Home»International»خطر التعصب للعرق على تماسك اللحمة الدينية والوطنية

خطر التعصب للعرق على تماسك اللحمة الدينية والوطنية

0
Shares
PinterestGoogle+
 

خطر التعصب للعرق على تماسك اللحمة الدينية والوطنية

محمد شركي

مع شديد الأسف والأسى والحسرة  ازداد عند البعض مع انطلاق التجربة الانتخابية الجديدة النفخ في النعرات العصبية. ومع أن الدين الإسلامي قطع  الصلة منذ خمسة قرنا مع العصبيات المنتنة عندما أعلن رسول الإسلام عليه السلام البراءة ممن يدعو إليها ، فلا زال فينا ـ ومع شديد الأسف من المحسوبين على الثقافة والفكر والوعي يا حسرتاه ـ  من ينفخ في نار العصبيات العرقية بأساليب مختلفة تفضي كلها إلى تكريس التعصب المقيت الذي يهدد اللحمة الدينية والوطنية .  والغريب أننا عندما نستعرض تاريخ ما قبل البعثة النبوية  ندين العصبية القبلية التي كانت وراء تطاحن العرب ، ونسخر منها  كل السخرية ، إلا أن البعض عاد إلى الدعوة إليها وبأساليب أكثر تشنجا من  تشنج عرب الجاهلية . وإذا كانت عصبية الجاهلية سذاجة وتلقائية بحكم المستوى الفكري  للناس في ذلك العصر ، فإن عصبية البعض عندنا اليوم غير بريئة ، لأنها تتعمد التعصب لأغراض مشبوهة ومكشوفة في نفس الوقت . فمن دعاة العصبية العرقية عندنا فئة من العلمانيين الذين  يعلنون صراحة وضمنا عداوتهم للإسلام ، الشيء الذي جعلهم ينبشون في العصبيات البائدة من أجل لفت الأنظار إليها ، وامتطائها لتمرير العداء للدين  بشكل مباشر، وحمل الناس على التطبيع معه استعدادا لمحاربته. ومع وصول حكومة ذات ميول إسلامية إلى مركز القرار جن جنون هؤلاء العلمانيين ، فازدادت مناوراتهم لتسويق وترويج النعرات العصبية والعرقية من خلال الدعوة إلى فتح ملفات  عرقية غابرة. وما يغيب عن أذهان دعاة العصبية العرقية نكاية في الإسلام أن من يوقد نارها يكون أول من يحترق بها . فالعصبيات في وطننا شتى ، وما جاء الإسلام إلا للقضاء عليها ، وجمع الناس  حول عقيدة واحدة تذوب معها كل العصبيات المنتنة كما وصفها رسول الإسلام عليه السلام . فلو افترضنا جدلا أن عصبية من العصبيات المتعددة عندنا نجحت في تسويق تعصبها ، وفرضته على الأمة أو الشعب  تحت ضغوط معينة ، وبدعم دول أجنبية أو برعايتها وتشجيعها ، هل  سيقف الأمر عند حد استسلام باقي العصبيات لضغط هذه العصبية  وحدها ؟ فإذا ما طالبت عصبية ما بالإنصاف من مظلمة  عانت منها سواء كانت حقيقية أم متوهمة  ، وتمت الاستجابة لها ، فهل سيقتصر الإنصاف عليها وحدها دون غيرها من العصبيات سواء صحت أم لم  تصح بدوافع المصالح الخاصة ؟ أليس لكل عصبية مظلمة تاريخية  حقيقية أووهمية ؟  ألا يجدر بدعاة النفخ في العصبيات المنتنة أن يطووا صفحاتها  البائدة ، مع الدعوة إلى دعم اللحمة الدينية والوطنية .

ولقد أثار انتباهي قرار المجلس الانتقالي الليبي الأخير وهو إعلان العفو عن كل جرائم ما قبل الثورة الليبية . والسر في ذلك أن عدم العفو سيجر البلاد إلى حروب أهلية وقبلية لا نهاية لها  بسبب تصفية الحسابات بين القبائل والطوائف المختلفة ، ولنا في حرب لبنان الأهلية عبرة . فالمعروف عن الأنظمة في كل عصر أنها  تركب طوائف معينة من أجل النيل من طوائف أخرى  مما يجعل المظلمة تنتقل من إطار ظلم النظام لطوائف معينة  إلى إطار الصراع  بين هذه الطوائف والطوائف التي ركبها النظام لممارسة ظلمه. ومن الغريب أن يتشبث البعض  بمظالم عرقية أكل الدهر عليها وشرب، في حين نجد مناخ الوطن السياسي قد تغير، وهو يسير نحو القطيعة مع الماضي المقيت بتؤدة وتعقل  . فكيف  تثار مظالم قد رحل المسؤولون عنها وانقضى عهدهم  البائد ؟  وهل يعقل  أن  يطالب  اليوم  ضحايا النازية والفاشية  الأنظمة الألمانية والإيطالية الحالية  بالاعتذار عن جرائم النازية والفاشية ؟ ومعلوم أن اعتذار اللاحق عن جرم السابق ، يعتبر إقرارا من اللاحق بما اركتبه السابق، بل  يعني تحمل مسؤوليته . ألا يكفي أن يقطع اللاحق الصلة بما اقترف السابق ، ويعتبر ذلك براءة منه ؟ وهل تزر وازرة وزر أخرى ؟ فلا أحد ينفي ارتكاب جرائم ومظالم في الماضي البعيد والقريب  في وطننا لأسباب سياسية ، ولكن هذا لا يبرر الدعوات لفتح ملفات هذه المظالم من أجل النفخ في النعرات الطائفية والعرقية . وقد لا يبالي بعض هؤلاء النافخين في هذه النعرات  بتربص أعداء وحدتنا الترابية  بنا ، والذين سيتخذون من دعوات الطائفية بذريعة تصفية مظالم  تاريخية مطية  لدعم المطالب الانفصالية التي  تسعى لتقويض عرى وحدتنا  الترابية والوطنية والدينية .

وإذا ما طالبت كل جهة من جهات الوطن بفتح تحقيق  بما ارتكب فيها في عهد هذا النظام أو ذاك من ظلم أو جرائم، فلا أظن أن الملفات التي ستفتح يمكن إغلاقها بسهولة ويسر. فعلى المندفعين وراء العواطف العرقية  والجنسية  أن يعودوا إلى رشدهم ، ويحكموا العقل والمنطق ، وأن  يفكروا في سبل النهوض بهذا الوطن بكل أطيافه على حد سواء ، وبعيدا عن أساليب التميز العرقية   باعتماد الكفاءات ، عوض النبش في الماضي المقيت . ولعلم الذين يبطنون  العداء للإسلام أنه خيار الشعب المغربي  الذي احتضنه عن طواعية وطيب خاطر ، ولم يفرض عليه بحد السيف ، لأن ما فرض عليه  بمنطق القوة من أشكال الاحتلال واجهه بالقوة  كما سجل ذلك تاريخنا. ولو كان الإسلام قد فرض على المغاربة  بالقوة ،لكان أمره قد انتهى منذ زمن بعيد ، وقبل أن  يولد العلمانيون الجدد الذين  أرادوا إعادة عجلة التاريخ قرونا  طويلة إلى الوراء لمجرد أن طروحاتهم لم تجد لها مكانا لدى شعب حسم أمره في موضوع الإسلام منذ قرون . وعلى العلمانيين عندنا أن  يستفيدوا من درس العلمانيين في تركيا، والذين لم  تمنعهم علمانيتهم من قبول قواعد اللعبة الديمقراطية عندما أفرزت من يخالفهم التصور والاعتقاد . وسؤال أخيرا لماذا فقط اليوم يراد فتح ملفات الماضي ؟ ولماذا لم تفتح زمن كانت الحكومات ذات الميول العلمانية ؟  هذه أسلئة تفرض نفسها  على الذين ينفخون في نار النعرات العرقية  ، وهو نفخ  يساير هوى الأجانب الذين يراهنون على الطائفية من أجل إعادة  بناء خرائط الوطن العربي بما في ذلك خريطة وطننا المغرب لضمان هيمنتهم المستمرة والدائمة  ، وليشفوا غلة حقدهم على الإسلام الموحد للأمة  ، وهي وحدة  تهدد مصالح الأجانب في الصميم.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.