Home»Correspondants»كأنه الإمام قطرب

كأنه الإمام قطرب

0
Shares
PinterestGoogle+

كأنه الإمام قطرب.

وجه الشبه واضح بينهما،لمن كانت له صحبة طالت، أوقصرت بالعلامة اللغوي المرحوم الدكتور « أحمد حدادي » خلد الله ذكره في الصالحين من هذه الأمة.لقد عرفت الأمة العربية منذ البدء رجالا وهبوا حياتهم كلها لخدمة اللغة العربية.رسما ونطقا ورواية ودراية..ولم يكن هذا الاهتمام منهم استجابة لرغبة أونزوة عابرة.وإنما كان جهدهم نابعا من تصور واضح لاشية فيه،ومن منطلق شعورهم بأداء مهمة عربية إسلامية،مستلهمة من المصلحة العامة.يقول الإمام السيوطي : »ولا شك أن علم اللغة من الدين، لأنه من فروض الكفايات ،وبه تعرف معاني ألفاظ القرآن والسنة…وقال بعض أهل العلم: (1)

حفظ اللغات علينا ……………..فرض كفرض الصلاة

فـليس يـضبط دين….. ……….. إلا بحـفـــــظ اللـغــــــات

         هو « أبوعلي محمد بن المستنير » النحوي اللغوي البصري، المتوفى سنة210ه، الملقب ب »قطرب ».وهذا اللقب هو حلية حلاه بها أستاذه »سيبويه »،نظرا لاشتغاله بطلب اللغة العربية،من أول النهار إلى آخره.تماما مثل ما تفعل دويبة تدعى « قطرب ».إذ كان أهل الجاهلية : »يزعمون أنها ليس لها قرار البتة.وقيل لا تستريح نهارها سعيا. »(2)ولشدة حرص » محمد بن المستنير »في طلب علوم اللغة العربية.كان يقف بباب شيخه سحرا قبل مجيء الطلبة،لئلا تضيع له من حياة أستاذه دقائق وثواني غالية.حتى إذاخرج « سيبويه » من بيته سحرا رآه على بابه ،فيقول له ما أنت إلا قطرب ليل(3).وكذلك كان الدكتور »أحمد حدادي ».لايهدأ ولايمل ولايكل من تحقيق،أوتوثيق،أوتعليق،أوتدقيق ..وقلما يلقي محاضرة في اللغة أو الأدب المغربي أو الأندلسي، دون أن يستشهد بقول أبي الفتح البستي:  

          إذا مربي يوم ولم أصطنع يدا……ولم أستفد علما فما هـو من عمري

         هو العالم اللغوي الجليل الدكتور »أحمد حدادي »جوهرة مدينة وجدة، ومفخرة من مفاخرحاضرة « فجيج » العتيدة والعديدة.تراه من بعيد فتحسب أنك تعرفه من قريب.وتجلس إليه من قريب، فتحسب أنك تعرفه من زمن بعيد، بظرفه ولطفه وطرفه يذيب كل جليد.لم يخرج الرجل من جلده مذ عرفناه.قبل المناصب وبعد المناصب. يمشي منتصب القامة ،مرفوع الهامة،موفور الهمة،في كفه كتاب، بل كتب من التراث اللغوي، أو المغربي، أو الأندلسي.لا يمل من تصحيح الأخطاء اللغوية الشائعة،لاتقل في حضرته:ذلك أن. ولكن قل ذلك بأن.ولا تقل:فلان كرس حياته في كذا.ولكن قل فلان وقّف حياته في كذا.ولا تقل: نحن كمسلمين ،ولكن قل نحن المسلمين . بعض الأخطاء التعبيرية كانت تشوش عليه ذهنه،نظرا لملكته اللغوية الفصيحة، وسليقة عربيته الصحيحة.مثل قولهم:سوف لن أسافر.فمثل هذه الأخطاء كانت تزعجه،ولكن رحمه الله كان يتعاظم بالتغافل،وذلك هو خلق العلماء الراسخين في العلم. كما كان رحمه الله لا يكل من حمل الكتب.وكأنه كان يجد لذة في ذلك.وألذ من ذلك لديه، قراءتها والبحث فيها الساعات الطوال .وقد حدثنا من أثق فيه، أنه كان يقرأ كل سواد على بياض .حتى كتب الأطفال لا تسلم من عينيه المعسولتين، فدائما ما كان يردد قول المتنبي:(4)

            أعز مكان في الدنا سرج سابح………وخير جليس في الزمان كتاب

          من المعلوم أن لكل عالم من العلماء الراسخين بصمته الخاصة به.والدكتور رحمة الله عليه(5)،كان آية في جمع الكتب واقتنائها،وكنا أيام الطلب ولا زلنا، نضرب به المثل في شراء الكتب،غلت أم رخصت. والبحث عنها في كل مكان،بعد أم قرب.حتى إنه كان يقتني للكتاب الواحد،طبعتين فأكثر.فصار بجهد منه مضني،مكتبة تمشي على رجلين.كما كان مضرب الأمثال في سيلان الذاكرة،جريا على عادة القدماء.لم يكن يعوزه أي شاهد من القرآن،أو الحديث،أو الشعر،أو الأمثال..كان رحمه الله حاضر البديهة.يرتجل دروسه ومحاضراته، كما لو أنه يملي من كتاب، وهو منهمك في الدرس، لا يخفى عليه من أمر الحاضرين شيء،فقد كان يوزع نظراته الثاقبة على طلابه ومريديه،

        كنا دائما نقول ومنذ ثلاثة عقود: إن الله قد ابتعث إلينا  من يجدد للغة العربية أمرها.عرفنا هذا الرجل من زمان ،عرفناه بئرا يفيض ماؤها ،يشرب منها أهل وجدة، وكذلك سائر الأمة المغربية والعربية والإسلامية.تعلم أهل المغرب الشرقي منه الخير الكثير.قبل المعرفة وأثناءها وبعدها تتعلم منه معاني الإنتماء إلى اللغة العربية..ولأن الرجل كان،لا أقول متخصصا في الأدب المغربي،بل متبحرا في تاريخ المغرب وأدبه وعوائده.فإذا خاض في تاريخ العربية ،وسما بك في معاني الشعر الجاهلي ،أو الأموي، أو العباسي ،بدا لك وكأنه الإمام « قطرب ».لايعزب عن الدكتور »أحمد حدادي » من علوم اللغة العربية ،ما يعزب عند الكثيرين من المتخصصين.وكلما حدثك عن أسرار العربية أوفنونها أوجوانب عبقريتها،ازددت اعتدادا وافتخارا، أن كنت من أهل العربية والإسلام.إذالعربية والإسلام وجهان لعملة واحدة.ولله در الشاعر العربي « محمود غنيم »إذ يقول:

هي العروبة لفظ إن نطقت به………فالشرق والضاد والإسلام معناه

……………………………………………

1)المزهرفي علوم اللغة وأنواعها .جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي.ضبطه وصححه فؤادعلي منصور.مج_2_ط_الاولى.1998منشورات محمد علي بيضون.دار الكتب العلمية.بيروت_لبنان.ص260_261.

2)لسان العرب لابن منظور.مادة:ق ط ر ب.

3)كتاب الفرق في اللغة.قطرب..حققه د:خليل ابراهيم العطية.وراجعه د:رمضان عبد التواب.الناشر.مكتبة الثقافة الدينية.ص12.

4)أبو الطيب المتنبي.شرح ديوان المتنبي.وضعه عبد الرحمان البرقوقي.ج_1 الناشر دار الكتاب العربي.1986بيروت_لبنان.ص319.

5)توفي العلامة »أحمد حدادي »عن عمر ناهز74سنة،يوم28_08_2014. مخلفا وراءه أعمالا علمية في اللغة والتراث المغربي والعربي.وما ألفه الدكتور مادة ثرية للبحث العلمي،بالنسبة للباحثين والطلبة.

 

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

5 Comments

  1. وديع رضى:عين الركادة
    13/03/2015 at 23:31

    قطرب هو اسم لدودة صغيرة تخرج فى الليل ولاتكف عن الزحف. واشتهر أبوعلي محمد بن المستنير بلقب (قطرب) لأنه كان يأتى لأستاذه سيبويه فى الليل ليسأله عن أشياء علمية تشغله ، وكان يبكِّر فى الفجر منتظرا خروج الأستاذ ليتعلم منه . وذات يوم خرج الأستاذ سيبويه في الثلث الأخير من الليل فوجد تلميذه هذا ينتظره على الباب ، فقا له : أنت قطرب ! . فاشتهر بذلك اللقب .
    أبوعلي محمد بن المستنير” النحوي اللغوي البصري ؛مازلت أتساؤل كيف له أن يكون عالم بالأدب واللغة وهو من أهل البصرة ؟ وكيف يألّف كتب وهو لا يرى، فأنا أظن أنه يرى العالم كله حتى لو كان أعمى.

  2. خالد بني ملال
    15/03/2015 at 23:02

    لا فض فوك
    اللهم قيض لهذه اللغة من ينهض بها وبعلومها من جديد
    شكرا السي خالد على المشاركة الطيبة ورحم الله الأستاذَ الحدادي

  3. Anonyme
    15/03/2015 at 23:06

    لا فض فوك
    اللهم قيض لهذه اللغة من ينهض بها وبعلومها من جديد
    شكرا السي خالد على المشاركة الطيبة ورحم الله الأستاذَ الحدادي

  4. أبو سهلة
    15/03/2015 at 23:06

    لعل ماذكرته أخي خالد عن المشمول برحمة الله الدكتور حدادي كان شأنه وديدنه في صحته كما في مرضه ولقد زرته مرة وهو مريض فوجدت عنده الدكتور حوطش وإذا بهما يتحدثان في أمر العلم وخلاصة ما يمكن قوله أن الراحل رحمه الله رغم أن مكانته لا يجادل فيها إلا مكابر إلا أن قيمته الحقيقية لم تعرف إلا بعد أن رحل عنا.

  5. Khalid, Beni Mellal
    15/03/2015 at 23:07

    لا فض فوك
    اللهم قيض لهذه اللغة من ينهض بها وبعلومها من جديد
    شكرا السي خالد على المشاركة الطيبة ورحم الله الأستاذَ الحدادي

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *