Home»Correspondants»المؤسسات المدنية : قاطرة الدولة الإسلامية في مواجهة التيارات العلمانية : بقلم عمر حيمري

المؤسسات المدنية : قاطرة الدولة الإسلامية في مواجهة التيارات العلمانية : بقلم عمر حيمري

0
Shares
PinterestGoogle+

المؤسسات المدنية : قاطرة الدولة الإسلامية  في مواجهة التيارات العلمانية : 

بقلم عمر حيمري 

كثيرا ما يميز المهتمون بنظام الحكم بين أنواع ثلاثة من الدول :

(1)          الدولة التيوقراطية : وهي التي يحكمها الحاكم باسم الله وبتفويض منه ونيابة عنه باعتباره خليفة لله في الأرض  وضلا له  .

(2)          الدولة العلمانية : وهي التي تقوم على فصل الدين عن الشأن العام أقصد السياسة والحكم ، ويقوم الحكم فيها على أساس الانتخابات الديمقراطية  والقوانين الوضعية الصادرة عن العقل البشري طبقا للهوى وللمصلحة النفعية المادية .

(3)              الدولة المدنية : وهي تقابل الدولة العسكرية والديكتاتورية ، وتقوم على أساس فصل السلطات ( التشريعية  والتنفيذية والقضائية ) وعلى ديمقراطية 51% أي الأغلبية التي تفرزها الانتخابات بغض النظر عن النزاهة أو التزوير أو المقاطعة  ، وعلى الأقلية ولو كانت شريحة عريضة من الشعب لها  ، الاهتمام بالمعارضة والاشتغال بالمؤسسات المدنية .

(4)              أما أنا  فأرى أن الدولة نوعان فقط :

–        علمانية  ملحدة : هدفها فصل الدين عن الدولة والانشغال بالجسد وملذاته ولا نصيب للآخرة في مبادئها .

–        ودولة إسلامية : مرجعيتها الكتاب والسنة ، وتقوم على أساس الشورى ،والبيعة ، ومسؤولية الحاكم على إقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،  ومسؤولية المحكوم ، وخاصة إذا كان من أهل الحل والعقد على تقديم النصح للحاكم ، وحسن المشورة إذا استشير. ( أي عليه أن لا يقاطع الانتخابات ويترك الفوز للعلمانيين ليعيثوا في الأرض فسادا باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية الجسدية  وحرية المرأة ….  )                          

أما المؤسسات ، فهي عبارة عن مجموعة من أفراد المجتمع ، ينظمون أنفسهم على أساس الإيمان بمبادئ مشتركة ، ويعملون على تحقيقها بشكل حر وتطوعي ويقومون في نفس الوقت بدور الوسيط بين الدولة والمواطنين من أجل المصلحة العامة ،  سواء كانت متعلقة بالجانب الديني، أو الفكري ،أو السياسي ، أو الاجتماعي أو  الأخلاقي …. دون ممارسة العنف لتحقيق مبادئها  وأهدافها ، بل عليها أن تعمل من أجل استيعاب أفراد المجتمع ، وحثهم على المطالبة بحقوقهم السياسية والاجتماعية ، التي تساهم في بناء المجتمع القوي المحافظ على شخصيته وهوية وقيمه الروحية والأخلاقية  ، مع نشر ثقافة نبذ الفكر العنيف لدى مختلف طبقات المجتمع وتقبل الآخر دون ظلم أو مذلة .

الواقع أن الدول الغربية العلمانية ، قد انتبهت إلى أهمية دور المؤسسات المدنية  وما تقدمه من عون ومساعدة في مختلف مجالات الحياة العامة  مثل : ( الاهتمام بالعجزة والأيتام والمتخلى عنهم والفقراء … وقد يتعدى نشاطهم إلى الجانب السياسي والاجتماعي  فيما وراء الحدود ، ولذلك فهي ترعى هذه المؤسسات وشجعتها باستمرار ) .  يقول محمد الحسيني الشيرازي صاحب كتاب عاشوراء والقرآن المهجور : ( إن في أمريكا وحدها ، مليونا ومئتين وخمسين ألفا من المؤسسات الاجتماعية والسياسية وغيرها ، باسم مختلف الجمعيات والهيئات والأحزاب والمنظمات وغير ذلك ، وهي تعمل جميعا وعلى كل الأصعدة ، وفي جميع المجالات : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لحل مشاكلهم وتطور بلادهم .)

لقد استفاد العلمانيون في بلادي من تجربة إخوانهم في الغرب ، وخاصة من تجارب  المؤسسات المدنية ودورها في إقصاء الدين من الساحة الاجتماعية وتكريس الفكر الإلحادي ونشر الفاحشة  في المجتمع ، فراحوا يزرعون الجمعيات والمؤسسات المدنية ذات التوجه الإلحادي باعتبارها قريبة من المواطنين وأكثر حيوية ونشاطا في تمرير الفكر الإلحادي إليهم ، تحت شعار الديمقراطية ،وحرية المرأة ، والحرية الشخصية والجسدية ، وحقوق الإنسان ، والدفاع عن اللواطيين، وزواج المثليين ، والسحاقيات ، ووكالين رمضان ، ومالي (حركة البديل للدفاع عن حق الإجهاض ) … [ بعض هذه الحركات تستفيد من الدعم الداخلي المقتطع من الضرائب ، التي تقتطع من أرزاقنا ، أو من الدعم الخارجي  الذي يدفع كأجر في شكل هبات وجوائز ، لهذه المؤسسات نظير عمالتها للغرب والنيابة عنه في نشر فكره الإلحادي ونشر ثقافة الفساد بين مواطنينا . ]

لكن يقظة المملكة المغربية ، وإيمانها بأهمية  المؤسسات المدنية  وقدرتها على المحافظة على الهوية الإسلامية ونشر الوعي الديني والفكر السياسي ، الذي يمكن أن يواجه  الإلحاد وإشاعة الفاحشة بين الناس ويدفع بالمجتمع إلى التطور والرقي مع الالتزام بثوابت الأمة . سارعت  إلى خلق مؤسسات  مدنية ، مثل المجالس العلمية في كل الجهات المغربية ، والمجلس الأعلى للإفتاء ،  وجمعية خريجي دار الحديث الحسنية ، والمرشدات  والمرشدين العلماء الذين أوكلت إليهم مسألة الوعظ والإرشاد ،( اللقاء الوطني الأول للعالمات والواعظات والمرشدات بمدينة الصخيرات وشاركت فيه حوالي 600 مؤطرة )  ، والزوايا وما لها من قدرة على التعبئة والتفاعل مع أفراد المجتمع ( الزاوية البودشيشية  ونعم  للدستور – وجماعة العدل والإحسان و20 فبراير نموذجا ) والاهتمام بالعملية الدينية التكوينية والتثقيفية ، والإطعام  ومحاربة التطرف والإرهاب والتنصير والتشيع  …

وأنا إذ أثمن هذه الجهود التي قامت بها الدولة في مجال المؤسسات المدنية ،  والرامية إلى إصلاح الشأن الديني بالأساس ، فإني  أراها دون المستوى ، وليست قادرة على مواجهة التيارات العلمانية ، لأنها ليست متنوعة بما فيه الكفاية ، ولا تغطي كافة مجالات الحياة ، ولا تضم بينها العدد الكافي من الشرائح والفئات الاجتماعية المختلفة الأعمار والثقافة . زيادة على هذا ، فإن التجربة أثبتت لي أن الناس ينفرون من المؤسسات المدنية ، التي تعتمد على تمويل الحكومة أو تسير في ركابها ، وحتى أئمة المساجد ، وبعض العلماء يفضلون الابتعاد عن السياسة وعن الأعمال الاجتماعية ،لأنهم يجدون أنفسهم بين خيارين : إما الابتعاد عن الناس ، أو الخضوع للدولة . ومن هنا أرى ضرورة ترك مسألة المؤسسات المدنية لعامة المسلمين ، والحمد لله ، فلنا تجربة رائدة في مجال بناء المساجد، وإنشاء دور القرآن ( والفضل يرجع بعد الله سبحانه وتعالى إلى الدكتور مصطفى بن حمزة الذي رفع شعار لكل حي مسجدا فوفاه الله مبتغاه في بضع سنين ) ، التضامن على اختلاف أشكاله  ، وودا ديات الأحياء  ، وتنظيم حراسة الأحياء  ، وحملات النظافة … ولكن كل هذا غير كاف فلا بد من مشاركة مؤسسات مدنية أخرى بكل الأحياء تكون قادرة على  تغطية كافة المجالات : ( محاربة الأمية – المشاركة في التنمية المستدامة بالدعم المادي والتكوين المستمر  – التعليم – التثقيف – التدريب على فعل الخير والنفقة من الفضل الزائد عن الحاجة – مساندة الظلوم والمحتاج   – مساعدة  الناس على التشبث بالأخلاق والمبادئ الإسلامية على مستوى القول والفعل – الاهتمام بأوضاع المسلمين في العالم والوقوف إلى جانبهم والتضامن معهم  – الدفاع عن قضاياهم  وإسماع صوتهم إلى أحرر العالم ، وهذا يحتاج إلى تأسيس  منظمات ومؤسسات مدنية حقوقية بالمفهوم الإسلامي وتجمعات خيرية وثقافية تنتشر في كل ربوع الوطن بل في كل أحياء الوطن ، يقوم عليها أهل الحل والعقد ، لأنهم أدرى بما يصلح المجتمع دون نسيان مشورة أهل الاختصاص  والأخذ بعين الاعتبار عقيدة الإسلام وشريعته ، التي تحدد تصرفات  الفرد المسلم داخل  المجتمع المسلم ، الذي يعيش فيه  والتي تكون شخصيته وتبلور علاقته مع الآخر سواء كان مؤسسة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية  . ومرجعيتنا في كل هذا قوله تعالى [ وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولى نفر من كل فرقة منهم  طائفة  ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ] ( التوبة 122 )


MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *