Home»National»درس من دروس مدرسة الهجرة النبوية

درس من دروس مدرسة الهجرة النبوية

0
Shares
PinterestGoogle+
 

درس من دروس مدرسة الهجرة النبوية

 

محمد شركي

 

من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معلما ليعلم البشرية كيف تخوض غمار الحياة  بنجاح وفق إرادة خالقها سبحانه وتعالى لتفوز بالحياة الكريمة في عاجلها ، وفي آجلها . ومعلوم أن معلم البشرية عليه السلام له مدرسة  كبرى، هي مدرسة الرسالة والنبوة ،التي تتفرع عنها مدارس حسب المحطات التي مر بها عمر هذا النبي العظيم عليه السلام . فمولده مدرسة ، وبعثته مدرسة ، وهجرة مدرسة ، وغزواته مدرسة ، وعباداته مدرسة ، ومعاملاته مدرسة ، ووفاته مدرسة . ومعلوم أنه لكل مدرسة دروس ، وعن كل درس تتفرع شروح لا يحصيها العد، نظرا لطبيعة الرسالة الإلهية العالمية ،التي جاء بها رسول الإسلام عليه السلام . ومن دروس مدرسة الهجرة درس النصر الإلهي الذي وعد به الله عز وجل عباده الذين يلتزمون بطاعته في قوله جل من قائل : (( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )). والنصر لغة هو العون ،والمساعدة على رد العدوان ،والنجاة منه. ولا تقتصر دلالة النصر على المساعدة على رد العدوان فقط، بل تشمل أيضا الجود، والعطاء لقول العرب :  » نصر الغيث الأرض  » إذا عمها بالجود وغاثها  . والأرض المنصورة هي الأرض الممطورة. فالمنصور يحظى بالمساعدة لرد عدوان الظالم ، والنجاة منه ، فضلا عن زيادة  من خير. ولقد كتب الله عز وجل نصره لرسوله صلى الله عليه وسلم في هجرته فقال جل من قائل : (( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا )) ،ففي هذه الآية الكريمة ورد نصر الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم مقترنا بما يفوق مجرد مساعدته على النجاة من عدوه ، وهو السكينة ، وجنود الله عز وجل الخفية  المؤيدة له ، وعلو كلمة  الله عز وجل التي دعا إليها رسوله الكريم مقابل كلمة الكفر التي كانت تحاصر كلمته. وكثير من الناس يتحدثون عن  فتح مكة دون التفكير في ربطه بنصر الهجرة،  مع أن الله عز وجل يقول في محكم التنزيل : (( إذا جاء نصر الله والفتح ))،ففي هذه الآية الكريمة سبق النصر الفتح في الذكر، كما كان سابقا له تاريخيا . فالهجرة لم تكن هزيمة للرسول باعتبار إخراج كفار قريش له ، بل كانت نصرا له بكل المقاييس ، وإيذانا بحرب الله عز وجل عليهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «   إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب « ، فإخراج كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذاية  لنبي ولرسول تولاه الله عز وجل ، وهو بمثابة إعلان حرب على الخالق سبحانه ، وذلك ما استوجب حرب الله على كفار قريش بموجب سنته في خلقه  . وهي حرب فيها غالب واحد هو الله عز وجل. وكثير من الناس يفصلون أيضا نصر غزوة بدر عن نصر الهجرة، مع العلم أن الله عز وجل كان قد بدأ الحرب على كفار قريش ساعة أخرجوا رسوله الكريم عليه السلام ،أو بتعبير القرآن الكريم ساعة  عادوا وليه . والغريب في نصر الله عز وجل أنه  يكون للمظلوم القليل العدد ،والذليل بسبب قلة العدد ، لهذا جعل الله عز وجل نصر الهجرة أكبر نصر على الإطلاق ،لأنه نصر رسوله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين ، علما بأن النصر في المفهوم البشري  يتأتى عن طريق العدد، بحيث لا يرد ظلم الجماعة إلا بالجماعة التي تفوقها عددا  وعدة ، ولكن سنة الله عز وجل أن نصره لا اعتبار فيه للعدد لقوله جل من قائل : (( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين )). فإذا كانت العادة أن تغلب الفئة الأكبر ، فالخارق لهذه العادة أن تغلب الفئة الأقل الفئة الأكبر في حرب يخوضها الله عز وجل بجنده الخفي الذي لا يهزم . وكان نصر الهجرة انتصارا على الظلم في أبشع صوره ،لأن كفار قريش لما عجزوا عن إسكات الحق الذي جاءت به كلمة الله عز وجل على لسان نبيه الكريم، لم يجدوا بدا من اعتماد وسائل الظالمين الاستئصالية  الثلاث ، وهي التهديد بالأسر أو القتل أو النفي، كما صور ذلك الوحي في قوله تعالى : (( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )) ، فهذه هي أساليب الاستئصال عند الظالمين في كل عصر وفي كل مصر، عندما يهزم باطلهم أمام حق الفئة المظلومة. وهي أساليب استئصال نعتها الله عز وجل بالمكر ، وقابله بمكر أقوى منه ، وهو من نفس جنسه ، أي هو عبارة عن استئصال بحيث يلحق الظالم ما كان يمكر بالمظلوم . وسنة الله عز وجل أنه يملي للظالمين ، والإملاء عبارة عن إطالة لعمر ظلمهم . والحكمة وراء  تمديد عمر الظلم، هو بلوغ أوج شدة الأخذ والعقاب  ببلوغ الظلم أوجه كما جاء في قوله تعالى : (( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها )) ، فسنة الله عز وجل في أخذ الظالم أن يأتي هذا الأخذ بعد  أن يبلغ الظالم جهده من الظلم ، و يبذل فيه قصارى جهده . وبقدر حجم الظلم يكون قدرالأخذ لقوله تعالى : (( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد )) . فقريش بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفذت جهدها ووسعها في ظلمها له، حيث عمدت إلى أسلوب من أساليب الاستئصال التي ليس بعدها أسلوب أشد منها ، فجاء الأخذ الأليم الشديد من رب العزة حيث رد على مكر قريش الاستئصالي بمكر أقوى منه في الاستئصال ، وهو أخذ يوم بدر حيث قضى صناديد قريش على يد المستضعفين من الموحدين. وموت الجبابرة الظالمين على يد المستضعفين سنة الله عز وجل في خلقه . وأقوى مكر يمكره الله عز وجل  مقابل مكر الظالمين ،هو أن يذيقهم الهزيمة المرة على يد المظلومين بالرغم من  قلتهم أو ذلتهم أو ضعفهم أو استضعافهم ، لهذا قال الله تعالى : (( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة )) ، فهذه الآية الكريمة سياقها الامتنان، وذكر نعمة الله على عباده المؤمنين ، ولكنها تتضمن أيضا تبكيت الظالمين من كفار قريش ،حيث  ذاقوا مرارة  الهزيمة أمام  الفئة الذليلة بقلة عددها وعدتها . وهل يوجد أمر من هزيمة  الظالم القوي أمام انتصار المظلوم الضعيف ؟  ويغفل كثير من الناس  كما مر بنا ربط نصر غزوة بدر بنصر سابق ،هو نصر الهجرة. فحرب بدر لم  تكن وليدة يوم بدر، بل كانت مقدمتها يوم الهجرة المباركة . وعندما يتأمل المسلمون درس النصر في مدرسة الهجرة، يتمنون هذا النصر ،خصوصا وأنهم  اليوم يعانون من أشكال متنوعة من الظلم ،حيث ضاعت مقدساتهم في فلسطين ، وفقدت بعض بلدانهم حريتها بسبب الاحتلال الأطلسي الغاصب، كما هو الحال في العراق ، وأفغانستان ، وغيرهما سوء كان الاحتلال عسكريا ،أم  اقتصاديا، أم فكريا ،

أم ثقافيا . ولا يكفي المظلوم أن يتمنى النصر الإلهي فقط  ، بل عليه أن يفكر في ثمن هذا النصر ، وهو سلعة الله عز وجل الغالية. وثمن هذه السلعة الغالية هو الانتصار لدين الله عز وجل  كما مر بنا في قوله تعالى : ((  يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله  ينصركم ويثبت أقدامكم )). فالله تعالى  ممتنع عن ظلم العباد ، والانتصار له ، هو انتصار لعياله الذي يقع عليه الظلم ، وهو ثمن نصره المبين . فلا يمكن أن يكتفي المظلوم، أو المنتصر للمظلوم بتمني نصر الله، بل لا بد من اتخاذ الأسباب لرفع الظلم ، تماما كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما اتخذ الهجرة سببا ، واتخذ اعتراض عير قريش سببا أيضا. وما أحوجنا في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به الأمة  العربية والإسلامية إلى استيعاب درس النصر في مدرسة الهجرة بشكل جيد  . ولقد  وعدنا الله عز وجل أن يرينا آياته في الآفاق ليتبين لنا أن ما جاء من عنده  هوالحق كما قال سبحانه : (( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )) . ولقد رأينا في  أفق القطر الليبي كيف أن الله عز وجل أملى لرأس النظام الفاسد الظالم  فيه أكثر من أربعة عقود حتى استنفذ  وسعه في الظلم والطغيان ، فجاء الأخذ أليما شديدا، حيث وقع الظالم في يد المظلومين ، فنكلوا به أضعاف ما نكل بهم ، وأذاقوه من نفس جنس التنكيل الذي كان يذيقهم منه  ، فصار ملك ملوك  إفريقيا  يساق سوق حمار حمير إفريقيا بعود في مؤخرته ، وهو يتجرع مرارة مضاعفة ،لأن الذين كانوا ينكلون به كانوا من المستضعفين ، وما أشد ألم الظالم ، وهو يعذب بيد مظلوم ضعيف . ولنا عبر في غير الأفق الليبي في الآفاق الأخرى . ولا زال الظالمون منا قبل غيرهم من الظالمين الأجانب يتشبثون بظلمهم ، ويمكرون ناسين أو متناسين مكر الله عز وجل ، وقد أغراهم إملاؤه من أجل أن يأتي الأخذ شديدا أليما . والله عز وجل يدخر للظالم الصهيوني والصليبي الأطلسي  وللظالم منا أشد وآلم الأخذ  ما دام يملي لهم . وعلى كل ظالم سواء كان فردا أو جماعة أن ينتظر مكر الله عز وجل المقابل لمكره ، وأن يتيقن أن إملاء الله عز و جل له إنما هو مضاعفة للأخذ ليكون شديدا وأليما . وشدة وألم الأخذ تكون كما أسلفنا عندما يأتي القصاص من المظلوم الضعيف ، والظالم ظلمه في أوج قوته ، وجبروته . ومما يؤكد أن نصر الله عز وجل لعباده المؤمنين مؤكد لا ريب فيه ، ما ظهر في آفاق البلاد العربية الإسلامية التي  صارت فيها الأمور إلى المستضعفين الذين كانوا يعانون ظلم الأنظمة الفاسدة المستبدة ليس عن طريق الحرب الساخنة ، بل عن طريق حرب الصناديق الانتخابية الزجاجية السلمية . وما أشد هذه الهزيمة على الظالمين الذين لم يستسيغوها أمام من كان يعاني من ظلمهم  الانتصار عليهم  وفق قواعد لعبتهم . ولقد جاء نصر المستضعفين لما  أخذوا بالأسباب  على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفكروا في دفع ثمن النصر، بشكل من الأشكال. ونحن اليوم نرى بيننا الذين مارسوا  بالأمس الظلم من خلال مخالفة شرع الله عز وجل في بلاد الإسلام،  يعبرون عن حقدهم وحسدهم الأسود للفئة المستضعفة التي آلت إليه الأمور وفق القواعد التي كانوا يتبجحون بها حين يصلون إلى مراكز صنع القرار . ولما وصل غيرهم إلى هذه المراكز، استكثروا عليه ذلك ، وأنكروه ،مع أن الله عز وجل أذاقهم به مرارة الهزيمة مقابل ظلمهم ، وما أملى لهم خلال عقود استنفذوا جهدهم في الفساد . وإنهم يكيدون كل كيد من أجل أن  تفشل الفئة المظلومة المستضعفة في إدارة الشؤون . ومن المؤشرات على هذا الكيد رفض اليد الممدودة إليهم من أجل الصالح العام . وأصحاب الكيد يكيدون و لكنهم لا يحسبون حسابا لكيد الله عز وجل. وما على المظلومين المستضعفين إلا التوكل على الله عز وجل ، ونصرة دينه  من أجل المحافظة على النصر الذي أعطاهم. وعليهم ألا يمدوا أيديهم النظيفة إلى الأيدي الملوثة  لمن بدت البغضاء من أفواههم ،لأن ما تخفي صدورهم أكبر. وعلى المظلومين المستضعفين أن يستفيدوا جيدا من درس النصر في مدرسة الهجرة .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.