Home»Enseignement»نجاح أي منظومة تربوية رهين بتحقيق العدالة داخلها!

نجاح أي منظومة تربوية رهين بتحقيق العدالة داخلها!

0
Shares
PinterestGoogle+
 

سعى المغرب منذ فجر الاستقلال جاهدا لتطوير نظام التعليم المجاني والإلزامي،مستفيدا من الخبرات الدولية – ومقتصرا على مشاورات داخلية ضيقة عرفت توسعا هاما خلال مرحلة إعداد الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،لكنها عموما بقيَّت  شكْلية  في مرحلة التطبيقات الميدانية  لكثير من المشاريع – ومن المعلوم أن المنظومة التربوية المغربية حققت بعض التقدم من خلال الاهتمام أكثر بموضوع التربية والتكوين ، لكنه رغم ما تحقق من إنجازات تظل ناقصة من حيث استيفائها لشروط الجودة : ما زال هناك عدم توازن في توزيع الموارد التعليمية على مؤسسات التربية والتكوين، سواء من حيث المواد المستخدمة وأعضاء هيئة التدريس ومستوى تكويناتهم ؛مازالت الطرق البيداغوجية حبيسة استراتيجيات تربوية ساكنة رغم بناء مناهج مدرسية جديدة حسب الرؤية الحديثة  (الكفايات المدرسية، البعد التكويني للتعلمات المدرسية ،ارتباط التعلمات المدرسية بالواقع المعيشي المغربي وبالتطورات المعرفية العالمية وبتكنولوجيات المعلوميات والتواصل )؛مازال التقويم التربوي المدرسي تقويما إقصائيا،ومازال التركيز على التعلمات الأساسية غير واضح المعالم،ومازال تلاميذ يتخرجون من أسلاك التعليم دون تحقيق حد مقبول من المواصفات المطلوبة،ومازالت تصرف أموال ضخمة دون إحداث كل الآثار الإيجابية المَرجُوة،..

.وعموما يلاحظ أن كل الإصلاحات التربوية المتتالية لم تعمل على تغيير جذري في الأوضاع العامة للتربية والتكوين الخاصة بالمُدَرِّسِ وبالمُدَرَّسِ على حد سواء،كما أنها لم تعمل على تحقيق رضا المجتمع تُجاه المدرسة العمومية المغربية وإرجاع الثقة (شبه المفقودة) حول أدوارها الأساسية في تكوين تربوي صحيح للمواطن الصالح المصلح ذو المستقبل المؤمن،حيث مازال يسجل في حديث كل مواطن (بما فيهم العاملون في ميدان التربية والتكوين وحتى المسؤولون الرئيسيون عليه) شكوى حول ضعف المردودية الداخلية والخارجية للمنظومة التربوية و للتعليم المدرسي -على وجه الخصوص-.

إذن يظهر أن كل التخريجات الإصلاحية شابها نقص- رغم حمولتها المعرفية- ،وتخللها  يأس وإحباط ونجاح غير تام، فكلما ظهر فشل داخل المنظومة التربوية جند أشخاص داخليون وخارجيون لتقديم الوصفات العلاجية عَلَّها تُنهي مسلسل التجربة والخطأ وتعيد توازنا إلى دقات قلب المنظومة التربوية والتكوينية، وتبوئها مكانة تُحسَدُ عليها ،وعِوَضَ الاستعانة بخبرات تربوية أجنبية وانتظار جديد المخططات الأجنبية كحلول بديلة ،سيلجأ أجنبيون يوما ما ليؤخذوا المشورة منا -إذا نظرنا إلى واقعنا بعين الرحمة-،خاصة حول كيفية التعامل مع ظاهرة الفشل المدرسي  – في جميع أبعادها – والتي مازالت ظاهرة لم تحظى بالعناية المركزة رغم  أشكال الاجتهادات المتواصلة : فمن مديرية للدعم التربوي في برنامج وزارة سالفة ،مرورا باليقظة التربوية في برنامج أخرى، وبالدعم التربوي المدرسي المؤسساتي في برنامج ثالثة،… دون إحداث التغييرات الضرورية، كم من مناظرات ،كم من ملتقيات ،كم من توصيات ،كم من دلائل كلها أتت بالجديد لكنها أشبعت على ما يبدو فقط من حَضَرَهَا ومن حَضَّرَهَا (ولا بأس من الإشارة بأن ما لم يُحصَّلُ كلّه يُحصل بعضه لكن بتكلفة أكبر وبتعطيل لوتيرة التطور في الزمان،ألسنا نحتاج إلى تكبير الرؤية وإلى الاستقامة في العمل أو الاستقالة الطوعية منه لكل من لا يخدم المنظومة التربوية عن حسن نية ؟ )،…والإصلاح مستمر،وأصبح الحديث يُتداول في الوقت الراهن عن ضرورة منح استقلالية التدبير لمؤسسات التربية والتكوين وما يتعلق بها من آليات المراقبة الداخلية في تناغم مع ما تم اعتماده في دول صديقة لعلها تكون الحل الأمثل لإنجاح مشاريع الجودة الشاملة داخل المنظومة التربوية وتعمل على تَحمُّلِ وتَحْمِيلِ المسؤوليات عن الفشل داخل نطاق ضيق،ومكافئة النجاح وتحريك الهِمَم، ما أحوج البلاد إلى من يؤسسون عن بيِّنة ،عن طريق توسيع دائرة المشاورات لتكون الإنطلاقات صحيحة وعادلة،… مشاريع شتى ونجاحات  لاتقنع حتى من أعدوا الخطة لتنفيذها ،وإن كان لا بد من قبول بعضها رغم المردود الضعيف! ما العمل إذن ؟ أين يكمن الخلل؟  في المناهج أم في الممارسين،أم في ماذا  ؟ لماذا لم نحقق النجاح المراد رغم توفير الإمكانات المادية التي اعتقد بأنها اللبنة الناقصة لكل الإصلاحات التي سبقت برنامج تعديل وتقويم وإنجاح الإصلاح العشري؟

لا حاجة لإنسان متدبر أن ينجز تقويما شاملا ليقف على مصادر النجاح البارزة وعلى مصادر الفشل المتتالية،إنه الإنسان الذي يمكن أن يبني ويمكنه أن يعطل،إنها الأنانية المهنية وحب المادة والاستعلاء لدى موظفين تهافتوا على احتلال مناصب القرار الحساسة – دون امتلاك مواصفات خلق النجاح على أرض الواقع ،لأنهم لم يستوعبوا بأن الحكامة لا تعني التبذير واستحلال تعويضات مالية إضافية والتشريع لتقنينها ولا تعني الإنفراد بالقرار ولا تعني الانفلات من المحاسبة ولا تعني خلق مناخ الارتياب الوظيفي وترك الأمور تسير كما يرتضي كل موظف بعيدا عن تأديته للحد المقبول من العمل الجاد،كل فئة تهتم بالأساس في إنهاء عملها وإرساله إلى القاعدة لتقول انتهى دوري والمسؤولية حلَّت على غيري ،…

والحالة تلك حالت دون تحقيق العدالة داخل المنظومة التربوية، ومن ثم دون تحقيق تعبئة جماعية حقيقية حول قيم نبيلة مشتركة .  إن الحَكَامَةَ عندما تكون مجرد شعارات ورقية وكلامية غير مُفعَّلة بآليات تخليق الحياة العامة (الحياة الإدارية والحياة المدرسية والحياة داخل الأقسام الدراسية) لا يمكن لها أن تغذي شرايين وعروق المنظومة التربوية بالأوكسجين النقي النافع لحياة متوازنة لها ،و تبعا للوضعية تلك من الطبيعي أن تتأثر جل خلايا جسد المنظومة التربوية نتيجة للتباعد التواصلي الذي يحدث بين الرئيس والمرؤوس على كافة مستويات الهرم الإداري،وإن أصيبت بعضها بالإحباط أو الانحراف عن الطريق السوي ،قد يطول العلاج وقد لا ينفعها أي مُسَكِّن فتبتعد عن العمل الجَادّ  لأنها لم تلق دعما كافيا،لم تجد مراقبة صارمة،لم تستشر حول ظروف اشتغالها ،لَمْ تُحِس بِصدْقِ من يَتَوَلّى تَدْبِيرَ حَيَاتِهَا، … ،فتُظلَم و/أو تَظْلِم ،وتظهر المقاومة والتَّدافع أيضا بأشكال مختلفة لإعادة التوازن الطبيعي، فيقِلُّ التماسك والتعاون المثمر بين الفرق التربوية،ويُعترضُ سبيل كثير مِمَّن يُقدِمون العمل التطوعي ،…وفي الأخير يصبح الكُلّ متحملا مسؤولية عدم تحقيق العدالة داخل المنظومة التربوية. فبئس السلوك تعطيل الإصلاح.

عندما تغيب الشفافية وتغيب معايير عادلة في المحاسبة ويغيب القائد الإداري القدوة في الصلاح – سواء كان مسؤولا مركزيا أو مسؤولا محليا في الإدارة أو داخل القسم الدراسي- يصبح ممارسون تربويون يعملون حسب نظرية المنفعة الخاصة،وآخرون لا تحركهم إلا تعويضات مالية ،فرق تستحوذ على تدبير مشاريع مصيرية ولا تختار إلا رفاقها دون الاكتراث لكفاءاتهم الفردية والجماعية، عاملون لا يُحاسِبون ولا يُحاسَبون ولا يُحبُّون أن يتدخل أي إنسان في أنشطتهم،…،إدارة تربوية مُقصِّرة في أمور حيوية منها التقصير في توفير تكافؤ للفرص بين الموظفين ،بين التلاميذ ،مكاتب عمل غير متكافئة،مكيفات هواء للبعض ،استفادة من يلتف حول المسؤول المباشر من امتيازات والتحميد له عوض نصحه،حالة رضا العمال لا يتم قياسها ولا يراد الالتفات إليها أصلا،…تعليم مدرسي ذو بعد غير تكويني،غير منصف بين التلاميذ في القرى وفي المدن،لا يهتم بتعديل وتطوير تَعلمَاتِهم،يخلق تنافسا غير شريف بين التلاميذ:تهافت مُيَسَّرِينَ على تعليم خصوصي أفقد جزءا مهما من رسالته، ودعم مدرسي خصوصي تكميلي مشجع من مُدعمِّيه، وعلامات مدرسية متباينة لا يراد لها أن تقيس المستوى الحقيق للتلميذ،…،مظاهر سلبية لا تمت بصلة للعدالة الاجتماعية داخل المنظومة التربوية.إن الصورة هذه تعكس المناخ العام الموجود داخل المنظومة التربوية المتسبب بوجود معيقات تربوية كثيرة  تحد من الفعالية؛ إلا أن  الاجتهاد يظل متواصلا لدى الكثيرين  في مقرات عملهم وخارجها إيمانا منهم بأن إخلاصهم له ثمن لا يقدر بأي ثمن دنيوي.

خلاصة القول بدون وجود عدالة داخل المنظومة التربوية – حسب المفهوم الواسع : حقوق تقدم لكل فرد داخلها للموظف وللتلميذ، وواجبات ينجزها كل فرد داخلها ويراقب إيجابيا على أدائها يستحيل الحديث عن نجاح فعال وناجع لها، وبدون الإنسان  القدوة البعيد عن التفكير المادي ،المزاوج بين الأقوال والأفعال، المتوخي الدِّقة في الأمور كُلّهَا، العارف للحقائق الواقعية، الموَضِّح بالدليل والبُرهان أنه خليَّة حيَّة تحتاج إلى خلايا حية ذات كفاءة وذات مشروع مجتمعي تساعده في الوصول إلى مسعاه وتُقوِّم عمله إذا اِعْوجَّ، لا يمكن لأي إنسان أن ينجح في بناء العدالة التامة داخل مُكوِّن من مُكوِّنَاتِ المنظومة التربوية ،وبالتالي لا يمكن أن نحصد كُلَّ النجاح المراد لمنظومتنا التَربوية.

لكن الأمل يبقى دائما قائما بالعمل الجاد الذي لا يمكن تصور أفوله و الذي يستدعي انخراطا إيجابيا  للمواطن باجتهاده في السعي وراء امتلاك أدوات صناعة العدالة داخل محيط عمله (الوزير والعاملون معه والمديرون المركزيون وتابعوهم ومديرو الأكاديميات والنواب وتابعوهم ورؤساء المؤسسات التعليمية والمفتشون والموجهون والأساتذة والمعينون والنقابات والجمعيات المدرسية وكل إطار ينتمي للمنظومة التربوية ذكورا وإناثا، كل فرد يجتهد أكثر لتحقيق العدالة المدرسية، وكل إطار يتخلص من مسببات التباعد)  قصد إحداث قُوَّةِ الدَّفْعِ الكبيرة التي تمكن من الخروج – عن طريق إقلاع جديد – من جاذبية مجالات حياتية للمنظومة التربوية تعرف كمًّا من السَّلبيَات،وحدوث تنقية تلقائية لها من كل شوائب المحافظين على حالة الجمود ،من يستغلونها لأغراض شخصية. فنجاح  منظومتنا التربوية رهين بتحقيق العدالة داخلها! ونجاح منظومتنا التربوية رهين بحرص كل عامل بها على توفير العدالة للرعيَّة التي يَرْعَى شؤونها! فما أروع تلك اللحظات وذلك الزمان حين تصبح قريبا إن شاء الله محاكاة النجاح المُتَصوَّر حقيقة مَلموسة ومَحسوسة ومُكتسبة ومُدافَعٌ عن بقائها وعن تطويرها خدمة لوطننا العزيز!

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.