Home»Régional»خطبة من شأنها أن تغير العالم -الحلقة الرابعة

خطبة من شأنها أن تغير العالم -الحلقة الرابعة

0
Shares
PinterestGoogle+

في الحلقة الأولى من هذا الموضوع تحدثنا عن الأسس الأربعة: المعرفة والإخلاص والحماس والممارسة وقلنا بأنها العناصر التي ينبغي على المتحدث أو الخطيب أن يتضمنها حديثه أو خطبته إذا كان يرغب في نجاحه، وإذا أراد أن يدفع جمهوره إلى العمل. أو أن يدفعه إلى تغيير أفكاره وبالتالي تغيير سلوكه. وعلاقة ذلك بالإلقاء هي أن المعرفة بالموضوع تجعل الخطيب مؤثرا، وإخلاصه يمنح المصداقية والقبول لأفكاره، أما الحماسة فتثير استجابة إيجابية من جانب الجمهور..فالخطيب أثناء الإلقاء يمارس كل الأسس الأربعة ليجعل خطبته أكثر اتزانا. فضلا عن هذه الأسس الأربعة، لابد من الإشارة إلى أهمية فهم الجمهور والاستماع له، وأهمية تخصيص الوقت الأنسب للخطبة، ومراعاة الدور المهم الذي يلعبه الصوت في التبليغ، وكذا الاستعانة بالعصا وحسن توظيف مآربها.

الله تعالى هيأ لك الجمهور لينصت إليك:

إن الفرق بين المحاضر وخطيب الجمعة هو أن الأول من الممكن أن تتعرض محاضرته للنسف، كما يقع أحيانا بالجامعات، أو يقوم أحد ما بالتشويش عليه، وإذا قدم المحاضر معطيات خاطئة فيمكن أن يتلقى معارضة شديدة عاجلة لا تنتظر النهاية أو فترة المداخلات. ولكن الخطيب قد هيأ الله له الفضاء فحبب للمسلمين تعطيره ( خذوا زينتكم عند كل مسجد) وقد نهى الحبيب المصطفى عن أن يأتي الرجل إلى المسجد وقد أكل ثوما أو بصلا حتى لا ينزعج الحاضر فتحول الروائح الكريهة انتباهه عن الخطبة. وقد منع العبث بالحصى أو عيدان الحصير أو الحديث الثنائي أو أن يقول لأحد الملغين أنصت فيزيد الوضع فوضى وضجيجا…كل هذه الأجواء وكأنها هدايا وورود لم تتوفر لأي محاضر في العالم إلا للخطيب. كل هذه الأجواء وهذه الأرضية الجليلة، فقء ليقول الخطيب خطبته ويبلغ مقصده…وهذه الأرضية الربانية كافية لتفرض على الخطيب كي يكون عند حسن الظن، فيجتهد ليكون في مستوى الرسالة.
وبما أن خطب الخطيب لا يمكن أن يعترض عليها أحد، ولا يمكن أن يقاطعها أحد. فإن هذه المكتسبات تفرض على الخطيب أن يتحرى الصواب في المعلومات والتدقيق في المعطيات، وأن ينسب كل قول أو حكم أو فتوى لصاحبها وبأدلتها، حتى لا يقول برأيه فيبرأ ذمته.

اصغ إلى جمهورك كما يصغي إليك

قد نحصر عدد الشركاء في الخطبة في خمسة. الخطيب كمرسل والخطبة كوسيلة والمضمون كرسالة والجمهور كمتلقي و الجو العام الذي تلقى فيه الخطبة.. فنحن نعلم أن هذا التقسيم صار كلاسيكيا مقارنة مع الخطاب من خلال مراعاة الأنظمة التمثيلية للجمهور كما سيأتي الحديث عنها في حلقات مقبلة بحول الله..

ومن الملاحظ أن الكثير من الخطباء لا يأخذون في الاعتبار سوى العناصر الثلاثة الأولى. فهم ينشغلون بأنفسهم ويشعرون بالقلق تجاه المضمون، لكن الجمهور لا يحضى سوى بالقليل من اهتمامهم عدا كونه تجمعا بشريا جالسا على الأرض لا يكره أن تنتهي الخطبة فورا لينصرف. أما رد فعل هذا الجمهور فيتجاهله الخطباء كليا، أو يفكرون فيه للحظة أو لحظتين.

في هذا الإطار، على الخطيب أن يعتبر الخطبة عبارة عن فرصة سانحة ليستمع لجمهوره. ولكي تكون خطيبا مؤثرا وقادرا على إيجاد رابطة قوية مع جمهورك، وإحداث تغيير في أفكاره وقناعاته، ودفعه إلى العمل، عليك أن تصغي إليه بإمعان، فتقوم بتوجيهه حيث يريد هو. وليس كخطيب عبارة عن محامي يلقي مرافعة أمام القاضي والمتهمين. فما معنى ذلك؟ أي ما معنى الإصغاء إلى الجمهور؟

كي تتمكن من تطبيق ذلك عمليا، عليك أن تبعد عن تفكيرك شعور التركيز على الذات، الذي يجعل منك فريسة القلق والارتباك. وأن تنظر إلى الجمهور وتتفرس كيف يبدو الوضع، وكيف يبدو تفاعله مع الخطبة، وهل يصغون إليك باهتمام. هل ينظرون إليك؟ أم عيونهم في السقف يحصون عدد الثريات والأعمدة. هل يبدو عليهم الانسجام والهدوء والراحة؟ أم أنهم يتململون في أماكنهم ويغيرون من جلستهم. هل تشخص عيونهم في اتجاهك عندما تؤكد على فكرة حساسة وتعيد العبارة بلهجة قوية؟ أم ينحنون إلى الأمام وتتدلى رؤوسهم وتتمايل تستعجل النهاية. هل بدا عليهم التفاعل والنشاط وأحسست بأنك وجدت طريقك لتتكلم دون خوف وبثقة عالية وأنك تملك آذانهم وعقولهم؟ باختصار كيف هي حالتهم العاطفية والذهنية؟ أنت مطالب بمعرفة ذلك..لأن هذا هو معنى الإنصات لجمهورك، وإذا قمت بذلك ستعرف كيف تصوغ خطبته فتترك أعظم الأثر.

معرفة الجمهور تعينك على الاستماع له.

عندما تكلمنا عن الضرورات الأربع تحدثنا عن المعرفة وقسمناها إلى قسمين معرفة المضمون ومعرفة الجمهور. ولابأس أن نركز من جديد، ونحن نتحدث عن الإلقاء، على معرفة الجمهور. لأن للأمر علاقة باكتشاف الأساليب التي تؤدي بنا إلى دمج الجمهور في الخطبة.
فالخطيب في حاجة إلى الوقت الكافي ليفكر في جمهوره وذلك من نواحي مهمة. مثلا، من هم أفراد الجمهور؟ أعرافهم السائدة؟ ماذا يريدون؟ ما مدى ارتباطهن بالدين؟ وما مدى صحة الشعائر التي يمارسونها؟ ما الطابع الاجتماعي والثقافي الغالب على حيهم؟ كيف ينظرون إلى خطبة الجمعة؟ وماذا ينتظرون منها؟

إن الخطيب إذا لم يجب عن مثل هذه الأسئلة، فلن يتمكن من تكوين رابط مع الجمهور. لأن الخطبة بمفهوم من المفاهيم، هي رحلة عاطفية وذهنية يقوم بها الخطيب رفقة جمهوره. فكيف ينجح في قيادة أناس من لا يعرفهم ولا يعرف عنهم أي شيء.
لازلت أذكر عندما تعذر على الخطيب الرسمي أن يلقي خطبته بمسجد سيدي يحى المركز. فبعثت نظارة الأوقاف أو المجلس العلمي شابا لا يعرف أدنى شيء عن هذه الساكنة ولا عن معتقداتهم العرفية ولا مدى تشبثهم بالضريح المجاور… فنزل الشاب بغضب على التمسح بالأضرحة والذبح عليها، وذكر "الولي الصالح" الذي يشكل رمزا تاريخيا في المنطقة بما لم يرض البعض. فقام أحد السكان من بين الجمهور وهو يصيح بغضب و بأعلى صوته قائلا: "اتق الله يا إمام ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون". فتحول المسجد إلى سوق من اللغو والنقاش. وبعد انتهاء الخطبة تشكلت قرب المسجد تجمعات صغيرة في كل مكان تحاول طرح المسألة من وجهات نظر مختلفة.

فإذا كانت الحكمة هي وضع الشيء في مكانه المناسب فإن من الحكمة معرفة أشياء ذات أهمية عن الجمهور. لأن الخطبة التي تلقى في حي شعبي فقير ترتفع فيه نسبة الأمية ويعاني أهله من التهميش وقلة ذات اليد، لا أعتقد أن خطبة حول إخراج الزكاة ستلقى ترحيبا لديهم. اللهم إذا كانت من باب تعريف القوم على دينهم فيكون التعريف هو السبب الدافع إلى نسج الخطبة من البداية. أو أن تضرب لهم أمثلة من حياة البذخ والرفاهية لن تزيدهم إلا حنقا وغضبا ونقمة على الوضع الذي يعيشونه. ومعنى هذا أن الخطيب مطالب بأن لا يلقي الخطبة بلغته بل عليه أن يلقيها بلغة جمهوره. ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) فالأنبياء ـ عليهم السلام ـ يُرسَلون بلسان أقوامهم ليبينوا لهم، ويقيموا عليهم الحجة، بأوضح عبارة، وأجمل أسلوب، ولأن معرفة لغة القوم هي القاسم المشترك الذي يضفي الانسجام والتفاعل بين النبي وقومه.
فكلما خوطب جمهور بلغة أخرى غريبة عنه فلا نحسب أن يكون تمة تحقيق لمرمى أو هدف.

عندما تلقي أول خطبة:

ننصح الخطيب عندما يتهيأ لإلقاء أول خطبة بمسجد ما أن يقوم بزيارة المسجد خلال الأسبوع. وينظر إلى المساحة التي سيحتلها جمهوره، ولابأس أن يسأل أهل الدار إن كانت مساحة المسجد تكف لكل المصلين أم لا تكف، وهل هناك مكبر للصوت يمكن الاستعانة به ليصلهم صوت الخطيب. كما أنه مطالب بأن يصعد فوق المنبر ويقف كأنه سيلقي خطبته وينظر إلى كل الأماكن ليعرف عدد الزوايا التي ستحجب عنه رؤية البعض، لعله يجد حلا مسبقا من خلال كيفية تحركه يمنة ويسرة لعله يدرك ببصره كل الجمهور.

وإذا علم الخطيب بأن تمة مصلين يجلسون تحت حرارة الشمس فأعتقد أنه إن أطال فإنه سيتسبب في ضررهم، وأما إن صلى بسورة النمل فعندما ينهي صلاته، سيجد سيارة الإسعاف قد أخذت جزءا هاما من جمهوره.

ما هو الوقت الذي تستغرقه خطبتك؟

يلجأ البعض إلى التصفيق كدلالة على إطالة الخطيب في خطبته. وهذا السلوك قد يغضب الخطيب تحت مبرر أنه الدين وأن أوقات الناس تقتل مجانا في القيل والقال وغيرها…وأن الوقت لا يكون ثمينا إلا أثناء الخطبة.
فما نريده من الخطيب، ونحن نطرق هذا الموضوع، هو أن ننأى به عما يقلقه أو يقلق الجمهور. فقد قال أحد الخبراء المتخصصين في الإلقاء وكتابة الخطب: يعتبر الحديث أمام الجمهور ميزة عليك ألا تفسدها. وإذا منحت هدية عبارة عن نصف ساعة من حياة كل فرد من أفراد الجمهور. عليك أن تكون ممتنا وتظهر تقديرك عن طريق عدم تجاوزك للوقت المحدد. فإذا فعلت ذلك فكأنك سرقت شيئا ثمينا لا يخصك وليس لك حق فيه". إننا لا نختلف مع هذا الكلام عندما يكون الخطيب قد أخبر أحد الحضور أو جماعة بأن خطبه لا تتجاوز نصف ساعة. فيتحول حينها أي كلام خارج الوقت إلى سرقة، وسلوك لا أخلاقي لأنه يدخل في إطار عدم احترام الوعود، وعدم الانضباط لما سبق تقريره.

أي إذا كان مقررا أن تلقي خطبته في نصف ساعة ويعرف الجمهور ذلك. في هذه الحالة يصبح التوقيت هاما، وإذا انتهى الحديث في مدة تسع وعشرين دقيقة تكون قد أعطيت جزءا من المصداقية لما قلته أثناء الخطبة. أما إذا زاد عن الثلاثين فإنك ستفقد الجمهور وتكون قد أنقصت من مصداقية خطبتك.
إن تقدير الوقت المناسب للخطبة، في حقيقته، يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال. فوقت الخطب في الشتاء -مثلاً- يختلف عن وقتها في الصيف، والاختلاف قائم بين المساجد المكيفة تدفئة وتبريداً، خصوصا عندنا في مدينة وجدة ولله الحمد والشكر، وغير المكيفة. كما أن وقتها في المدن يختلف عن وقتها في القرى والبوادي. والمدن نفسها يختلف وقت الخطب في أحيائها الراقية التي غالباً ما يكون أهلها مرتبطين بأعمال وأشغال والتزامات متعددة، عن الأحياء الشعبية التي يعاني أهلها من فراغ كبير يوم الجمعة.

ويخضع لهذا التفاوت أيضاً طبيعة الموضوع المختار للخطبة من حيث الأهمية والخطورة والأهداف. وفي كل الأحوال فإن تقدير ذلك بدقة متروك للخطيب نفسه عبر تجاربه الأسبوعية، ومن خلال سماعه آراء مصليه من تقدير الوقت المناسب.
كما أن بمقدور الخطيب ملاحظة ذلك بنفسه أثناء الخطبة، من خلال استماعه للجمهور، أي نظرته في وجوه المصلين، وملاحظة درجة استجابتهم، فإذا وجدهم منشدين إليه، منسجمين معه، إذن ففي الوقت متسع، أما إذا صرفوا أنظارهم عنه وبدأوا يغيرون من أوضاع جلساتهم، أو أخذوا ينظرون إلى ساعاتهم، أو تعبث أيديهم بشعورهم، فإن ذلك كله مؤشر على أن الوقت قد انتهى.

ومع أن تحديد الوقت متروك للخطيب، فيمكننا اقتراح نموذج من التوقيت -تمخضت عنه تجارب الكثير من الخطباء- يمكن اعتماده في الحالات العامة، ويترك الاجتهاد في الظروف الاستثنائية للخطيب نفسه ضمن الوسائل التي أشرنا إلى بعضها.
أحياء راقية 15 دقيقة في الحد الأدنى، 25 دقيقة في الحد المتوسء 35 دقيقة في الحد الأقصى.
أحياء شعبية: 25 دقيقة في الحد الأدنى و30 دقيقة في الحد المتوسط و 40 دقيقة في الحد الأقصى.
قرى وبوادي: 30 دقيقة في الحد الأدنى و 40 دقيقة في الحد الأوسط و 50 دقيقة في الحد الأقصى.
الوقت المحدد لخطب الرسول عليه الصلاة والسلام

يحلو للبعض الدعوة إلى ضرورة اتباع السنة النبوية في شأن الخطب، والسنة في الخطبة هو تقصير وقتها، مستدلينً بالحديث الذي يرويه عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "أن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة وأن من البيان لسحرا". فحال الخطبة على عهده صلى الله عليه و سلم يختلف عن حالها اليوم، فهي حينها كانت في أكثر الأحيان – من أجل التذكير فقط- والتذكير لايحتاج إلى وقت طويل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثير التوجيه والإرشاد لأصحابه، والصلة بينه وبينهم تكاد لاتنقطع، فمواعظه الشريفة تلقى إليهم بالليل و النهار، فكانت خطبه الشريفة لتذكيرهم بما تعلموه منه في سالف الأيام.. جاء في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه حيث قال: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم قصراً وخطبته قصراً يقرأ آيات من القرآن ليذكر الناس". فضلاً عن أن النبي صلى الله عليه و سلم له خطب في غير أيام الجمعة يلتقي فيها الناس ويجمعهم ليتعلموا أمور دينهم وكانت أطول من خطبة الجمعة. والله أعلم.

التوقيت يناسب الإعداد

فالتوقيت المناسب دليل على الإعداد المناسب. فإذا وصل شخص ما إلى نهاية وقته المقرر بدون أن ينهي خطبته فإن هذا يعكس ضعف الإعداد. لأن الإعداد لا يمكن إلا أن يأخذ بعين الاعتبار المدة الزمنية المقررة لإلقاء الحديث. ولذا نجد الكثير من الأندية والهيئات الثقافية تخبر مسبقا السيد المحاضر بأنه مطالب بأن يلقي موضوعا ما في 20 دقيقة. فأعتقد أن التهييء أوتوماتيكيا سيكون من الجودة بما يسمح به التوقيت المتفق عليه. وهنا لابد من التذكير بأن وقت الخطبة كلما قصر، زاد جهد التحضير وطال وقت الإعداد، لأن ضغط الوقت يستلزم تركيز المعلومات وليس ذلك بالهين، يحكى أن أحد الزعماء أعطى كاتبه طائفة من المقررات المهمة ليصوغ منها خطاباً يلقيه إلى أبناء شعبه على أن يكون زمن الخطاب ساعة كاملة، فطلب كاتبه أن يمهله يوماً، ثم بدا للزعيم أن يختصر الوقت إلى عشرين دقيقة، فطلب الكاتب إمهاله يومين. فخبرة الكاتب بالخطب ودرايته بفلسفة الطول والقصر جعلته يدرك أن الخطب القصيرة تحتاج إلى مزيد من الوقت لمزيد من التركيز..
ما هو الوقت الأنسب للخطبة؟

إذا لم يتحدد وقت الخطيب أو لم يسبق أن واعد أحد الجمهور بوقت محدد. فإنه مطالب بأن يجعل خطبته طويلة إلى درجة تستطيع تغطية النقاط الهامة. ولكنها في نفس الوقت قصيرة إلى درجة الحفاظ على عنصر التشويق فيها. أي أن تركز الخطبة على نقاط محددة لتأخذ الوقت الكافي من الشرح والتوضيح. عوضا أن تشتمل على نقاط كثيرة وشرحها كلها سيستغرق وقتا أطول. والكلام إذا طال ينسي بعضه بعضا.

إذا كان الوقت محددا:

إذا وعد الخطيب بأن يجعل خطبته في وقت محدد سلفا. فعليه أن يتأكد بأنه يحمل في يده ساعة حتى يضبطها على الثانية عشرة تماما قبل أن يفتتح خطبته، على مرأى من الجمهور، بعد ذلك عندما ينظر إليها سوف يعرف بالضبط كم مضى من الوقت وكم بقي منه. فالخطيب الذي يحترم توقيته يكون أكثر شعبية وسيحضى باحترام جمهوره.

إذا نام بعض الناس أثناء الخطبة:

لو قمنا بتوزيع خطبة واحدة على خطيبين مختلفين لإلقائها في نفس المسجد وعلى نفس الجمهور لكن خلال أسابيع متفرقة. لقال الجمهور إن هذه الخطبة أفضل بكثير من تلك. وهذا معناه أن الخطيب يمكن أن يقتل الخطبة فيجعل الجمهور لا يبالي بها، في حين، يمكن لخطيب آخر بجودة إلقائه وحسن إنصاته لجمهوره أن يجعل الخطبة تنال رضا الجمهور، وربما لن ينساها أبدا، وتكون أكبر حافز يدفع به لتغيير الكثير من السلوكيات السلبية وإحلال سلوكيات إيجابية محلها.

ولهذا نقول: إذا نام البعض من جمهورك أثناء إلقائك للخطبة، فإنك تحتاج لمن يضربك على ظهرك لكي تستيقظ أنت. لأن النوم تجاوب خفي ينادي عليه سكون الخطيب وعدم حماسته التي تجعل صوته صوتا راتبا، والصوت عندما يسير على وثيرة واحدة لا تتغير يخلق النوم لدى السامع. وبالتالي لا يذكر شيئا عن مضمون الخطبة. ولهذا فالحماسة من شأنها أن تجعل الصوت يتغير تلقائيا لأنها تعني التفاعل الجيد مع المضمون.

دور الصوت في الإلقاء

سبق وقلنا بأن الصوت – في عملية الإلقاء – يمثل 38%، أي يمثل أكثر مما تمثله الكلمات. وهذا معناه أن لا استهانة بالصوت وإلا ضاع جزء كبير من التبليغ. ولكن ما العمل إذا لم يكن الصوت جهوريا ويشكل الحضور القوي للخطيب؟
فإذا كان الخطيب يتمتع بصوت يشتمل على خاصية الحضور. فإنه ليس في حاجة إلى تمرين. أما إذا كان غير ذلك فنرشده إلى التمرين التالي: إن حضور الصوت خاصية تجعله ظاهرا ومسموعا وصافيا. وهذا الحضور يتحقق عن طريق جلب الصوت إلى واجهة الوجه. أي يجب التيقن من أن الصوت لا يتم حبسه في الحنجرة. بل يترك ليتردد عبر الجيوب الأنفية وتجاويف الوجه. يقول خبراء الصوت: على الإنسان الذي يريد تمرين صوته، أن يضع يديه على وجهه حول أنفه ويهمهم بصوت عال. فإذا شعر بوجود دبدبات قوية تتردد عبر منطقة الأنف كلها، فإنه يكون قد قطع شوطا هاما على درب تحقيق الحضور. وبمعنى آخر فهي عملية جلب الصوت إلى مقدمة الوجه. ومع تكرار العملية يصير للإنسان صوت يحقق حضوره ويوصل المضمون بأعلى جودة إلى آذان السامعين.

العصا جزء من الالقاء

ا

لعصا منذ القديم كانت رمز الرجولة والقوة، مثلما كانت في البوادي المصرية حيث بدونها لا يمكن للرجل أن يسود أو يكون له رأي مسموع. ونظرا لما تمثله من أهمية جعلها الله معجزة لأحد أنبيائه وهو سيدنا موسى عليه السلام: ( ما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى) فمآرب العصا كثيرة ذكر بعضها الإمام القرطبي رحمه الله في جامعه لأحكام القرآن حين تعرض للحديث عمن تناول تعديد منافع العصا منهم ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال:
– إذا انتهيت إلى رأس بئر فقصر الرشا وصلته بالعصا.
– وإذا أصابني حر الشمس غرزتها في الأرض وألقيت عليها ما يظلني.
– وإذا خفت شيئا من هوام الأرض قتلته بها.
– وإذا مشيت ألقيتها على عاتقي وعلقت عليها القوس والكنانة والمخلاة.
– وأقاتل بها السباع عن الغنم.
وروى عنه ميمون بن مهران قال: إمساك العصا سنة للأنبياء، وعلامة للمؤمن.
وقال الحسن البصري: فيها ست خصال:
1

– سنة للأنبياء.
2

– وزينة الصلحاء.
3

– وسلاح على الأعداء.
4

– وعون للضعفاء.
5

– وغم المنافقين.
6

– وزيادة في الطاعات.

قال الجاحظ في البيان والتبيين: " ولابد من الخطيب حينها أن يحمل عصا.. دليل على التأهب للخطبة والتهيئ للإطناب والإطالة, وذلك شيء يختص به خطباء العرب ومقصور عليهم وحدهم ومنسوب إليهم ولا يخطب أحدهم إلا وبيده عصاً".
أما عن موقف الشرع من استعمال العصا في الخطبة فأحسب أن في الأمر خلافا بين الفقهاء. والذين أجازوها أجازوها على اعتبار أنها من جنس الرمح الذي ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتكأ عليه حين خطب في خطبة عيد.
ومن مآرب العصا ما ينفعنا في موضوعنا هنا، وهي وسيلة مساعدة على نجاح الخطبة واستلهام القوة، وهي :

1

– تعين الخطيب على الوقوف المستقيم، حيث تمثل الطريقة التي يمسك بها العصا معيارا لوقوفه الوقوف المطلوب وقوفا يعطي هبة وعظمة. لأن استقامة الظهر ورفع الكتفين تضفي على الخطيب حيوية وتزيده استعدادا وقوة وثقة تتناغم مع صوته الجهوري الذي سيوصل موضوعا هادفا حتما سيصعق به الجمهور. وفي المقابل لو تخيلنا خطيبا وهو يمسك بالعصا وكأنه يمسك بحمامة ناعمة وظهره منحن إلى الأمام وقد أرخى كتفيه إلى الأسفل. فإن نصف الجمهور سينام قبل بداية الخطبة.

2

– في حالة الارتباك تمكن الخطيب من التماسك وتثبيت الأقدام كما أن إمساكها يمتص الارتجاف حتى يطمئن الخطيب ويستأنس بالحديث.

3

– تترجم حماسة الخطيب من خلال الضربات المتفاعلة والمواكبة للموضوع. والتي لا يمكن أن تكون عشوائية أوفي كل وقت. بل منسجمة مع تفاعل الخطيب مع خطبته.

4

– الضرب بها على الأرض من شأنه أن يفيق النائمين ويرد الساهين.
5

– تمثل السند والعمود الفقري للخطيب الشيخ الذي لا يقوى على الوقوف.

ونسأل الله السداد والتوفيق لخطبائنا حاملي مشاعل التوعية والتنوير.. وإلى حلقة أخرى بحول الله

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. محمد الصنهاجي
    04/06/2008 at 23:43

    أتمنى لو يطلع على هدا المقال كل خطبائنا الأجلاءلأنهم أحيانايطيلون بشكل مزعج.فأنا مثلا لا أصلي بمسجد حيي ولاداعي لدكر اسمه حتى لا يظنخطيبنا أننا نتحامل عليه. فعملي لا يسمح لي بأن أستمر في الإنصات للخطيب لأكثرمن20 دقيقة أضف علىدلك الوقت المخصص للغداء وتجدنفسك في العمل متأخرا. ولوكان العمل حرا فأهلا بالخطيب وإطالته.ولكن الكثير مثلي من لا يسمح لهم بوقت أطول. وربماقدنجد الحل في تحويل العطلة الأسبوعية من السبت والأحد إلى الخميس والجمعة كما تفعل الكثير من الدول كجارتنا مثلا..حينها لن نشكو من إطالة الخطيب. وأنا لا أقول بأن خطبةخطيبنا غير مفيدةأبدا وإنما إدا طالت توترت نفسي ورجوت أن ينتهي فورا حتى لا أسمع شتما من رب العمل.

  2. زكرياء .
    06/06/2008 at 11:56

    جزاك الله ألف خير على ماتقدمه من مواضيع مفيدة .

  3. بنعلال وجدة
    09/06/2008 at 17:36

    في هذا اليوم الذي هو يوم الجمعة..تعذر على الخطيب الرسمي وهو أستاذ جامعي أن يلقي خطبة اليوم فعوضه أستاذآخر أستاذ ثانوي وواعظ ..فجعل خطبته حول موضوع هادف وبشكل مركز ومفيد إلى درجة أن تفاعل معه كل الحاضرون..وجعل خطبته في حوالي 15دقيقة أوأقل..وأنا خارج من المسجد سمعت بعض المصلين يقولون وبعضهم يتحذث إلى بعض: ما أروعها من خطبة فنحن استفدنا جيدا وخرجنا باكرا. وهذه القصة أسردها ذتزكية لما قاله الأستاذ في مقاله من أن الكثير من الناس لا تستهويه الخطب الطويلة بل يتبرممنها وويمكنأنأقول يكرهها.وقدلاحظناأ، الكثير من الناس يفضل المساجد التي لا تستغرق وقتا أطول ليتفرغ لقضتاء حوائجه.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *