Home»Correspondants»« مجلس مؤسسات التمريض…ديموقراطيةُ الجَلّاد »

« مجلس مؤسسات التمريض…ديموقراطيةُ الجَلّاد »

3
Shares
PinterestGoogle+
 

السلسلة الصحية « شَــرَّحْ…مَــلَّــحْ »

 

 « مجلس مؤسسات التمريض…ديموقراطيةُ الجَلّاد« 

 

« مجلس المؤسسة » هو وجه من أوجه التنظيم الذي خلقه القانون 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي الصادر بتاريخ 19 ماي 2000 و خصّهُ بالنظر في جميع المسائل التي تهم المؤسسة و حسن سيرها ففصَّل في ذلك تفصيلاً، ست سنوات بعدها و بالضبط في 21 أبريل 2006 صدر المرسوم رقم 2.05.885 في شأن تطبيق المواد 33 و 35 من القانون 01.00 و الذي فسر بإسهاب كيفية انتخاب أعضاء مجلس المؤسسة و كذا اللجان العلمية المرتبطة بها. هو إذن شكلٌ تنظيمي مؤطَّر بقوانين واضحة الخطوط.

في 5 غشت 2016 جاء دور المعاهد العليا للمهن التمريضية و تقنيات الصحة لكي تتمخض هي الأخرى و تلد أول « مجالس » في تاريخها من خلال صدور قرار مشترك لوزيري التعليم العالي و الصحة تحت رقم 2351.16 بتحديد كيفية انتخاب الأعضاء بمجالس المعاهد السالفة الذكر إضافة إلى المرسوم 2.13.658 لسنة 2013 القاضي بإحداثها و اصطفافها إلى جانب مؤسسات التعليم العالي العام غير الجامعي.

نصين قانونيين كرّسا لوصايةٍ بوجهينِ مَسِخَيْنِ، الأول « سادي » تُسلطه وزارة الصحة في شخص وزراءها المتعاقبين و مدراءها المركزيين على الممرض المغربي بمختلف تخصصاته و تلويناته، و الثاني « مازوخي » يَتلبّسُ بعضًا من الممرضين الذين يتبوؤون مناصب المسؤولية و القرار و يتنكرون للإطار… هذه الوصاية التي حرمت الممرضين منذ استقلال المغرب من تحقيق كينونتهم و تطوير ذاتهم العلمية و المجتمعية و المادية، و جعلت منهم أطرا تنزف باستمرار حتى يروي « لوبي » الجبابرة و تجار الصحة تعطشه إلى القيادة المنحرفة و النهب و الاحتكار القطاعي… فظل بذلك الممرض الوحيد في « الكون » الذي يدرس ثلاث سنوات بعد البكالوريا و يُوظف بعد سنين من البطالة إن حالفه الحظ في السلم التاسع ثم يدرس سنتين أخرى بالسلك الثاني ليُتوّج بدبلوم يسمح له بولوج سلك الدكتوراه الجامعي و يمنع عنه في المقابل حق الحصول على السلم الحادي عشر ليبقى حبيس السلم العاشر، كما أنه الموظف الوحيد الذي لا يُعوض عن ساعات العمل الليلية التي يؤديها بعد انتهاء الوقت الرسمي بضعف الأجر المخصص لساعات العمل العادية، و هو العامل بالقطاع الوحيد الذي لا يعفي أتوماتيكيا و إنسانيا المرأة الموظفة في أشهر حملها الأخيرة و حين تصير مرضعة من القيام بالحراسة ليلا، و يعجز عن اقتراح قانون للوظيفة العمومية خاص بالقطاع الاستشفائي كما هو الحال في كثير من الدول نظرا لخصوصيته، و هو الموظف الوحيد من بين جميع الأطر الصحية الذي يُرابط بالمستوصفات القروية و لا يحصل على تعويضات محفزة أو حتى على اعتراف قانوني له بالأعمال الطبية الخارجة عن مجال تخصصه و التي يقوم بها مجبرا في تلك المستوصفات…

ها هي معاهد التكوين تقبع هي الأخرى تحت إمرة هذا « اللوبي » و لعل أي متابع لحيثيات انتخاب مجلس المؤسسة ستثيره مجموعة من الملاحظات أولها استمرار وصاية المديريات الجهوية للصحة على معاهد تكوين الممرضين رغم أن هذه الأخيرة أضحت بمثابة مصالح مركزية شأنها شأن المدرسة الوطنية للصحة العمومية، زد على ذلك عدم اقتراح قانون أساسي يُهيكل الحياة المهنية للأساتذة الممرضين الدائمين حيث أنهم يمارسون حاليا في « سوقٍ سوداء » و هم الذين لا تقوم قائمةُ التكوين الأساسي بدونهم ،إذ اختارت أن تنعتهم وزارة الصحة في تشريعتها « بالموظفين الذين يزاولون مهام التدريس كامل الوقت » و ليس « بالأساتذة الدائمين »، و بمناسبة انتخابات أعضاء مجلس المؤسسة تم تخصيص نفس عدد المقاعد (و هو اثنين) للفئات الثلاث المكونة لموظفي المعاهد و هم أساتذة التعليم العالي الباحثون، الموظفون الإداريون و التقنيون، و الممرضون المزاولون لمهام التدريس، بالرغم من أن الفئة الأخيرة تشكل الكم العددي الأكبر بحوالي 80% من مجموع موظفي المعاهد و مع ذلك تتبارى إلى جانب أساتذة التعليم العالي المساعدين على مقعدين اثنين، فيما يعود مقعدان لفائدة إطار أساتذة التعليم العالي، و مقعدان لإطار أساتذة التعليم العالي المؤهلين، و مقعدان لإطار الإداريين و التقنيين ثم مقعد واحد برسم كل سلك من الأسلاك الثلاثة للطلبة (الذين يعدون بالمئات) فأي منطق هذا و أي عدل!! ناهيك على أن الكَفّة الغالبة و حصة الأسد من المقاعد حيكَت بقوة القانون لصالح مدراء المعاهد و المدراء المساعدين و مدراء الملحقات و أربع شخصيات من خارج المعاهد (لا نفهم السر وراء إضافتهم) يُعينون باقتراح من مدير كل مؤسسة!! كما لا يفوتنا التساؤل عن سر عدم انتخاب اللجان العلمية رغم توفر المعاهد على أساتذة التعليم العالي المساعدين؟!

الأمر لا ينتهي هنا فلو تدبرنا مرسوم 2013 المُحدِث لمعاهد التمريض سيلفت انتباهنا ابتداع وزارة الصحة للجنة وطنية تسمى « اللجنة المركزية لتنسيق التكوين بالمعاهد » تضطلع تقريبا بنفس المهام الموكولة لمجلس المؤسسة بل تتجاوزها و كأنها وُضعت لتحول بين هذا الأخير و بين مجلس التنسيق الوطني اللذين جعلتهما المادة 35 من القانون 01.00 في ارتباط و تفاعل مباشرين دون وساطةٍ أو وصاية حيث تقول المادة: »علاوة على وجود مجلس الإدارة بالمؤسسة المعنية عند الاقتضاء يُحدث بكل مؤسسة من المؤسسات مجلس يطلق عليه اسم مجلس المؤسسة و ينظر في جميع المسائل المتعلقة بمهام المؤسسة و حسن سيرها، و يمكن له أن يقدم اقتراحاته في هذا الشأن إلى مجلس التنسيق ». أمر آخر يثير التساؤل و هو أن « اللجنة المركزية لتنسيق التكوين بالمعاهد » تتكون من مدراء المراكز الاستشفائية الجامعية و مدراء الإدارة المركزية لوزارة الصحة و المدراء الجهويين للصحة، أين هم إذن أهلُ الدار أي مدراء معاهد تكوين الممرضين و أساتذتها؟! أضف إلى ما سبق أننا إذا قمنا بحَجب مهام مجلس المؤسسة التي استولت عليها اللجنة المركزية ستبقى لدينا مهمتين اثنتين فقط يقوم بها المجلس و هما ممارسة السلطة التأديبية بالنسبة للطلبة، و إعداد نظامه الداخلي!! مما يعني أن « مجلس المؤسسة » الذي قدمته وزارة الصحة على أنه وسيلة تنظيمية ديموقراطية تشاركية تعطي دورا حيويا فعالا لجميع مكونات المعاهد من أساتذة و إداريين و تقنيين و طلبة، ليس في الحقيقة سوى ذلك « المجلس التأديبي » الذي يعرفه الجميع في المؤسسات التعليمية منذ الأزل تَم النّفخ فيه و زركشَته مع التضييق عليه و تقزيمه حتى يبقى تحت الوصاية المشوّهَة للوزارة الوصية.

هناك إشكالات أخرى تقنية تهم مسطرة الانتخاب و مراحل تكوين هذه المجالس يطول شرحها و تستلزم جلسات هادئة و إرادة صادقة من طرف الوصيين على قطاع الصحة حتى تتم معالجتها بنظرة تشاركية شمولية لا تقصي « أهلَ مكةَ » و سرّ وجود و استمرارية المعاهد أخص بالذكر الموظفين الأساتذة و الطلبة.

متى إذن سيدرك الساهرون على قطاع الصحة أن أكثر من نصف قرن من سياسة احتكار دواليب القرارات التدبيرية و تهميش الممرضين الذين يشكلون أكثر من 52% من مجموع موظفي القطاع لم تجر على المرفق الصحي سوى السخط و الاحتجاجات و تقهقر خدماته؟ متى سيقتنعون أن أول ورش يجب ترميمه في طريق النهوض بالقطاع هو اجتثاث تلك الفلسفة الدونية الترهيبية الاقصائية في التعامل مع الموارد البشرية التي لن تؤدي سوى إلى مزيد من « العصيان المهني »؟ متى ستتم إذن »أنسَنَة » قطاع الصحة؟… إلى ذلك الحين تُصبحون على « صحةٍ »… و عافية…

و اعذروا زلات و هفوات أخيكم و رفيقكم محمد عبد الله موساوي.

 

  بقلم محمد عبد الله موساوي.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.