Home»Régional»طبيعة الهوية الإسلامية

طبيعة الهوية الإسلامية

0
Shares
PinterestGoogle+

كلمة هوية المنسوبة إلى ضمير الغائب ( هو ) والتي تعني حقيقة الشيء المطلقة المتضمنة لصفاته الجوهرية عندما تضاف إليها صفة إسلام تصير القضية ذات علاقة بكلام الله عز وجل ؛ لأن دين الإسلام إنما يتحقق من خلال هذا الكلام. وبعيدا عن الخوض في طبيعة هذا الكلام كما هو معروف عند الفرق الكلامية من حيث القدم والحدوث أريد الوقوف على طبيعة هويتنا من خلال الخطاب القرآني.
لقد نبهنا هذا الخطاب إلى خطة تعتمدها ملل الكفر من أجل القضاء على هذه الهوية ؛ وهي خطة الحيلولة دون هذا الخطاب وأهله حيث يقول الله عز وجل : (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) إن ملة الكفر على اختلاف أنواعها تدرك أن الغلبة بمعنى سيادة هذه الملة على ملة الإيمان إنما هو إقصاء القرآن علما بأن هذا القرآن إنما يحقق أهدافه من خلال الطرح المضاد لقوله تعالى : (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) فالغاية من اشتراط الاستماع وهو اعتماد حاسة السمع والإنصات وهو السكوت والإمساك عن الكلام هي استيعاب الخطاب القرآني الذي يواجهه الكفر بعدم السماع وباللغو لمنع تحقيق هذه الغاية. ولما كان الاستماع والإنصات مطلوب فإنهما مسبوقان بأمر آخر هو القراءة لقوله تعالى : (فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) ؛ وهي قراءة تولى الله تعالى بنفسه تلقينها للإنسان وهو ما يدل عليه قوله سبحانه : (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) ؛ وهي قراءة خاصة تعتمد الترتيل وهو التنظيم والتنسيق لغة ؛ والأداء وفق ضوابط اصطلاحا.
وقد يعجب الإنسان من حرص الله عز وجل على أن يقرأ الإنسان القرآن ويستمع إليه وفق كيفية معلومة وفي ظروف خاصة ؛ ولكنه عندما تدرك الحقيقة يزول العجب. فالقرآن كلام الله عز وجل وهو يجسد صفة من صفاته الحسنى وهي العلم ؛ وعلمه سبحانه يعني الإحاطة بما خلق ظاهرا وباطنا بحيث يكون هو سبحانه مصدر المعرفة ؛ خلاف علم الإنسان الذي يعتمد على الأشياء لتحصيل المعرفة بمعنى مقابل علم الله تعالى المطلق يوجد علم الإنسان النسبي. والعلم إنما يأخذ قيمته من قدرته على كشف الحقيقة ؛ فمهما كانت طبيعة العلم وبعيدا عن التصنيفات البشرية الموسومة بأحكام القيمة ؛ فان قيمة العلم تتحقق بمدى قربه وبعده من الحقيقة المطلقة. والحقيقة المطلقة إنما هي الذات الإلهية المقدسة التي لا يملك الإنسان وسائل الوصول إليها ولكنه قد يدركها من خلال أفعالها وصفاتها المتعلقة بهذه الأفعال. وأشرف العلوم ما أوصل إلى هذه الحقيقة ؛ ولعل القرآن الكريم ؛ وهو قريب الصلة من الحقيقة هو أشرف علم ؛ لهذا طلب الله من الإنسان أن يتصل به قراءة وسماعا . والله تعالى جعل العلم نعمة موازية لنعمة الخلق ؛ فقوله سبحانه :(الرحمان علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) فمن رحمة الله عز وجل في هذه الآية العلم قبل الخلق وبعده ؛ وقوله سبحانه : (اقرأ باسم ربك الذي خلق ؛ خلق الإنسان من علق ؛ اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) وههنا أيضا اقترن الخلق بالعلم ؛ فإلى جانب الخلق البيولوجي يمتن الله تعالى على المخلوقات بالخلق العلمي . ولقد فضل الله سبحانه الإنسان بالعلم على سائر المخلوقات بما فيها المخلوقات النورانية الملائكة لقوله جل وعلا : (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم ).
والعلم ثروة عليها تتوقف باقي الثروات وهي مصدر قوة الإنسان بحيث قد يغتر بها إلى درجة الطغيان كما عبر عن ذلك الوحي مباشرة بعد ذكر: ( علم الإنسان ما لم يعلم) بقوله : ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) فالإنسان إذا ما استغنى بعلمه وضاعت منه الحكمة طغى.
ومن أجل الاستفادة المثلى من القرآن باعتباره علما موصلا إلى الحقيقة المطلقة أغرى الله تعالى الخلق بالإقبال عليه تلاوة وسماعا لغرض الاستيعاب المفضي إلى الاستقامة؛ ومن وسائل الإغراء تضمين القرآن في عبادة الصلاة ذلك أن الإنسان يضطر لقراءة القرآن لتقبل منه هذه العبادة ؛ ولو لم يكن هذه العبادة مقترنة بقراءة القرآن لقل احتكاكه به مما يقلل فرص استيعابه والعمل به. ومن الإغراءات أيضا كثرة أجر القراءة كما جاء في الحديث النبوي الشريف الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه : ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها ) فهذا كفيل بإقبال الناس على قراءة القرآن لتحقيق الهدف من هذه القراءة. ومن الإغراءات أيضا حضور الملائكة مجالس القراءة وشهودها ؛ وفي هذا يقول الله تعالى : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) ومعلوم أن في هذا الوقت يسود السكون ويتحقق الاستماع والإنصات بشكل جيد مما يعني تحقق الاستيعاب بشكل جيد ؛ ولعل إغراء حضرة الملائكة يجعل الإنسان يقبل على الاستماع والتلاوة.
وأول خطوات قراءة القرآن ؛ وهي قراءة الاستيعاب الجيد أو التدبر بمعنى النظر في أدبار الأشياء كناية عن معرفة الحقيقة هي الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم مصداقا لقوله تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ) معلوم أن الشيطان وهو على رأس ملة الكفر يتبنى فكرة الصد عن قرآن قراءة وسماعا ؛ ويعتمد اللغو فيه ليكون شريكا لله ولكن بالباطل لا بالحق لهذا يكون سلطانه على الكفار لا على المؤمنين ؛ وهو يحاول التشويش على المؤمنين لهذا طلب منهم الاستعاذة بالله منه دفعا للوساوس المشوشة على حسن الاستيعاب وعلى حسن التطبيق بعد ذلك . وقطعا للطريق أمام كل وسوسة شيطانية يقول الله تعالى : ( وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ) ؛ فهو بعيد عن الافتراء وهو علم حقيقي يوصل إلى الحقيقة مصداقا لقوله تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ).
ولقد شاءت إرادة الله عز وجل أن تكون اللغة المستوعبة لهذا العلم الحق هي اللسان العربي بشهادة القرآن نفسه إذ يقول الله عز وجل : ( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون) كما يقول : ( إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) فاقترن العقل والعلم بالعربية في الآيتين ؛ وفي هذا إفحام لمن يرمي العربية بالقصور وهو من ضمن مخطط لا تسمعوا لهذا القرآن الذي تتبناه عقيدة الكفر. ولعل تقديم هذا العلم باللسان العربي هو تيسيره لقوله تعالى : ( فإنما يسرناه بلسانك ) ؛ والغرض من ذلك تسهيل الاستيعاب لقوله جل جلاله : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ). ومن التيسير أيضا تفصيل القرآن لقوله تعالى : ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث) والمكث إنما هو التؤدة والتأني لتسهيل الاستيعاب المفضي إلى سهولة التطبيق. ومن أجل تحقيق هدف الاستيعاب لغرض الاستقامة جاء هذا العلم جامعا مانعا كما يقال وهو ما يؤكده قوله تعالى : ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون) ؛ كما أن تقنية قص القصص خاصة أحسن القصص من شأنها أن تسهل التذكر والتفكر لهذا قال الله تعالى : ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ).
وهذا العلم إنما الغرض من ورائه كما كررنا في هذا المقال هو معرفة الحقيقة المطلقة ؛ والتي بمعرفتها يتعدل سلوك الإنسان في الحياة ؛ وهو المقصود بقوله تعالى : ( وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ) ؛ والإنذار لايكون إلا حيث يكون الأمر خطيرا ؛ وهل يوجد أخطر من قوله تعالى : ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك المثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) فإذا كان الجبل العظيم يخشع للحقيقة المطلقة الموجودة في القرآن ؛ ولا يخشع لها الإنسان الضعيف فالأمر إذن في منتهى الخطورة بسبب تهور الإنسان الضعيف مقابل حكمة الجبل العظيم.
وعندما يصل الإنسان إلى قناعة قراءة القرآن وسماعه باعتباره علما يحيل على الحقيقة من أجل اختيار المسار تتحقق الهوية الإسلامية ؛ وهي الهوية التي تحارب كأشد ما تكون الحرب في هذا الزمان بشتى الوسائل والطرق لتتحقق الغلبة لعقيدة الكفر على تنوعها. فمن أساليب صرف المسلمين عن القرآن طرح البدائل الفكرية الكافرة العلمانية حتى إذا ما فشلت جندت البدائل المنحرفة كبديل الفكر الرافضي الذي يعتمد الوسوسة الشيطانية باستعمال التأويل الضال المضل المكرس للوثنية والسبئية لصرف المسلمين عن الحقيقة بغرض طمس معالم هويتهم وتسهيل انصياعهم للمحتل الكافر وشعار الكل : (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) والكفر ملة واحدة بصهيونيته وصليبيته ووثنيته وعلمانيته ورافضيته ؛ وكلما نفث الشيطان وساوسه تصدى له الله عز وجل مصداقا لقوله تعالى : (فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ).
إن الهوية الإسلامية متحققة بالقرآن لقول الرسول الأعظم عليه السلام في حديث رواه الفاروق عمربن الخطاب رضي الله عنه : ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع آخرين) ؛ فلا خيار لنا إن شئنا الرفعة إلا بالهوية الإسلامية الحقيقية .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. متتبع
    04/03/2007 at 19:13

    وأنا أتابع ندوة فكرية عقدها فرع اتحاد كتاب المغرب بمقر خزانة الشريف الإدريسي بوجدة في موضوع عن المثقف،والإعلامي ودورهما في حراسة الهوية وذلك مساء السبت3/3/2003 وتمنيت أن يكون الأستاذ حاضرا للإدلاء بما يفيدفي الموضوع حيث إن الأخطار محدقة بهويتنا الثقافية، وهذا الموضوع موضوع طبيعةالهوية جزء من الموضوع المثار أمس والأسئلة كثيرة كيف نحمي هويتنا ؟، ومن هو المثقف، والإعلامي ودورهما في ظل العولمة ، وتطور وسائط الإتصال وهيمنها على العالم ؟،وكيف نستفيد منها لمواجهة تدفق القيم الغربية وتدميرها لبناء الأمة .؟ وما دور المدرسة في تأصيل القيم والأنفتاح على العصر، وعلى التكنولوجيا التي غزت المسلمين في عقر ديارهم قال تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة….) وأشكر الأستاذ على موضوعه وأتمنى أن يتحفنا بموضوع عن المثقف الأصيل ودوره في تثبيت القيم الأسلامية لا الغربية بدعوى الإنفتاح على الغرب، وكذا دور الأعلامى وخدمته لقضايا الأمة لا لقضايا ذاتية أوخارجية ولكم الشكر الجزيل

  2. سليمة
    04/03/2007 at 19:13

    لقد غبت علينا وبقينا مشتاقون لمواضعك يا استادى العزيز اننا نستفيد منها كثيرا جعل الله مواضعك منارة المثقفون وشكرا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *