Home»International»إرتسامات أولية حول مهرجان طنجة الدولي للمسرح الجامعي

إرتسامات أولية حول مهرجان طنجة الدولي للمسرح الجامعي

0
Shares
PinterestGoogle+
 

إرتسامات أولية حول مهرجان طنجة الدولي
للمسرح الجامعي
لقد كانت الأيام من 4 إلى 9 نوفمبر 2013 بالنسبة لمدينة طنجة، أياما ليست كالأيام، لقد كانت عبارة عن عرس لـ »  عروس الشمال« ، ولم يكن هذا العرس إلا مهرجان طنجة الدولي للمسرح الجامعي في دورته السابقة، وعندما نقول الدورة السابعة، فمعناه أنه قد مرت سبع سنوات، انطفأت فيها سبع شموع احتفالا بميلاد هذا الجنين البهي، كإشراقة صباح ربيعي، هذا الجنين الذي كبر الآن وأشتد عوده، وأصبح قادراً على المشي مرفوع الرأس وبخطى ثابتة، قادراً على الرحيل والترحال، وعلى تأمل ذاته في مرآة الهاجس؛ لقد تحقق الحلم إذن، وما كان يدخل في باب التمني، أصبح يدخل في باب الحقيقة، ويالها من حقيقة !.. حقيقة العشق المتوهج لفن الخشبة، والابتهاج اللامحدود بُسحر المسرح، وهي حقيقة ما كان لها أن تتجذر على أرض الواقع، لولا صمود رجال ونساء جعلوا من صبرهم ومعاناتهم وإصرارهم وإرهاقهم زيوتا لمشاعل هذا المهرجان، وعلى رأس هؤلاء الأستاذ المفتون بعشق المسرح الطاهر القور، ولا أدل على ذلك من أنه في الوقت الذي كان فيه هذا الرجل يزرع الحياة في مختلف الأركاح والألواح Les planches بمدينة طنجة، كانت روح شقيقه الأكبر تفارق الحياة، ومع ذلك لم يستسلم الرجل، بل ما أن أنهى مراسيم الجنازة حتى قفل راجعا وفي القلب طوفان من الحزن المؤجل، ليستأنف إشرافه على المهرجان وحرصه على السير العادي لكل برامجه وعروضه وندواته ورحلاته وفقراته، فهل رأيتم نكرانا للذات أكبر من هذا النكران، وهل رأيتم حرصا على أن تبلغ مراكب الحلم شطآن أمانها أعظم من هذا الحرص؟.
أما عن برنامج هذه الدورة السابعة، فقد كان ثريا ومتنوعا، شأنه في ذلك شأن الدورات السابقة، بالنسبة للعروض المسرحية وعلاوة على العرض الجميل المقدم خارج المسابقة الرسمية:  »تقاسيم باسمة على وتر حزين«  من تأليف لحسن قناني، إخراج لخضر مجدوبي وإنجاز محترف الجوهرة السوداء بمدينة جرادة المناضلة والذي افتُتِح به المهرجان، وعرض آخر كان هو أيضا خارج المسابقة وهو عرض الجدبة من إخراج عبد لكبير الركاكنة وإنجاز فرقة مسرح الحال بالرباط، قلت علاوة على هذين العرضين، احتضنت مختلف قاعات العرض بمدينة طنجة جملة من العروض المسرحية الجامعية الشيقة من شتى بلدان أوربا والعالم العربي.
وقد استطاعت بعض هذه العروض الجامعية أن تخلق فرجات متميزة مثلما كان الحال مع عرض » الغزاة « لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وعرض  »الحائط«، لجامعة بنغازي من ليبيا الشقيقة، وهو عرض معد عن مسرحية »دونكيشوط بن قحطان« للكاتب المغربي لحسن قناني، ومسرحية »حائط«، للكاتب العراقي دو الفقار خضر …
ومن العروض الأخرى التي تفاعل معها الجمهور عرض »السياسة الرقمية« ، لجامعة الموناستير بتونس الشقيقة، وهو عرض على ما يبدو، والعلم لله !، أنه مُعد عن نصين للكاتب اللبناني عصام محفوظ ألا وهما »الديكتاتور« و  »سعدون ملكا« ، وإن كانت الفرقة – حسب علمي – لم تذكر شيئا عن هذا الأمر، على كل حال قد يكون ذلك مجرد تخمين ولكن أنا شخصيا أحسست وأنا أشاهد هذا العرض الذي كان شيقا فعلا، بأن رائحة عصام محفوظ كانت تملأ الأجواء، على العموم، لنا عدة ملاحظات عن هذا العرض قد نعود لها بشيء من التفصيل فيما بعد بالأخص بالنسبة لعدم التلاؤم في الخطاب الفكري بين ما كان يعرض على الشاشة الكرطونية أي ما يسمّى الآن بـ »الفرجة المتوسِّطة« وبين متن النص كـ »فرجة حية« ، وأيضا بالنسبة لسوء توقيت العرض على المستوى التاريخي لأن هذا العرض الذي أراد لنفسه أن يكون تعرية لفساد وتعفن وجبروت النظام السياسي في تونس قبل الثورة كان ينبغي أن يكون قبل الثورة ويُعرض قبل الثورة ويشاهده الجمهور التونسي والطلابي على وجه الخصوص قبل الثورة أي عندما كان »زين العابدين« الذي أحالت عليه في المسرحية شخصية « الملك » يمرغ كرامة الإنسان التونسي في الوحل نازلا بها إلى درجة الصفر، في هذه الحالة كان سيعتبر فعلا تعرية حقيقية لفساد هذا النظام. وكان نعت الثقافة العضوية كما نظّر له غرامشي سينطبق عليه قلبا وقالبا، أما الآن وبعد فوات الأوان وبعد المشهد التراجيدي بالامتياز الذي لا يضاهي، لجسد البوعزيزي واللهب يلتهمه إلتهاماً، لم تعد هناك تعرية لفساد هذا النظام أكثر تعبيرا من هذه التعرية التي وصلت فيها تعبيرية الجسد إلى الحد الذي ليس بعده حد، إن محاولة الظهور بمظهر المثقف العضوي بعد مشهد دامي من هذا القبيل ما هو في الواقع إلا نمط من أنماط المسلكيات المعروفة للتفكير البورجوازي الصغير الذي لا يضع يده في « العصيدة » إلى إذا تأكد من برودتها، والدليل أنه عندما كانت سخونة هذه العصيدة محرقة على عهد النظام السابق، فإن صمته عما كان يجري في الواقع أنذاك كان لا يضاهيه إلا صمت القبور، الشيء الذي يجعل الركوب على الحدث في سياق تراجيدي من قبيل ذلك المذكور آنفا هو نوع من الحركات البهلوانية المعروفة عند أغلب مثقفي « البورجوازية الصغرى » والتي قد تضحك الدهماء لولا أنه غير مقدر لها أن تتعدى هذا النطاق.
و من العروض الأخرى التي تركت بصمتها في المهرجان، عرض »الكراسي« لفرقة تياترون بجامعة لوران و الذي أفصح عن كونه -و خلافا لعرض تونس-عرضا جامعيا بمعنى الكلمة سواء تعلق الأمر بعمر الممثلين أو أدائهم أو تعلق بعملية الإنجاز كلل، ما أريد أن أقوله هو أنه لم يفصح عن احترافية مصقولة مثلما هو الأمر بالنسبة لعرض جامعة الموناستير، لأن عبارة المسرح الجامعي من حيث المبدأ تطلق على هذا المسرح الذي يقوم به طلبة جامعيون وأساتذة يعتبرون أنفسهم أقرب إلى الهواية منهم إلى الاحتراف، وهو ما نلمسه في تعامل طلبة جامعة لوران في عرضهم »الكراسي« مع الإنارة فلعلهم قرؤوا في الإشارات الإخراجية للنص بأن ثمة مشاهد تحدث في الظلام الكامل فلعبوها في الظلام الكامل Obscurité totale الشيء الذي كان من نتاجه حجب ملامح الوجه وحتى حركات الجسد، في الوقت الذي كان ينبغي فيه أن يتم تجسيد الظلام فوق الركح بالوسائل الخاصة بالمسرح وذلك من قبيل الإنارة الزرقاء الداكنة وما إلى ذلك، وفي هذه الحالة نوحي بالليل الدامس في نفس الوقت الذي نضيء فيه أجساد الممثلين وملامحهم ونجعلها تبرز جلية للمتفرجين، ولكننا لا نرى في مثل هذه الهفوة البسيطة ما من جرائه أن يؤثر على قيمة الإنجاز الذي قامت به هذه الفرقة بل على العكس لقد أبانت عن كونها فرقة جامعية تهوى المسرح وتعشقه حتى النخاع وتتخذه وسيلة فنية للتعبير عن الذات والعالم و العلاقة مع الآخرين، و لا يهمها بعد ذلك أن تكون قد بلغت في ممارستها لأب الفنون درجة ما من درجات الاحترافية.
طبعا لا ينبغي أن يفهم من هذا الكلام أنه لا يتوجب على المسرح الجامعي  أن ينشد الإتقان على جميع المستويات، بدءا من اختيار النص إلى كافة مكونات العرض، و الدليل على ذلك أن عرض « الغزاة » لجامعة الحسن الثاني بالبيضاء، وعرض « كاليكولا » لجامعة كاستيلا بإسبانيا، وعرض « ما كبث هذه الليلة » و غيرها، كلها كانت عروضا متقنة الصنع فعلا، و لكن على الرغم من ذلك ظلت محافظة على نكهتها الجامعية على خلاف عرض جامعة الموناستير الذي كان أقرب إلى تجارب « فرقة المسرح الجديد » التونسية الشهيرة منه إلى المسرح الجامعي، و هو الأمر الذي يجعل عملية تكافؤ الفرص بين الفرق المسرحية المتنافسة تبدو بعيدة المنال، لأن الأمر لا يتعلق بالتبشير ببعد احترافي للمسرح داخل الجامعة، بل إن كل ما هو مطلوب هو ما عبرت عنه خير تعبير المائدة المستديرة الأولى لصبيحة يوم الثلاثاء 05/11/2013 من خلال موضوعها المتميز فعلا: المسرح والجامعة، رهانات التعلم  l’apprentissage والممارسة المسرحية داخل الجامعة، فالطموح منحصر إذن في تعلم المسرح من طرف الطلبة. من أجل اتخاذه وسيلة للتعبير عن الذات، وليس في الاحتراف.
وهذه الملاحظة الأخيرة تجرنا إلى الإشادة بالاختيار الموفق لمواضيع وثيمات الموائد المستديرة أو العروض النظرية، إذ علاوة على ندوة المسرح و الجامعة المنوه بها أعلاه، والتي تم تنشيطها من طرف ثلة من الأساتذة: سعيد الناجي، حسن اليوسفي، لسحن قناني، الطاهر القور و غيرهم بالإضافة إلى رؤساء الفرق المشاركة دون أن ننسى المجهود الجبار الذي بدلته سماح العيدوني في الترجمة من العربية إلى الفرنسية، قلت علاوة على ذلك كانت  ثمة مائدة أخرى حول موضوع: المسرح و حقوق الإنسان، و اشتملت على مداخلة للدكتور مسعود بوحسين و تقديم لكتاب لحسن القناني  » المسرح و المسألة الحقوقية » و قد قام بتسيير هذه الجلسة وإثراء النقاش حول موضوعها الأستاذ حميد العيدوني كما قام بتغطيتها إعلاميا الصحفي النشيط و السينمائي الواعد عمر سعدون الذي كان حضوره فاعلا على مستوى التوثيق و المتابعة الإعلاميين في جميع عروض و ندوات المهرجان.
ونفس الشيء يمكن قوله عن المائدتين المستديرتين حول:  » الفن، و البيئة، المسرح كأداة »و  » طنجة مدينة الفنون و الثقافات »؛ و لعل أهم ما يمكن ملاحظته عن المواضيع الثرية لهذه الندوات هو أن المهرجان بقدر ما أبان عن الرغبة العارمة في ترسيخ الفعل المسرحي داخل الجامعة، بقدر ما حرص على الحفاظ على دور الجامعة التربوي في ترسيخ قيم البحث العلمي و في انفتاح الجامعة على محيطها السوسيوثقافي، فهنيئا للجنة التنظيمية لمهرجان طنجة الدولي للمسرح الجامعي على هذا الإنجاز الفني والثقافي الرائع وكل عام و المسرح الجامعي التنويري بألف خير و خير.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. mostafa aissa
    24/11/2013 at 19:48

    Très cher guannani lahcen, j’apprécie votre compte-rendu
    de la fête théâtrale de Tanger,….MERCI BCP

    lES GENS comme vous sont rares au Maroc, vous êtes vraiment
    un vrai professeur que ce soit dans l’enseignement ou dans
    le théâtre.

    Merci du sacrifice que vous faites pour faire vivre le
    théâtre à l’échelon d’Oujda et à l’échelon National .

    MR GUANNANI, MERCI DU FOND DU CŒUR .

    bon courage et bonne route théâtrale.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.