كانت الشقة التي استأجرناها من ،ولد البلاد،تقع في الطابق الأول من عمارة تعرف ب،عمارة قدماء المحاربين،.
تقع العمارة غير بعيد عن فندق،،هوليداين والعمالة من جهة،والمعرض ومحطة القطار من جهة أخرى.
لم يكن بها إلا مقيم واحد في الطابق الأرضي،بينما كانت باقي الشقق مؤجرة للمتعاونين الفرنسيين.
كان الموقع ممتازا،وتمكن هؤلاء الوافدون الذين يختزنون رصيدا لا يستهان به من كل صور الكبت من التغلغل إلى هذا المجال الذي تقيم به عائلات بيننا وبينها سنوات ضوئية من الفوارق!
عندما طاب المقام بهذه الشقة،واتسع الأفق،أحس كل واحد منا برغبة جامحة للخروج من شرنقته التي لم تعد تحتوي شخوصا لم يجدوا بدا من الاندماج في الأجواء الجديدة.
لم يمر إلا وقت قصير حتى تحولت الشقة إلى مزار يختلف مرتادوه باختلاف طاقات المستقبلين،بل إن هذه الشقة قد تحولت فيما بعد إلى معلم طريق!
شاءت الظروف أن يقطنها مؤقتا ضابط للشرطة من زملائنا القدماء في الدراسة خلال عطلة الصيف،مما جعلنا نتصرف بمزيد من الثقة بالنفس لا سيما عندما كان جارنا يستدعي الشرطة بدعوى الإزعاج فيصاب بإحباط!
لقد كان هذا الشخص يبالغ أحيانا في تلفيق التهم ضدنا،ولا غرابة في ذلك،فهو يبحث عن الراحة،ونحن نخلص نفوسنا من قيود الماضي!
تعاقبت الأحداث المختلفة في هذه الشقة،ولا يسعني التفصيل فيها في هذا المقام لأن الذي حدث ملك مشترك!
عندما كنت في فترة التدريب،التحق الأخ الحسين قدوري بالشقة،وكانت فترة ممتعة حقا،لأن هذا،،الولد،،كان دائما عمراويا في أعماقه!
بعد إنهاء الزملاء لدراستهم،ظللت محافظا على الشقة،حيث كنت أستريح بها خلال تنقلاتي بين بني ملال ومسقط الرأس،وكان لا بد من الاصطدام مع السيد ،مارسيانو،!
عندما قرر جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله خصم مقدار الثلث من ثمن الإيجار لفائدة الطبقات التي تتوفر فيها الشروط،تبين لي بأن الظرف المناسب قد حل لأنتقم للغبن الذي كنا ضحية له!
زرت صاحب الوكالة أياما قليلة بعد خطاب جلالة الملك فوضعته أمام الأمر الواقع:
إما أن تتسلم المبلغ المتضمن في الوصل وهو250درهما،أو أخصم الثلث من هذا المبلغ ليصلك ما تبقى فقط!
أبدى الرجل اعتراضا في البداية،زاعما أننا لم نحترم عدد المقيمين المتفق عليه،مما يجعل المستحقات الفردية هزيلة جدا،إلى أخر ما جادت به قريحته من مبررات…
لم أبحث عن حجج خارج الخطاب الملكي،مما جعل ،ولد البلاد،يقبل العرض على مضض مذكرا بطيب معاملته!
أتاح لي هذا الرد الفرصة لأفضح خيانته للوطن من خلال التهرب الضريبي وتزوير الحقائق…
ابتلع الرجل ريقه،وبلغ به الأمر أن امتنع فيما بعد عن استلام مستحقات الإيجار بسبب انكشاف أمره،مما جعلني أستغل الشقة عدة سنوات قبل التخلي عنها عندما ثقلت مسؤوليتي!
علمت فيما بعد أن السيد مارسيانو إنما ترامى على الشقة بتواطئ مع بعض موظفينا الفاسدين،وكان من الطبيعي أن تنكشف الأمور يوما ،وهو ما حدث فعلا!