Home»International»مَا كَانَ اَلْمَوْلَى إِدْرِيسُ شِيعِيّاَ … وَلَكِنْ كَانَ سُنِّيّاً حَنِيفاً

مَا كَانَ اَلْمَوْلَى إِدْرِيسُ شِيعِيّاَ … وَلَكِنْ كَانَ سُنِّيّاً حَنِيفاً

0
Shares
PinterestGoogle+

مَا كَانَ اَلْمَوْلَى إِدْرِيسُ شِيعِيّاَ … وَلَكِنْ كَانَ سُنِّيّاً حَنِيفاً

يُحَاوِلُ اَلْبَعْضُ عَلَى سَبِيلِ الْعَبَثِ الْعِلْمِيِّ، التَّشْكِيكَ فِي قَضَايَا تَارِيخِيَّةٍ وَعَقَدِيَّةٍ مُسَلَّمَةٍ، وَهَذَا اَلْبَعْضُ إِمَّا مُتَطَرِّفٌ يُنْكِرُ مَا تَوَاتَرَ مِنْ أَخْبَارٍ، أَوْ مُتَعَصِّبٌ يَقْرَأُ التَّارِيخَ بِعُيُونٍ عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ وَغُبَارٌ. وَهَؤُلاَءِ وَأَوْلَئِكَ جَمِيعاً، يُثِيرُونَ شُبُهَاتٍ وَاهِيَّةً، حَوْلَ شَخْصِيَّةِ الْإِمَامِ إِدْرِيسَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مِنْ قَبِيلِ الزَّعْمِ أَنَّهُ كَانَ شِيعِيّاً … فِي حِينٍ أَنَّهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ شِيعِيّاَ عَلَى الإِطْلاَقِ، بَلْ كَانَتْ دَعْوَتُهُ إِسْلاَمِيَّةً خَالِصَةً، تَقُومُ عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَى كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لاَ أَحَدَ يُنْكِرُ أَنَّ اَلْمَوْلَى إِدْرِيسَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اِسْتَطَاعَ أَنْ يُوَحِّدَ كَلِمَةَ اَلْمَغْرِبِ وَقُلُوبَ أَهْلِهِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَاَلْجَمَاعَةِ، بَعْدَ أَنْ طَهَّرَ بِلاَدَ الْمَغْرِبِ مِنْ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ. (1)
لاَ يُنْكِرُ أَحَدٌ كَذَلِكَ النَّسَبَ الشَّرِيفَ لِلْمَوْلَى إِدْرِيسَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقُرْبَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ، وَأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُقَرِّرُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ آلَ الْبَيْتِ حُبَّ تَشَرُّعٍ، وَلَيْسَ حُبَّ تَشَيُّعٍ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ حُبٍّ وَحُبٍّ.
لَقَدَ مَضَى أَهْلُ الْمَغْرِبِ عَلَى نَهْجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي اِخْتِيَّارِ الإِمَامِ وَنَصْبِهِ مُنْذُ قَيَّامِ الدَّوْلَةِ الإِدَرِيسِيَّةِ، فَبَعْدَ أَنْ اِسْتَقَرَّ الْمَوْلَى إِدْرِيسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اَلْمُتَوَفَّى سَنَةَ 177 هِجْرِيَّةَ بِمَدِينَةِ وَلِيلِي بَايَعَتْهُ الْقَبَائِلُ اَلْمَغْرِبِيَّةُ إِمَاماً عَلَيْهِمْ، بَعْدَ مَا عَرَفُوا نَسَبَهُ الشَّرِيفَ، وَقَرَابَتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَضْلَهُ وَدِينَهُ وَعِلَمَهُ وَخُلُقَهُ، وَاجْتِمَاعَ خِصَالِ الْخَيْرِ فِيهِ.
وَقَدْ تَمَّ لَهُ هَذَا الْأَمْرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ 4 رَمَضَانَ الْمُعَظَّمِ سَنَةَ 172 هِجْرِيَّةً. وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ قَبِيلَةُ أُورْبَةَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْقَبِيلَةُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَعْظَمِ قَبَائِلِ اَلْمَغْرِبِ الْأَقْصَى، وَأَكْثَرِهَا عَدَداً، ثُمَّ تَلَتْهَا قَبَائِلُ أُخْرَى… حَتَّى بَايَعَتْهُ كَافَّةُ الْقَبَائِلِ وَدَخَلُوا فِي طَاعَتِهِ، فَاسْتَتَبَّ أَمْرُهُ، وَتَمَكَّنَ سُلْطَانُهُ، وَقَوَيَّتْ شَوْكَتُهُ. (2)
لَقَدَ أَسَّسَ الْمَوَلَى إِدْرِيسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَوَّلَ دَوْلَةٍ إِسْلاَمِيَّةٍ فِي الْمَغْرِبِ، مُسْتَقِلَّةً عَنِ الْمَشْرِقِ، وَكَانَتْ دَعْوَتُهُ تَقُومُ عَلَى أُسُسٍ دِينِيَّةٍ مَتِينَةٍ خَالِصَةٍ، تَتَمَثَّلُ فِي الدَّعْوَةِ إِلىَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رٍسَالَتُهُ الْمُوَجَّهَةُ إِلَى الْأَمَازِغِّيِّينَ الْمَغَارِبَةِ وَالَّتِي جَاءَ فِي مُسْتَهَلِّهَا:
« بِسِمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَاَلمِينَ، الَّذِي جَعَلَ النَّصْرَ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَعَاقِبَةَ السُّوءِ لِمَنْ عَانَدَهُ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ الْمُتَفَرِّدُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، الدَّالُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا أَظْهَرَهُ مِنْ عَجَبِ حِكْمَتِهِ، وَلُطْفِ تَدْبِيرِهِ، الَّتِي لاَ تُدْرَكُ إِلاَّ أَعْلاَمُهُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ، وَخَيْرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ، أَحَبَّهُ وَاصْطَفَاهُ، وَاخْتَارَهُ وَارْتَضَاهُ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَى الْعَدْلِ فِي الرَّعِيَّةِ، وَالْقَسَمِ بِالسَّوِيَّةِ، وَرَفْعِ الْمَظَالِمِ، وَإِحْيَاءِ السُنَّةِ، وَإِمَاتَةِ الْبِدْعَةِ، وَإِنْفَاذِ حُكْمٍ الْكِتَابِ عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ … » (3)
وَقَدِ اِسْتَنْتَجَ العَلاَّمَةُ عَلاَّلْ الْفَاسِي رَحِمَهُ اللهُ مِنْ خُطْبَةِ الْمَوْلَى إِدْرِيسَ أَنَّ أَوَّلَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ تِلْكَ الْخُطْبَةُ هِيَ قِيمَةُ الْمَوِلَى إِدْرِيسَ الأَكْبَرِ الْعِلْمِيَّةُ وَالسِّيَّاسِيَّةُ، وَاتِّجَاهُهُ الْعَقَدِيُّ الْوَاضِحُ الْبَيِّنُ، فَالْمَوْلَى إِدْرِيسُ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، وَعَالِمٌ مِنْ أَعْلاَمِ آلِ الْبَيْتِ، وَبدَأَ الْإِمَامُ دَعْوَتَهُ بِخُطْبَةٍ فِيهَا عَقِيدَتُهُ السُّنِّيَّةُ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ. (4)
وَهَذَا يَعْنِي عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ أَنَّ الإِمَامَ إِدْرِيسَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ شِيعِيّاً بِالْمَعْنَى السّيَّاسِيِّ الْمَذْهَبِيِّ، وَلاَ كَانَ مُعْتَزِلِيّاً بِالْمَعْنَى الْعَقَدِيِّ، بَلْ كَانَ سُنِّيّاً جَمَاعِيّاً فِي الْعَقِيدَةِ وَالْفِكْرِ وَالسُّلَوكِ، وَهُوَ مِنْ آلِ الْبَيْتِ الأَطْهَارِ، عَمِلَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى مُحَارَبَةِ الْبِدَعِ وَالْعَقَائِدِ الْمُنْحَرِفَةِ وَنَشْرِ الإِسْلاَمِ فِي صُورَتِهِ السُّنِّيَّةِ الْمُشْرِقَةِ.
وَقَدْ تُوَفِيَّ الْمَوْلَى إِدْرٍيسُ الأَكْبَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَنَةَ 177 هِجْرِيَّةً، وَبَايَعَتِ الْقَبَائِلُ ابْنَهُ الأَصْغَرَ بِجَامِعِ مَدِينَةِ وَلِيلِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُرَّةَ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ 188 هِجْرِيَّةً، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً.(5)
وَلَمَّا تَمَّتْ لَهُ الْبَيْعَةُ الشَّرْعِيَّةُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ:
 » الَحَمْدُ للهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَغْفِرُهُ وَأَسْتَعِينُ بِهِ، وَأَتَوَكَّلُ عََلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الْمَبْعُوثُ إِلَى الثَّقَلَيْنِ بَشِيراً وَنَذِيراً، وَدَاعِيّاً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، الَّذِينَ أَذْهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً، أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّا قَدَ وَلَّيْنَا هَذَا الأَمْرَ، الَّذِي يُضَاعَفُ لِلْمُحْسِنِ فِيهِ الْأَجْرُ، وَلِلْمُسِيءِ الْوِزْرَ، وَنَحْنُ وَالْحَمْدُ لِلهِ عَلَى قَصْدٍ جَمِيلٍ، فَلاَ تَمُدُّوا الأَعْنَاقَ إِلَى غَيْرِنَا، فَإِنَّ الَّذِي تَطْلٌبٌونَهُ مِنْ إِقَامَةِ الْحَقِّ، إِنَّمَا تَجِدُونَهُ عِنْدَنَا ». (6)
وَمُنْذُ ذَلِكَ التَّارِيخُ وَالْمَغْرِبُ يَنْعَمُ وَالْحَمْدُ للهِ بِنِعْمَةِ الْبَيْعَةِ الشَّرْعِيَّةِ، فِي ظِلِّ إِمَارَةِ المُؤْمِنِينَ بِوَصْفِهَا مِيثَاقاً شَرْعِيّاً مُتَجَدِّداً، وَدَعَامَةً قَوِيَّةً لِسِيَّاسَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، مِنْ أَجْلِ إِسْعَادِ الْخَلْقِ مَعَاشاً وَمَعَاداُ.
وَاللهُ مِنْ َورَاءِ الْقَصْدِ، وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.

* أ. د. عبد القادر بطار، أستاذ العقيدة والمذاهب الكلامية بجامعة محمد الأول بوجدة، المملكة المغربية.
الهوامش:
(1) ذكريات مشاهير رجال المغرب، الشيخ عبد الله كنون 3/1402 دار ابن حزم الطبعة الأولى2010
(2) الاستقصا في أخبار دول المغرب الأقصى، للناصري 1/161
(3) المرجع السابق 1/161
(4) الإمام إدريس مؤسس الدولة المغرية، الصفحة 23 إعداد وتنسيق عبد الرحيم بن سلامة، الطبعة الثانية 2008.
(5) المرجع السابق الصفحة 28.
(6) ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة، الشيخ عبد الله كنون 3/1406 الاستقصا للناصري 1/161

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. Hassan
    21/12/2012 at 16:55

    Et pourtant, il était chiite, de la secte ou plutôt de la branche des Safris « صفري ». D’ailleurs, l’Afrique du Nord a connu plusieurs dynasties qui n’étaient pas des sunnites. Les habitants du Mzab, une population berbère en Algérie actuelle, ne sont-il pas des Ibadites, une secte chiite. Les Fatimides et les Rostomides n’étaient-ils pas des sectes chiites d’origine berbère ? Les historiens sérieux ont débattu de cette question, pourquoi les Berbères ou Imazighen ont-ils pu être séduits par ces courants religieux? Certains y voient de l’opportunisme, alors que d’autres y voient plutôt un moyen pour se libérer de la dominance de Damas ou de Bagdad, en conformité avec leur esprit d’indépendance et d’individualisme.

  2. محمد بن العياشي
    21/12/2012 at 19:02

    شكرا للدكتور عبد القادر،.حقا لقد تساءلت من أين لعصيد كل هذا العلم بادعاء تشيع الإمام ى إدريس رضي الله عنه فقد تصفحت أمهات المصادر والمراجع ولم أجد شبيها لهذاالادعاء العصيدي؟؟فالمولىإدريس هو سليل أسرةالإمام علي كرم الله وجهه وليس بحاجة إلىالتشيع إليهم والله أمر لمحيّر؟؟؟؟

  3. عبد الحق الإدريسي
    22/12/2012 at 10:12

    أحسن الله إليم فضيلة الأستاذ الدكتور عبد القادر بيطار، لقد أزلت اللبس عن قضية في غاية الأهمية، لأن بقايا الحشوية والروافض يعتقون أن المولى إدريس كان شيعيا وأنه أسس أول دولة شيعية بالمغرب، وهذه مجرد افتراءات وتزوير للتاريخ. المغرب كان ولا يزال بلدا سنيا ، والمولى إدريس رضي الله عنه كان سنيا والحمد لله رب العالمين

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *