Home»International»يا عربي يا مسلم حالك اليوم يألم

يا عربي يا مسلم حالك اليوم يألم

1
Shares
PinterestGoogle+

حين جلت ببصري في خريطة العالم الشاسعة ، وتمثلت بما تسعفني به مداركي البسيطة ، طبيعتها الجغرافية وأحوال القاطنين في ربوعها، وجدت أن الشرور معظمها تتجمع أساسا في ركح كان دوما مهدا للحضارة، ومثابة للإستقرارالروحي  والتعايش بين القوميات. إنها منطقة الشرق الأوسط وجزء من الخليج العربي،هي بؤرة ملتهبة على الدوام بسبب وضعها الجيوسياسي وغناها المادي والروحي، ما جعلها نصب أعين الطامعين  ومركز اهتمام النفوذ الدولي سياسيا واقتصاديا.

لنتعرف إذن على العناصر البشرية بهذه المنطقة : إنهم عرب مسلمون  وأقليات مسيحية وكردية .وكيان مصطنع. لكن يبقى التاريخ وحده هو المسؤول عن تشكيل ما يسمى بالشخصية العربية الإسلامية التي دمجت من الدين واللغة والتراث ما شكلت به كيانا يصعب فصل عناصره، صعوبة التنبؤ بمآلات الصراع الدائر بين مختلف مكوناته.

   لن نتحدث عن كرونولوجيا الصراع الشرق أوسطي الذي تشكل إسرائيل على الدوام محوره الرئيسي، ولن نبحث عن كيفية اقتسام أو اغتصاب السلطة في دول الخليج العربي بعد استقلال صوري. بل سنركز فقط على الحصيلة الإجمالية لتفاعل عناصر متواشجة من تاريخ القهر والتبعية، أسفرت عن بروز  شخصية عربية إسلامية كاريكاتورية تعاني حالة فصام دائم بين شعاراتها العقائدية والقومية وبين واقعها الدوني. شخصية تحرص على مكانتها الذيلية من منطق أن هناك من ينوب عنها في احتلال المراتب المتقدمة ويقوم بالواجب وزيادة لصالح البشرية. شخصية غير معنية بالبحث والريادة في مجالات العلوم والتقنيات ،لكن مهتمة حد الهوس باقتناء منتجات التقدم التكنولوجي ومتنافسة في استغلالها والإبداع في استعمالها. شخصية حولتها عهود الإستبداد إلى كائنات ببغائية مهادنة لا تقوى انتقاد من هو أعلى منها شأنا، لكن متفانية في قهر واستعباد من هو أدنى شأنا.

  كل ما تقدم  يهون أمام هول مشاهد تراجيديا الدم المتدفق على الأرض العربية، تتجسد يوميا في القتال على الهوية وتصفية الأبرياء قبل الأعداء وبدم بارد في الغالب. إنه  صراع قذر وعبثي تدور فصوله على أرض مستباحة هي أشبه ما تكون برقعة شطرنج يحرك بيادقها لاعبون كبار وتجار الحروب.

   مئات الضحايا الذين تدفنهم ماكينة الدمار الإسرائيلية تحت الأنقاض ومشاهد الدمار الأبوكاليبسية في أحياء غزة المستهدفة ألا يكفيان لإيقاظ الضمير العربي « المبنج » ؟  فأدنى موقف حازم من لدن العرب أو إشارة جدية في هذا الإتجاه من شأنها أن تبقي الصراع والمواجهة الفلسطينية/الإسرائيلية في مستوى توازن الردع، ولن يكون في مقدور إسرائيل أن تطلق يدها الحديدية في شعب أعزل مهجر ومحاصر وليس له جيش نظامي كسائر البلدان. وحدهما عدالة القضية ومشروعية الدفاع عن النفس هما اللتان تمدان فصائل المقاومة بنسغ الحياة وعناصر الثبات والقدرة على إطالة أمد المواجهة.

   ليس بعيدا عن هذا المسرح الدامي، هناك بؤرة أخرى ملتهبة ،تتجلى في الصراع الطائفي/ العشائري في بلاد الرافدين منذ سقوط نظام صدام حسين في2003 ، وهنالك ثورة على الإستبداد والخلود في الحكم تجري أطوارها في القطر السوري الذي شملته رياح الربيع العربي للديمقراطية . لكن ما يلاحظ الآن هو التحام البؤرتين في كتلة جهنمية واحدة تدعى دولة الإسلام في العراق والشام إلى جانب جبهة النصرة والجيش الحر.أي ما معناه أن الحابل اختلط بالنابل ولم يعد هنالك حاجز يقي من الموت في هذه البقعة السيئة الحظ.

   تطالعنا وسائل الإعلام وبعض المواقع الإلكترونية باستمرار على مشاهد رهيبة من الإعدام الميداني ودفن الأحياء والقتل العشوائي والتمثيل بالجثث والتنكيل بالمحتجزين وتعذيبهم بشكل مذل. هذه مشاهد تقشعر لها الأبدان وتستفز الضمائر الحية . ما أعتقد أن ما يحدث الآن له مثيل في التاريخ البشرية. وحتى إن حدث فبطرق أقل وحشية وفي زمان غير هذا  الزمان الذي يرجح قيم الحداثة وسيادة القانون. لذا لن يشفع للعرب من الآن فصاعدا تفريطهم الممنهج في صيانة حقوق المواطنين.

   لقد فاق بطش الإنسان العربي بأخيه كل تصور،فحتى الحيوانات ترأف بضحاياها من منطق الإحساس بالإنتماء لنفس الجنس . وفي القرآن الكريم وردت قصة الغراب الذي ألهم الإنسان كيف يواري سوءة أخيه ، لكن للأسف لا شيء من هذا التطبيق الرباني نجد له صدى في واقعنا المليء بالثقوب العقائدية والأخلاقية. انظروا كيف هبت القوى الحية في المجتمعات الغربية،مسنودة ببعض الناشطين من عرب الشتات بالمهجر وخرجت في مسيرات حاشدة رافعة شعارات الإدانة والتنديد بالعدوان الإسرائيلي ،متحدية لقوى أمن متبصرة تحاول أن تمسك العصا من الوسط وليس كما يمسك عندنا من أقصى الطرف ليسهل النزول به على رؤوس المحتجين. هؤلاء المحتجين لا تحركهم حمية الإنتماء ولا تجيشهم نوازع المذهب والمعتفد . هم ينشدون العدالة ويناصرون الحقوق ولو كان المعنيون بها من فصيلة القرود. هذا ما يحز في خاطري : أرى أناسا لا تربطهم بالقضية الفلسطينية لا رابطة دينية ولا جغرلفية ولا قومية ،ومع ذلك تراهم يتفانون في الذود عن قدسيتها من منطلق الحقوق الواجبة لكل البشر، متحملين كل الأضرار والتبعات. في المقابل تجد اناسا من بني جلدتك هائمين على وجوههم بحثا عن مقاهي راقية يقضون فيها ما تبقى من يوم تعبدهم الزائف ،في شهر شرع الله فيه التضحية والجهاد. تلتفت يمينا ويسارا فلا تجد غير كائنات متربصة تتدافع لإستهلاك الفرجة الرخيصة على قنوات مستنسخة يغيب عنها التميز والجدية ولا يهمها ما يقع خارج حدودها. أليس دورها هو الترفيه،والترفيه يتطلب نسيان الألم أيا كان مصدره ،أو تجاهله على الأقل؟  أخبار « ميسي » وفريقه  ومسلسل »كنزه ف الدوار »  وأبطاله هي فوق كل اعتبار. أما ما يهم الشرط الإنساني في الوجود وبكرامة فتلك مجرد تفاصيل لا لزوم لها.

   من له النصيب الأوفر من المسؤولية في هكذا وضع : ضغط السلطات؟  مساومة المثقفين؟  غثائية عامة الناس؟ جهات أحنبية متنفذة لها امتدادات في النسيج المجتمعي؟.. أعتقد أن هذه العناصر قد تكون مجتمعة وقد تكون متفرقة في التناوب على تأبيد حالة الهوان وتبلد الإحساس عند الإنسان المغربي والعربي عموما ، لهذا لا نجازف بالأمل في انقشاع الغيوم وتغير التمثلات في الأمد المنظور.

                                                                          محمد اقباش

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *