Home»Enseignement»نافذة على المدرسة العمومية :لغة التدريس أم لغة التواصل الديداكتيكي؟

نافذة على المدرسة العمومية :لغة التدريس أم لغة التواصل الديداكتيكي؟

0
Shares
PinterestGoogle+

نافذة على المدرسة العمومية : لغة التدريس أم لغة التواصل الديداكتيكي ؟

 

بالأمس انتقد البنك الدولي في تقريره  التشخيصي لواقع التعليم بالمغرب لسنة 2008 وسيرا على نهجه   المجلس الأعلى للتعليم الأداءات العليا والدنيا لمنظومة التدريس بالمدرسة العمومية فانتهيا إلى نتائج متشابهة تمحورت حول بطء تنزيل مضامين ومشاريع الميثاق ووسطية المؤشر والتقصير في أداء المورد البشري خاصة المدرسين والمفتشين بسبب نقص التكوين وكثرة الغياب وضيق الوعاء الزمني للتمدرس و انخفاض جاذبية المدرسة العمومية بسبب ضعف البنيات التربوية واختلال التوازن في توزيع الأساتذة وكثرة الموظفين الأشباح وارتفاع معدلات الهدر المدرسي… وجاء تنزيل البرنامج الاستعجالي بمشاريعه 27  ما بين 1999 و2012 لتصحيح هذه الاختلالات وسد الثغرات رغم نقص الفعالية وغياب المتابعة…   لكن  طلع علينا   في مفتتح أكتوبر لسنة 2013 ملتقى زاكورة الدولي  الذي نظمه رجل الأعمال نور الدين عيوش وحضرته شخصيات وازنة في هرم السلطة السياسية والتربوية بتوصيات أبرزها تحديث التعليم الأولي والتراجع عن التكوين الديني باللغة العربية أو على الأقل التقليص من حفظ القرآن والانفتاح على اللغات واعتماد بيداغوجيا اللعب وتنمية المواهب والتربية على الهوايات ثم التراجع عن تعريب المواد العلمية في الطورين : الإعدادي والتأهيلي واعتماد التدريس باللغة المغربية المتداولة(العامية) مع الدعوة إلى تقعيدها وإعدادها كبديل للعربية الفصحى وتوسيع قاعدة تشغيل اللغة الإنجليزية واعتبارها مادة العلوم والتقنيات  والانفتاح على لغات جديدة إلى جانب الفرنسية كالإسبانية والصينية… وتسلمنا قراءة هذه التوصيات إلى اختزال  مشكلة التعليم في لغة التدريس ولغات الانفتاح بينما  المشكل أعمق بكثير فهو مشكل اختيارات كبرى  تهم نوع المدرسة التي ننشد مدرسة ليبرالية  حديثة تقوم على  استدخال الفكر المقاولاتي وحوسبة المعرفة وبرنمة التدريس وتكنولوجية التدبير  وتحويل المؤسسة التعليمية إلى مقاولة بشرية صغرى  تعتمد بيداغوجيا التعاقد والتدبير بالمشروع  وتتوخى الجودة في مواصفات المنتوج التعليمي لتلبية حاجيات سوق العمل . أو نروم تحقيق مدرسة وطنية مدعمة من طرف الدولة  وفية للمبادئ الأربعة المغربة والتوحيد والتعريب  والتعميم تتبنى تنفيذ مشروع مجتمعي وطني حداثي مؤهل لمجابهة تحديات العولمة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية محصن بتثبيت الهوية المغربية   الإسلامية والعربية والأمازيغية والإنسانية  . ثم إن تحليل المسألة التعليمية بمعطيات منهجية عميقة تكشف أن المشكلة متعددة الأبعاد ، مشكلة تخطيط علمي في المقام الأول  يربط التكوين بحاجيات الاقتصاد ليرتقي به من اقتصاد الريع إلى اقتصاد المعرفة ومشكلة توجيه يجمع بين التربية على الاختيارات والتنمية الذهنية على الميول والقدرات وبين التكوين بحسب الحاجة والاستجابة للطلب الاقتصادي والثقافي والاجتماعي . كما هي مشكلة تدبير مادي ومالي وتربوي للمؤسسات التعليمية ومشكلة انتقال من بنية التسيير إلى بنية التدبير وتحول من مركزية القرار التربوي إلى لامركزيته ولا تركيزه. بل هي في نهاية التحليل مشكلة   اكتظاظ  الفصول والمناهج والمقررات والأوعية الزمنية والمكانية ومراهنة على الكم على حساب الكيف  وما ينجم عنها من تداعيات كمشكلة التكوين وإعادة التكوين واستكمال التكوين والتكوين المستمر وتحفيز للمورد البشري وتعبئته  لانخراط في عملية التجديد التربوي والإصلاح  ومشكلة التواصل البيداغوجي والتفاعل الديداكتيكي الذي لا يراعي جوانب الفردية والجماعية والنفسية والاجتماعية والمعرفية في شخصية المتمدرس والمدرس على حد سواء بسبب استيراد بيداغوجيات نبعت في بيئة مخالفة لبيئتنا دون استنبات الشروط الموضوعية للإنجاح. فمثلا جل الممارسين لفعل التدريس ومنهم بيشو وصدوق وصنير…  انتقدوا أداء ومر دودية  بيداغوجيا المحتوى  التي اعتمدت في فجر الاستقلال وبيداغوجيا الأهداف  التي تبناهما النظام التعليمي المغربي خلال مسلسل الإصلاح الذي بدأ سنة 1957  وتبلور سنة 1985  انتقادا لايخلو من لمز وتجريح  نظرا لاستغراق الأولى في الاحتفاء بالمحتوى الدراسي وتقسيمه وفق منطق عقلاني دقيق يروم شحن عقل المتعلم  بأصناف من المعرفة وتشكيل نموذج الإنسان الموالي لمنظومة القيم التي يؤمن بها المجتمع : كالطاعة ، المواطنة  الصالحة …متناسيا  نموذج هيربرت وسبنسر… جوانب مهمة في تكوين شخصية المتعلم كالجانب التواصلي والتصرفي والمهاري والوجودي… ونظرا لإفراط الثانية في عرض تعلمات جزئية تتفانى في شحذ قدرات عقلية عليا على حساب جوانب سوسيووجدانية مركبة و في صياغة صارمة ودقيقة  لأهداف يغرق المنطق السلوكي في تسليك قدرة المتعلم و ضبط أجرأتها لبلوغ أعلى درجات سلم القياس وتحقيق سقف  معايير الحد الأعلى من  التقويم. هذا وتضعف إنجازاتها المحدودة ومداها القصير ارتباطها بمرامي المنظومة مما يقلل من فعالية التكوين ويفقد العملية التربوية معناها المنشود . ولعل مقارنة يسيرة بين نموذج التدريس بالأهداف ونموذج التدريس بالكفايات كفيلة بتبرير سلاسة التدرج من أضلاع المثلث البيداغوجي ومشروعية التسلسل في إصلاح حلقات منظومة التدريس : بيداغوجيا المحتوى ، بيداغوجيا الأهداف ، بيداغوجيا الكفايات. فنموذج تيلور وبوبيت  وماجر وبلوم… اعتمادا على نظام واصف دقيق لمكونات الفعل الديداكتيكي أورده عبد العزيز الغر ضاف وفريقه في معجم علوم التربية ص261-262  يقوم على ثلاثة مبادئ أساسية:

1- مبدأ العقلنة  التي تقود إلى تنظيم العملية التعليمية التعلمية بشكل منطقي ونسقي في أفق إصابة أهداف محددة قابلة للفحص الموضوعي والتجريبي .

 2- مبدأ الفعالية  التي تستهدف التدخل المستمر لضبط وتصحيح مسار الفعل التربوي لتأمين عملية توظيف  الوسائل الديداكتيكية والوسائط المختلفة لتحقيق النتائج المرجوة .

 3- مبدأ المردودية وتتغيا قياس الفعالية التعليمية انطلاقا من النتائج المحصل عليها .

يتبين من خلال هذا الاستعراض لمرتكزات بيداغوجيا  الأهداف أن نموذجها التدريسي يمتح من النظرية السلوكية لإيفان بافلوف وثورنداينك وجون واطسون وسكينر والبرت باندورا و سكينر هل وجاثري ملر ويتمركز  بالخصوص حول المعرفة حيث يغرق  في الاهتمام بها تماما كبيداغوجيا المحتوى وهذا مايفسر سعيه نحو تخطيط الأنشطة حسب المحتويات و الأهداف على قاعدة مرجعية علم النفس السلوكي الذي يحتفي بتجزيئ التعلمات وتحويلها إلى أهداف مفككة في أفق مقاربتها مقاربة تحليلية تروم البحث عن صلاحية المحتوى الذي يحقق النتائج وفق أهداف محددة من منظور تقويمي نسبي قيمي كمي تتقاطع فيه أهداف التقويم مع أهداف التدريس. الأمر الذي دفع بمديرية المناهج إلى إنجاز مسح خبرة والقيام بافتحاص بيداغوجي كشف عن عدة اختلالات  نوجزها في تجزيئ شخصية المتعلم رغم كليتها وانفتاحها على المبادرة وتفاعلها مع وضعيات التعلم مما يفضي إلى اعتبار المتعلم  منفعلا لا فاعلا  ومتمدرسا سلبيا  لاشريكا إيجابيا  في بناء سيرورة التعلم  مما حتم تبني بيداغوجيا الكفايات كتصحيح لتلك الاختلالات  وسد للثغرات  والثقوب التي شابت خطاب التمشيات المؤطر للجهاز الإجرائي في بيداغوجيا الأهداف  .على اعتبار أنه نموذج  يتمركز حول كل أنواع المعرفة وفق مرجعية علم النفس المعرفي التكويني التي تعتمد على تخطيط الأنشطة حسب الكفايات ووفق انتقاء عناصر المحتوى و تعبئة المعارف والقيم والمواقف والاتجاهات  ودمج القدرات والمهارات للتحكم في الكفايات واستراتيجيات التعلم وفق مقاربة نسقية تروم تحقيق تعليم تفاعلي تندمج فيه سيرورة التعلم مع سيرورة التقويم بأنماطه : التشخيصي، التكويني ،الإجمالي وبسيرورة الدعم والإنقاذ والإرجاع إلى المستوى .ويظهر الربط التراتبي بين البيداغوجيات الثلاث  الذي يسوغ  عملية الانتقال المنطقي  في تعاملها مع » المحتوى التعليمي » في رؤية  نموذج التدريس بالأهداف حسب عمر بيشو في كتاب التدريس بالكفايات ص 146-147 إلى المحتوى رؤية  تقطيعية تتولى تدبيره من منظور تقويمي محتوياتي  بشكل بسيط لجعل الهدف ممرا للمحتوى وفي خدمته  وربط المحتوى بالمثير والاستجابة السلوكية ليصير التحويل مؤشرا للإنجاز لا كفاعل في بناء التعلم  مما يساهم في انحسار  فعالية التعبئة وانكماش مبدأ الملاءمة في وضعيات مغلقة ذات بعد تقويمي عرضي ضيق مما يفقد المعرفة المدرسية الكثير من معناها. في حين  ينظر النموذج الكفائي إلى المحتوى انطلاقا من لاتجانسيته نظرة تمفصلية تناظمية ومقاصدية تتولى تدبيره بشكل لولبي يجعله مع الهدف ممرا للكفاية وفي خدمتها بل ويسخران لتنمية الذكاء من خلال تحرير المفهمات العرفية وتحرير الملاءمة ليزيد الاهتمام بوضعيات التعلم خارج سياق التداول في أفق دمج مدخل القيم في مدخل الكفايات وتفجير المعنى من التعلمات المكتسبة. فالخلل إذن في استراتيجيات التعلم والتعليم وفي عدم توفر شروط الأداء لا في لغة التدريس :الفرنسية أم العربية أم …؟

وليستكمل مربع الأمان البيداغوجي ضلعه المتبقي يطرح  على الفاعلين التربويين ألف سؤال حول البيداغوجيا التي تملأ الفراغ التربوي الحاصل بعد إلغاء بيداغوجيا الإدماج واستنفاذ بيداغوجيا الكفايات لصلاحياتها بعدما تعذر اعتماد إطار منهجي يسهل امتداد الكفايات وتشغيلها  في مسارات مدرسية ومهنية وشخصية  مما أدى إلى تعليق إصلاح منظومة التدريس وطرح سيناريوهات محتملة: هل هي بيداغوجيا التدريس بالملكات التي تتوسل تأصيل العمل التربوي  من خلال استكناه تاريخ الأمة والبحث عن المشترك الرمزي والثقافي قصد استرداد هوية الفعل البيداغوجي ؟ ورد الاعتبار للغة العربية كلغة الحياة يتم تشغيلها في التواصل والاكتساب والأداء العلمي والممارسة المهنية أم يتم اللجوء إلى نماذج غربية متقدمة أثبت التجريب نجاعتها وتوجهها نحو ربط التعليم باقتصاد المعرفة والتغيير المخطط والانفتاح على المحيط بواسطة  التحكم في اللغة الأم والإقدار على إتقان اللغات وتشجيع البحث العلمي  وتبني المعرفة الالكترونية  واعتماد نقل المدرسة إلى المجتمع الرقمي  مما يقتضي مثلا مراجعة الكثير من القرارات غير الصائبة كمشروع جيني الذي وئد في بدايته  فلا التغطية اكتملت ولا القاعات شغلت  ولا الحواسيب استعملت قبل انتهاء صلاحياتها ولا العنصر البشري المشرف أعد ولا استبدل برنامج تيسيرو مشروع مليون محفظة ببرنامج »برنام نت « ومشروع مليون حاسوب أو أيباد  لتحقيق التغطية الشاملة وتطوير وسائل التلقي والتفاعل الديداكتيكي على غرار تركيا وكوريا…على اعتبار أن المشكلة هي مشكلة اختيار نموذج للتدريس يحكمه اختيار بيداغوجي رزين تؤطره نظريات حديثة في التعلم والتربية والنفس والاجتماع والتواصل يكون متناغما مع  مواصفات مشروع المؤسسة التعليمية الذي تم التغاضي عنه و مشتقا من نموذج التنمية الذي يقوم عليه المشروع المجتمعي الوطني.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. المكي قاسمي
    08/11/2013 at 02:37

    إن اقتراح التدريس بالدارجة أسوأ بكثير من « بدل لحمار باغيول » فاللغة العربية ومهما كان لغة أكاديمية، أي لغة علم ومعرفة، وراكمت قرونا من الاشتغال بهذه الصفة.أما الدارجة، فهي لغة شفهيه تصلح للتواصل الاجتماعي المباشر ليس إلا. وهل يعرف السيد عيوش السينمائي، على الأقل، كم من الوقت يلزم للسانيين والنحويين لاستخراج قواعد لغة ما وترتيبها وصياغتها لتصبح صالحة للتلقين المدرسي؟ فليعلم أن هذا الوقت يقاس بالعقود. ثم هب أنا قمنا بهذا، فماذا بعد؟ كيف سنتواصل مع العالم المنتج للمعرفة المتطورة وفي مختلف المجالات باللغتين الفرنسية والإنجليزية أساسا لنواكبه؟
    ثم أية جامعة أو معهد عالي بالخارج سيقبل طلبة تلقوا تكوينهم بالدارجة؟ وأين ومع من سيشتغل هذا الخريج « الدارجي »؟.وهل السيد عيوش سينصح أحفاده بالتوجه إلى المدارس المغربية المكونة بالدارجة وترك مدارس البعثات الأجنبية؟
    إن تسليم ملف التعليم للسيدين بلمختار وعزيمان القصد منه هو إبعاد هذا الملف عن مجال السياسة والأحزاب، حتى يعود الأمل في إصلاحه، وهذه إرادة ملكية وشعبية. لذا، فليس من حق فصيل سياسي معين معروف بتوجهه الفرنكفوني المعادي للغة العربية أن يستغفل غيره من مكونات المشهد السياسي ومعهم المجتمع، ليستأثر بملف التعليم ويصنع من أبناء الشعب المغربي المستضعفين أميين مدبلمين، وستكون،لا قدر الله، ديبلومات  » حدها طنجة »، لتبقى أبواب الخارج العلمية والمعرفية عموما مفتوحة في وجه آل عيوش وآل الهمة وآل بنجلون وآل الفهري وآل بناني، وهلم آلات، التي تعرفون على أية حال
    توضيح: لست من المدافعين عن استمرار تدريس العلوم بالسلك الثانوي باللغة العربية

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *