Home»National»وزارة التربية الوطنية وتهميش المفتش في الميدان

وزارة التربية الوطنية وتهميش المفتش في الميدان

0
Shares
PinterestGoogle+

وزارة التربية الوطنية وتهميش المفتش في الميدان
( سابقة خطيرة في ظل البرنامج الاستعجالي )

لمنطق التهميش لغة ديماغوجية:

خطاب وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي نحو هيئة التفتيش بمختلف مجالاتها خطاب ينم عن وعي عميق بدور هذه الهيئة الاستراتيجي في المنظومة التربوية والتكوينية، بما يؤثث لعلاقة سليمة بين الوزارة والهيئة إن تطابق الخطاب مع الفعل. ولكن منطق الواقع وفق المفترض في وزارة العلم والمعرفة والعقلنة والضبط والتخطيط والإبداع والترشيد والحكمة، يستوجب أن يكون الخطاب والفعل الميداني متساوقين ومتناغمين ومتكاملين ومتناسقين خدمة للمنظومة ومنطقها التكاملي. لكن الميدان يفصح عن مفارقات كبيرة وعميقة بين الخطاب والممارسة؟! ومنه نجد الواقع يفارق الخطاب بالحجة والدليل والبرهان، مما يحيل الخطاب إلى لغة ديماغوجية تستنبت تهميش هيئة التفتيش في الميدان. وكأن هذا التفتيش حقل معرفي ومهني لا أصول علمية له ولا قوانين ولا تشريع يؤطره، ولا مؤسسة علمية تكوينية له، فهو سائبة، كل يطلبها دون أن ينضبط إلى أصولها العلمية والمؤسساتية. فتارة يقتحم حقل التفتيش بالتكليف بالتفتيش وتارة أخرى بالتوظيف المباشر وتارة ثالثة بإغلاق مركز التكوين، وأخرى رابعة بالتطاول على اختصاصاته، وخامسة بالتهميش، وسادسة بهضم الحقوق، وهلم جرا. كل مرة ويعيش جهاز التفتيش منطقا جديدا وتدخلا جديدا بدعا. فإلى متى سيظل هذا الجهاز يعيش الأزمات تلو أختها ورديفاتها؟! ومتى سيظل كذلك ميدانا بدون حراس؟!
من لغة الواقع التي تلغي لغة خطاب الوزارة الواعي من قاموس مفرداتها الجميل، نقول وبكل صراحة: ماذا تريد الوزارة أن تفعل بهيئة التفتيش؟ أتريد تنزيلها مكانتها وموقعها الاستراتيجي فعليا في الميدان كباقي الأنظمة التعليمية العالمية التي تعمل بنظام التفتيش في منظوماتها التربوية؟ أم تريد إلغاء هذا الجهاز من منظومتها التربوية والتكوينية كما في بعض الأنظمة التعليمية العالمية التي استوطنت في ذات نظامها التعليمي الضمير المهني والتربوي الفاعل المنفعل مع قضايا المجتمع، الخادم له برموش عيونه؟ فعليها حسم أمرها بخصوص هذا الجهاز.

أما أن يترك الجهاز وظيفته المهنية وواجبه الوطني بين الفينة والأخرى، ليناضل من أجل تهميش هنا أو هناك أومن أجل ضمان حق هنا أو هناك. وينصرف عن استغلال كفاءاته العلمية والمهنية لتطوير المدرسة المغربية والانخراط الكامل والشامل في تنفيذ وإنجاح تفاصيل البرنامج الاستعجالي بعيدا عن التحفظات والملاحظات عن بعضها؛ فهذا عبث بطاقات المغرب التي صرفت الدولة في تأسيسها وبنائها وتكوينها الملايير من الدراهم والوقت والجهد! فجهاز التفتيش من خلال هيئته ونقابته  » نقابة مفتشي التعليم  » لم يعد يستحمل هذا التعاطي وهذا التدبير وهذه الحكامة التي لا حكمة فيها من حيث تصرف بعضهم في الوزارة في ميدان غير مختص به ولا مختص فيه؟!
فاللغة الديماغوجية في وجه جهاز التفتيش لم تعد قابلة للصرف في سوقه العملي. وبالتالي فلتحترم الوزارة منطق الأشياء، الذي يفيد إنزال كل إطار في مكانه المخصص له قانونيا وتشريعيا ومهنيا واجتماعيا ضمن إطار من الأخلاقيات الضابطة للعلاقات وللممارسة ووضوح تشريعي يفصلها. ولا تخلط الأشياء والمستويات والاختصاصات باجتهادات لا تمت إلى الحقل الفقهي أو إلى مداخل الأشياء بصلة!؟ فهي التي تعلم النشء ضبط الأشياء في حدود كياناتها المادية والمفهومية والوظيفية والتفاعلية والتجريدية. فالتفتيش له مدخل رئيس هو مركز تكوين المفتشين وله أصوله المتنوعة التي تبنى لدى المفتش من خلال المركز، وله تشريع ينظمه وأخلاقيات تحكمه ومهام يحاسب عليها وحقوق توفر له واختصاص يميزه عن المكونات الأخرى. ومن هذه الاختصاصات المراقبة والتتبع والتقويم بما فيها مراقبة وتتبع وتقويم البحوث التربوية الميدانية.

ومنطوق البحث التربوي يستوجب إشراك المفتش في البحث والتجارب التي تجريها الوزارة في المدرسة المغربية خاصة إذا تعلقت بالميدان، لأنه مؤهل مسبقا لممارسة هذه المهام. وهو ما لم تحترمه الوزارة فأحالته على الهامش، يصاحب غيره في منطقة عمله وفروعها المناطقية في مرحلة تتبع عمليات التجريب المحدود لإرساء بيداغوجيا الإدماج في الأكاديميات المعنية بهذا التجريب.!؟ فكيف لمفتش مختص في إجراء البحوث وتأطيرها أن يلغى من ذاكرة بعض مراكز الوزارة ليوضع على الرف والهامش ويتقمص دورا دونيا ؟ فإذا كان الوزارة تحترم الاختصاصات وتؤمن بأصول البحث التربوي في الميدان، لما ذهبت إلى اجتهاد يهمش فاعلا تربويا فيما يختص فيه ومن اختصاصه، فاعلا يطلق بعض التربويين عليه عين الوزارة الناقدة لذاتها، وقناة التغذية الراجعة بالنسبة إليها؟!
ولن أدخل هنا إلى تفصيل الحديث عن أدبيات البحث وعن أنواعه ومناهجه ومتطلباته ، ومن هو الباحث، ومن هو المكون، وما شروطه ومتطلباته العلمية وغيرها من الحيثيات التي وجدت مفتي الوزارة وخبيرها الأول ينظر لها من خارج المعرفة الدقيقة بالمجتمع المدرسي المغربي خاصة والمجتمع المغربي عامة، وبالطفل المغربي وغير ذلك مما يجب أن يعلمه الخبير ويكون ملما به حتى يجرب في الميدان. وأننا لسنا أمام عملية تقنية صرفة سنقوم بالإجراءات العملية ونحصل من تطبيقها على النتائج السحرية الفورية خلال سنة! بل القضية أعقد من ذلك وأعمق من كل ذلك! وإنما التجريب يوجب أن نحترم أصوله وقواعده وشروطه وأهله.

وأجد هيئة التفتيش من أهل التجريب في الميدان. لذا نلتمس وبكل إلحاح من الوزارة أن تعيد النظر فيما تفعل بهيئة التفتيش من خلال بعض مكوناتها، التي لا تساعد على تنزيل البرنامج الاستعجالي بمجمل مشاريعه على أرض الواقع والمفتش مهمش في بعضها! بل وفي البرنامج الاستعجالي ذاته؟ ولم يعد الخطاب التربوي يثمر منتوجا في ظل واقع مناقض له، مهما قيل من قول منمق ومرصف ومرصع بالدرر والجواهر…

للقانون والتشريع تذكير:

تفيد المادة 4 من الجزء الأول موضوع هيأة التأطير والمراقبة التربوية، من المرسوم رقم 2.02.854 بتاريخ 10/02/2003 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية وتعديلاته، بأن المفتش التربوي للتعليم الابتدائي يساهم في البحث التربوي مع الهيئات المختصة وفي إعداد البرامج والمناهج. ويفيد مصطلح  » الهيئات المختصة  » المؤسسات والأجهزة المختصة بالبحث التربوي. حيث لا يمكن إقصاؤه من المشاركة في البحث التربوي بمنطوق هذه المادة، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالميدان ويدخل في اختصاصه المهني. ومن هذا الاختصاص؛ تفيد نفس المادة أنه يقوم بالتأطير و الإشراف والمراقبة التربوية. وإذا ما ذهبنا إلى تفصيل هذه المصطلحات نجد المذكرات الخاصة بتنظيم العمل المشترك بين هيئات التفتيش وتنظيم التفتيش في مجالاته الخمس ( الابتدائي، الثانوي بشقيه الإعدادي والتأهيلي، التخطيط، التوجيه، المصالح المادية والمالية ) . تشير إلى عدة مهام في نطاق كل منها. فقد ورد من بين ما ورد في تفصيل مهام التفتيش التربوي بالتعليم الابتدائي وفق المذكرة 114 وبالحرف الواحد ما يلي:
( 2 ـ المراقبة والتتبع والتقويم:
•……..
•تنفيذ البرامج والمناهج الدراسية واستعمال الكتب المدرسية؛

•تنفيذ المشاريع التربوية للمؤسسات التعليمية الابتدائية.
3 ـ التنشيط التربوي:
*……………
* البحوث الميدانية والأنشطة التربوية والاجتماعية والفنية الهادفة إلى ربط التعليم والتربية ببيئة التلميذات والتلاميذ وحفزهم على الانخراط في الحياة المدرسي ) .
ويظهر من منطوق هذه المادة التشريعية أن المفتش هو المعني بالمراقبة والتتبع والتقويم والبحث الميداني والتنفيذ على أرض الواقع. ولا يمكن تجاوزه إلى صيغ أخرى تهمشه في الميدان، بل وفي منطقة عمله بدعوى البحث التربوي أو غيره. وكل إنزال للميدان لأي مشروع فهو المعني به مباشرة وهو الذي يهمه تنفيذه ومراقبته وتتبعه وتقويمه ومعالجته. وما دون ذلك، فكلام لا يمت للشرعية القانونية بصلة بل هو تطاول على الاختصاص. ولا يمكن في ظل هذا التشريع القانوني لمفتش ـ وأي مفتش ـ أن يتنازل عن اختصاصه لغيره، بل أجده إن فعل، يخالف أداء واجبه المهني، ويلغي ضميره المهني الذي يحتم عليه الدفاع عن مهامه واختصاصه وميدانه. بل ترك الميدان من المفتش لغيره يذهب رمزيا بعيدا حد مساءلة المفتش عن كفاءته العلمية، وموقعه المهني. بمعنى؛ هل المفتش أقل كفاءة، وأقل علما، وأقل خبرة، وأقل تجربة، وأقل تكوينا من المجرب النازل من المركز إلى الفرع المناطقي ( المنطقة التربوية ) ليقوم بما هو منوط بالمفتش أصلا من اختصاص علمي ومهني؟ أليس هذا مدعاة مساءلة المفتش عن كفاءته في البحث التربوي؟ أعتقد أن المفتش الذي لا يدافع عن اختصاصه وتخصصه وعن مهامه، ولا يدرس القرارات الفوقية دراسة نقدية في ظل مرجعياته التشريعية والعلمية والمهنية، يدقق فيها موقعه ووجوده المعنوي والقانوني والعلمي والمهني، مفتش حقيق عليه أن يراجع كراسته وذاته وشخصيته. والمفتش الذي يلغي النقد والتقويم من مهامه، رغم أن الإنسان يحتاج ( سواء في حياته الخاصة أو العامة إلى تقويم ما يتوارد عليه سواء من حيث النظر أو العمل، وإلى فحص تدليلاته الموجهة للغير باعتبارها دعوة صريحة أو ضمنية إلى مشاركته النظر بغية تدبر أمر ما ) مفتش لا يرى إلا من خلال عين واحد وفي اتجاه واحد، ولن يحسن قراءة الأشياء. ويجب في حقه أن نسائل مركز تكوين المفتشين ماذا خرج للميدان؟ أبهكذا مفتش سنطور الميدان وننتقد ونصحح ونعالج المنظومة التربوية والتكوينية؟ وننخرط في تنزيل المشاريع الكبرى للمنظومة؟!

إذن يجب محاسبة المركز حسابا عسيرا عن المال الذي ضيعه في منح صفة إطار مجانا لشبه إطار.

للممثل الشرعي لهيئة التفتيش قرار:

وانطلاقا من الإيمان الراسخ لأجهزة نقابة مفتشي التعليم بحقوق واختصاصات المفتش اتخذت قرار مقاطعة تتبع التجريب المحدود لإرساء بيداغوجيا الإدماج بعدما تم تملص المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب من تعهده بعدم تكليف غير مفتشي المقاطعات بعملية تتبع عمليات التجريب المحدود لإرساء بيداغوجيا الإدماج في الأكاديميات المعنية بهذا التجريب. رغم أن هيئة التفتيش تلقت تكوينا في هذه البيداغوجيا، ومنهم من نظر لها من موقعه كباحث تربوي. ومنهم من له كتب منشورة في شأنها.
والنقابة عندما ذهبت إلى المقاطعة، لم تذهب مجانا أو اعتباطا وإنما حماية للاختصاص وللمهام ولشرف الهيئة وكرامتها في الميدان، وضمانا لحقوق جهاز التفتيش المشروعة والمضبوطة بالقانون والتشريع، كما سنتها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي. وهي في ذلك منسجمة مع ذاتها ومع منطق الأشياء. فجهاز التفتيش لا يتطاول على اختصاصات الآخرين. وبالمقابل يجب أن لا يتطاول على اختصاصاته. ومن يرى في قرار النقابة غير ذلك فعليه مراجعة حساباته وتبريراته. وأعتقد ـ بعيدا عن أي انتماء نقابي أو فكري أو اجتماعي أو … ـ يجب على المفتش أن يدافع عن ميدانه واختصاصه؛ ودون أن يستحضر هنا البعض مشجبا يعلق عليه مبرراته الواهية، التي تنهار أمام موضوعية المحافظة على الاختصاص. لأن لنا سوابق سكت فيها التفتيش عن التطاول على اختصاصاته فرفعت عنه بالمرة. وأصبح في غيرها الآخر شريكا فقط فيها. ومادام للمفتش اختصاص، فلابد أن يمارسه وإلا يحاسب عنه.
والمشاركة في المقاطعة دفاعا عن الاختصاص، تنم عن وعي متقدم بدور المفتش في المنظومة التربوية والتكوينية، ووعي بمدى وجوب تحمل المفتش لمسؤولياته نحو تطوير المنظومة كفاعل، له رؤيته المستقلة والواضحة تجاه ما تجريه الوزارة من تنزيل لمستجداتها ومستعجلاتها.

فهو ليس منفذا فقط بل هو قوة اقتراحية، وآلية من آليات تطور الوزارة ذاتها. الشيء الذي ينفي عن جهاز التفتيش عقلية التنفيذ الأعمى إلى عقلية التنفيذ البصير الحكيم الخبير بالمستجد وبالمستعجل. ويثبت لمن أراد تهميشه أنه أخطأ حينما تجاوز الاختصاص والكفاءة وأهملهما في الميدان. بل يرسخ الجهاز في تربة المنظومة ثانية بعد محاولة نزعه من تربته التي خصبها بعطائه.
والمشاركة في المقاطعة لا تعني إلغاء أحد أو إنقاصا من كفاءة أحد، وإنما تصحيحا لقرار ولمسار حاد عن الصواب في ظرف تعلق عليه الوزارة كل آمالها، وتسعى إلى إشراك كل فاعليها، بل ذهبت إلى إشراك منظمات المجتمع المدني في فعلها، فبالأحرى أن يهمش مركز من مراكزها جهازا بأكمله! فذلك معول من معاول هدم برنامجها الاستعجالي من الانطلاقة الأولى!. وبالتالي لا يفهم من المقاطعة غير صريح دلالتها، ولا يؤول قرارها بغير هدفه. وبالتالي كل مفتش معني بالدفاع عن اختصاص الهيئة وكرامتها وموقعها. ولا يحق لأحد تحت أي تفسير أو تبرير أو انتماء المساهمة في التطاول على الاختصاص. فإن فعل ذلك، فتلك طامة كبرى ستعود على الإطار بأوخم النتائج وأقبحها. ولست في وارد محاججة المفتي في فتواه، وإنما للفتوى ضوابط ومداخل ينضبط إليها المفتي. حتى لا تأتي النتائج معاكسة للقصد. وحتى يوضع كل إطار في مكانه المناسب ويمارس اختصاصه المنوط به، ويحاسب عن النتائج …
عبد العزيز قريش

 

ملاحظة: تم نشر هذا المقال في جريدة النهار المغربية في حلقات ابتداء من يوم الأربعاء 14/10/2009

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *