Home»National»إنما يولد الشعراء في أكناف المؤسسات التربوية لا في أديرة كهنوت الشعر

إنما يولد الشعراء في أكناف المؤسسات التربوية لا في أديرة كهنوت الشعر

0
Shares
PinterestGoogle+

إنما يولد الشعراء في أكناف المؤسسات التربوية لا في أديرة كهنوت الشعر

 

محمد شركي

 

استدعيت لحضور الاحتفال باليوم العالمي للشعر في كل من مؤسسة السلام التأهيلية بنيابة وجدة أنكاد ، وبنيابة جرادة . وبينما تزامن الاحتفال في نيابة جرادة بهذه المناسبة بتكريم الشاعر المغربي  سامح درويش  جريا على عادة هذه النيابة كل سنة حيث يكرم أحد الشعراء المغاربة ، كان الاحتفال بمؤسسة السلام التأهيلية  فرصة لما يمكن أن يعتبرمخاضا قد ينتهي بميلاد شعراء ناشئين جدد في كنف هذه المؤسسة . ولقد حدث أن زين لأحد المتعلمين السطو على عمل شعري للشاعر المغربي عبد السلام بوحجر، وتقديمه في هذه المناسبة باسمه ، الشيء الذي أثار حفيظة الشاعر وأغضبه  ، وحق له أن يغضب  لمثل هذه الظاهرة السيئة  التي لا تعطينا شعراء بل لصوصا . وبعد التماس من إدارة المؤسسة ، وبعض الفعاليات  التربوية ترفع الشاعرمشكورا عن معاتبة المتعلم أمام زملائه ، حرصا على أهداف اللقاء التربوية ، و على الجو الاحتفالي  باليوم العالمي للشعر . وظلت فكرة هذا الحدث عالقة بذهني ، وهو ما حذا بي لتحرير هذا المقال من أجل التنبيه إلى أمر مهم تغفل عنه المؤسسات التربوية ألا وهو  احتضان  هذه المؤسسات  للمواهب الناشئة الشعرية خصوصا ، والمواهب الأدبية والفنية عموما . وإذا كانت هذه المؤسسات قد أمدت الوطن بأبطال في مجال الرياضة من قبيل العدائين الذين رفعوا رايته عالية في الملتقيات الرياضية الدولية ، فإنها  لا تتعامل مع  المواهب الفنية والأدبية والشعرية على وجه الخصوص بنفس التعامل . ومعلوم أن الأدباء وخصوصا الشعراء إنما يخرجون من أرحام المؤسسات التربوية ، ويترعرعون بين  أحضانها قبل أن تستوي مواهبهم ، ويختارون مساراتهم الشعرية  كراشدين . وكان من المفروض أن تهتم الوزارة الوصية على الشأن  التربوي بالمواهب الأدبية والفنية عموما وبالمواهب الشعرية  خصوصا ، التي تكتشف في المؤسسات التربوية ، والتي تكون مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشعر فرصة  للكشف عنها . ومع شديد الأسف لا زالت عادة  احتكار الموهبة الشعرية شائعة فينا بحيث لا زال الشعر عندنا يعتبر طقسا  من الطقوس المقدسة الشبيهة بطقوس الرهبان ، أو شيوخ الطرق الصوفية لا يقربه إلا القليل من الناس . صحيح أن المواهب الشعرية قليلة، ولكن لا يمكن أن يكون هذا تبريرا لمنع البحث عنها في المؤسسات التربوية وتعهدها . ولا زالت أذكر كيف ظل شعراء الجهة الشرقية  شبابا لعقود من السنين  حتى بعدما شاخوا بسبب العقم في رحم الموهبة الشعرية ، وبسبب  سيادة ذهنية استئثار بعض الأفراد بهذه الموهبة دون غيرهم .فالأبطال في المجالات الرياضية  يسلم الجيل السابق الألوية  للجليل اللاحق ، ولكن في مجال الشعر لا يوجد هذا التقليد. أجل سيقول البعض لا مجال للمقارنة مع وجود الفارق ،لأنه في مجال الرياضة تلعب الأجساد دورا رئيسيا  في  محافظة الأبطال على قدراتهم الرياضية ، بينما  في مجال الشعر  يظل الشعراء شعراء  إلى غاية الرحيل عن الدنيا ، ولكن مع ملازمة الشاعرية لأصحابها مدى الحياة ، فلا بد من أن تظل رحم الشعر خصبة ، ولا يصيبها العقم . ولعل عقم رحم الشعر عندنا يعود إلى ثقافة  تقنين الانتماء لحظيرة الشعر من خلال مؤسسة من قبيل ما يسمى  » اتحاد كتاب المغرب  » فحتى التسمية توحي بهيمنة  الكتابة على  هذه المؤسسة  بحيث  يحصل الشاعر على عضوية كاتب بسبب هذه الهيمنة . وهذا الاتحاد أمره غريب ، والانتماء إليه لا يتم إلا عن طريق نوع خاص من التزكيات  التي تعتمد نوعا من المحسوبية . ولا زالت أذكر يوم طلب مني الشاعر الأستاذ جباري بناصر بعض القصائد  ليقدمها للاتحاد من أجل  حصولي على العضوية ، فاستغربت طلبه لأنه من المفروض أن  يبحث الاتحاد عن الشعراء  والكتاب ، ويقترح عليهم العضوية ، وليس العكس . ولقد قلت يومها للشاعر بناصر أنا إنما أتعاطى الشعر  حفاظا على هويتي العربية عملا بقول أستاذي الشاعر السوداني الكبير عبد الله الطيب رحمه الله :  » من لم يقل الشعر فما هو بعربي « . ولا زال مع شديد الأسف عندنا  شعراء يعتبرون أنفسهم وحدهم الشعراء ، ولا يقبلون بمن  ينازعهم الشاعرية ، وإذا حدث أن شاركهم غيرهم في المهرجانات الشعرية ، رأيت في وجوههم المنكر ، يكادون يسطون به  ، ورأيت واستعلاء ، وربما رشقوا  هذا الغير ببعض  الابتسامات الساخرة ، وبعد العبارات التي لا تخلو من استخفاف به ، ولم  يستحيوا من  تنصيب أنفسهم حكاما دون أن يطلب منهم ذلك ، خوفا من أن يركب معهم  غيرهم سفينة شعرهم  أو غوايتهم . ويبدو أمرهم كالرهبان الذين لا يقبلون بمن يترهب معهم  خوفا من أن يلج عليهم  رهبانيتهم  غيرهم من المترهبين . أعود فأقول إن الأمة في حاجة إلى شعراء ، وهؤلاء إنما يولدون من رحم المؤسسات التربوية التي  تعلم الشعر ، وتذوقه ، وتغري الناشئة بتعاطيه . ولا يخلو شاعر من الشعراء الذين تحولوا إلى رهبان شعر من تجربة  البداية المرتبطة بالمؤسسات التربوية . وبعضهم لا يستنكف عن ذكر هذه التجربة بعد أن يصير له باع في الشعر ، وهو يفخر بها ، ولا يخجل منها ، ولكنه عندما  يدخل  عالم الرهبانية الشعرية لا يقبل  بتجارب الناشئة ، بل يستهجنها، ويسخر منها ،لأنه   » قطع الواد ونشفت رجله  » كما يقول المثل العامي ، أو دخل بابا  أوصدت إلى الأبد بعد دخوله ، كما  توصد أبواب الجنة في وجه  أهل الجحيم .  ويبدو أمر بعض هؤلاء  الشعراء  غريبا لأنهم  يجترون ما  قالوه  منذ سنين خلت كلما حضروا  المهرجانات الشعرية ، ولا يسايرون ما يجد في حياة الناس من أحداث  تتحدى شاعريتهم . وبعضهم يجعل من تجاربه الشخصية  ، وهمومه الخاصة موضوع أشعاره ، ويخيل إليه أنه  بمثابة سلم ريختر الذي يقيس مشاعر الناس، عوض أن  يعبر عن همومهم. ويبدو أمر هؤلاء مثيرا للسخرية ، وهم لا يشعرون مع أنهم شعراء . وأعود مرة أخرى فأقول علينا أن  نغير من الطابو المتمثل في  تقنين الانتماء لحظيرة  الشعر ، وعلى الشعراء أن يحتكوا  بالناشئة في المؤسسات التربوية من أجل  النبش في المواهب الشعرية الكامنة في وجدان  هذه الناشئة  . ومن المفروض أن نحتفل  سنويا  بميلاد مواهب جديدة  تماما كما نحتفل بالمواهب السابقة ، فيها ما هو نافق . ولا يليق  ببلد كالمغرب  أن يحتفل  غيره بملايين الشعراء ، ويظل  شعراؤه يحسبون على رؤوس الأصابع . وما أعرض الناس عن الشعر عندنا إلا لكبرياء شعرائنا ، إحاطة أنفسهم بهالة الرهبان . وكما ينفر الناس من الرهبان ، ولا يجرؤون على اقتحام عوالمهم  الغريبة ، فكذلك الناس لا يقربون  عوالم الشعراء الكهان. وحين  ينزل هؤلاء الشعراء من أبراجهم العاجية ، سيقبل عليهم الناس وعلى شعرهم . والناس لا يرددون من الأشعار إلا تلك التي كان أصحابها  يخالطونهم من قبيل  قول الشابي  رحمه الله :  » إذا الشعب يوما أراد الحياة  فلا بد أن يستجيب  القدر  » فليس في هذا الشعر من التقعر ، ولا من تداخل الحواس ، ولا من الرموز والأساطير والطلاسم ….التي أصيب بها الشعراء الكهان شيئا ، وكل ما فيها  صدق العاطفة ، ومخالطة الأمة  ، ومشاركتها همومها . والأمة هي الحكم الذي يحكم على التجارب الشعرية ، وليست المؤسسات الكهنوتية  التي  تجمع الشعراء الكهان ، والتي لا يلجها عليهم إلا من رضوا له قولا . آمل ألا  يساء  فهم قصدي من هذا المقال ، فأنا إنما أريد أن ألفت الأنظار إلى عقم رحم الشعر عندنا بالرغم من وجود أكناف لها  في المؤسسات التربوية ، ووجود يوم عالمي  للشعر . فبئس الاحتفال بيوم شعر لا  يسجل فيه ميلاد شاعر جديد يواصل حمل مشعر الشعر ، ويسجل  هموم الأمة عبر أجيالها المتلاحقة .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *