Home»Enseignement»إصلاح التعليم السياسة التعليمية واستقرار المنظومة / نماذج التقويم المؤسسي ومؤشراته (6) أثر التوترات المهنية على المردود المهني [جزء ـ 1 ـ]

إصلاح التعليم السياسة التعليمية واستقرار المنظومة / نماذج التقويم المؤسسي ومؤشراته (6) أثر التوترات المهنية على المردود المهني [جزء ـ 1 ـ]

0
Shares
PinterestGoogle+
 

                                                                                                                           محمد مامو

                                                                                                                           مفتش التوجيه التربوي

 

I.     مقدمة وسياق

 أشار تقرير الخمسينية في الجزء المتعلق بتقييم منظومة التربية والتكوين، إلى أن أحد العوامل التي تمثل عائقا أمام النهوض بقطاع التربية والتكوين في بلادنا، وتعمق أزمته وتحول دون إصلاحه وجعله مقوما أساسيا من مقومات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبشرية؛ هو افتقاره للاستقرار اللازم والضامن لقدر كاف من الاختمار والتمكين، ومتسع التخطيط والهدوء لمصالحها على المستويين التقريري والتنفيذي، بهدف بلورة ووضع سياسة تعليمية مفكر فيها، وبما يضمن حكامة وحسن تدبير الجهد المادي والبشري المرصود لها، وبما يوفر بيئة خلاقة للبحث التربوي الرصين، فينتظم ويتمأسس بالموازاة مع ذالك، جهاز التقويم والتأطير والتتبع والمراقبة والتكوين الأساس والمستمر وتدبير الموارد المادية والبشرية والافتحاص والمحاسبة.

·        وزير لكل سنتين

 ومن المؤشرات الدالة على عدم استقرار المنظومة قصر المدد الفاصلة للتداول والتغيير الذي يطرأ على رأس هرمها التدبيري وسلطتها الوصية، بمعدل وزير للتربية والتعليم تقريبا لكل سنتين منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، فلا تكاد امة من المدبرين تنصب خيمتها وترتب أثاثها وتشحد أدواتها، حتى تحل محلها فرقة أخرى وبخيمة جديدة ولباس غير الذي كان ومعاول وأدوات بديلة، في مقابل ذلك يُلاحظ أن استقرار السلطة التقريرية « لأم الوزارات » –على سبيل المثال- مكُث دون « روتوشات » حوالي ربع قرن [من 1975 إلى 1999]؛ أضف إلى هذا الارتجال الغامض في رسم السياسة التعليمية العمومية، التناقضات المهنية التي أضحت تعج بها الموارد البشرية والتدبير العشوائي لهذا المورد، مما أرخى بضلاله القاتمة على مردود القطاع العمومي ككل؛ وفي إطلالتنا هذه نحاول وفق منهج الرصد والتوصيف والتحليل، التطرق إلى عدد من المفاهيم المرتبطة بالتقويم المؤسسي والافتحاص والتتبع كما نشرناه تباعا في الإطلالات الخمسة السابقة، والهدف طبعا هو التقاسم والتفاكر وتأمّل بعض أوجه نسقنا التعليمي المريض والمثخن بعديد الإعطاب والتوعكات.

·        كبوة « المدرسة الذكية »

 لقد دأبنا في هذا البوح أن نعرج على السياق الذي يبقى شرطا من شروط البحث والتقصي وبدونه يعتري الخطاب وهم وضباب كثيف وفقدان للبوصلة ويغدو الكلام مجتزئا من السياق ويقع التغريد خارج السرب؛ من مستجدات نسقنا الواهن ما أثاره برنامج مسار الهادف إلى « رَقْمَنَت » بعض أوجه المؤسسة التعليمية خاصة جوانب التقويم المدرسي ـ في حين وببلدان عديدة، الحديث يدور حول ما يسمى « المدرسة الذكية » ـ، ولقد هال الملاحظ حجم الرفض الأولي والتوجس بحق أو بغير حق من البرنامج، وبغض النظر عن تلكؤ الدولة [الدولة هنا بمعناها العام كمفهوم، انظر في هذا السياق احد مراجع الأستاذ منير شفيق في مفهوم الدولة] ومنذ زمن، في تحديث الإدارة العمومية رقميا، توجسا من الشفافية وخوفا من سرعة وحرية سريان المعلومات بين أوصال التجمع البشري والمادي واثر ذالك على عديد اللوبيات والاحتكارات التقليدية والتحكم والاستبعاد، أقول بغض النظر عن كل هذا، لابد من الإشارة إلى أن التموقف ورفض هكذا برنامج [برنامج مسار] سواء أكان من طرف الطاقم الإداري أو التربوي أو حتى المتعلم، إما انه عن جهل وهذا أمر هين ويعود الزلل فيه للسلطة الوصية كما هي عادتها غالبا عند تنزيل الجديد، إذ لم تحسِّسْ مسبقا، وعممت مباشرة ولم تشرحْ لتضمن موصلات وحوامل ومحاور وأطرافا تنوب عنها في التمكين والأجرأة للبرنامج، أو أن الأمر يكمن ـ وهنا مربط الفرس ـ، في أن احد دلالات الرفض المتخفي وراء التلاميذ تتجلى في حجم وخطورة « السوق التربوية السوداء » على غرار السوق الصحية الغير نظامية، التي أضحت تستولي وتحجر وتعوق تقويم وتنمية الفعل التربوي والتعليمي في المنظومة، على أية حال ربما يكمن اقصر الطرق لتشويه نجاعة نسق أو برنامج أو نظرية علمية ما، في إساءة تطبيقها وبلبلة تنزيلها واختراقها وفسح المجال لتشويهها حتى من طرف منفذيها، حتى يتم تبرير التخلي عنها أو تهميشها، [التوجيه والتفتيش مجرد مثالين في هذا السياق]. فيما يلي وعلاقة باستقرار النسق ككل، نتحدث عن الاستقرار المهني أو الرضا المهني في بعده السيكولوجي والتوترات النفسية المصاحبة، لدى فئات عديدة في نسقنا التربوي من مدرسين، وأطر التأطير والمراقبة، أطر التوجيه، والإدارة التربوية وغيرها، مسائلين بؤس السياسة التعليمية المؤطرة لذالك، ورابطين ذالك بالمردود المهني سلبا أو إيجابا.

·        منذ البداية « خارج من الخيمة مايل » استقرار مهني مفقود

لكي نوضح أهمية توفير الاستقرار والانضباط المهنيين في بعدهما السيكولوجي والنفسي لبعض فئات المنظومة، والذي يؤشر عن مدى توافر استقرار المنظومة السالف الذكر من عدمه، ومستوى تأثير ذلك على المردود المهني، نورد بداية حدثا تربويا مربكا استقبل به مهندسو السياسة التعليمية السنة الدراسية الجارية، حيث أعلنت الوزارة الوصية عزمها إحداث ثمانية آلاف منصب شغل لتعزيز طاقم المدرسين في المستويات التعليمية الثلاث وفي كل التخصصات، ولم تقتصر الدعوة على خريجي الجامعات والمؤسسات العليا من العاطلين بل شملت الأساتذة الممارسين بالأقسام، مما جعل عدد المترشحين يصل إلى حوالي مائة وسبعون إلف مترشح، بيت القصيد ليس هذا، بل لما أُعلن عن نتائج المباراة الكتابية، أوعزت الوزارة الوصية إلى مصالحها الخارجية بان لا ترخص للممارسين المقبولين، اجتياز الامتحان الشفوي بمبرر غير معلن، تمثل في إن خصاصا مهولا سيطرأ على تغطية عدد كبير من المواد والأقسام بالابتدائي والثانوي، اللذان يشكوان أصلا من سوء تدبير وتوزيع الموارد البشرية، نظرا لأن الأمر يتطلب سنة من تكوين الناجحين بمراكز مهن التربية والتكوين، مما استدعى تدخلا لعديد من المؤسسات والهيئات قصد معالجة تشنجات مهنية نحن في غنى عنها، ناتجة عن تدبير سيء شاب رسم السياسة التعليمية مركزيا، وكان لازما ومنذ الوهلة الأولى معالجته مسبقا دون التسبب في خلق توترات مهنية إضافية، في قطاع مثخن بما يكفي منها، زيادة على هذا، وبسياسة تدبيرية نقدر أنها خاطئة ورعناء، ورغبة من الدولة في معالجة خلل سوسيو اقتصادي ظاهره أزمة تشغيل العاطلين، وجوهره سياسة اجتماعية واقتصادية مسكونة بالهوس الرأسمالي المتوحش والأعمى، تم اللجوء إلى التوظيف المباشر بقطاع التعليم، ودون تكوين بيداغوجي كاف، ودون مراعاة أن عددا كبيرا من المقحمين عنوة إلى مهنة لا يطيقونها إلا اضطرارا وليس لديهم استعداد وميول ورضا مهني أصلا إلى هذا اللون من المهام والحرف، الأمر الذي خلق لهم حزمة من المتاعب والتوعكات المهنية والسيكولوجية وعدم القدرة على الاندماج والعطاء، زيادة على هذا ومما يبرهن أيضا على ارتجالية تكاد تكون مقصودة في تدبير القطاع، ناتجة عن ما اشرنا إليه سابقا في بداية الكلام من عدم استقرار المنظومة وغياب إستراتجية صادقة وقارة وثابتة للإصلاح، لابد من الإشارة إلى عطل آخر من الأعطال المهنية المرتبط هذه المرة بمعايير الترقية والمكافآت والتحفيز لموظفي المنظومة، حيث نرقب أن هذا الترقي والتحفيز يكاد يكون مبنيا على الاقدمية المهنية كمعيار أساسي وحيد ومحدد للترقي والتحفيز متبوعا بالشهادات التي يتم الحصول عليها أثناء أداء الوظيفة وقد دار لغط كبير حول هذا المعيار الأخير لسببين رئيسين أولهما الشبهات التي غدت تحوم حول الطرق الموسومة أحيانا بالتزلف والتدليس والمحاباة للحصول على هذه الشهادات، في جامعات قُصِم ما تبقى من ظهرها بمغادرة طوعية أفقرتها من كل جودة وشاخت أساليبها التكوينية، رغم أنها تلتهم مالا عموميا مريحا ينفق معظمه في غير البحث العلمي؛[انظر في هذا الصدد تقرير شنكهاي التقويمي حيث جاءت أول جامعة مغربية في الرتبة 2904] ثاني هذه الأسباب أن الجمع بين الوظيفة خاصة مهمة التدريس ومتابعة الدراسة الجامعية، يكون عادة على حساب المردود المهني، والأولى أن يتم التفرغ كما يحصل في بلدان أخرى، أو تتم الترقية بناء على مردود مهني مصحوب بتكوين عن بعد، تم بعد هذين المعيارين اللذان أضحيا متجاوزين، يأتي معيار النجاح في الامتحانات المهنية؛ الشاهد عندنا هنا أن كل هذه المعايير لا تأخذ بعين الاعتبار أهم واعدل وأنجع شرط يُبنى عليه الحسم في الترقي المهني للموظف أو مكافأته، ألا وهو المردود المهني والممارسة الميدانية، كما هو جار به العمل في بلدان شبيهة وغير شبيهة، علما أن التقييم الناتج عن التتبع والتأطير كما يمارس راهنا، والذي تجريه هيأة التفتيش يعتبر قاصرا ومعَطلا ويراد له أن يكون غير ذي شأن وتعوزه الأدوات والوسائل والمعايير الموضوعية لغياب توظيف مرجعيات وشبكات وقوائم موضوعية لقياس الكفايات المهنية المعتبرة وقياس الأهداف والبرامج والتعلمات، خلاصة القول أن الاقدمية المهنية ليست بالضرورة شرطا يمكن من تعزيز المردود المهني بل قد تكون سببا من أسباب الإفلاس المهني خاصة في غياب التكوين المستمر والتكوين الذاتي، هذا الأخير الذي يضل من سابع المستحيلات لأنه لا يقيّم ولا يعتدُّ به مهنيا، وهو ترف واختيار قبل أن يكون إجبارا وإلزاما مهنيا، جِماع القول أن معايير الترقي المهني كما تمارس في المنظومة تعتبر باب من أبواب الروتين المهني وانطفاء المردود وتراجع الفعالية وبث التوترات، لغياب معيار الاستحقاق المهني المبني على المردود المهني وليس الاقدمية أو الامتحان المهني كمعايير وحيدة تعوزها الموضوعية ولا تعكس بالضرورة الفعل الميداني. فضلا عن هذا فإن من لازمات القطاع العمومي بصفة عامة، وفي جميع البلدان خاصة في الدول الشيوعية سابقا، يلاحظ أن الموظف العمومي في أغلب الحالات ينزع نحو البرودة الإنتاجية وتتثاقل التنافسية والإبداع لديه، الأمر الذي أنتج رد فعل معاكس تماما لدى الأوساط الرأسمالية ودول الاقتصاد المفتوح، مبني على ما يسمى « المرونة الشديدة » وإطلاق يد المقاولات حتى تُبقي الموظف في أقصى درجات الإنتاج والمردودية والتوتر المهني، حيث ورغم أن هذا الوضع قد تنعدم فيه أحيانا الضمانات الاجتماعية بمعناها الإنساني، فقد أقدمت بعض البلدان على تعميم التعاقد حتى في التعليم وأفسحت المجال للأهالي والتلاميذ والطلبة بأن يشاركوا في تقييم مردود موظفي النسق التعليمي وأرست هيآت مستقلة للتقييم والمراقبة والافتحاص المنتظم تُوظف فيه آليات وروائز وأدوات ومنهجيات موضوعية وبناء على نتائجها تُعتمد المؤسسات وتُرتب ويرقى العاملون بها ويكافئون؛ هذا النهج نجده سائدا في الدول الانكلوساكسونية أكثر من غيرها.

·        أثر « البلقنة » والتفييء على المردود المهني

 حدث آخر كان له انعكاسات سيكولوجية سلبية على مناخ العمل بالمؤسسة التعليمية خاصة الابتدائية منها وسمم الأجواء المهنية بها، فكلنا يتذكر أن أول دفعة من المجازين العاطلين تم إدماجها بالقطاع كان عام 1996 وأُنيط بها مهمة التدريس بالابتدائي فحصلت احتكاكات مهنية وتم التعبير عن عدم الرضا المهني مما تسبب في أزمات وتوترات نفسية ناتجة عن عدم التوافق المهني لعدد كبير من المدرسين [ الالتحاق بمهنة دون رغبة حقيقية فيها؛ الرضوخ للأمر الواقع في ضل أزمة البطالة؛ هزالة الراتب؛ عدم قدرة المدرسين المنحدرين من الوسط الحضري خاصة الأناث منهم على التكيف – وهو يستحيل أحيانا- بمناطق نائية ومعزولة يصعب العيش بها أصلا…]، تمثل في سلوكات مهنية سلبية عديدة، حيث تشنّجت العلاقات المهنية بين هؤلاء والمدرسين السابقين اللذين بدؤوا يرون في بعض الامتيازات والحضوة المهنية التي خولتها شهادة الإجازة للملتحقين الجدد الحاملين لها من قبيل الترقية المهنية والحركة الانتقالية والالتحاق بالإدارة وغيره، الأمر الذي نتج عنه كهربة عالية التوتر لمناخ العمل، تقهقر بموجبها مردود مهني مهزوز أصلا، وضعية مهنية شبيهة بما وصفناه آنفا وتشوبها الكثير من التوترات السيكولوجية يعيشها السلك الثانوي نظرا للاحتكاكات المهنية التي طفت على السطح مؤخرا بين فريقين من الأساتذة، الفريق الأول من خريجي المدارس العليا للأساتذة والمراكز الجهوية وفريق آخر من المعينين مباشرة والحاملين لشهادة الدكتورة أو الماستر؛ إن هذه التوترات المهنية السلبية وانعكاساتها النفسية على مناخ العمل كان لها وما يزال بالغ الأثر على المردود المهني، تحمل معظم نتائجه الطرف الأضعف في المنظومة، وهو تلميذ المدرسة العمومية في ضل سلبية تامة من المجتمع المدني، وسياسة تعليمية تتملكها الهواجس وموسومة بارتجال لا يخلو من الشبهات والقصدية، تعززه إصلاحات متكررة الإجهاض مع غياب تام لإستراتجية بعيدة المدى تكفل استقرار المنظومة.

·        أثر العنف المدرسي على مناخ العمل

أيضا وفي إطار تحليل مناخ العمل بالمؤسسة في علاقته بالمردود المهني، لابد من التطرق إلى ظاهرة العنف داخل المؤسسة وبكل إشكاله، فلا يخف على احد الأبعاد الخطيرة التي اتخذتها الظاهرة وتناولت بعض أوجهها وسائل الإعلام مؤخرا خاصة بمؤسسات الوسط الحضري،  إن الأمر لا يتعلق بأحداث عابرة،  إنها مؤشر على الإفلاس القيمي للمؤسسة التربوية، مشفوع بغياب تام لرؤية ورسالة ومشروع مجتمعي ناظم وموحد يعكس معنى الوجود الحر والمنصف ويرقى بالطموحات والغايات إلى ما يجسد معنى الانتماء للوطن، ظاهرة العنف هذه دالة على مستوى علاقات التدابر والتنافر واللامعنى الذي أضحى يجمع مكونات المؤسسة فالأساتذة غالبا ما لا يرقبون في الإدارة إلاًّ ولا ذمة مهنية، وأنها لا تقوم بما يلزم تجاه طيش المتعلمين والمتعلمات وعدوانيتهم والإدارة هي الأخرى تنعث الأساتذة بالفشل في ضبط أقسامهم والتذرع بغياب الانضباط للتهرب من تأدية الواجب المهني، أما التلاميذ فغالبا مالا يعيرون أي احترام للنظام الداخلي للمؤسسة في تأويل بشع لمفهوم المدرسة المنفتحة والمتحررة، خاصة تلاميذ الشعب الأدبية، إذن فالمكونات الثلاثة للمؤسسة التعليمية تبدو متدابرة ومتنافرة إلا ناذرا لا تجمعهم حياة مدرسية تحدد هويتهم  وتوفر مناخ عمل يساعد على رفع المردود المهني، ومرد كثير من هذا في اعتقادنا وحسب الكثير من الدراسات والأبحاث، إلى اضمحلال الحافزية والرغبة، مصحوبا بتراجع في تقدير الجدوى من الاستثمار في المدرسة العمومية، خاصة وأننا أمام تعليم وتكوين يتحرك بسرعات متعددة كما أشار إلى ذالك تقرير الخمسينية، إن المدرسة المغربية تحتاج إلى إعادة اكتشاف، أما الزعم بأن بعض المؤسسات أو التخصصات ذات الاستقطاب المحدّد أو مدارس البعثات أو المؤسسات الخاصة قادرة على الإيفاء بالمطلوب تنمويا، فهذا وهم لا أساس له، وسنكتشف بعد فوات الأوان، أن أمننا التعليمي وإجماعنا الحضاري والثقافي قد أصبح في مهب الريح، فهذه إحدى النتائج السلبية للفوضى التي يعيشها استنبات وتشكل تعليم خصوصي يمشي « مُكبا على وجهه » وغير مراقب وتعوزه متطلبات المقاولة المواطنة، مما كان له بالغ الأثر على الممارسة المهنية، الغريب في الأمر أن التعليم الخاص في جميع البلدان يتوسع بعد المرحلة الإلزامية والتي هي حق مكفول، إلا في نسقنا حيث يتوسع التعليم الخصوصي في مراحل الروض والابتدائي وينكمش في التأهيلي والجامعي والمهني، بحيث لا يساهم في تحمل جزء من معضلة التشغيل والاستثمار، ويستنزف المدرسة العمومية…؛

(Dégrader l’enseignement public pour favoriser le privé, Azzedine Akasbi)

·        مجال التوجيه الجزء الطافي من التوترات المهنية

بناء على ما سبق يمكن أن نستنتج أن هناك عناصر سلبية عديدة تعيق المردود المهني داخل الممؤسسة التربوية نظرا لانعكاساتها السيكولوجية والنفسية على رحال ونساء التربية، عن طريق تسميم مناخ العمل فيغدو منفرا وضاغطا وباعثا على التوتر والإرباك النفسي والانفعالي بما لا يخدم مصلحة المتعلمين والمجتمع ككل، هذه التوترات المهنية يبدو أن كل الفئات والمجالات المهنية بالمنظومة لم تسلم منها مما سبب عدم إحساس بالاستقرار والاطمئنان والرضا المهني، الأمر الذي انعكس على المنظومة ككل، فبين عدد من مفتشي التعليم الثانوي وبعض مفتشي الابتدائي شنآن مهني لا معنى له لكنه موجود ويؤثر أحيانا على المردود المهني من حيث التنسيق وغيره، وبين الإدارة وهيأة التفتيش حيطة وحذر مهنيين، يجعل الأولى تتوجس من الثانية فتتستر على بعض التقصير المهني تحث تأثير ما يسمى « الانتماء للمجموعة »، مما ينعكس سلبا على المردود المهني داخل المؤسسة، علما بان هيأة التأطير والمراقبة تبدو مكتوفة الأيدي نظرا للتعطيل الذي تعاني منه،[عدم استثمار تقاريرها، تهميشها، عدم مأسستها، تبعيتها للإدارة، ارتفاع نسب التأطير…]؛ في مجال التوجيه أيضا، يمكن ملاحظة أننا بصدد ما يمكن أن نطلق عليها دون مجازفة الكارثة المهنية، فهذه الأطر لا يتم الاستفادة منها كما يجب، وتبدو الدولة كمن يهدر المال العام دون إحساس بالخجل، فهذه الأطر كُونت في مجالات عديدة منها: تقديم الاستشارة، التوجيه، التربية على الاختيار، المواكبة، تحيين المعلومات المرتبطة بالمجال، المقابلات، المصاحبة، التأطير، التقييم والتقويم، الدعم، الإحصاء، حساب ونشر وتأويل المؤشرات في مجال التربية والتكوين، الدعم السيكولوجي للتلاميذ، الإعلام المدرسي والمهني، اقتصاد الشغل، الإلمام بالتوقعات الاقتصادية، بناء وتمرير الروائز بكل أنواعها…الخ؛ لكن معيقات ذاتية وموضوعية حالت دون النهوض بمجال التوجيه وجعلت منه مهزلة مهنية بكل المقاييس التوجيه باعتباره جزءا لا يتجزأ من المنظومة التربوية لا تتخلى عنه أو تفجره من الداخل إلا الأنساق التعليمية الفاشلة مثل نسقنا الذي هو بمثابة القطاع المريض من قطاعات الحكومة، أو هكذا أُريد له أن يكون ومنذ زمان، إن أبرز تجليات المهزلة المهنية التي يعيشها مجال التوجيه هي البلقنة المهنية التي يتعرض لها متمثلة في التوترات المهنية التي نشهدها بين الأطر العاملة بالقطاعات المدرسية ومفتشي المناطق التربوية ـ دون تعميم طبعا ـ وبين هؤلاء والحاملين  لدبلوم التفتيش منهم، توترات تصل إلى مستوى تواصل مغرق في الرداءة والضرب تحت الحزام والكيد والتحاقد والاستهجان والتربص والميوعة المهنية وهجران القطاعات وتفريخ المناطق دون وجه حق جريا وراء بعض فتات التعويضات أو قصد التواري التام، وقرصنة مهام التأطير زعما وانتفاخا دون رصيد، كما نلحظ أحيانا توترات مهنية بين الإدارة التربوية والمستشارين في التوجيه لغموض المساطر من جهة ولتوجس بعض الإدارات منهم باعتبارهم عناصر دخيلة وخارجية تابعة للنيابة تأتي للتلصص على السير العادي وغير العادي للمؤسسة، زيادة على هذا كان يمكن لمشروع ومهمة « الأستاذ الكفيل »  التي جاء به البرنامج ألاستعجالي، لو تم كم يجب أن يحل بعض إكراهات الخصاص المرتبطة بالمجال وتكسر احتكاره وعزلته، فبداية نهاية التوجيه كانت يوم اعتبرناها مهمة منوط القيام بها بشخص واحد ووحيد يسمى « الموجه »، فالأستاذ وغيره من المتدخلين لهم نصيب قد يفوق أحيانا ما لدى المعني الأول، نظرا لأسبقيته في معرفة التلميذ وقربه منه، ونظرا لنسب التأطير العالية في المجال، إن هذه المعوقات وغيرها تقض مضجع المردود المهني في مجال التوجيه وتجعل منه مسخرة للقاصي والداني، فتسيء بذالك، لممارسة التوجيه كما نراها ونرصدها، وتشوه نظرية ومبدأ التوجيه كما هي مسطرة في أمهات المراجع وتزهو بتطبيقها منظومات وانساق تعليمية تحترم المواطن والوطن.

·        هيأة التأطير هي الأخرى لم تسلم

أيضا هيأة التأطير والمراقبة هي الأخرى لم تسلم من التوعك المهني المخل والمعطل لمهامها ورسالتها، أولا هذه الهيئة وبعد المغادرة التي سميت طوعية تقلص عددها من حوالي ستة آلاف مفتش إلى حوالي النصف مع عدم تغذية قاعدتها بخريجين جدد فتقلص بذالك مردودها المهني؛ أعلنت الوزارة الوصية عن ما أسمته « النهوض بهيئة التفتيش وتفعيلها » لكن تمخض الجبل فولد فأرا، فمعلوم أن عمل الهيأة كما هو مرسوم، وفي إطار تعطيله لا يتجاوز مجموعة من التقارير التي في الغالب الأعم لا يُلتفت إليها إلا لمما، حيث يتم عادة تصنع الوضعيات اثناء الزيارات بتواطؤ وحبك مسبق، ولا يتم تقييم التعلمات بالمطلق ويقتصر التفتيش على تفقد الوثائق أو الإشارة إلى ضرورة احترام التشريعات الجاري بها العمل، وعندما يتم ضبط اختلال وتقصير غالبا ما تقوم القيامة على المفتش فينتصر منطق المداراة وتطويق المشكل في مهده، وتعود المياه إلى الخروج عن مجاريها كما هو عادة؛ إن المردود المهني لهيئة التأطير والمراقبة مشروط بمأسسة هذه الهيئة، ولما لا الاستغناء على مصطلح « مفتش » المثير للجدل وهو مجرد شكل فارغ المضمون تم جلبه من منظومة تعليمية فرنسية لا تخلو هي الأخرى من متاعب، مأسسة هذه الهيئة واستقلاليتها هو الكفيل برفع مردودها المهني حيث تتقلد الإشراف على التقييم الذاتي للمؤسسة، وتتولى التقييم الخارجي لها أيضا وتبني وتطور الروائز والأدوات والآليات والمؤشرات والمعايير ومرجعيات الكفايات المهنية المطلوبة والضرورية لذالك، وعين هذا العمل من مهام مؤطري التوجيه والتخطيط بامتياز نظرا لتكوينهم النظري، وتشرع في تقييم تعلمات المتعلمات والمتعلمين كمعطى موضوعي يخرس الجميع أمام نتائجه وتقاريره ويُؤخذ بعين الاعتبار الموقع السوسيو-اقتصادي للمؤسسة، فتُقدر وتُقيم كل حالة بقدرها دون انتظار تحقق المدينة الفاضلة فيما يخص شروط العمل والتي لن تتأت إلى قيام الساعة كما في جميع المنظومات؛ إن مهام التأطير والمراقبة كما تُمارس الآن موسومة بكثير من التوعكات والإعطاب، حيث يخبو ويتلاشى دورها بمجرد عبور محطة الكفاءة أو الترقي إلى الدرجة الأولى مما يعبر عن نفاق مهني فضيع؛ ولهذا وكما سبق التطرق إليه فان التوترات والبلقنة المهنية المولدة لكثير من المتاعب السيكولوجية لدى كل فئات المنظومة من أساتذة بالابتدائي والإعدادي والتأهيلي ومجالي التوجيه والتخطيط التربويين ولدى هيئة التأطير والمراقبة ولدى الإدارة التربوية على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي ولما لا المركزي، هذه التوترات المهنية تنعكس سلبا على المردود المهني، ويتجلى هذا « العصاب المهني » أكثر على المستوى المحلي بالمؤسسات وهنا تكمن الطامة الكبرى، حيث التأثير المباشر على تعليم وتعلم وتربية التلميذات والتلاميذ اللذين قيل يوما ما، « إنهم في قلب العملية » أو بالأحرى آخر ما تأخذهم بعين الاعتبار، سياسة تعليمية عجيبة وموجهة للفئات الهشة، أما الفئات « المحظوظة » بتعبير المرحوم الأستاذ عابد الجابري، والتي يعاد إنتاجها فلا يهمها ما يكتب حول تراجديا تكافؤ الفرص، فتعليم أبنائها مؤمن وفق قنوات ومسارات أخرى، يتعسر معهم الكثير منا، ممن تسعفهم بعض أحوالهم المادية بأن يهربوا أبناءهم، -على الأقل بالمرحلة الابتدائية- إلى مؤسسات خاصة تعوزها الوطنية وتوجد خارج التغطية والمراقبة، مع تعزيز تعلمهم بالدعم المؤدى عنه، خارج أسوار مؤسسات تعصف بها حرب مهنية ضروس مقصودة أو غير مقصودة، خلال المرحلة الإعدادية والتأهيلية، كثير من هؤلاء هم المدبرون للشأن التربوي مركزيا وجهويا ومحليا، وبالتالي فأنى يمكن الانتصار للمؤسسة العمومية مدرسية أو تكوينية أو جامعية وإصلاح إعطابها وأعطالها وجعلها جدابة وناجعة؛ انه التحكم في الصبيب بطريقة أخرى، تقتضي أن يكون الضحية هو أداة التخريب وهو المدان، وان لا يكون في القوم من بلا خطيئة فيرجم الظلام والرداءة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.