Home»National»هيمنة ثقافة  » قتلنا الثعبان  » تحبط الإرادات وتعطل الكفاءات وتفسد القطاعات

هيمنة ثقافة  » قتلنا الثعبان  » تحبط الإرادات وتعطل الكفاءات وتفسد القطاعات

0
Shares
PinterestGoogle+
 

هيمنة ثقافة  » قتلنا الثعبان  » تحبط الإرادات وتعطل الكفاءات وتفسد القطاعات

محمد شركي

عبارة  » قتلنا الثعبان  » عنوان نص قرائي في أحد كتب المطالعة في التعليم الابتدائي في خمسينات وستينات القرن الماضي ببلادنا ، وقد صار فيما  بعد  يجري مجرى المثل  ، ويضرب لكل من ينتسب إلى  فعل  فعله غيره ويحب أن يحمد به ، ولا نصيب له فيه سوى المشاركة في نون الجماعة . وواضع  أن هذا العنوان كان يتوخى معالجة ظاهرة اجتماعية عن طريق السخرية الهادفة إلى تصحيح ثقافة منحرفة  قوامها ركوب جهود الغير من أجل الحصول على الحمد الزائف والثناء الكاذب . ولا تقتصر ثقافة  » قتلنا الثعبان  » على شريحة دون أخرى في بلادنا ولا على قطاع دون آخر . وأول من تشملهم هذه الثقافة  كبار المسؤولين  الذين غالبا من تتوجه إليهم عدسات الإعلام ،فتكون على رأس عباراتهم  عبارة  » قتلنا الثعبان «   فالوزراء وهم كبار المسؤولين في مختلف القطاعات ينسبون ما يحدث في هذه القطاعات إلى أنفسهم بنون جماعة لا تدل على رجال ونساء القطاعات من أعلاهم إلى أدناهم مرتبة ،بل تدل على  تضخم أنا الوزراء. وعن الوزراء يقتبس من دونهم مرتبة من المسؤولين ،فتنتقل نون الجماعة من تضخم أنا الوزراء إلى تضخم أنا من يليهم  من التابعين وتابعي التابعين  ومن تبعهم في ثقافة  » قتلنا الثعبان  » . ومما يدرس في بلاغتنا العربية المجاز الذي قد  تحدث فيه نسبة الفعل إلى غير فاعله الحقيقي، ومن ذلك قولهم :  » بنى الفرعون خوفو الأهرام «   وهذا المثل البلاغي يعكس بوضوح ثقافة  » قتلنا الثعبان  » فالفرعون خوفو لم يزد في بناء الأهرام عن قتل الثعبان، لأن الذين بنوا الأهرام تتجاهلهم الأمثلة البلاغية ، ولا تذكرهم إلا من أجل تقريب المجاز إلى الأذهان ، ثم يبقى الفرعون هو قاتل الثعبان في نهاية المطاف ، وليس بناة الأهرام . وعبارة  » بنى خوفو الأهرام  » تتداولها يوميا وسائل الإعلام ليس عندنا فقط بل  في كل بلاد العالم حيث  لا تنسب الأفعال إلا  للقادة  والوزراء مجازا ، ويكون الفاعلون حقيقة  أشخاصا آخرين . وإذا جاز أن ينسب الزعماء والقادة الانجازات إلى أنفسهم ، وهم أصحاب القرارات كما كان الفرعون خوفو صاحب قرار بناء الأهرام ، فلا مبرر  لمن دونهم من المسؤولين أن  يكونوا قتلة الثعبان . وعلى كل حال هدفي من هذا المقال هو تنبيه الرأي العام إلى ما يترتب عن ثقافة « قتلنا الثعبان  » من سلبيات   وعلى رأسها إحباط الإرادات ، وتعطيل الكفاءات ، وإفساد القطاعات . وسأكتفي بذكر حالة واحدة تمثيلا لا حصرا حيث جلست مؤخرا  مع السيد محمد البور  نائب نيابة وجدة أنكاد المتقاعد ،وتجاذبنا أطراف الحديث رفقة السيد محمد المقدم مفتش المصالح المادية والمالية بنيابة تاوريرت  في مقهى من المقاهي، فجاء في سياق الحديث أن السيد النائب المتقاعد  نجح في عقد شراكات وهو نائب في نيابة الناظور درت على هذه النيابة ما حجمه 6 مليارات ونصف من السنتيمات ، وهو أمر  لم نسمع به ، ولم ينسب  لمن كان وراءه  لا خوفو ولا عمال خوفو، بل  كان قتلة الثعبان غيرهم . وقياسا على هذا المثال تأتي أمثلة تكريس ثقافة  » قتلنا الثعبان  » حيث تتحرك الإرادات  ، وتجتهد الكفاءات  ، ويأتي من يقطف الثمرات ،ويكتفي بعبارة :  » قتلنا الثعبان  » ليكون هو صاحب الفضل وقصب السبق الذي يحق له أن  يفخر ويزهو . وقد يعمد صاحب ثقافة :  » قتلنا الثعبان  » إلى ثقافة أخس منها وهي ثقافة   » جزاء سنمار »  وقد مرت بنا في مقال سابق دلالة هذه الثقافة حيث  يعمد من لم يقتل الثعبان إلى قتل  قاتل الثعبان ليخلو له  جو الافتخار طلبا للحمد الذي  يحب أن يحمد به دون ما يقابله من فعل . وعندما نعود إلى ثقافتنا الإسلامية نجد أن  ثقافة :  » قتلنا الثعبان  » لا محل  لها من الإعراب كما يقول النحاة . فالله عز وجل  يذكر أشرف خلقه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع الذين كانوا معه في قوله جل من قائل : (( محمد رسول الله  والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )) الآية  ، ولم يرد في الآية ما يدل على شيء من ثقافة  » قتلنا الثعبان  » التي صارت ثقافة لنا مع شديد الأسف  والحسرة حيث  لا يظهر على وسائل الإعلام عندنا إلا قتلة الثعابين في مختلف الميادين . وما زلنا لم نسمع بثقافة الفريق  المتكامل ، ولم نشاهدها إلا عند  أمم أخرى  ، وأكتفي بسرد مثال واحد ليس على سبيل الحصر وهو مثال الناسا  أو النازا  حين تطلق مركبة فضائية فيظهر الفريق برمته يصفق ويتعانق لنحاح التجربة  ، في حين لا يظهر عندنا إلا قاتل الثعبان مجازا. وما أحواجنا إلى ثقافة فريق الناسا في كل قطاعاتنا حيث  يجب  أن  نكون جميعا قد قتلنا الثعبان حقيقة عوض أن يكون فينا قتلة حقيقيون وهم قلة ، وكثرة كاثرة من  القتلة المجازيين  الذين  يسارعون إلى نسبة القتل إلى أنفسهم قبل  القتلة الحقيقيين  استباقا للحمد  غير المستحق  ، والمجد الزائف . وكم يبدو سخيفا وتافها المسؤول مهما كانت مسؤوليته  أو رتبته وهو  ينسب النجاح لنفسه  وقد داس على كل جهود من يحيط به ، وهو يزعم قتل الثعبان وحده  ، وقد يكون لا علم له بالثعبان أصلا ولم يره قط ، وإنما دفعه إلى تخيله الرغبة في الحصول على المدح والثناء  غير المستحقين. وكم يبدو تافها وسخيفا أيضا المسؤول الذي يختلي  بقتلة الثعبان الحقيقيين ،  ويطلب منه إعداد تقارير يتولى هو قراءتها على المنصات  وأمام وسائل الإعلام  ولسان  مقاله  » قتلنا الثعبان «   ولسان حاله  هو الجهل التام بالثعبان ، وكذا العجز التام أمام قتل الثعبان . فمتى  نتخطى ثقافة  » قتلنا الثعبان « ؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

4 Comments

  1. مؤيد
    02/03/2013 at 11:28

    « ثقافة قتلنا الثعبان » لن نتخطاها استاذي الكريم إلا عندما يقضى على المحسوبية و الزبونية و يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب و يصل غلى المناصب أبناء الفقراء الأكفاء و يرجع الحق لأهله و يختفي – ابن صاحبي – أو كود بيسطون أو ,,, أسماء سموها هم و آباؤهم قتلهم الله ’

  2. أستاذ
    02/03/2013 at 11:34

    انا اشعر يا أستاذ بالمرارة التي عبرت عنها ولا باس ان اقول لك ان مثل الاستاذ محمد البور والاستاذ محمد لمقدم هم اكثر من اصحاب « قتلنا الثعبان » الا انهم يعملون في صمت ولا يرغبون في التشهير ولا يرجون جزاء الا من عند الله مقتنعين بنشر الخير بين الناس،لا يدفعهم عملهم للحصول على مكاسب مهما كانت لانها ستفسد عليهم نشوتهم ولن تعوض ابدا ولو لحظة واحدة من همهم الذين يحملونه في قلوبهم وعقولهم واسمحي لي أن استعير لهم مجازا المثل »رودنا الثعبان » عوض « قتلنا الثعبان »

  3. متتبع
    02/03/2013 at 14:51

    أضن أن الذين يحبون أن ينسب اليهم الفضل من عمل غيرهم لهم ذكر في كتاب الله حيث قال تعالى : (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم} وبهذا تكون لثقافة قتلنا الثعبان محل من الاعراب في الدين الاسلامي

  4. متتبع
    02/03/2013 at 16:32

    ما قلته صحيح وعين الصواب ، ما اكثر قتلة الثعابين وهم ممددون على اسرتهم في المنازل يتفرجون على التلفاز .. الله ارد بنا .

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.