Home»Enseignement»نافذة على المدرسة العمومية :القراءة المنهجية للنص الكامل:مسرحية أهل الكهف لتوفيق الحكيم

نافذة على المدرسة العمومية :القراءة المنهجية للنص الكامل:مسرحية أهل الكهف لتوفيق الحكيم

6
Shares
PinterestGoogle+

نافذة على المدرسة العمومية :

قراءة منهجية للنص الكامل :

مسرحية أهل الكهف لتوفيق الحكيم الجزء 1

 

1-سياق فكري عام :

 

 » إني أقيم مسرحي داخل الذهن وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة. »

 يعتبر هذا المقتطف من  مقدمة مسرحية بجماليون الصادرة سنة 1942 بمثابة بيان أدبي لاتجاه مسرحي  جديد يدشنه توفيق الحكيم  في ثلاث مسرحيات ذهنية هي مسرحية أهل الكهف ومسرحية شهرزاد ومسرحية بجماليون ليختلف عن السائد من الاتجاهات المسرحية العربية والعالمية  مثل مسرح العبث أو اللامعقول لمارتن إيسلين وألبيركامو وصمويل بيكيت ويوجين يونسكو و المسرح الملحمي لبريخت وكالمسرح المرتجل  الذي عرف به علي الراعي من مصر والبور جيلي لوسيان من لبنان والمسرح الدرامي الذي اشتهر به شكسبير والمسرح الكوميدي المرتبط بموليير والمسرح الغنائي الذي تألق فيه أبوخليل القباني ومسرح العرائس الذي سطع نجمه فيه صلاح السقا والمسرح الشعري الذي نبغ فيه شوقي والمسرح التجريبي الذي اشتهر به محمد الكغاط. وإذا كان المسرح هو فن التمثيل فوق الخشبة والأداء الدرامي أو الكوميدي على الركح لتوليد الإشارة والفكرة والحالة الفنية من حركات الجسد والتأثير في المتلقي بلغة المشاهد انطلاقا من مبدأ الاندماج والتطهير الأرسطي الذي تسمح به الوحدات الثلاث : وحدة المكان والزمان والحدث فإن المسرح الجديد المستحدث من طرف توفيق الحكيم ذوطبيعة قرائية  يطرح إشكالين أساسيين: إشكال التجسيد على الركح وإشكال تحويل القضية الدينية المعروضة في قصة أهل الكهف بمرجعية قرآنية  إسلامية المتمثلة في مبدأ المشيئة ودلائل العظمة الإلهية التي لاتحدها حدود  من خلال التصرف في نواميس الكون وتمديد أعمار البشر أو تقصيرها  إلى حالة فنية  وعرض مسرحي وتتبدى الصعوبة في معالجة فكرة الخلود مسرحيا  تلكم الفكرة التي ساورت بني الإنسان على مر الزمن  فأعلن صراعه مع الطبيعة من أجل الظفر بينبوع البقاء  ليفسح المجال لتبلور أ نساق الفلسفة الوجودية و مذاهب العبثية فيما بعد . لكن الرهان الكبير بالنسبة للحكيم كان هو القدرة على تشخيص الأفكار المجردة المستعصية على التجلية ومسرحتها دون المساس بجوهرها كثيرا ولا خدش الشعور الديني للمتلقي مستهلك المنتوج الفني. وربما هذا هو المأخذ الكبير الذي نال  من احترافية توفيق الحكيم ومهنيته المسرحية  بسبب انحرافه عن مقصد قصة أهل الكهف وتصرفه فنيا في مصائر الفتية الثلاثة واستمداده قليلا من الأدبيات المسيحية وبالتالي نيله من الآيات النصية للسورة الكريمة.

2- الخطاب المقدماتي / عتبات النص:

*- العنوان :

 

ما يثير الوالج  للعالم المسرحي الذي شيده الحكيم  على قاعدة  مسرحة الحدث الديني و استلهام الوقائع المقدسة في قصة أهل الكهف القرآنية هو احتفاظه بنفس العنوان  » أهل الكهف  » الذي تسمت به السورة الكريمة و التي ترتبط مع السورتين المتجاورتين لها الإسراء ومريم بحدث المعجزة في إطار بلاغة السابق واللاحق. ولعل السر في ذلك  هو تأمين النقل العلمي والمحافظة على المضمون الديني ودغدغة الشعور الإيماني لدى المتلقي الذي كان يتوق في تلك الحقبة  من تاريخ المسرح العربي إلى قراءة الكتب الدينية . ويحيل العنوان باعتباره علامة سيميولوجية دالة  ومختزلة لمتن النص ومحيلة على هوامشه وحواشيه على حقلين دلاليين هما الدين والفلسفة الوجودية حيث  يشكلان إطارا مرجعيا لتمظهرات فكرة الصراع التي تطرحها المسرحية بتجلياتها العبثية  والمنطقية الفكرية  بين النقل/ النص القرآني/ والعقل وبين الحقيقة الدينية والحقيقة الفلسفية حيث صاغها  الحكيم في قالب مسرحي ذهني وقرائي جذاب. ويتكون العنوان : » أهل الكهف » من تركيب إضافي معنوي يتشكل من متضايفين :

1-أهل: مبتدأ لخبر محذوف يتولى متن أحداث المسرحية بفصولها الأربعة   الإخبار عن جماعة من الفتية  المؤمنين بالله على هدي ديانة سيدنا المسيح تحيل على تاريخ الملك دقيانوس المضطهد لأتباع المسيحية بمسرودات دالة تسد مسد الحذف وتشظي التفاصيل وتلاشي الجزئيات بإعادة بناء المشاهد وصناعة الحدث الديني وتصويره من زاوية نظر حكيمية متشبعة بالفكر الفلسفي الوجودي الناقد وبتأطيرات الرؤية الفنية السابرة  لمسرح المجتمع وبتقطيعات مسرحية  تحافظ على اللمسات النصية وعلى بيان الإعجاز العددي. وهو مضاف:

2-الكهف: مضاف إليه مجرور بكسرة تنعطف بالمتلقي إلى مكان التجاء القديسين الثلاثة وكلبهم قطمير وتحيله على تاريخ مغارة تدعى الرقيم مكثوا فيه تسعا وثلاث مائة سنة ظانين أنهم قضوا يوما أو بعض يوم….والتعيين  الاسمي العلمي للمكان يحيل على الإطار المرجعي للمسرحية وهي سورة الكهف وتحديدا الآيات : 9-10-11-12 : »أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا : ربنا آتنا من لدنا رحمة وهيئنا لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثنا هم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا  » بالإضافة إلى مصادر مسيحية تتجلى بشكل خاص في تعديل  بعض التسميات للشخوص كمكسيميليان /مشلينيا وماكلس / يمليخا ومارتينا / مرنوش  وبعض الأمكنة كطرس /طرسوس.  مما يقوي الاتجاه الفني في تصنيف المسرحية ضمن المسرح الديني التجريدي والذهني القرائي. وهو شكل قريب من الرواية والقصة  أبدعه الحكيم   لينافس به المسرح الدرامي والكوميدي وينتقد أوضاعا حياتية وقضايا مجتمعية عن طريق الرمز والقناع والإسقاط.

 

*- الصورة :

 

من أولى باكورات الحكيم مسرحية أهل الكهف التي ألفها سنة1929  ونشرها عام 1933 وتوالت الطبعات المنقحة إلى طبعة 1988 حيث زين غلافها الخارجي على غرار النسخ السابقة  بلوحة تشكيلية مائية رائعة  بريشة جمال قطب تحتفي بشكل دائرة متآكلة تشير إلى باب مغارة بمكان يدعى الرقيم تشير الدراسات الحفرية إلى أنه يتكون من  مدخل وفجوة اتجاه الجنوب الغربي وقاعة مركزية  وساحة أمامية تسمى الوصيد وثلاثة محاريب ومدافن حجرية وأعمدة من الصخر وأسوار من الحجارة وأقنية لبرك مائية … تؤثثه صورة الأميرة الحفيدة صورة طبق الأصل من جدتها بريسكا القديسة حيث تنثر جمالها وحيرتها من خلال نظراتها  المتأملة و الثابتة واللامتناهية  لواقع محير يلفه وشاح من الوهم وظلال من الحقيقة وهلا مات من الهواجس والقلق الوجودي الذي يؤرق بطرح الأسئلة ويمض بانتظار الآتي .وخلف البطلة بريسكا الملك والمستشار والحرس بألوان فاتحة تعج بالحياة وتومئ بالإرادة والسلطة والحكمة والقوة وتجاورها في نفس الفضاء أشباح القديسين الثلاثة بألوان داكنة تفوح بروائح الرقاد وبداية التحلل الزمني للأجساد  تظهر عليه  آثار النهوض من القبر والانبعاث من جديد تحقيقا لمعجزة المشيئة الإلهية. وعززت العتبة الأيقونية ببورتريت للحكيم يعود بالقارئ إلى الفترة الممتدة من 1929 إلى 1933 مدعوم بإشارة إلى الطباعة  ودار التوزيع دار إحياء العلوم التي اعتمدت على مكتبة مصر الناشرة للمسرحية ودار مصر للطباعة.

هذا وتربط العنوان والصورة بمضمون المسرحية علاقات يحكمها مربع الربط التنظيمي  :

1- علاقة إيحائية: فالتركيب الإضافي : »أهل الكهف » يختزل مشاهد الصورة ويختصر وقائع الحدث الديني في المسرحية.

2- علاقة ترابطية : العنوان : » أهل الكهف » يتناغم ويعبر عن محتوى صورة الغلا ف التي تجسد متن أحداث المسرحية  فتخلق المماثلة بين الملفوظ السردي والعلامة المرئية.

3-علاقة تطابقية: فالعنوان يماثل مضمون الصورة ويشاكل متن الوقائع في المسرحية .

4- علاقة إحالية : العنوان  باعتباره نصا لسانيا مختصرا  وموازيا يحيل بما يختزنه من حمولات حدثية مكثفة ترمز من جهة للمغارة مسرح معجزة النوم الطويل  و لزمن آية الرقاد الدالة على قدرة الله على الإماتة والإحياء  من جهة ثانية  أقول يحيل على نص المسرحية المفصل لينبش في أطرافه وحواشيه ويحفر في أعماق المعنى ليضع يد التحليل النفسي والتفسير والتأويل الديني على  لحمة العقدة العاطفية والعقدة الدينية.

*-3- الوصف الخارجي

 

تتكون مسرحية :  » أهل الكهف » من أربعة فصول تبد أ من الصفحة 13 إلى  الصفحة 192  يحكمها نظام التوازي بين الفصل الأول والرابع والثاني والثالث على أساس الطباق فالفصل الأول من ص 13 على 46 يمثل حالة البداية : الانبعاث  والفصل الرابع من 149 على 192 يشكل حالة النهاية: الرقاد  أو الموت من جديد. والفصل الثاني من ص 47 إلى 90 يعتبر تحول الحدث المحرك: الخروج من المغارة والفصل الثالث من ص 91 على 148 يمثل تحول العقدة : رجوع الفتية الثلاثة إلى الكهف .ويبلغ مجموع الصفحات ف1 :33 +ف2 :43 +ف 3 :57 +ف4 : 43 = 176 صفحة . وشفعها الحكيم بقائمة كتب المؤلف من ص 3 إلى 5 وبلائحة الكتب المترجمة  للغات الأجنبية من ص6 إلى 9 وعزز ها بآية :11 و12 من سورة الكهف تتضمنهما الصفحة 12 ومقال منشور للمفكر مصطفى عبد الرازق يوجد مابين ص 195 وص 198  ومقدمة الطبعة مترجمة عن الفرنسية مبثوثة ما بين ص 198 إلى 200 ودراسة بالألمانية من ص 201 على 207 .

*4- تفكيك نص المسرحية وتحليل مكوناتها :

 

يعتبر المسرح الفن الإغريقي الأصيل وأبا الفنون والفن الوافد على الأدب العربي  ونقطة تقاطع  فني بين الأدب والموسيقى والرقص والتشكيل. يتميز بمظهرين أساسيين عن باقي الفنون السردية الأخرى  :

1- الصراع بين قوة الخير وقوة الشر حيث يحتد الصراع بين اتجاهات خفض  مسافات التوتر وسد الفجوات واتجاهات الميل إلى التفكيك والتناقض واللا نسجام بين  القوى الإيجابية  في النفس الإنسانية والمجتمع البشري  واتجاهات القوى السلبية من الشخوص والأمكنة والأزمنة والأفكار مما يبرر كثرة العقد وذروات التشويق بدءا  من العقدة العاطفية و مرورا بالعقدة التاريخية وانتهاء بالعقدة الدينية .

2- هيمنة البنية الحوارية بتمظهرها التداولي أو تجليها الدرامي وما تتطلبه من جملة سردية نواتية أو جمل سردية تفصيلية وما تقتضيه من متوالية سردية بسيطة أ ومركبة تشغل بنيات أسلوبية زاخرة بطاقة الفعل السردي وإيحاءات الملفوظ الحكائي الوصفية والتحليلية والتعبيرية عن مختلف  أشكال التواصل الفني بواسطة صيغ لفت الانتباه والتشارك والتقاسم   وتوصيفات الحالة والفعل  وإشباع الحاجة إلى المعرفة والاستطلاع . لكن مسرحية أهل الكهف لتوفيق الحكيم  تتميز بتعدد الأمكنة والأزمنة وا لأحداث مما يحيلها إلى نص سردي  روائي قرائي يصعب مسرحته و تجسيده على الركح على الأقل في فترة الثلاثينات من القرن الماضي :

1- البنية المكانية :

 

أ- الكهف : مكان مغلق لكنه مفتوح على عوالم الروح والرحمات الإلهية  والتسامي النفسي  وأجواء الآخرة ثم إنه ا ختياري لجأ إليه  الفتية  الثلاثة المسيحيون بعد فرارهم  من تسلط دقيانوس الملك الروماني. وإحساسهم فيه بأمانين : أمان على النفس والعقيدة  وأمان النجاح في الابتلاء بعد تحقق معجزة البعث والإحياء  ويجمع المقدسي والحموي والقز ويني  والوا قدي والفرماني وغيرهم كثير من المؤرخين على أن مغارة القديسين الثلاثة توجد بمنطقة أبي علندا قرب عمان العاصمة الأردنية غرب مدينة سحاب وإن كانت مصادر تاريخية أخرى قد أشارت إلى أنه موجود بمنطقة أفشام التركية أو بجبل محاد للعاصمة السورية دمشق.

ب- القصر : مكان إجباري فقد أمر الملك الروماني الجديد بإحضار الفتية الثلاثة إليه للتعرف عليهم والترحيب بهم. ومن فضل ثيودوسيوس الثاني الملك المسيحي العادل على إخوة الإيمان أن لبى جميع طلباتهم .فمرنوش رغب في رؤية زوجته وابنه ويمليخا الراعي ود الاطمئنان على غنمه ومشلينيا أراد حلق ذقنه وتحسين هيئته ومقابلة حبيبته بريسكا.

ج- بهو القصر : مكان مفتوح على كل الاحتمالات والمصائر الجديدة للفتية الثلاثة اختاره مشلينيا ليلتقي بابنة دقيانوس القديسة بريسكا لكنه في أثناء الانتظار يلتقي بمرنوش فيصدمه بحقيقة تبدل الزمن وحؤول فاصل الوقت( أكثر من ثلاثمائة سنة) بينه وبين رؤية زوجته وابنه لكنه يصر على اللقاء ويرفض العودة إلى الكهف.

د- مدينة طرسوس : مدينة رومانية  توجد جنوب تركيا يعود نسبها إلى طرسوس بن روم بن اليفز بن سام بن نوح  وهي مكان مفتوح على الممكن والكائن فقد  ساد فيها الملك المستبد دقيانوس فعثا فيها فسادا وجورا واضطهادا للمسيحيين ثم حكمها الملك العادل ثيودوسيوس الثاني فملأها إنصافا ورحمة بالفتية الثلاثة فزاد صيتها الديني.

تتميز  البنية المكانية   في مسرحية أهل الكهف بحركة دائرية مبتدؤها  الفصل الأول  الذي يحتضن الكهف وقائعه ومنتهاها  الفصل الرابع  الذي تحتضن المغارة  أحداثه  مرورا بالقصر والبهو حيث تقع فيها  التحولات من حدث محرك يتمثل في الانبعاث وعقدة عاطفية و عقدة عقدية أحكمت البناء السرد ي لمسارات الشخوص ومآلاتهم وحل يتمثل في العودة وتسليم الذات للمشيئة الإلهية بعد مقاومة لإكراهات الحياة على طريق البقاء.لكن الثابت أن البنية المكانية عند الحكيم تتسم بالتجاور والوحدة في إطار التنـــــــــــــــــــــوع

وتصنع  الشخوص ومساراتها والحدث وتطوراته فتتحول إلى بطولة مطلقة  داخل النص المسرحي تقيد نسبة الفتية الثلاثة وتسم الوقائع بسمات المكان ورمزية التاريخ وقدسية الخطاب الديني.

 

2- البنية الزمانية :

اختار الحكيم بنية زمانية إطار  لمسرحيته تتميز بالخطية : استيقاظ –خروج-صدمة- عودة. لحمتها الرؤية السردية من الخارج ببنى صغرى مؤطرة  بالاسترجاع الذي يستعيد شريط استذكار مدته تسع وثلاثمائة  سنة  مما أحالها إلى بنية دائرية  مقفلة على أربع مراحل حاسمة :

1-الفصل الأول : زمن الانبعاث من الموت .

2-الفصل الثاني : زمن الاندماج.

3-الفصل الثالث : زمن الصدمة.

4-الفصل الرابع :زمن الاستسلام لقدر الموت.

3- الشخوص :

انتقى الحكيم شخوصه من هيكل  الواقع الديني   ولحمها بأحداث من التاريخ لها رمزية سياسية وبعد وجودي ليضفي عليها قبولا وحضورا  اسميا حقيقيا في الأدبيات المسيحية و في سورة الكهف الكريمة و يمكن التمييز فيها بين :

1-الرئيسي : وهي شخصيات مهيمنة على الملفوظ السردي تنهض بأدوار كبيرة من قبيل :

*-مشلينيا : وهومكسميليان  من سادة الروم ومن وزراء الملك الطاغية دقيانوس أحد إخوة الإيمان  وشهيد العشق القديسي الذي كانت بطلته  الأميرة بريسكا  . هي  شخصية صراعية و عاطفية ذات نزوعات نفسية عذرية وإصرار في تحقيق رغباتها  نجحت في  الارتقاء بمشاعرها الوجدانية في مقامات  التسامي  ودرجات الحب العفيف لكنها  عانت من عقدة عاطفية مردها تمزق  الذات العاشقة بين الإخلاص  في حب الله والوفاء لحب المرأة  .

*-مرنوش :وهو مارتينا  من الأعيان النبلاء ومن وزراء الملك المتسلط عرف بإخلاصه لحبه الله و لزوجته وابنه.وهي شخصية تتميز برجاحة العقل وبعد النظر  تحكمه في اتخاذ القرارات وفي الاستسلام لقدر الموت.

*-يمليخا : ماكلس راعي الغنم ومن عامة الشعب مرافق للقديسين ذونزعة حسية  قريبة النظر  هدته فطرته  إلى الحقيقة الدينية وإلى المعجزة الزمنية  دون برهان إنه يفكر بحواسه  .

2-الثانوي :

*-بريسكا : الأميرة بنت الملك دقيانوس شهيدة العشق القديسي وحفيدتها نسخة طبق الأصل وكأن الواقع يعيد نفسه.

*-دقيانوس : ملك طرسوس الروماني المناهض للمسيحية والطاغية المتجبر.

*-ثيودوسيوس الثاني : الملك العادل المؤمن بالمسيحية.

*-غالياس : مربي الأميرة ومستشار الملك ثيودسيوس الثاني .

4- متن الأحداث:

الفتية الثلاثة يستيقظون من نومهم العميق فيئن جسدهم من التعب ويتبادلون الحديث حول مدة النوم فيحسون بالجوع فيرسلون الراعي يمليخا لإحضار الطعام فيلتقي صيادا في طريقه يتهيب من شكله المختلف ويتعجب من نقوده القديمة التي انتهى عهدها فيسرع لإخبار سكان المدينة الذين تفاجأوا بهيئة الفتية الثلاثة داخل كهفهم مما حدا بهم إلى إخبار ملكهم الذي أكد له مستشاره غالياس صدق النبأ . فاستقبل ثيودوسيوس الثاني القديسين الثلاثة في قصره بعدما استصحبهم أهالي طرسوس حيث رحب بهم ولبى جميع طلباتهم التي تعجب من طبيعتها وتيقن من استحالة تحقيقها بسبب الفاصل الزمني بين عهده وعهد الملك الطاغية دقيانوس. وأول من صدم بالحقيقة الراعي يمليخا فقد هدته حواسه الفطرية  إلى الحقيقة  حقيقة المعجزة الزمنية فبلغها بتلقائية إلى  الوزير مرنوش الذي رفض التسليم بها بسبب تحرك نزعة التجمع العائلي  في داخله لكن العودة إلى الواقع  وملاحظة تكويناته الجديدة هديا عقله إلى التسليم من جديد بالحقيقة بعدما وقف بنفسه على الفرق بين عوالم الفتية الثلاثة  وعلاقتهم بزمن دقيانوس وعالم أهل طرسوس تحت إمرة الملك الروماني المسيحي العادل ثيودوسيوس الثاني  فزوجته ماتت وابنه  تحول إلى  بطل ثم مات وبيته صار سوقا فانصرمت جميع الوشائج بينه وبين واقع تغير فيقرر الالتحاق بيمليخا  .وفي طريقه إلى الكهف يلتقي بمشلينيا فيبلغه بفجوة الزمن فيرفض التسليم بالمعجزة الزمنية ويستسلم لسلطة الرغبة ويتمسك بمقابلة بريسكا الأميرة الشابة ظانا أنها الجدة القديسة فيتهمه بالجنون ومجانبة الصواب والتعالي على الحقيقة ويعود بمفرده إلى المغارة. بينما ميشلينيا يحظى بمقابلة حبيبته الموهومة فتصدمه الأميرة الشابة  بريسكا بالحقيقة وتصارحه بالموضوع والفاصل الزمني وتسلمه صليب جدتها الذي احتفظت به وتدعوه إلى مغادرة القصر. وبعد مضي شهر من عودة الفتية الثلاثة يستيقظ القديسون من نومهم ليتحاوروا حول الحلم الذي أصبح حقيقة صادمة تؤكدها هيئتهم وملابسهم والنقود التي كانت معهم  فيقتنعوا جميعا ويسلموا أرواحهم إلى بارئها الواحد تلو الآخر كما دخلوا إلى الكهف بدءا من يمليخا ومرورا بمرنوش وانتهاء بمشلينيا الذي ظل  متشبتا بالحياة  ومتعلقا ببريسكا القديسة التي عوضتها الأميرة الشابة التي تبوح له بحبها له رغم فاصل الزمن لأن الحب لايعترف بقوانين الزمن ولا بالفناء ولأن القلب كذلك  أقوى من الزمن فيلفظ أنفاسه بعدما غمرته السعادة ونعم باللقاء ويأمل بلقاء قريب هناك في الآخرة فتقرر بريسكا الحفيدة التخلي عن القداسة والبقاء في الكهف  حية إلى جانب الحبيب /الوهم /الذي أصبح  حقيقة  فيودعها غلياس ويتركها  في غفلة من الملك ويدع للفتية ثلاثة معاول ليفتحوا باب المغارة إذا بعثهم الله من جديد ثم يغلق الكهف ويأمر الملك  بتحويله إلى مسجد ليكون آية للنفس البشرية .

5- البرنامج السردي

 

خضع متن الأحداث لبرنامج سردي دقيق اعتمد على اختيار فني ملائم لجنس المسرح وهو الحوار بأنواعه : التواصلي والدرامي كمظهر خارجي والصراع بين قوة الخير والشر والعدل والظلم والتواضع والتكبر والتعفف والرغبة   والعقل والإيمان والحواس وفكرة التسيير والتخيير وفكرة الاتصال والانفصال كمظهر باطني للنص المسرحي. حيث تم تصريف الحدث : »بعث الله للفتية الثلاثة المؤمنين به  ليبرهن على قدرته في اختراق قانون الزمان ويظهر مشيئته في الخلق ويكشف عن أوضاع إنسانية في الحكم والاعتقاد والرغبة والسلطة » عن طريق قناة لغة عربية فصيحة مألوفة وتصويرية و بواسطة جملة سردية نواة تنبثق عنها جملة سردية تفصيلية ضمن بنية حوارية  درامية يتخللها الوصف السردي الذي يمرر عبره رسالة سامية مؤداها :  » الإيمان بقدرة الله التي لاحدود لها والآجال بيده سبحانه » باَلإضافة إلى توجيه نقد مبطن لفترة تاريخية في عهد الملك فاروق سمتها الجمود والاستسلام للمستعمر الانجليزي وإقبار المقاومة والنضال من أجل المطالبة بالحرية من خلال مطابقته لأوضاع الفتية الثلاثة في عهد دقيانوس وثيودوسيوس الثاني بأوضاع مصر في الفترة الممتدة ما بين  الثلاثينات والستينات يساعده في ذلك اعتقاده بقدرة الله وبإرادة الشعوب في التغيير وتعيقه مستلزمات التخييل والعرض المسرحي وتحويل الفكرة الدينية إلى حالة فنية.

 

6-الخطاطة السردية

 

خضع البناء الفني  للمسرحية لمتوالية سردية مركبة يكشف عنها مسار الأحداث الممثل في الخطاطة السردية التالية :

1-حالة البداية

*-الفصل الأول : وهو عبارة عن مقدمة يسرد  فيها الحكيم حدث الانبعاث في زمن النهوض داخل الكهف حيث يصنعه الفتية الثلاثة ويشاركهم الصياد وأهالي طرسوس.

2-التحولات

أ- الحدث المحرك

*-الفصل الثاني : وهو عبارة  عن عرض أول لحدث الاندماج داخل القصر في زمن العودة يصنعه مرة أخرى  الفتية الثلاثة وغالياس وثيو دسيوس الثاني وأهالي المدينة.

ب- العقدة

الفصل الثالث : وهو عبارة عن عرض ثان تتشابك فيه الأحداث وتتأزم العقد : العقدة الدينية والعقدة العاطفية والعقدة التاريخية وتبلغ الصدمة ذروتها داخل بهو القصر في زمن الاستعداد للرجوع الذي يصنعه الفتية الثلاثة وبريسكا الأميرة الشابة.

ج- الحل

الفصل الرابع : ويمثل لحظة الختم والتنوير ومدتها شهر لمعجزة الله ولقضية النوم الطويل الذي استغرق  ثلاثمائة وتسع سنوات ولمسألة استسلام إخوة الايمان من جديد  لقدر الموت  بعد حوار تواصلي ودرامي استوعب بريسكا وغالياس والملك المسيحي العادل والفتية الثلاثة فيما بينهم.

تكشف الخطاطة السردية عن نمطين من التحول :

1- تحول الانفصال : ويتبدى في عزوف مرنوش ويمليخا عن سعيهما نحو استرجاع متاع الدنيا بسبب الإدراك الحسي عند الراعي أو العقلي عند الوزير لمعجزة الزمن مما أجبرهما على الاتصال بحياة الكهف.

2- تحول الاتصال : ويتجلى في ربط مشلينيا لاتصاله  العاطفي الموهوم الذي سرعان ما  استحال إلى  حقيقة  مع بريسكا الجدة في المرحلة الأولى  وبريسكا الحفيدة في المرحة الثانية  في محاولة لاسترداد وجوده الدنيوي وإثبات ذاته فوق أرض الحياة  لكن إدراكه لحقيقة الفاصل الزمني بعد قياسه  ثم معاينته  للواقع الجديد فرض عليه الانفصال عن القداسة والإشراق الإيماني.

وتكشف هذه التحولات عن مربع القيم الذي يحكم العلاقات بين الشخوص :

1-الإيمان : ويتفاوت بين الفتية الثلاثة ويتلون بحسب منطلقات الشخوص ورؤاها : يمليخا الحسي الفطري ومرنوش العقلي التجريبي ومشلينيا العاطفي العلاقاتي.

2- الحب : ويتقاسمه الفتية الثلاثة  بشكل متفاوت ومختلف فقد تدرج من الحب الحسي فالحب العذري العفيف ثم العشق الالاهي : حب مشلينيا لبريسكا وللبقاء والخلود وحب مرنوش لعائلته وتعلقه بربه وبالعالم السامي العلوي وحب يمليخا لممتلكاته من الأغنام  وزهده فيه ولارتباطه بالله وبالآخرة.

3-الوفاء : ويتجلى في علاقة بريسكا الأميرة الحفيدة  بمشلينيا ومشلينيا ببريسكا القديسة الجدة على شكل منحى تصاعدي بدءا من الوفاء العلائقي مرورا بالوفاء العقدي وانتهاء بالوفاء الرباني.

4-الانتقاد : ويستهدف مناقشة قضايا دينية وتاريخية أساسية كمسألة التخيير والتسيير وحرية المعتقد واتجاه القوة والنمو واتجاه السلبية والإقبار وكذا نقد الوضع السياسي المصري إبان حكم الملك فاروق والانتداب البريطاني.

أما الحالات : حالة البداية / الانبعاث وحالة النهاية / الاستسلام لقدر الموت فتنم عن وجود صراع باطني بين ثنايا  واقع النص المسرحي وتكويناته وفي نفسية الشخوص وتوجهاتها وتفاعلها مع سياق الأحداث ومساقاتها يكشف عنه مربع الصراع :

1-الزمن : تصور المسرحية صراع الإنسان مع الزمن في مسعى لتحقيق الخلود وهذا شأن الفتية الثلاثة وخاصة ديدن مشلينيا وبريسكا لكن عبثا ما سعيا إليه إذ سرعان ما استسلما  للمشيئة الإلاهية.

2-الحياة : لم يتوان الفتية لحظة عن التعلق بالحياة والسعي في استرداد وجودهم المفقود لكن الحياة تتأبى عن الامتلاك فتذهب مقاومتهم للفناء سدى.

3-العقل : تكشف مسارات الأحداث في المسرحية ووضعيات الشخوص وتقلباتها وثباتها على مواقفها   عن وجود صراع قوي  بين العقل والإيمان يفصح عنه موقف الوزير مرنوش من الغيب  والمعجزة الزمنية وعدم تصديقه في بداية الأمرلوفاة زوجته وابنه وإنكاره للفاصل الزمني.

4- الرغبة : يظهر الحفر في أعماق المعنى وحواشيه عن وجود ثنائية الرغبة والسلطة داخل الخطاب المسرحي بحيث تسم العلاقات بين الشخوص الرئيسية  بميسم التمزق والازدواجية : فمشلينيا ومرنوش هما من الوزراء في عهد الملك المستبد دقيانوس الذي استفرد بالسلطة كانت لهما نوايا إيجابية تجاه السلطة  أثناء  مرافقته في حكمه . وبحصول المعجزة الزمنية تحولت  هذه النوايا إزاء السلطة إلى رغبة في الامتلاك امتلاك مفتاح القلوب كما حال مشلينيا مع بريسكا القديسة الجدة وبريسكا الأميرة الحفيدة وكما هو الشأن بالنسبة  مرنوش الذي رغب في امتلاك  زمن الزوجة والولد وهي من عناصر الفتنة في الدنيا التي تؤثر على درجة الإيمان بقدرة الخالق.

تتوخى مسرحية أهل الكهف لتوفيق الحكيم إيجاد مخرج لصراع الإنسان من أجل البقاء وتقديم صيغة فنية  للتعايش بين الشأن الديني وشؤون الدنيا وتوليفة إبداعية للمصالحة بين الحقيقة الدينية والحقيقة الفلسفية من خلال إشاعة وعي إيماني بالقدر وبقدرة الله وحده على التحكم في مصائر البشر وآجالهم. فما عليهم إلا الاعتبار وغنم أوقاتهم فالعمر قصير مهما كانت مدته . ثم تسعى المسرحية إلى نحت نموذج بشري يتفاعل إيجابيا مع الأحداث وسياقاتها ومساقاتها من   خلال النقد المقنع للوضع السياسي السائد في عهد الملك فاروق الذي كبل الارادات وشل العزائم وأقبر الطموحات  وأجهز على مقاومة الشعوب لكافة أنواع الاحتلال.

محمد ابراهيمي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

16 Comments

  1. sarah
    03/02/2014 at 10:27

    je veux un dialogue entre les garçons et le roi

  2. kata berez
    02/04/2014 at 22:29

    thank you 3awnton bzaaaaaaaaaaaaaaaaaaaf wlah

  3. Anonyme
    16/04/2014 at 15:33

    merci bc

  4. ayoub fenane
    09/05/2014 at 14:57

    mrc bc

  5. شيماء العمراني
    31/01/2015 at 19:11

    اشكركم جزيلا على هذه المعلومات لانني استفدت كثيرا منها

    merci beaucoup pour toutes ces informations

  6. x
    31/01/2015 at 19:13

    merci

  7. CHAIMAA EL AMRANY
    31/01/2015 at 19:18

    MERCI POUR TOUTES CES INFORMATIONS

  8. abdelilah kacm
    16/03/2015 at 19:19

    Merci

  9. ilyas metkal
    18/03/2015 at 18:09

    mrc beaucoup walakine makaynch talkhiss diyal lfossoul apars ca kolchi mzn

  10. Omar
    29/03/2015 at 20:11

    Thank you

  11. fatima
    01/04/2015 at 23:59

    mrc bc

  12. mahdi mox
    10/04/2015 at 16:06

    MERCI

  13. Anonyme
    11/05/2015 at 16:53

    أتمى أن تكون انتقادات حو ل القصة وشكرا كثيرا

  14. anonyme
    06/04/2016 at 15:54

    MERCI

  15. Anonyme
    24/02/2019 at 18:43

    شكرا

  16. Ibt
    12/03/2019 at 22:22

    Merci beaucoup pour votre réponse

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *