Home»Correspondants»روجي جارودي العقل المزعج للحضارة الغربية في ذمة الله

روجي جارودي العقل المزعج للحضارة الغربية في ذمة الله

0
Shares
PinterestGoogle+

روجي جارودي العقل المزعج للحضارة الغربية في ذمة الله

 

محمد شركي

 

التحق بالرفيق الأعلى  جل شأنه  مشمولا بعفوه ورحمته الواسعة الفيلسوف المسلم عقيدة والفرنسي جنسية  روجي جارودي عن عمر يناهز 98 سنة . وكان من المنتظر ألا  يحاط نبأ وفاته بالهالة الإعلامية المعهودة عندما يرحل عن هذه الدنيا من تربطهم بالحضارة الغربية علاقة . وكل ما أذيع هو خبر وفاته ، وإحالته على المحاكمة في بلده ،لأنه شكك في ما يسمى المحرقة التي تعتبر خطا أحمر لا يجوز لأحد أن يقربه في هذا العالم  . والحقيقة أن هذا الرجل عظيم من عظماء التاريخ  لأنه يمثل العقل المزعج للحضارة الغربية التي  تجمع بين الفكر اليهودي النصراني اعتقادا ، وبين الفكر العلماني ممارسة . وسبب إزعاج هذا الفيلسوف الفذ للحضارة الغربية التي احتضنته هو أنه أطلق القيود المكبلة للعقل الغربي الذي يحيط نفسه بهالة من الغرور، لأنه يخلط بين التطور العلمي في مجال علوم المادة وبين التردي الفكري في مجال علوم الإنسان . فكم من مفكر غربي  لم يستطع أن يتخلص من عقدة الخلط بين نتائج علوم المادة ، ونتائج علوم الإنسان ، وهو يتوهم أن نتائج علوم الإنسان مساوقة لنتائج علم المادة ، وهو ما غره ، وجعله ينصب نفسه إلها في هذا الكون. والفيلسوف الفرنسي  روجي جارودي  تخلص من هذه العقدة ، وجعل نتائج الفكر الفلسفي الغربي موضوع شك  ونقاش  ككل فكر، وتجول بين أحضان الفكر الديني الغربي  المسيحي بشقيه الكاثوليكي والبروتستانتي ، وبين  الفكر العلماني الغربي ، ولم يجد عقله المتقدم ضالته في أنواع  هذا الفكر الغربي  سواء الديني أم العلماني ، فيمم شطر الفكر الإسلامي ، فوجد فيه ضالته التي أشبعت نهمه ، ولبت تطلعاته ، وحققت مطالب عقله النير. وبلغة القرآن الكريم أراد الله عز وجل هدايته  فشرح صدره للإسلام بعدما كان يعاني من ضيق الصدر  بين أحضان الضلال . والغرب  الذي قطف ثمار الإسلام ، وصنع منها  مجده المادي المتطور تنكر لهذا الدين وجزاه جزاء سنمار ، وجعله عدوه الأول الذي يجب أن يحارب على جميع الأصعدة . وما يقلق الغرب  هو أن  يتداعى أبناؤه تداعي الفراش على نور الإسلام ذي الجاذبية التي تصنعها طبيعة الحقيقة فيه . وكل فكر سليم مهما كانت جنسيته لا بد أن يصل إلى هذه الحقيقة الساطعة وسط ظلمات الضلال . فما جعل الله تعالى دين الإسلام دينا عالميا إلا  لاشتماله على الحقيقة التي تنشدها العقول السليمة التي لم يكلسها الضلال ، ويجعلها جامدة عند حدود من الفكر رسمت كخطوط حمراء لا يسمح بتجاوزها .  فعندما يشرح الله عز وجل صدور بعض أبناء الحضارة الغربية  البسطاء للإسلام يفسر ذلك في الغرب على أنه نوع من الانبهار بالحضارة والثقافة الإسلاميتين واللتين تعدهما الحضارة والثقافة الغربية دونها مرتبة بدافع الغرور والاستعلاء، ويعتبر إسلام هؤلاء من باب اقتناء الإنسان الغربي للصناعة البلاد الإسلامية التقليدية ، وهي مقتنيات تثير فضوله الأنثروبولوجي  فقط ، ولكن عندما  يسلم فيلسوف غربي من العيار الثقيل كالمرحوم روجي جارودي ، وهو صاحب المحك الفكري  والفلسفي الذي لا تخدعه بهرجة الأفكار ، ولا يفوته تهافتها ، فإن الغرب  ينزعج لذلك أشد الانزعاج ،لأن الفلسفة الغربية عموما  والفرنسية خصوصا لها أثر كبير في عقول الغربيين . وباعتناق روجي جارودي الإسلام رحمة الله عليه فجر قنبلة فكرية وفلسفية في عمق دار الغرب ، وفي عاصمة الأنوار، وكان لا بد أن يحارب حربا لا هوادة فيها ، حيث  أقيمت له محكمة من بقايا محاكم الكنائس أو محاكم التفتيش لمجرد أنه أدلى بوجهة نظر متحررة من قيود الحضارة الغربية. ووضع روجي جارودي  الفكر اليهودي في المحك كما فعل مع الفكر المسيحي والفكر الإسلامي ،فأوصله عقله المتحرر إلى أن الفكر اليهودي يقوم على أساس أساطير فقط ، وهي أساطير اعتمدت لتأسيس الكيان اليهودي الغاصب . وكشف هذا الفيلسوف الفذ بأن التاريخ اليهودي خضع لعملية تزويركبيرة من أجل دعم الخط الأسطوري للفكر اليهودي . وما كاد يراجع الحضارة الغربية في قضية المحرقة حتى جن جنون هذه الحضارة ، فأحالته على المحاكمة ، وصودر فكره من العالم الغربي ، لأنه فكر استطاع أن يتحرر من طابو الفكر الغربي .  فلو أن جارودي رحمه الله ظل سجين الفكر الغربي  المنغلق على نفسه ، والمتظاهر بالانفتاح الكاذب لكان لموته وقع كبير ، ولنقلت  وسائل الإعلام مراسيم جنازته ، وعقدت الموائد الإعلامية لعرض  محطات فكره ، ولكن لما شملته هداية الله عز وجل اكتفى الإعلام الغربي بعرض صور محاكمته ، وذكر تسفيهه للمحرقة بنوع من التشفي ، وكأن الإعلام الغربي  يحذر أبناءه من نهج نفس طريق هذا العقل الغربي المزعج الذي استطاع أن  يقتحم أسوار الفكر الإسلامي  المتحرر من كل طابو. والمؤسف أن تكتفي وسائل إعلام الدول الإسلامية بنقل  لقطات وسائل الإعلام الغربية المتشفية . وكان من المفروض أن  يصلى عليه في يوم الجمعة صلاة الغائب ، وأن تخصص له وسائل الإعلام العربية والإسلامية حيزا يليق بمقامه وقدره ، وأن تعقد الندوات في المراكز الإسلامية العالمية  لرد الاعتبار لهذا المفكر والفيلسوف الفذ الذي ناصر الحقيقة ، وانتصر على التعصب الأعمى . نم قرير العين و البال يا روجي فقد هداك الله عز وجل وشرح صدرك للإسلام  وأخرجك من ظلمات الضلال إلى نور الهداية . رحم الله فقيد الإسلام الفيلسوف روجي جارودي وأسكنه فسيح جنانه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. أستاذ
    16/06/2012 at 01:32

    رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه
    اللهم تجاوز عنه وارزقه الجنة مع الأبرار
    حين كنت تلميذا في الثانوي، سألت أنا وجماعة من أصدقائي أستاذ الفرنسية (بيرو) وهو فرنسي: ما قولك في إسلام غارودي؟ فقال: هو أحمق. فقلنا له: نحن أيضاً حمقى، وأنت أحمق بهذا المنطق. فغضب بشدة وبدأ يهجم على غارودي هجوما عنيفاً فهمت سببه فيما بعد، وهو ما يذكر به هذا المقال الرزين في حق الفقيد غارودي.
    رحمه الله، وشكرا لك أيها الأستاذ محمد الشركي

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *