء جرادة الصامدين الذين استلموا مشعل مقاومة القهر من ابائهم.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.