Home»National»هل للبحث العلمي الميداني من موطن في ربوع المجتمع؟

هل للبحث العلمي الميداني من موطن في ربوع المجتمع؟

0
Shares
PinterestGoogle+

هل للبحث العلمي الميداني من موطن في ربوع المجتمع؟

وأنا أتقدم بملتمس إلى هيئة التدريس بالمستوى الخامس ابتدائي للمشاركة في دراسة ميدانية، تهم واقع الدرس التشكيلي في المدرسة الابتدائية. وجدت نفسي أتساءل: هل سيلقى القبول؟ هل سأجد المتحمس للبحث العلمي؟ إلى غير هذه الأسئلة، التي تطرح على المجتمع المغربي سؤالا علميا جوهريا، يعبر في عمقه عن مدى إمكانية استنبات البحث العلمي في المجتمع. ومدى جاهزية هذا المجتمع، خاصة منه المجتمع التربوي والتعليمي أن يكون المنطلق الرئيس إجراء بحوث ميدانية، تؤسس لنظريات علمية جديدة خاصة بالمجتمع المغربي في حقل التربية والتكوين!
ورغم تجربتي المتواضعة في البحث العلمي، التي علمتني أن البحوث الميدانية؛ الباحث فيها يعاني الكثير من أجل إنجاز بحثه، والذي يساهم انطلاقا من مرجعته الواقعية في تطوير الحقول المعرفية والحياة الاجتماعية بل يساهم في تطوير الثقافة والتنمية ويرشدها نحو الواقعية والموضوعية، ونحو الإيجابية والفاعلية، بدل تركيمها ماديات ومعلومات وأفكار ساكنة في الحضانات ( الكتب، المكتبات، الوثائق المختلفة، تقاليد وعادات تمارس دون التفكير فيها، آثار، أرصفة، منشآت … )، غالبا ما تداولها الأجيال فيما بينها ـ بعد صورنتها وتجريدها في قوالب فكرية ـ معلومات ومعارف تستحضر في اجتياز موقف أو تمرير فكرة أو كتابة مقال، دون أن يكون لها الأثر الإيجابي في تغيير الواقع المعيش، وربما تساهم سلبيا في تكريس التخلف والتأخر الحضاري والإنساني للمجتمع! قلت؛ فرغم تلك التجربة ومرارة ترسباتها السلبية في الذاكرة، تطلعت إلى أن أجد واقع البحث الميداني والإمبريقي قد تغير إلى الأفضل والأحسن مع مرور الزمن، ومع التغيرات الذي يشهدها المجتمع على مختلف الأصعدة. لكن، ومع الأسف الشديد لم أجده إلا كما كان إن لم أقل زاد تدهورا ومأساة. ولهذا الوضع البئيس عدة أسباب، أظن بعضها يتجلى في:
ـ المجتمع، لم يؤهل بعد علميا وثقافيا أن يكون مشتلا لفسائل البحث العلمي، وما ينجز من بحوث ميدانية يشكل استثناء لا قاعدة. لكن يمكن استثماره في تأسيس مجتمع البحث العلمي المتنوع إذا ما تضافرت جهود الباحثين، وروجت ميدانيا وعمليا لثقافة البحث العلمي، وخلقت أطرا للبحث العلمي، يكون له الفعل الفاعل في المجتمع، كما يكون لها من الموارد ما يسعفها في أداء مهامها على الوجه الأكمل. وأن توظف نتائج عملها في واقع المجتمع لأجل مقاربة مشاكله وقضاياه المختلفة.
ـ المجتمع، يتوجس خيفة من البحث العلمي، ظنا منه أن البحث العلمي سيعري عليه، ويكتشف عوراته. خاصة إذا كان المطلوب الإدلاء بمعلومات عن الشخص وصفته ونعته. وهو ما لا ينجح البحوث الميدانية في غالبيتها! وكثير ما تكون المعلومات مغالطة وغير حقيقية.

وهذا ما تثبته بعض أدوات البحث التي تبحث في صدق المعلومات!؟ وعليه أجد أن البحث العلمي الميداني يجب أن يخطو بداية نحو الابتعاد عن الشخص ولو كان قائما على بعض المتغيرات المرتبطة به، لأجل استئناس المجتمع بالبحث وتعوده عليه ثم ينتقل إلى هذه المرحلة من البحث.
ـ الثقافة العامة للمجتمع تنحو نحو الانغلاق على الذوات، واعتبار كل ما يتعلق بها مقدسا لا يسمح بالقرب منه. لهذا؛ تغلق هذه الثقافة كل تعاط مع البحث العلمي على أساس أنه يمس بالذات، ولو كانت المعلومات المطلوبة معلومات عامة في إطار مهنة أو موقف أو اتجاه اجتماعي أو ظاهرة ما … الشيء الذي لا يشجع الباحثين على إجراء بحوث ميدانية متعلقة بالواقع المعيش في مختلف مناحي حياة المجتمع. وهنا أجد المجتمعات المتقدمة أكثر انفتاح على البحث العلمي منه في المجتمعات المتخلفة أو المتأخرة حضاريا. وهو البحث العلمي في الدول المتخلفة، في أغلبه وعمومه يستهلك ما أنجز في المجتمعات المتقدمة، ويستهلكه دون حد أدنى من مسائلته أو ملاءمته مع معطيات ذاته على الأقل؟! وهذه ليست دعوة إلى الانغلاق على الذات تجاه الآخر، ولكن دعوة انفتاح بشخصية وهوية وكينونة مستقلة في ماهيتها عن الآخر، وندا له في الحقل العلمي.
وأجد نتائج البحث العلمي في الدول المتقدمة نتجت في أغلبها عن البحث الميداني، وفي جزئيات قد لا تخطر على بال، فضلا عن البعد الفلسفي في التفكير في الكون والمجتمع. بينما، الدول المتخلفة تخاف ذلك وتهابه. ربما هذا ناتج عن الاشتغال بالهم المعيشي اليومي أو الاشتغال في التحصيل المالي والمادي دون التحصيل في المجال العلمي. لأن الثقافة تحولت بوصلتها نحو الماديات وتوابعها المتنوعة.

كما أن واقع البحث في الخلفية الرسمية لا يشكل هاجس ولا اهتمام الرسميين، وتأتي في مؤخرة انشغالهم وهمومهم. وبالتالي، لا يعتقدن أحد أن البحث العلمي سينضج بين عشية وضحاها! فهذا مطمح بعيد يلعب فيه التعليم والإعلام والثقافة الدور الرئيس في تشكيل العقل الباحث، والمهموم بالعلم.
ـ يعزف المجتمع عن البحث الميداني نتيجة لمسه عن قرب ذلك الركام من البحوث والدراسات والرسالات الجامعية في المكتبات مكدسة لا تغني المجتمع في شيء، كل القضايا الشائكة مازالت قائما وبنفس الدرجة إن نقل أعمق وأشد. ومنه فالبعض لا يرى جدوى من دراسات وبحث علمي ميداني لا يفعل فعله في واقعنا المعيش، ويتحول إلى أدبيات تستفيد منها الطالب في حياته الدراسية دون حياته العملية والواقعية في الحد الأدنى. وهو الأمر الذي ولد اليأس في نفوس الباحثين إلا ما قل منهم. في وضع جمود البحث العلمي الميداني على مستوى استثماره لحل شئون المجتمع، يجد الإحجام عن مثل هذه الدراسات والأبحاث مبرراته ومسوغاته.
ـ يفتقد المجتمع جرأة تعرية نفسه أمام نفسه كذات باحثة في ذاتها الموضوع، الشيء الذي يفقده البعد النقدي لذاته، والتي تعد أحد مداخل تقدمه وتطوره.

فالذات التي تفقد الجرأة والحماس بل الوعي بأهمية البحث العلمي الميداني في حياتها، فلن تشارك بجدية وبمسئولية فيه، فلو شاركت؛ فتشارك عن احتشام وخجل، وكأن البحث العلمي يضر أكثر مما ينفع. وعلى العموم من لا يملك من المجتمعات جرأة الاقتحام للمجهول، فلن يتقدم إلى الأمام خطوة.
ـ كنت أعتقد أن مجتمع التربية والتكوين هو التربة الخصبة للبحث العلمي، بل التربة الطبيعية لاستنباته وسقيه وتنميته إلى غاية جني الثمار منه. لكن مع الأسف الشديد هذه القناعة بدأت تهتز، ويطرح أمامها ألف سؤال وسؤال! مما يتولد عنها جملة مواقف جديدة تحل محل القديمة. وهو ما يطرح إشكالية البحث العلمي الميداني في المجتمع للبحث والتقصي، خاصة في مجتمع التربية والتكوين، الذي يحتضن طاقات هائلة من المفكرين والباحثين خاصة منهم الشباب، الذين هم طاقة الأمة التي تضمن مستقبلها، والمعول عليها في بناء الأجيال القادمة، وأخذ المشعل من جيل الباحثين القدامى، الذي أنهكهم المرض، وكم واحد منهم مات دون أن تعيره المؤسسات الرسمية أية قيمة تذكر!؟ …
ـ هناك مشكل ما في العقلية التربوية والتكوينية للمجتمعات المتخلفة، يستدعي البحث والتقصي، والكشف عن أسبابه لمعالجتها. وهو الشيء الذي لا يستوعبه العقل التربوي المبدع من خارج هذه العقلية، لأن طبيعة العقل التربوي بحثية ومتسائلة ونقدية لكل ما يمر عبر قناتها، إذ تخضعه لمجهرها للكشف عن تفاصيله ودقائق مكوناته. ولا يسع المتتبع للعقلية التربوية للمجتمعات المتخلفة إلا أن يلمس ازدياد انغلاقها على ذاتها وتكلسها تجاه البحث أو التطور والتجدد. فهي تشكل قوة مضادة للتطور! بل ذات عصية على الانفتاح على خارجها.

فالواقع يفيد أن المجتمعات التربوية المتخلفة تخلق من كل مبادرة تجديدية غولا كبيرا وهما، تروج لأنيابه ومخالبه الحادتين، التي تنهش كل ما تصل إليه؟! وهذا لن يكرس في المنظومات التربوية المتخلفة إلا التخلف، ويؤدي إلى تآكلها من الداخل واستنزاف طاقتها في اجترار ذاتها مرات ومرات!
ـ هناك؛ لكل فرد شخصيته وقناعاته وإيمانه بدوره ورسالته في المنظومة التعليمية، تشكل قراراته وأدائه داخل مجتمع التربية والتكوين. وهي التي تحدد بوصلته وتجاه مسارها ومصيرها. وهي تتدخل إلى حد كبير في انفتاحه أو انغلاقه على البحث العلمي الميداني. ولعل دراسة ميدانية عبر استمارة أو مقابلة في الحد الأدنى من مستويات بحثها، تخبر بوجهات النظر لأفراد المنظومة التربوية والتكوينية نحو البحث العلمي الميداني.
انطلاقا من هذه الأسباب، ومن غيرها التي تقع خلف الستار، أخال نفسي يغالطها الواقع، ويلبس عليها الرؤية. ويقودها نحو توهم ما لا يصل إلى حقيقة واقع البحث العلمي الميداني في مجتمع التخلف الحضاري. لكن أجدها تطرح سؤالا ملحا على كل باحث، وهو: هل المجتمع المتخلف مؤهل لاستنبات واستولاد البحث العلمي الميداني خاصة والبحث العلمي النظري عامة؟ أجد في نفسي حاجة تطلب التصحيح في موضوعه، فهل من أحد يرصف لي صوى الطريق؟ فأكون له من الشاكرين، ومن الداعين له بكل خير.
عبد العزيز قريش

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. عمر حيمري
    06/02/2009 at 18:48

    السلام عليكم أخي الكريم إن البحوث الميدانية تحتاج إلى مجهودات جبارة وإلى عدد لا يستهان به من الباحثين الذين لا يعرفون الملل ولا الكلة دون أن نمسى الإمكانيات المادية والاجتماعية والعراقيل التي تسببها الإدارةو أحياناوالتثبيط الذي يسببه الأصدقاء كذلك وعلى كل لإذا كنت ترى أني أستطيع مساعدتك فأنا رهن الإشارة خصوصا وأني أعرف عنك من خلال زركي جمال أنك جدي ومثابر أعانك الله يا أخي ووفقك والسلام عليكم

  2. عبد العزيز قريش
    10/02/2009 at 14:57

    أخي وأستاذي الفاضل عمر حيمري، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أشكركم عل العناية والكلمة الطيبة، وأتمنى أن تتواصل معي على العنوان التالي:
    bahittarbaoui@yahoo.fr
    وأشكركم ثانية والله يحفظكم
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *