Home»International»سورة الفجر وبركة الزمن

سورة الفجر وبركة الزمن

9
Shares
PinterestGoogle+

سورة الفجر وبركة الزمن

 

يحتل الزمن باعتباره مخلوقا إلاهيا مباركا يخضع لقانون المنة والحرمان مركزا حساسا في منظومة الخلق البديعة  حيث يرتبط بالوجود الالاهي وبصفاته التامة وأفعاله المؤشرة على الكمال وفي  المحصلة هو  زمن سرمدي ليست له بداية ولانهاية  مقدس  ومعظم .بخلاف الزمن البشري فهو حادث وفان وبالتالي له مبتدأ ومنتهى ونظرا لأهمية الزمن في صيرورة الكينونة والكائن فإن الله جل وعلا يقسم به ليؤكد كلامه الحق و يلفت نظر عباده الصالحين إلى فضائله. عديدة هي السور التي يقسم فيها الله بالزمن مثل الضحى والعصر والفجر نظرا لقيمة الزمن في قصة الخلق الأولى إلى جانب المادة والكتلة والــــــــــــروح   ويتجســــــــــــــــــــد هذا التقـــــــــــــــــــدير للوقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت في

سورة الفجر المكية  القصيرة الحجم و التي يبلغ عدد آياتها ثلاثون آية وكلماتها 125  كلمة والتي تختزل فيوض الزمن  الملائكي  الأول المقترن بصلاة التسامي والقرب بالقرآن من الذات العلية المتربعة على السماء الدنيا حيث يضمن لصاحبه بفضل الله الأمن والسلامة والهمة والكسب المشروع وبهاء النور  في نقطة تحول فارقة بين آيتين : آية السعي والحركة /النهار وآية السكون والأوبة/ الليل في شريط زمني خاطف مبتدؤه الليالي العشر المؤطرة لزمن الحج ولرحلة اكتمال الأركان وهجر عناصر فتنة الدنيا وانهمامات الذات حول الماديات  وحب المظاهر وتعلقها برب الوجود في مؤتمر صفاء  النفوس وإخلاص القلوب وفضاء توارد ذكريات مشاهد الأوبة والبحث عن الخلالة و نسج قصة التأسيس والوعد الصادق عبر متوالية خطية لمسار أحداث  يطبعها  هدم قواعد الشرك وتشييد صرح التوحيد وبناء أمة الإسلام المتعايشة مع كل الأديان السماوية  ويصنع وقائع الحق فيها سيدنا  آدم أب البشرية  وبطل التوبة في قصة الخلق الأولى  وجد المسلمين إبراهيم  عليه السلام   بطل رحلة الخلالة و الثبات على مبدأ التوحيد وأب العرب إسماعيل الذبيح  بطل  الامتثال لأمر الله والبر بالوالدين  ومعلم البشرية  الأول الأخلاق والعلم محمد /ص/ الذي أحيى عبر ركن الحج  مراسيم تعبئة الروح و التعاقد على الأرض المقدسة بمشعر عرفات  لمقاومة الشيطان وتحصين النفس الإنسانية من المروق والسقوط في مزالق المهلكات وكبائر الذنوب وصغائرها. وقد يكون المراد من الليالي العشر أيضا العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك وهو إطار زمني مقدس يحتفي بأفضل وقت في الوجود البشري إلى جانب يوم الجمعة يوم  ولادة آدم ويوم البعث والحشر ويوم عرفات … وهي ليلة القدر المباركة بنزول القرآن والملائكة  وباختزال الزمن  التعويضي  المقدر بحوالي أربع وثمانين سنة أي ما يعادل ألف شهر وغنم فضائله المستدركة  لفارق السنين بين الأمم السابقة وأمة سيدنا محمد /ص/ التي قدر المصطفى /ص/ أعمارها بين الستين والسبعين بل قد تحيل هذه الليالي المباركة على العشر الأوائل من شهر محرم الحرام مطلع الخير واليمن والبركات حيث يحرم القتال فيه  وتنعم الإنسانية بالأمن والأمان وتزكو النفوس بتقربها إلى الله بزكاة الحول وتتحرر من قيود التعلق بالدنيا وتتجسد سنن الله  في صلات يومية ختامية لطاعات وعبادات طيلة اليوم  هي من راتب  النوافل حيث يحب الله أن يتقرب إليه بها يمثل فيها الشفع نظام الزوجية و سر قانون السيرورة و أشكال الكتلة وأنماط المادة ونماذج  الحركة و مقتضيات إعمار الحياة والرحمة والنور في الوجود  حيث التصميم البديع في الكون الدال على آثار صنعة الله الأحق بالوتر فاطر السموات والأرض وصانع آيات  الآفاق والكون وفي مقدمتها آية الليل الساري  نحو الثلث الأول وجوف الليل ووقت التهجد فزمن الفجر  وهو غلاف يستوعب خلود الحركة إلى الثبات ومناجاة  النفس المطمئنة  لخالقها وأوبة النفوس الأمارة واللوامة إلى المولى عز وجل والتقرب إليه بأفضل الطاعات وأكثرها إخلاصا لله سبحانه وتعالى  فتبارك الله أحسن الخالقين الذي خلق كل شيء وخلق الزمن وجعل فيه بركة يحرم منها الجبابرة  مثل فرعون  الذي آتاه الله الملك والقوة والنعم والأقوام الجاحدة للأفضال من قوة جسمانية وذكاء في العمارة وطول قامة وعمر وخيرات زراعية لا حد لها كعاد وثمود وذوي أنفس الشح القاسية قلوبهم على اليتامى والمساكين ممن تعلقت شغافها بالمال و ابتلاهم الله بحب فتن الدنيا . لكنه يهبها عز وعلا  للمتقين الذي يحسنون إنفاق الزمن فيملأونه بالعبادة والعمل الصالح. وتنعكس هذه الهندسة الإلاهية البديعة  للزمن وهذا التقدير الموزون للحياة والموت والحركة والسكون لدى كائنات الكون  على الآيات النصية  وتكوينات الخطاب القرآني  لسورة الفجر الذي يتناسل من الداخل  فيتمظهر عبر مجموعة من البنى في لحظة تجل بليغة ودالة تتمفصل عنها  البنية الزمنية  في مستويين :مستوى ارتدادي من الليل    إلى  نقطة البدء المقدسة الفجر المؤسسة على  مبدأ الاعتبار بآية الليل المحتفية بفعل الإشراق و الإخلاص والفيض الإيماني الحافل بجلد الذات  و المفعم بإحياء صلة الإنابة  وأداء الصلوات والتضرع بالدعاء  إلى المولى عز وجل ثم المستوى  الدائـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــري

 الدال على التجدد الزمني  والاستمرارية التي تشكل القدر المشترك بين السنن  والنواميس  حيث تتجسد عبر فعل السريان الذي  يلأم آية الليل بآية النهار في  معرض الكون البديع من خلال قانون التعاقب  والتتالي . وتتمظهرالبنية المكانية الملتحمة بأركان الزمان   بقانون الاقتضاء في دال الانفتاح والانغلاق فالجنة مكان منفتح لأنه  اختياري يشعر فيه المكافأ بالرضى والامتلاء والأمان وبيت الله الحرام الذي تشد إليه الرحال مكان منفتح أيضا فيه يتحقق  التسامي  ويحدث التوازن بين مطالب الروح والجسد ومتطلبات الدنيا ومقتضيات الآخرة  بينما مدن عاد وثمود وفرعون  إرم  والحجر ومنف وطيبة  أماكن مغلقة  تعرض ساكنوها للعذاب فهي تفتقر إلى الأمان والاستقرار  وقد يرتبط  المكان بمدلول المقدس والسامي  كما هو الحال بالنسبة للجنة ومكة المكرمة  وبيت الله الحرام وسائر المساجد أوبالمدنس جراء تلويث العقيدة بالشرك والوثنية والجبروت كما الشأن بالنسبة لقوم عاد وثمود وفرعون في مدن إرم والحجر ومنف وطيبة  حيث سادت عبادة الأصنام  وتقديس  فرعون موسى  إلى درجة التأليه .أما البنية السردية للنص القرآني فتؤطرها الرؤية من الخلف  وصيغة الضمير الغائب المهيمن على البنية الضمائرية  للنص  وتتمظهر عبر حالتين وثلاثة تحولات تحكمها متوالية سردية بسيطة ترتكز على جملة سردية  نواتها الأفعال الخمسة في حالة رفع بثبوت النون :

1- حالة البداية

*- الله جل وعلا يلفت نظر الإنسان إلى فضل خمسة أزمنة تتقاطع بين آيتين  كونيتين : آية الليل وآية النهار.

2-التحولات

*-الحدث المحرك

أقوام مثل عاد وثمود وجبابرة من عيار فرعون موسى يسيئون تدبير الزمن.

*-العقدة

الله يرهن وهب بركة الزمن  بالرضى بقسمة الأرزاق والحرص على مال اليتيم وتركة الورثة الشرعيين وإنفاق المال في وجوه البر واتقاء أثرة المال.

*-الحل

الإنسان الفطن  من غنم بركة الأوقات الخمسة  وتحلى بالقناعة وخلص نفسه من الشح وفتنة التعلق بالمال.

3-حالة النهاية

الله يزكي النفس المطمئنة التي أحسنت الانتفاع من بركة الأزمنة الخمسة  ويجازيها بالدخول إلى الجنة ويتوعد النفس اللوامة  والأمارة بالسوء بأشد العذاب لأنها أساءت تدبير الزمن وحرمت نفسها من بركة الأوقات الخمسة .

وتخضع الحالات والتحولات لبرنامج سردي دقيق ولحبكة متقنة تصل إلى  ذروة التشويق أثناء عرض مسلكيات الإنسان في الدنيا تجاه ابتلاءات الله  الموسومة بثنائية ضدية تجليها  عدة أزواج  هي :الرضى وعدم الرضى وتدبير الزمن وهدره هبة البركة ونزعها … وهذه الثنائيات جزء من قانون سيرورة الكون ومرآة كاشفة لأحوال النفس اللوامة والأمارة بالسوء والمطمئنة وصراعها في ذات الإنسان وفي الشعور الجمعي للأمم الغابرة التي يدعو نص السورة الكريمة إلى الاعتبار بها كما تحيل العلاقات الضدية على مبادئ الحركية الاجتماعية للأمم المميزة بالتناقض والصراع والتنافس المجلية لحقيقة الكون  وللحظة الختم والتنوير : » حسن الانتفاع ببركة الزمن يكون بإنفاقه في العمل الصالح فيقتضي نفسا مطمئنة جزاؤها الجنة والظفر بزمن الخلود ». في حين تخضع البنية البلاغية لاختيار أسلوبي متناغم مع موضوع القيمة للسورة الكريمة : » إثارة الانتباه لبركة الزمن ولفضل إقامة صلاة الفجر و الليالي العشر وسنة الشفع والوتر وتدبر آية الليل الساري والاعتبار بمصير الجبابرة والأمم الجاحدة لنعمة الزمن  » هو الأسلوب  الإنشائي بنوعيه الطلبي  من قبيل النداء وغايته التواصل ولفت الانتباه  والاستفهام والغرض منه في السورة التعجب والإنكار على الغافلين  والأمر وهو طلب فعل حسن  على وجه الاستعلاء  والشرط  والقصد منه  التعلق والارتهان بين فعل الشرط وجوابه وغير الطلبي كالقسم الذي صدرت به السورة العظيمة  والغرض منه التأكيد على فضل الزمن وبركته . ويأتي هذا الاختيار التأليفي لأسلوب لايتضمن خبرا يقتضي المطابقة أو عدمها مع الحقيقة والواقع  ولايحتمل وجوه الصدق والكذب في سياق الحض والتحضيض وفي معرض إثبات القدرة الإلاهية على الإنشائية النصية على غرار القدرة على إبداع الآيات الكونية  والآفاقية والنفسية بحجج عقلية ونصية وبتحسينات صوتية تخلق جو الخشوع للتلقي المفيد بواسطة الجمل المتوازنة والتقفية وتكرار الكلمات مثل الإنسان المستهدف بالرسالة /مرتين/ وصيغة المفعول المطلق وأوزان وحروف كحرف الفاء 17 مرة والجيم 8مرات والراء 25 مرة وهي مواد لفظية  تكون عنوان السورة  » الفجر  » الذي يعتبر جملة إسمية حذف أحد طرفيها وهو الخبر الذي تتولى السورة الكريمة إفادته وورد مرتين بصيغة التعريف لأنه معلوم ومخصوص ومشهود يحيل على قيام الليل و التضرع والتهجد وتلاوة القرآن وشهادة  صلاة الصبح  التي تشهدها ملائكة الليل والنهار والتي تكسب المواظب عليها  بهاء النور والأمان و القدرة على السعي للكسب المشروع… وهي أفعال تحتفي بإشراقات فيوض زمن الفجر وبركته حيث يرتبط العنوان  بالنص بعلاقة تطابقية ارتباطية  يحكمها التفصيل والاختصار والتفسير والإحالة على

بنية نصية أساسية:  » فضل غنم بركات الزمن السامي المحدد بالقسم الالاهي في زمن الفجر والليالي العشر والشفع والوتر والليل الساري » تتمفصل عنها بنى صغرى من قبيل:

1- مصير عاد وثمود وفرعون موسى  بعد إضاعة بركة زمن السامي المصطفى.

2- تباين مواقف البشر من الابتلاءات الإلهية بالرزق.

3- مآلات مصيرية  لأصناف  النفس البشرية: المجترحة للسيئات والهادرة للزمن  والورعة المنتفعة من بركته .

إن سورة الفجر  تحتفي بالزمن الملائكي الأول زمن التضحية باللذة و القرب من الله وسورة الضحى تثمن زمن بداية النهار زمن الكسب والحمد والأعمال الصالحة وسورة العصر تهتم بزمن العشي وآخر النهار زمن الثبات والتسلح بالإيمان لمجابهة إغراءات النفس الإنسانية  والجنوح إلى المشورة والتواصي لمقاومة فتن الدنيا وفي السور الثلاث دعوة إلى حسن تدبير الزمن الدنيوي فهو قصير مهما بدا طويلا و هو مشكل من أيام وشهور وسنوات تقتضي من الإنسان اللبيب أن يملأها  بإنجاز مشروعه الفردي أوالجماعي وفق برنامج أفعال متوازن يلبي مطالب الجسد ويفي بحاجيات الروح محتواه العمل الصالح والعلم النافع والخلق القويم في أفق امتلاك زمن الخلود زمن الآخرة بفضل الله ورحمته.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *